الأربعاء، 14 سبتمبر 2016

ميشيل فوكو وسؤال السلطة.. نحو فينومينولوجيا تأويليّة للسلطة./ محمد أمين بن جيلالي.


"ميشيل فوكو" وسُؤال السلطة: من الاختزال إلى التشظِّي؛ نحو فينومينولوجيا تأويلية للسّلطة وإضافة المفكَّر به في السياسة

بقلم محمد أمين بن جيلالي.

باحث وأكاديمي جزائري، يحضر شهادة الدكتوراه بجامعة بن احمد – 2 – وهران أستاذ مساعد بقسم العلوم السياسية، كلية الحقوق، جامعة أمحند بوقرة، بومرداس. نشر مقالات علمية في مجلات عربية، منها: "دينامية التجديد الابستيمولوجي لمفهوم الدولة وفق السياسة المقارنة" (2014)، و"أزمة بناء الدولة في منطقة الساحل الافريقي" (2015). 

(مؤمنون بلا حدود؛ يونيو 2016)


 

الملخص:

«إنّ فوكو هو أوّل من ابتكر المفهوم الجديد للسلطة... ». )جيل دولوز .)Gilles Deleuze

يُثبت هذا الختم الدولوزي على أنّ ميشيل فوكو 1926( Michel Foucault - 1984 ( يملك شهادةَ

نظرةٍ مغايرةٍ للسلطة، والثّابت أنّ «فوكو » لا يسعى من اهتمامه بهذا المفهوم إلى بناء نظرية تجريدية

متكاملة ونسقية، لأنّ سُؤال الماهية لديه: «ما السلطة؟ » لا يدخل في قلب انشغالاته، بل إنّه يستعيض عنه

بالتّساؤل عن الكيفية التي بها تنبجس السلطة إلى الوجود، فلا وجود لسلطة إلا وهي ممارسة. من هنا هدم

«فوكو » مُسلّمة أنّ السلطة شيءٌ قابلٌ للتّملك، وأنّها ترتبط بالدولة والقوانين كما هو الحال مع المنزع

الليبرالي أو المنظور الطبقي الماركسي.

وعليه فالمساءلة الفُوكَوِية للسلطة، جوهرها العمل على تحديدها؛ من خلال كشف آلياتها وآثارها

وعلاقاتها داخل المجتمع، وهنا أصبح الحديث عن «مِيكرُو السلطة » الذي يجعلها حاضرة حتّى في أكثر

الأشكال هامشيةً. إنّ السلطة بهذا المعنى لا تنضبط بما هو سياسي، بل تتجاوز حيّز السياسي وتخومه

باستمرار.

تصبُو هذه الدراسة إلى اكتشاف المفهوم الموسّع للسلطة عند «فوكو »، وتحديد أهم ما أضافه منهجياً

لمقاربة السلطة في علم السياسية، وأخيراً محاولة ضبط القراءة الفينومينولوجية الهيرمينوطيقية لظاهرة

السلطة.
مدخل إشكالي:
سُؤال السلطة، ارتحال المركز إلى تخومه، فهمٌ ما بعد حداثي مفتوح للسلطة، يُفترض أن يتجاوز نفسه
باستمرار. ولبيان ذلك عن كثَب وإثباته إبستيمولوجياً نَرْتَدُّ إلى مرجعية مُهمّة، التي لها باعٌ طويلٌ في العمل
على الكشف عن الجانب اللاعقلاني للسلطة، عن اللامُفَكّر فيه ضمن خطاباتها ومؤسساتها وممارساتها.
 

الفرنسي «ميشيل فوكو » في كتاباته واجه العديد من الاستشكالات الفلسفية لمفهوم السلطة 1، التي شغلت حيزاً
 
 
كبيراً من فلسفته، إلى الحدّ الذي حصر فيه «مهمّة الفيلسوف في شجْب علاقات السلطة الخفية » )حسب
 

فردريك غرو Frédéric Gros (. من خلال هذه الورقة، سأحاول الاقتراب من بعض الأقاليم النظرية
 
 
والمناطق الفلسفية البِكْر التي دشّنها «فوكو »، بشأن تأسيس رؤية مغايرة للمفهوم الكلاسيكي للسلطة.
وعليه أُقدّم في هذا المساق فرضيتين أساسيتين تحملان قلقاً معرفيّاً مفادهما:
- ينْبَنِي البراديغْم الاختزالي للسلطة على تدعيم فكرة المركز السياسي، وذلك بالارتكاز على الرُّؤية
المؤسساتية القانونية والوصفية، التي تُدعِّم الهيكل والبناء الفوقي، وتنفي منطق العلاقات والتفاعلات
التَّحْتِيَّة.
- براديغم التشظِّي والانْعتاق مِمَّا هو سياسي، محوره مجاوزة التَّقعِيد النظري إلى التَّعقِيد الاستراتيجي
للسلطة داخل المجتمع. وفق هذا النموذج المعرفي أَنجزَ «فوكو » فارقاً جذرياً على مستوى النظرية السياسية
للسلطة.
 

الأمر الذي أَحدث التباساً في علاقة «فوكو » بالسياسة كعِلم، إذن؛ كيف يفكّر «أستاذ القاعات السبع 2» بهذا
المفهوم؟ يمكن معالجة هذا السؤال من إقليمين فلسفيين 3، هما: أولاً: إقليم المُفكَّر به، هل ابتعاد «فوكو » عن
 
 
السياسة بطرحه المِيكرُو-فيزيائي للسلطة يُعدُّ اقتراباً جديداً، ومقاربة تحليلية مُضافة وأداة منهجية يستعين بها
 

-1 كل أبحاث "ميشيل فوكو" السياسيّة التي درست تحوّلات السلطة من العصر الكلاسيكي وعبر عصر الحداثة وحتى عصر ما بعد الحداثة، تتمثّل
في الدروس الثلاثة التي ألقاها "فوكو" في الكوليج دو فرانس أواخر السبعينيات: "يجب الدّفاع عن المجتمع" عام 1976 ، و"الأمن والإقليم والسكان"
عام 1978 ، و"مولد السلطة الحيويّة" عام 1979 ؛ هذه الدروس الثلاثة هي التي وضع فيها "فوكو" كل أفكاره وتحليلاته السياسيّة لطبيعة السلطة في
 
 
الدولة الحديثة. انظر:
 

- أشرف حسن منصور، «السلطة على الطبيعة والحقيقة: تحليل فوكو لعناصر الحوكمة في عصر الدولة الليبراليّة الجديدة »، ص ص 1- 2
 
 
www.mominoun.com/pdf1/2014-12/547e95f8476162110534506.pdf
 

-2 لقب "ميشيل فوكو ﺑ "أستاذ القاعات السّبع"، لأنّه كان يدخل قاعة المحاضرات ﺑ"الكوليج دي فرانس" ليُلْقِي دروسه فيجد القاعة ممتلئةً عن آخرها،
 
 
وإذا بالمنظمين يخلقون قاعات خلفية - وصلت إلى سبع قاعات - للقاعة الرئيسة وتصحب بمكبّرات للصوت. هذه دلالة على شعبية "فوكو" المفكر.
 

-3 تتحدد أقاليم التفكير الفلسفي، في التالي: اللامفكر فيه ) unthought (، المستحيل التفكير فيه ) unthinkable (، المفكر فيه ) Le pensable ( هذه
 
 
الثلاثية نجدها في الأصل عند “فوكو” ثم وظفها المفكر الإسلامي “محمد أركون” في إسلامياته التطبيقية. وأضيف في هذه الدراسة “المُفكَّر به ،»
والذي أقصد به عُلبة الأدوات المعرفية والمنهجية التي يعتمدها الفيلسوف أو العالم في تفكير أو دراسة الظواهر السياسية والفكرية. للإشارة أنّ عبارة
«تُفكّر ﺑِ » وردت عند «لوغفيغ فيجنشتين »، ارجع الى:
 

- Catherine Halpern, »Usages de Wittgenstein», see linge: www.scienceshumaines.com/usages-de wittgenste
 
 
عالِم السياسة؟ ثانياً: إقليم اللامفكَّر فيه، هل يمكن الحديث عن مَنزع فينومينولوجي، هيرمينوطيقي وعِرْفاني
للسلطة وعلاقاتها عند «فوكو » بالارتحال إلى تخوم السياسي؟
 
أولاً: المُحدِّدات الأُنطُو - إِبستمية 4 لمفهوم السلطة عند «فوكو
 
بالإضافة إلى العوامل الشخصية والنفسية للسيرة، يجب أ ننسى أنَّ «فوكو » قد أنتج عمله في ظروف
 
تاريخية محددة ووضع اجتماعي معيّن، يتميز كلاهما بالميل إلى التفكير من حيث الثورة والتقدم its
»tendency to think»5 in terms of revolution and progress . وهي واحدة من سمات الفكر
الغربي الحديث منذ نهاية القرن الثامن عشر ومنذ عصر التَّنوير 6، إنّ ما في «فوكو » من رباطة جَأْشٍ، وما
 
 
جعل منه مراقباً مسعوراً بالتجرُّد ومتحفظاً فوق الحد، كان مرتبطاً بطريقة حميمية وفريدة بانتماء متحمِّس
 
ومُضْنٍ إلى راهنية اللّحظة التاريخية 7.
من هنا أرى أنّ هذه الوضعية البْيُو-ثقافية التي تمثلت في ثورة ماي 1968 قد انعكست على المشروع
 
 
الفلسفي ﻟ «فوكو »، حيث أحدثت عدة تقلبات فكرية ومنهجية تعدّت مشروعه إلى الفلسفة الغربية الحديثة.
 
حدث الثورة الطلابية ماي 1968 : معالم التحول في المشروع الفلسفي
في البداية لا بدّ أن نتفق على أنّ الثورة الطلابية تُعدُّ حدثاً مهماً وأحد العوامل الأساسية والمؤثّرة في
رسم معالم التّحول على مستوى المشروع الفوكوي، فهي حركة تمرُّد على الحداثة والحداثيين )تولَّى قيادتها
سياسيون ومفكرون وقضاة وفنانون(، وقد نتجت هذه الحركة عن أزمة فكرية، ويمكن اعتبارها منعرجاً
حاسماً في التحول والانتقال إلى ما بعد الحداثة.
نظراً للأزمة التي صدَّرتها الفلسفة الغربية الحديثة للمجتمعات الأوروبية، ونتيجة لعدم تطابق مقولاتها
 
مع الواقع الأوروبي، دعت الحركة المضادة للحداثة إلى مراجعة ونقد أسس الفلسفة الحديثة 8؛ حيث انطلقت
-4 نعني بالمحددات "الأنطو - إبستيمية"، العوامل المرتبطة بالأحداث التي عاصرها "فوكو" )خاصة أحداث ماي 1968 ( من منطلق تفاعله معها
 
 
وتأثيرها على نظرته للسلطة.
 
-5 التفكير من حيث الثورة والتقدم، بمعنى استحضار الميراث الأنواري )العقل والحرية والمساواة( وتوظيفه في تفكير مسألة الثورة من الناحية
المعرفية )إنتاج ثقافة الهامش(، أو من الناحية الأنطولوجية )رسم الطابع الوجودي العام لثورة ماي 1968 (.
6- Clare O’Farrell, Michel Foucault, SAGE Publications Ltd, London, First published, 2005, p.03, see in: http://
 
 
www.michel-foucault.com/dulwich/cof-ch2-mf.pdf.
 
-7 يورغن هابرماس، "سهم في قلب الزمن الحاضر"، ترجمة بلعباس أحمد، مجلة الجابري، العدد الثالث. www.hekmah.org
-8 للتفصيل أكثر في المقولات الحداثية وما بعد الحداثية، يمكن الرجوع إلى المؤلفات التالية باستعمال تقنية «هنا وهناك Passim( » (: محمد الشيخ
وياسر الطائري، مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة، دار الطليعة، بيروت، ط 1، 2007 ؛ محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي، ما بعد الحداثة،
نصوص مختارة ومترجمة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط 1، 2007 ؛ بيتر بروكر، الحداثة ومابعد الحداثة، ترجمة عبد الوهاب علوب،
منشورات المجمع الثقافي، أبوظبي، ط 1، 1995 ؛ يورغن هابرماس، القول الفلسفي للحداثة، ترجمة فاطمة الجيوشي، منشورات وزارة الثقافة،
دمشق، 1995
من إعادة النظر في مقول «التقدّم مَبنِي على منطق الزمان »، وبالتالي ضرورة التفكير من منطق المكان.
يختلف كلا المنطقين؛ فالأول يجعل السلطة رهينة لفترة زمنية معينة، تتدافع وتتداخل العوامل المرتبطة بتلك
الفترة في تشكيل نمط محدد للسلطة، فالسلطة في الحالة القبلية الطبيعية لا تشبه السلطة في الحالة المدنية. أمّا
منطق المكان فيُهندس السلطة حسب موقع الرؤية أو طبيعة المِجهر الذي تُرى من خلاله السلطة، فهذا يدل
على أنّ هناك «حرب مواقع » استراتيجية في الظّفر بالسلطة. أمّا ما يتصل بمقول «العقلانية الذّكورية ،»
فلا بدّ من إعادة دور النسوية، لم تعد السلطة أبوية بالمعنى الأنثروبولوجي، مُحتكرة في يد الأب بصفته
عقلاً ذكورياً يمثل القيم العليا داخل الأسرة، بل من حقِّ العقل المؤنّث أن يشكّل سلطةً موازيةً لسلطة العقل
الذكوري، سواء في الكتابة أو الفن أو تدبير الشأن السياسي. وعن مقول «الحقيقة مُلازمة للعلم »، هذا
الأساس أَهمل موقع التجربة الفنية والأسطورية والصوفية والجنونية؛ هنا نستحضر أنّ الحقيقة ليست
واحدة، وإنّما هي حقائق، أضحى العلم يسير من سلطة الوحدة الإبستيمية إلى الانفتاح على التعدد المنهجي
 

والتنوع في التجارب الإنسانية، فلم تعد سلطة البراديغم ) Paradigme ( حاضرة كما كانت في الفترة ما
 
 
قبل المعاصرة، بل انفلتت من قبضة البراديغم الواحد تموجات الحياة، فانتقلنا من البراديغم اللاهوتي في
العصر القروسطي، إلى البراديغم الأخلاقي والسياسي في الأزمنة الحديثة، إلى راهنية البراديغم الليبيرالي
الاقتصادي في زمن العولمة. أيضاً تمّ تجاوز أساس «المنطق الأرسطي »، بمعنى ضرورة الاستعاضة
بدليل الاستعارة ومنطق البلاغيات، حتى لغة الفيلسوف تبدّلت وتغيّرت بفعل هذا الحدث الراديكالي، فلم يعد
يعتمد في بناء جهازه المفاهيمي على مقدمات ونتائج، بل استبدل ذلك بالدليل البلاغي والاستعاري، أي قَوْلَبة
المصطلح بروح الطبيعة وأشيائها، مثال: الحفر المعرفي عند «فوكو » )تشبيه العمق في المعرفة بالحفر في
طبقات الأرض(. وأخيراً، مقول «المركزية الأوروبية الحضارية »، فيجب الانفتاح على الهامش وتدعيمه.
إنّ مفهوم الحضارة يمتلك في قيموميته أصلاً دلالة الانتماء التي تفضي إلى تقديس الذات والأنا، والنزوع
 

نحو المركزية العرقية، إنّها سلطة «الإيغو Ego( » ( الأوروبي الرافضة للآخر القاري )الآسيوي والأفريقي
 
 
والأمريكُو -لاتيني(.
ولعلَّ من ثمار هذه الحركة بروز فلسفة مغايرة محورها انهمام «فوكو » وتلامذته من بعده )فرانسوا
أوالد، دانيال دفير، دريفوس، رابينوف...( بتقويض المفهوم التقليدي للسلطة. خاصة وأنّ هذه الفترة شهدت
ريادة تيارات اليسار التي ظلت مرتبطة بالتصور الماركسي المضاد للمفاهيم البورجوازية، من هنا عادت
 

السلطة إلى مجال التفكير من جديد مع تيار الاختلاف الذي يقوده «فوكو » بفرنسا. 9
لكن وفق هذا التيار الفلسفي الجديد سنكون أمام سلطة باعتبارها سيرورة محايثة ) immanent
process (، وليست بِنية فوقية، تأتي من أعلى، بل تعمل بصفة تقنية على مستويات المجتمع كافّة. لم يعد إذن
 
 
بالإمكان التفكير، على نحو تجريدي، بالتعاقبات الجامدة، بالإنسان التاريخي، بالبنى الاجتماعية واللّسانية
 

-9 بول رابينوف، فوكو مسيرة فلسفية، ترجمة جورج أبي صالح، مركز الإنماء القومي، القاهرة، 1990 ، ص 165
 
بوصفها محدِّدات أَحادية الجانب للفعل الاجتماعي أو للذَّوات بِلا رغبات 10 . إذن على هذا الأساس، «فوكو »
 
 
لا يسعى إلى بناء نظرية للسلطة، بل يقصد التحليل التاريخي، الموضوعي والسياقي، بدون تعميم يمكن أن
يطبَّق على التاريخ.
لقد بدأت تتبلور لدى «فوكو » قناعة جديدة كانت نوعاً ما مُهمَلة في الدّرس الفلسفي، ولا سيما بعد أحداث
 

ماي 1968 ، دشّنها في الدّرس الافتتاحي الذي ألقاه في «الكوليج دو فرانس )College de France( »
عام 1970 . يتّضح ذلك التحول عندما أخذ يُدَلِّل على ضرورة الالتفات إلى سياسة السلطة المِيكرُو- فيزيائية
وآليات عملها في الثقافة الغربية والسلوك الإنساني 11 . لكن قبل تجسيد هذه السياسة الفكرية لا بدّ لفوكو أن
 
 
يَفرش أرضيته الأركيولوجية المُرصّعة بالتفكيك والحفر في بقايا السلطة التقليدية.
 
هدم المسلمات التقليدية للسلطة وإعادة بناء تصور جديد:
 
 
إنَّ مفهوم السلطة عند «فوكو » يختلف كثيراً عن النموذج الاجتماعي الذي بلوره «إميل دوركايم »
 

Emile Durkheim ، والذي يردّ فيه الظاهرة الاجتماعية في كليّتها إلى نوع من السلطة الضّابطة المُلزمة،
 
 
سواء كان ذلك على مستوى السلطات الحاكمة أو على مستوى السلطات الدينية والأسرية، وعن النموذج
القانوني الذي يربط بين السلطة والشرعية، ويردهما دوماً إلى دور الحكومة المركزية وما ينبثق عنها من
 

تشريعات. أو عن النموذج الماركسي ) modèle marxisme ( الذي يعبّر عن دور الطبقة الاجتماعية التي
تَمتلك عبر جهاز الدولة سلطة القرار وسلطة الاستخدام الأمثل لقوى الإنتاج 12 .
 
 
إذن يتموضع تصور «فوكو » للسلطة على أنقاض نظريات عدَّة، فقد اشتغل أستاذ القاعات السّبع على
هدم ودحض تلك النظريات، ليعيد بناء تصوره الجديد حول مفهوم السلطة، ومن أهمّ الصُّروح النظرية التي
 

استهدفها الحَفْر الفُوكَوِي، مايلي 13 : أوّلاً: نظرية التعاقد، التي افترضت أنَّ أساس السلطة هو العقد الاجتماعي،
وهي في الآن نفسه احتكار للإكراه فيما يعتقد «توماس هوبز Thomas Hobbes » ، ولا ننسى توافقية
 
 
وتراضي أطراف العقد، فهي سلطة مشروعة. لكن «فوكو » يَتموقع من زاوية أخرى ويرى أنّ السلطة هي
نتيجة علاقات قِوى، تقوم على إخفاء وحجب عمق العلاقات بين الأفراد )بين ذواتٍ حرّة(، ومرتبطة بمفاهيم
المعركة والمواجهة والحرب، ... هي حرب مستمرةٌ بوسائل أخرى. ثانياً: نظرية السيادة والحق، تنطلق هذه
النظرية من أنَّ الحق هو الذي يحدّد فعل السلطة ويتنبّأ بمفعولها )قواعد قانونية(، والسيادة هي علاقات المنع
 

-10 تشارلز ليمرت، "حقل فوكو .."، ترجمة خالدة حامد،
 
 
www.reefnet.gov.sy/booksproject/adabajnabya/109/foko.pdf
 

-11 قاسم جمعة، "المثقف والسياسة: مدخل أولي لفهم السياسة عند ميشيل فوكو"، في: علي عبود المحمداوي وآخرون، الفلسفة السياسية المعاصرة:
من الشموليات إلى السرديات الكبرى، مراجعة إسماعيل مهنانة ومحمد شوقي الزين، ابن النديم دار الروافد الثقافية، وهران بيروت، ط. 1، 2012 ،
ص 277
-12 محمد علي الكردي، نظرية المعرفة والسلطة عند ميشيل فوكو، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، د.ت.، ص ص 414 - 415
-13 محمد أندلسي، "الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور ميشيل فوكو"، www.mohamedandaloussi.wordpress.com
 
والإلزام بدقّة الشكل القانوني للسيادة. إلا أنّ «فوكو » لامسَ هذه النظرية من حيث أنّها أَغفلت أنَّ «الحياة »
 

وليس «الحق » هو الذي يشكل الرّهان السياسي )بيُو-سلطة Bio-pouvoirs (، وعلى هذا الأساس لا بدّ من
 
 
الاستعاضة ﺑ «التّأديب » بدل السيادة، وأيضاً نحن أمام الشكل الاستراتيجي للصراعات والمجابهات، بأكثر
 

دقّة الهيمنة ) la domination ( وليس السيادة ) la Souveraineté (. ثالثاً: النظرية الماركسية، إنَّ السلطة
حسب «كارل ماركس Karl Marx » تتجسّد في جهاز الدولة 14 ، معنى هذا أنَّ السلطة متمركزة في مكان
 
 
واحد، الأمر الذي جعل «فوكو » يبحث عنها في كلّ مكان، فهي حاضرةٌ في كلّ مكان، غير قابلة للإمساك،
عديمة الماهية، مفكّكة وليست كثيفة، مبعثرة ومنتشرة. بمعنى آخر ميكروفيزياء السلطة.
 

بالإضافة إلى أنَّ «فوكو » عوَّض ثنائية «الأيديولوجيا والهيمنة » عند «أنطونيو غرامشي Antonio »
Gramsci ، بعلاقات الحقيقة والسلطة 15 ، يذكر المفكر المغربي «سالم يفوت »، أنَّ «فوكو » مارس عملية
 
 
الهدم على مسلمات أخرى للسلطة، نجده يعرض لها تباعاً منطلقاً من مسلمة الملكية، التي تتسم بانحصار
 

موقف السلطة وتَميُّزه، فالسلطة «مُلك طبقة لها الغلبة 16» . يرى «فوكو » أنَّ السلطة استراتيجية أكثر منها
 
 
مِلكية، آثارها لا ترجع إلى تملُّكٍ ما، بل إلى «حِيل، وسائل، أعمال وتقنيات »، تُمارس، ليست حقّاً يُحتفظ
به ونحتكره، بل هي مفعول مجموع مواقعها الاستراتيجية، ليست مؤسسة، ولا بِنية، ولا قوّة معيّنة، إنّها
 

«وضعٌ استراتيجي معقّد في مجتمع معيّن »، فالصراعات الطبقية هي جزء من هذا الوضع 17 . نلاحظ أنّ
 
 
نزعة التملّك ملازمة للسلطة كماهية مُختزلة، لكن تنتقل مع «فوكو » إلى إجراء يجعلها مُنطلقة غير مُركّزة
في جهة واحدة، لذلك فهي تُلغي ما يمكن أن ننعته بعلاقة التبعية. على هذا الأساس ينتقل «يفوت » إلى تدمير
مسلمة التبعية، التي تفترض أنّ السلطة تابعة لنمط إنتاج )بِنية تَحتية(، فهي توجد حيثما تلعب مباشرة دوراً
منتجاً، فهي ليست علاقة في موقع برَّاني عن العلاقات الأخرى...، ولا تحتلُّ موقع بِنية عليا...، إنّها «المُثُول
الثَّاوي » الذي يشمل كل القطاعات المترابطة بما فيها الإنتاج )المصنع(. إذن يمكن أن تتشكل التبعية في
صورة علاقة أفقية لا عمودية، لأنّها تشمل كلّ الإجراءات الاقتصادية للإنتاج. ومن هنا بحث «يفوت » في
السلطة إن كانت جوهراً أم عرَضاً، فالسلطة عنده ليست جوهراً، بل هي إجرائية، وليست عرَضاً، بل إنّها
مجموع علاقات القوى المُختَرِقة للقوى المغلوبة. وعليه فالسلطة تمارس أنماط التّأثير، وتتصرف بعنف أو
 

-14 غالباً ما تقعُ المماهاة بين الدولة والسلطة بل وتُعرّف السلطة بالدولة. هذا الاختزال مفاده أنّ السلطة كائنة بأيدي من يحكمون أمّا المحكومون فلا
سلطة لهم. وعلى ذلك تٌفهم السلطة كحيازة أو كمِلكية يمكنها الانتقال من يد إلى أخرى. إنّها كما يقول "جان فرنكلان" Jean Franklin في كتابه
“خطاب السلطة” على شاكلة تمثال “كورنتا” ) Corinthe (، وهو تمثال دون رأس ينتظر فاتحاُ أو غازياُ جديدا ليكون للسلطة رأس من يمتلك السلطة.
 
 
ففي متحف كورنتا يوجد تمثال يعود الى عهد الحكم الروماني. جسد التمثال يجسّد كل جزئيات البدلة العسكرية التي يحملها ممثل روما لكن الرأس غير
موجودة ذلك أنه يقع تعويضها كلما وقع تعويض الحاكم العسكري. إذن، اختزال السلطة في الدولة هو اعتبارها ملكية تتحول من يد إلى أخرى وكأنّ
هذه الأيدي تقع في ما وراء وفوق من تلزمهم الطاعة، أي أنّها الصورة التي هيولاها هم المحكومون. للمزيد من التفاصيل انظر:
 

- عبد العزيز العيادي، فلسفة الفعل، مكتبة علاء الدين، صفاقص، ط. 1، 2007 ، ص 144 وما بعدها.
-15 حسن إغلان، "ميشيل فوكو في مواجهة السياسة، المثقف، والسلطة"، www.sirajmonir.wordpress.com
-16 سالم يفوت، سلطة المعرفة، دار الأمان، الرباط، 2005 ، ص 54
-17 بول رابينوف، مرجع سابق، ص 16
 
تُمارس نفسها كأيديولوجيا، تَقمَع أو تُموِّه 18 . ترتيباً على السّابق، يرفض «فوكو » المفهوم الشائع للسلطة،
 
 
الذي يختزلها في المؤسسات والأجهزة التي تُخضع المواطنين داخل دولة معينة، ويبلور تصوراً أصيلاً
 

للسلطة، مفاده أنَّ مصدر قوّتها «هو تولُّدها في كل لحظة ومن كل اتجاه 19» .
 
 
 
 
ثانياً: المفهوم المِيكرُو-فيزيائي للسلطة:
 
 
 

إذا كان فلاسفة الحداثة والعلوم الإنسانية قد صنّفوا الواقع وقاموا بقراءته رياضياً 20 ، فإنّ فيلسوف ما
 
 
بعد الحداثة «فوكو » أضفى على السلطة، كمُعطى محايث ودقيق، بُعداً فيزيائياً، لكن ما هو الجذر المعرفي
لهذا المفهوم؟
 

يَقْبَعُ أصل هذا المفهوم في الفضاء الإغريقي وتحديداً التصور الذّرّي عند «ديمقريطس :Démocrite »
«الذّرّة موجودةٌ في كلّ مكان ». أيضاً لمّا ذهب «أرسطو Aristote » إلى أنَّ السلطة ليست واحدة بل متعددة،
 
 
لكن السلطة السياسية تختلف عن الأشكال السلطوية الأخرى )العائلة والسيد والعبد...(، من حيث الوسائل
 

المستخدَمة أو طبيعة الخضوع، أو في حالة ممارسة السلطة على الأحرار والمتساوين 21 .
ويمكن أن تكون للمصطلح جذور علمية مع «فيزياء الكوَانْطَا physique quantique( » (، وهي كلمة
لاتينية تعني كمّية، برزت مع الثورات العلمية التي سادت القرن العشرين، تحديداً مع «ماكس بلانك max »
1858( planck - 1947 ( الذي أعلن في عام 1900 عن فرضية الكوانطا، ومفادها أنّ الأجسام تكتسب
 
 
الطاقة أو تُعطيها بصفة متقطّعة على صيغة «كُمُوم »، وكمُّ الضوء أو الكوانطا بمثابة قطاع ضئيل للغاية من
الطاقة، إدراكه ليس أسهل من إدراك الذرّة يؤلّف الوحدة الأوّلية للضوء كما تؤلّف الذرّة الوحدة الأوّلية للمادة.
بالإضافة إلى أنَّ «فوكو » يقترب من «لودفيغ فيتجنشتين Ludwig Wittgenstein » ، لأنّه بمفهومه
 

هذا قد أَنجز «فلسفة تحليلية سياسية 22» . من حيث أنّ «فوكو » تمكّن من تفتيت السلطة إلى جزيئات وذرّات
 
 
أصغر على الطريقة الفيجنشتانية في التحليل، هذا الذي يعني في مفهومه العام فكّ كل ما هو مركّب إلى
أجزائه وعناصره البسيطة، الأمر الذي اهتدى به إلى اعتبار اللغة ومن ثمّ الفكر مجموعة من القضايا
 

-18 سالم يفوت، مرجع سابق، ص 56
-19 أيمن اليحياوي، "سؤال حول علاقة السلطة بالجسد"، جريدة الشعب، www.mohamedandaloussi.wordpress.com
-20 حسن المصدق، "البيولوجيا السياسية بين سلطة المعرفة ومعرفة السلطة: تقنيات السيطرة على الجسد في أعمال ميشيل فوكو الفلسفية"، العرب
الثقافي، العدد الحادي عشر، الخميس 26 جويلية www.mohamedrabeea.com/books/book1_5813.pdf .2007
-21 صلاح علي نيوف، مدخل إلى الفكر السياسي الغربي، الجزء الأول، كليّة القانون والعلوم السياسية، الأكاديمية العربية، الدانمارك، د.ت.، ص
 
 
25
 

-22 جان كلود مونو، "ميشيل فوكو: ميكروفيزياء السلطة"، في: بول ريكور وآخرون، في الترجمة والفلسفة السياسية والأخلاقية، ترجمة عز الدين
الخطابي، منشورات عالم التربية، الدار البيضاء، 2004 ، ص ص 113 - 1
 
الأوّلية الذرّية. فكلاهما يلتقيان في المسألة التداولية )استعمال اللغة لدى «فيتجنشتين »، وممارسة السلطة
عند «فوكو .)»
في الواقع لا نستطيع من خلال هاتين المقاربتين للّغة والسلطة أن نفصل بين ما هو سياسي وما هو غير
سياسي داخل السلطة، فالعلاقات متماهية إلى درجة كبيرة، لأنّ هناك تقنيات للّغة تتحكم في خطاب السلطة،
أو هناك «صناعة للمفاهيم » بالمعنى «الدّولوزي » تحدّد سلطة للخطاب علينا أن ننتظر «جيل دولوز »
 

Gilles Deleuze ، ليوضّح الالتباس والغموض الحاصل لفكر «فوكو .»
 
 
 
«جيل دولوز » قارئاً لفوكو: من الماهية إلى التّقنية
 
 
لا يهتم «فوكو » بسُؤال الأصل والماهية حول السلطة، بل يتساءل عن كيفية تحقّقها وممارستها
 

وانبجاسها إلى الفعل )ما ذهب إليه في الفصل الأول: «نحن الفيكتوريين » من «إرادة المعرفة volonté( »
du savoir (، ينتهي إلى أنّ تقنيات السلطة متعدّدة 23 . رغم سؤال المجاوزة، فهو يعطي للسلطة تعريفاً
 
 
بسيطاً: «عَلاقة قوى »، لا يعني بها مؤسسات وأجهزة، ولا أشكال الإخضاع القانوني، ولا نظام الهيمنة، لكنّ
 

علاقات السلطة أيضاً غير معروفة، ألا يدلّ هذا على غموض فكر «فوكو » رغم عُمقه وانسيابيته؟ 24
 
 
يَبرز الفكر ما بعد الحداثي لدى «فوكو » في تشريحه ﻟ «فِيزْيونُومْيا السلطة » باعتبارها مظهراً من
مظاهر الحداثة، وفي تِبيانه أنّ ما يسودها هو القوة، أو علاقات القوة والتفوق والتغلب، وبالتالي التحكم
 

والمراقبة والعقاب ) Surveiller et punir ( وهذا ما دفع «دولوز » إلى اعتبار فوكو «نيتشويّ » المنزع
 
 
فيما يخص تحليله وتفكيكه لآليات السلطة. فهو ينكر المعايير القانونية والاتجاهات الأخلاقية، ويُقصيها من
مِضمار السلطة بسبب عجزها عن تنظيم العلاقات بين أعضاء المجتمع، ويعتبرها مجرد أوهام، بل إنّها لا
 

تعمل سوى على إخفاء وتقنيع العلاقات الاستراتيجية الخفية 25 .
 
 
ما يُميّز سلطة «فوكو » استناداً إلى القراءة الدولوزية هو صناعة مفهوم للسلطة وفق «جيو- فلسفة »
 

Geo-philosophie( ( معيّنة، بمعنى تحديد حُزمة من الأقاليم ترسم معالم خرائطية للسلطة، والمقصود
 
 
من ذلك أنّ للسلطة عند «فوكو » مناطق لا بدّ من اكتشافها وإماطة اللّثام عنها، وإسقاط الجدار والستار الذي
تختبئُ وراءه، وتلك هي الأبعاد الاستراتيجية للسلطة، كاختباء وتواري السلطة في إقليم الذات.
 

-23 ميشيل فوكو، إرادة المعرفة، ترجمة مطاع الصفدي، جورج أبي صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت، 1990 ، ص 25
-24 جيل دولوز، المعرفة والسلطة: مدخل لقراءة فوكو، ترجمة سالم يفوت، المركز الثقافي العربي، بيروت - الدار البيضاء، د.س.ن، ص 45
-25 معزوز عبد العالي، "فوكو وميكروفيزياء السلطة"، مدارات فلسفية، www.hekmah.org
 
الذات وتحطيم أحادية السلطة:
 
 
إنّ محور مشروع «فوكو » هو «تاريخ نقدي للفكر »، أي تحليل الظروف التي تشكلت ضمنها علاقة
 

الذات بالموضوع، وتغيرت فيما بعد 26 . وعليه قدّم «فوكو » دحضاً عميقاً للفلسفة الحديثة من «ديكارت »
Descartes إلى «كانط kant » ، القائمة على «الأنا أفكر إذن أنا موجود » كمصدر للمعرفة، واعتبر
 
 
«فوكو » أنّ «الذّات إنشاء تجمُّع بأَنَاة على مرّ الزمان ». فالذات في جينيالوجيا «فوكو » هي علاقات قوى
 

إيضاحية: رأس المال الماركسي، اللاوعي الفرويدي، وصولاً إلى إرادة العود عند نيتشه .Nietzsche
 
 
ينتقل «فوكو » إلى اعتبار الذات أنّها ذلك العدوُّ الاستراتيجي المتمثل في «الفاشية »...، هي فينا جميعاً، في
 

رؤسائنا، وسلوكاتنا اليومية، هي ما يجعلنا نُحبّ السلطة، الرغبة في الشّيء الذي يهيمن علينا ويستغلّنا 27 .
ويذكر في «إرادة المعرفة » عام 1976 ، أنّ السلطة وسيلة لتحليل الطّريقة التي تتشكل بها الذات الغربية
كموضوع معرفة لذاتها، وفي الجزأين الأخيرين من «تاريخ الجنسانية :)Histoire de la sexualité( »
 
 
«استعمال اللذّات والانهمام بالذّات »، تحوّل «فوكو » من معالجة ما هو إبستيمي سياسي إلى الإيتيقي في
 

السلطة، وذلك يُعدّ انعطافاً في الإشكالية، من حُكم الآخرين إلى حُكم الذات 28 . ومن هذه اللحظة بدأ «فوكو »
يبحث عن الطريقة التي تتشكل بها الذات الغربية 29 ، كذات داخل حقل هي فيه حرّة تجاه الأنظمة الرّمزية
والممنوعات، التي تفرضها إجراءات التذويت الإيتيقية ) 30)Subjectivation ، وبالتالي التخلّي عن دراسة
الإنسان كموضوع سلطة ومعرفة ليتحوّل إلى تحليل الإنسان الذي يتعرّف على ذاته كموضوع لذّة 31 .
 
 
وهذا ما تحدّث عنه «فوكو » - في قراءته حول: «ما الأن ��وار؟ » لكانط -، من خلال إحدى أسئلة
الأنطولوجيا التاريخية التي يمكن الإجابة عنها: «كيف تمّ تشكيلنا كذوات تُمارِس أو تُمارَس عليها علاقات
السلطة؟ ». فأشكال السلطة التي تُمارَس والتجربة التي نقوم بها مع أنفسنا لا تُشكِّل إلا صوراً تاريخية محدّدة
 

بنوع خاص من التساؤل الإشكالي الذي يحدّد المواضيع، وقواعد العقل، وأشكال العلاقات مع الذات 32 .
 
 
أليس الخطاب الجديد عن السلطة والحقيقة والمعرفة، والاهتمام بالذات، ... دليلاً ناصعاً على أنّ «فوكو »
 

-26 فرانسوا إوالد، «ميشيل فوكو: الانهمام بالحقيقة »، في: جاك دريدا وآخرون، مسارات فلسفية، ترجمة محمد ميلاد، دار الحوار للنشر والتوزيع،
اللاذقية سورية، ط 1، 2004 ، ص 41
-27 عبد المجيد دقنيش، «فوكو والجنون الغربي: لوغوس المهمشين والغوص في أركيولوجيا المعرفة ،»
 
 
www.2010aafaqcenter.com/post/309
 

-28 فرانسوا إوالد، مرجع سابق، ص 41
-29 دون أن ننسى أنّ «ميشيل فوكو » في هذه الفترة وضع في محاضراته الأخيرة في الكوليج دو فرانس القواعد الأساسية ﻟ: «هيرمينوطيقا الذات »
المتمركزة حول المبحث السقراطي في “الانهمام بالذات” ) souci de soi ( في الوقت الذي كان ﻟ “بول ريكور” Ricoeur Paul نفس الاهتمام نفسه
 
 
في كتابه: “الذات عينها كآخر”. انظر: جون غراش، “فلسفة الدين من وجهة نظر فينومينولوجية تأويلية وسبل التداوي بالتفلسف”، حاوره: محمد
 

شوقي الزين، نشر في: مجلة يتفكرون، العدد السادس، مؤسسة مؤمنون بلاحدود، الرباط، 2015 ، ص 163
-30 فرانسوا إوالد، مرجع سابق، ص 23
-31 لالومون، "فوكو مفكر الحداثة"، تر. حسن أحجيج، www.fikrwanakd.aljabriabed.net/n14_14ahjij.htm
-32 ميشيل فوكو، "ما هي الأنوار؟"، ترجمة وتعليق حميد طاس، مجلة الجابري، العدد الخامس، www.hekmah.org
 
قد انضمّ في نهاية المطاف إلى التيار المنادي بالعودة إلى الذات، الذي بدأنا نلاحظ انتعاشه أخيراً في
 

الفلسفة الفرنسية؟ 33 بهذا المعنى تغدو الذات تمثّل بؤرة انطلاق السلطة نحو موضوعها المتجسد في المناطق
 
 
المتاخمة، ومن التخوم التي ارتحلت إليها السلطة نجد السياسي.
 
ارتحال صنم السلطة إلى تخوم السياسي: المعرفة، والجسد، والخطاب، والمؤسسة
 
 
تَوارَتْ أجزاء وعناصر السلطة ضمن السياسي لكن على حدوده وأطرافه، بعد أن كانت السلطة صلبة
وصَنمية بمركزها الجهازي، والأكثر جاهزية للقمع المادي، والإكراه المشروع أو غير المشروع، أصبحت
السلطة مُرتحلةً مفهومياً بفعل رتابة المفهوم الكلاسيكي وقصوره المنهجي على مستوى الدراسات السياسية
 

المتخصصة، حيث اهتمت الدراسات الإنسانية بالمفهوم الموسّع ) concept élargi ( المتغيّر للسلطة، وليس
المفهوم المُبتذل الثابت، والمُنجَز «الفوكوي » أسّس مفهوم الاختراق ) concept de pénétration ( الشّبكي
 
 
المُمتد إلى ميادين السلطة الأكثر عمقاً ودقةً واختلافاً ومغايرةً، حيث بدأ يخترقها بممارسة استراتيجية
«القلب النيتشوي .»
يبدأ «فوكو » بقلب مقول: «المعرفة أداة في يد السلطة والإنسان »، إلى سُؤال «مدى السلطة التي
تمارسها المعرفة »، والتي تشكل العلاقة بين الفرد وأفكاره )مقولات، ورموز، ومبادئ، ومفاهيم(. فلا يمكن
 

الفصل التعسّفي بينهما، لأنّ السلطة مُنْدَغِمَةً بمعرفة ما، وهذه توحّدت بالسلطة لمّا أصبحت منطقها 34 . ليست
 
 
علاقة معلول بعلّة، إنّها ليست علاقة «تَخارُج »، بل إنّ القوّة تدخل في نسيج المعرفة، ولا تشكّل مجرد سند
 

لها 35 . إذن ما هي الآليات المنتهجة من قبل المجتمعات الغربية لممارسة السلطة؟ كيف وفي أيِّ مكانٍ عَمِلَت
 
 
الحقيقة؟، كيف كانت السلطة مولِّدةً للمعرفة؟
إنّ فعل السلطة يُنتج المعارف وعلى رأسها «العلوم الإنسانية »، فالامتزاج بين السلطة والمعرفة ساهم
في ميلاد مؤسسات عقابية )ملاجئ، سجون...(، التي درسها «فوكو » وفق انقطاعات تسم عملية انبثاق
أشكال جديدة للمنطق والعقلانية، ويرى «فوكو » أنّ التقدم الحاصل في المؤسسات ما بعد الحداثية سببه
 

تطور في تقنيات المراقبة 36 . فكلما علت مكانة المعرفة في المجتمع زادت سلطتها فيه، وصار لها نفوذٌ
 
 
معرفيٌ قويٌّ، لكنّه لا يقوم على الإكراه بل على الإقناع والاقتناع، لأنّ هذه السلطة تَنْبَنِي على تقديم الحجة
والدليل العلمي لإقناع الطرف الآخر بالفاعلية الإيجابية لها والقيمة المُضافة لأيِّ معلومة في حياة الأفراد
 

-33 عبد الرزاق الداوي، موت الإنسان في الخطاب الفلسفي المعاصر: هايدجر، ليفي شتراوس وميشيل فوكو، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت،
د.ت.، ص 131
-34 حسن المصدق، "البيولوجيا السياسية بين سلطة المعرفة ومعرفة السلطة: السلطة وازدواجبة العنف تجاه الروح والجسد"، مرجع سابق.
-35 عبد السلام بنعبد العالي، "الحقيقة بمفعولاتها"، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث،
 
 
www.mominoun.com/articles
 

-36 جان كلود مونو، مرجع سابق، ص ص 113
 
في المجتمع 37 . لكن في تقديري يمكن أن تفقد المعرفة سلطتها في حالة اللايقين، في الحين الذي يحدث فيه
ثورة إبستيمولوجية. أشار إلى هذه النقطة «توماس كوهن »، في كتابه: «بنية الثورات العلمية » عام 1962 ،
 
 
ليوضح ذلك، يبرز «كوهن » التقاطع الموجود بين الثورة العلمية والثورة على النظام السياسي، فالبراديغم
يصل نقطة التردّد وانعدام اليقين عندما يفشل في إقناع المجتمع العلمي بفرضياته ونتائجه )تصدّع معرفي(،
وبالتالي تفقد المعرفة قوتها وممارسة سلطتها، كذلك هو النظام السياسي يبلغ هذه النقطة عندما يُخفق في
إقناع الجمهور ببرنامجه السياسي )حالة اللااستقرار(، إنّها أزمة معرفية/ سياسية في الآن نفسه. وعليه
تُعدّ المعرفة خطاباً قابلاً للنفي أو الإثبات في ممارسته من قبل السلطة. إنّ المعرفة في جوهرها خطاب
 

discours( (، لمّا يتحول هذا الخطاب إلى حيّز الممارسة، نكون بصدد فعل المعرفة، تكون إرادة المعرفة
 
 
هي حلقة الوصل بين الفكر والفعل، لأنّها عقل بالقوة في خطابها وعقل بالفعل في ممارستها. وعليه جاءت
حاجة السلطة إلى خطابٍ يميّزها من التحول في أساليبها الممارساتية عبر الزمان، فلكلّ مجتمع في فترة
محددة بِنية خطاب تُبرّر أعمال السلطة بداخله، وهذا الخطاب له لغة.
فالسلطة في العصور الوسطى مارست عُنفها بالصَّلب والتّمثيل والإعدام في الساحات العامة، لكن
ابتكرت الثورة الفرنسية بمبادئها آليات جديدة هي الاتّهام أمام الملأ، والتّشهير به، وإنزال الحكم وعقوبة
السّجن، فالفترة الأولى قائمة على بِنية خطاب ردعي تخويفي، يَمنع من معاودة ارتكاب الخطأ، أمّا الفترة
 

الثانية فبِنية خطابها أخلاقية لأنها تراعي الكرامة الإنسانية 38 . لكن هل نحن أمام سلطة خطاب أم خطاب
 
 
سلطة؟ إنّ السلطة موجودة في الخطاب وفي التأثير الذي يُحدثه، في الآن نفسه الخطاب هو تأكيد لسلطة
 

ما ترمز له 39 ، فالخطاب ينقل السلطة ويُنتجها ويُقوّيها، ولكنّه أيضاً يُلْغِمُهَا، يُفجّرها، يُلغيها 40 . بناءً عليه
 
 
نستنتج أنّ الخطاب السلطوي للدولة يستهدف ذاته، ويستهدف الآخر، الذات من حيث أنّ سلطة الدولة تقع في
 

مأزق التّهديد الأمني من العنف المضاد ) La contre-violence (، والآخر من حيث إنّه جسد الأفراد في
 
 
المجتمع، الذي يعاني من أضرار الإكراه المادي: السّجن، العقاب، التّوجيه القسري... إلخ.
كان الجسد إذن عُرضةً لقوى متعدّدة ساهمت في إخضاعه وترويضه، قام «فوكو » بتفكيك الآليات
والنظم المساهمة في عملية الإخضاع. وكيف تُمارس السلطة على الجسد في المدرسة والسجن والمصنع
والمستشفى؟ أصبح الجسد ذاك الكائن المُنضبط. في «ميلاد العيادة » انْهَمّ «فوكو » بسُؤال كيف تُنتج المعرفة
والممارسة الطّبية الجسد وتطوّعه داخل المؤسسات المستقرّة للسلطة الطبية؟ أمّا في «مولد السجن » فقد حلل
 

-37 محمد شحرور، الدين والسلطة: قراءة معاصرة للحاكمية، دار الساقي، ط 1، 2014 ، ص 277
-38 حسن المصدق، "البيولوجيا السياسية بين سلطة المعرفة ومعرفة السلطة: السلطة وازدواجبة العنف تجاه الروح والجسد"، مرجع سابق.
-39 روجيه سو، المجتمع المدني في مواجهة السلطة، ترجمة صلاح نيوف، مطبعة العلوم السياسية، باريس، 2003 ، ص 13 . للمزيد من التفاصيل
 
 
أحيل إلى الكتاب الأصلي:
 
- Roger sue, La société civile face au pouvoir, Presses de sciences politique, paris,2003-
40- Michel Foucault, La volonté de Savoir, Gallimard, 1976, p. 133
 

 


«فوكو » نمو الجسد المنضبط كنتيجة للممارسات العقابية. وأخيراً في «تاريخ الجنسانية »، اعتبر «فوكو »
أنّ الجنس مظهر لأنشطة الجسد، بمعنى آخر هو رهان سياسي، من جهة لضبط الجسد، ومن جهة أخرى

لتنظيم السكان 41 .


بالتلي ينحو «فوكو » مَنحى الجِنس هو السِجن في إفراطه، في أعلى تحققاته، هو سلطة الرّغبة المُستحكِمة
والمُتحكَمة في الذات بحكم استخدامه لمصطلح «الجنسانية » بدل الجنس في مؤلفه: «تاريخ الجنسانية »، فوق

هذا يخضع الجسد في ممارساته الجنسانية إلى ضبط وتوجيه سلطوي، هو «سيبرنطيقا 42» ، تحكّم عن بعد،


أي أنّ سياسة الدولة في هذا المجال غير مباشرة، في تدبير الحاجة البيولوجية للجسد من جهة، ومن جهة
أخرى تطوير تقنيات التحكم في مُنحنى الديمغرافيا الاجتماعية. وهذا يُخرِّج لنا مفهوم السلطة الاقتصادية
مُنخرطةً بين حدّين فاصلين هما: سياسة الجسد، وسياسة السكان، وعليه فأغراض الدولة في هذا السياق
مرتبطة أشدّ الارتباط بالمصلحة الاقتصادية والتدبير العقلاني للثروات الوطنية. لكن هذا الذي نعالجه هو
المنطق الداخلي للسلطة نحفر في ترسّباته العميقة )اللامفكَر فيه(، فماذا عن المنطق الخارجي للسلطة
)المفكّر به(؟

ثالثاً: السلطة بين اللامفكر فيه والمفكر به:



إذا كان عَصَب السلطة يبدو في اختزالها إلى هيكل وشكل وقانون وأجهزة ومؤسسات بالتوصيف
الكلاسيكي )المؤسساتي القانوني/ المنظوراتي الماركسي( وهو المُفَكّر فيه، فإنّ توغُّلها وتَمفْصلها كالذّرة في

أدقّ مظاهر المجتمع، يُعدّ في تقديري نزوعاً فوكوياً ضمنياً، غير مباشر إلى الفينومينولوجيا والهيرمينوطيقا 43


وهو اللاّمُفكر فيه المفضي إلى المُفَكّر بِه.
تأسيساً على هذا المنطق؛ نجد أنّ «فوكو » يُلامس الفكرة الفينومينولوجية والهيرمينوطيقية في مؤلفه:
«أركيولوجيا المعرفة »، عندما يصف الأحداث الخطابية ومنهجية التعاطي معها. يقول في هذا الصدد: «لا
نستطيع إعادة بناء منظومة فكرية إلا بالاعتماد على مجموعة من الخطابات، ويتمّ ذلك على نحوٍ يكون

-41 محمد أندلسي، «الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور ميشيل فوكو »، مرجع سابق.
-42 السبرنيطيقا ) Cybernetics (، من الكلمة الإغريقية “كيبرنيتيس” وتعني المُوجّه أو الحاكم أو قبطان السفينة. وهو علم حديث نوعياً، ظهر في


بداية الأربعينيات من القرن العشرين، ويعتبر الرياضي “نوربرت فينر » من أهم مؤسسيه، وقد عرف “فينر” السِبرانية على أنها “علم القيادة أو التحكم

control( ( في الأحياء والآلات ودراسة آليات التواصل ) communication ( في كل منهما”.
-43 الفينومينولوجيا ) phénoménologie ( هي علم الظواهر، يختص بدراسة الفكر ) noèse ( في علاقته بموضوع الفكر ) noème ( الفكر في
توجهه نحو موضوعه، وهنا يتجلى المعنى الاشتقاقي للكلمة اللاتينية ) intentio ( بمعنى “لتوجه نحو” أي القصدية التي تعني القدرة التي يمتلكها الوعي
في رصد الموضوع، كينونة الوعي كانفتاح على الموضوع، باختصار الوعي «ﺑ » شيء ما ) conscience “de ”…( إدراك «ماهية eidos(« ( هذا
الموضوع وبالتالي رصد “معنى” يحتمله. أما الهيرمينوطيقا ) herméneutique ( بالإغريقية ) herméneutikè ( تتضمن في اشتقاقها اللغوي كلمة
technè( ( التي تحيل إلى “الفن” بمعنى الاستعمال التقني لآليات ووسائل لغوية ومنطقية وتصويرية ورمزية واستعارية. وبما أنّ “الفن” كآلية لا


ينفك عن الغائية ) téléologie =finalité ( فإنّ الهدف الذي لأجله تجند هذه الوسائل والآليات هو “الكشف” عن حقيقة شيء ما. للاطلاع أكثر على
المصطلحين أحيل إلى مقال:
- محمد شوقي الزين، “الفينومينولوجيا وفنّ التأويل”، http://www.aljabriabed.net/n16_07azinl.(2).htm


 
الغرض منه هو العثور خلف العبارات نفسها على قصدية الذات المتكلّمة وعلى نشاطها الواعي، وما كانت
ترغب في قوله، بل وعلى بعض التجلّيات اللاّشعورية التي برزت إلى واضحة النهار، فيما قالته صراحةً


أو ضمناً، ومهما يكن من أمر، يتعلق الأمر في تاريخ الفكر بإعادة إنشاء خطاب جديد، بالعثور على
الكلام الأبكم الهامس الذي لا يتوقّف، والذي يُحرّك من الداخل الصوت الذي نسمعه. يتعلق باستعادة النص
الرفيع اللامنظور الذي يسري ما بين السطور المكتوبة ويزاحمها أحياناً. فتحليل الفكر هو دوماً وباستمرار

تحليلٌ يسعى إلى البحث عن المعنى الحقيقي وراء المعنى المجازي، يبحث عن ما وراء الخطاب، سؤاله


يتجه بلا شك نحو استكناه ماذا كان يقال وراء ما قيل فعلاً؟ أمّا تحليل الحقل الخطابي، فيتّجه وجهة أخرى
مغايرةً، همُّه الأساسي هو التعامل مع العبارة كشيءٍ قائمٍ بالذات، لا يُحيلُ إلى مستوى آخر، والنظر إلى ما
في خصوصيتها وتميّزها كحدثٍ لا أصول له، وتحديد شروط وجودها، وتعيين حدود تلك الشروط بكيفية
واضحة ودقيقة أكثر...، لا يتوجّه الاهتمام إطلاقاً إلى البحث خلف ما هو ظاهر، عن الثرثرة شبه الصامتة
لخطاب آخر، بل إلى إظهار لماذا صعب عليه أن يكون غير ما كان، وكيف ينفرد عن باقي الخطابات

الأخرى، ... 44» . من هنا ستتضح مهمّة «فوكو » الفينومينولوجية التأويلية للسلطة باعتبارها حدثاً خطابياً،


بنوع من التعديل والتنقيح للمهمة السابقة، من حيث إظهار الأسباب العميقة، والأوصاف الخاصة، والحدود
الفاصلة، التي جعلت السلطة تتمفصل في أشكال متعددة والأكثر هامشية، وليس فقط الاكتفاء بالبحث فيما
وراء الظاهر من السلطة.

اللاّمُفَكَّر فيه: نحو فينومينولوجيا تأويلية للسلطة


أَعطت الفينومينولوجيا الترنسدنتالية ) « )transcendental phenomenology الهوسرلية »
Husserl’s دفعاً قوياً للحركة الوجودية بقيادة «مارتن هايدغر Martin Heidegger » ف ��ي ألمانيا
و «موريس مرلو بونتي Maurice Merleau Ponty » في فرنسا. كان «فوكو » خلال هذه الأثناء غارقاً
في تفكّر أطروحة الفينومينولوجيا الوجودية ) existential phenomenologists (. في جامعة السوربون


اكتشف «فوكو » أنّ «ميرلو بونتي » شرح ما يسميه في وقتٍ لاحقٍ ﺑ: فينومينولوجيا التجربة المعيشة

phenomenology of lived experience( ( في كتابه: «فينومينولوجيا الإدراك 45» ، وبالتالي كان


هذا هو المنهل الأساسي لفوكو بالنسبة إلى الفينومينولوجيا. أمّا الهيرمينوطيقا فقد فَسّرت أعمال «فوكو »

في وقت سابق النظريات في العلوم الإنسانية باعتبارها كائنات خطابية ) discourse-objects (، واعتمد
طريقة جديدة ﻟ «فكّ رموز » معنى الممارسات التاريخية والمعرفية ) practices ( وهي التأويل 46 . على


سبيل المثال في معرض حديثه عن كتاب «هوبز » يقول «فوكو « :» يجب أن تتذكّروا مخطّط اللويثيان »، هنا

-44 ميشيل فوكو، حفريات المعرفة، ترجمة سالم يفوت، المركز الثقافي العربي، بيروت الدار البيضاء، ط 2، 1987 ، ص 27
45- Hubert L. Dreyfus and Paul Rabinow, Michel Foucault: Beyond Structuralism and Hermeneutics, The Unive -


sity of Chicago Press, Second Edition, 1983, p.111.
46- Ibid, p104-103

يشير فوكو إلى الصورة المشهورة لغلاف كتاب اللويثيان في «الطبعة الرئيسة » منه، التي نشرها «أندور

كروك Crooke Andrew » حيث يمثّل جسم الدولة الرعايا، ويمثّل الرأس العاهل الذي يقبض على السّيف
بيد، والعصا الأُسْقفية باليد الأخرى، تحته الأحكام الأساسية للسلطتين المدنية والكنسية 47 .


ترتيباً على هذا التوصيف «الفوكوي » لكتاب «هوبز » نلاحظ أنّ «فوكو » يسير باتجاه تأسيس رمزية
أو تأويلية سياسية تعكس طبيعة العصر الذي عاش فيه «هوبز » وطابعه الفوضوي العام، وكيف أنّ الإنسان

الأوروبي في ذلك الزّمن يملؤه التّوق إلى الانعتاق من «حالة الطبيعة État de nature( » (، والذّهاب نحو


المجتمع السياسي المُؤسَّس على المدنية والتنظيم السلطوي. إذن بهذا المعنى يمكن أن نبرّر فكر «فوكو »
بأنّه فينومينولوجي وهيرمينوطيقي المنزع. انطلاقاً من التبرير الأخير، نلاحظ أنّ مفهوم السلطة بإمكانه أن
يكتسي طابعاً فينومينولوجياً تأويلياً، وهذا ما نحاول تخريجه في هذا المِضمار.
وعليه تُعدّ السلطة على حدّ تعبير «فوكو » لامركزية، لاسيادية، مِيكْرُوفيزياء، مِجْهرية، لامرئية بالعين

المجرّدة، غير منظورة 48 . إنّ لاذاتية السلطة ولامركزيتها بهذا المعنى تُزيحنا إلى الحديث عن فينومينولوجيا


التّخوم حول السلطة، من خلال الحفر على حواشيها، إنّ السلطة في ذاتها هي عبارة عن تُخوم، والتَّخمْ في
اللغة هو الحدّ الفاصل، وفي علم السياسة هي المناطق الواقعة على جانبي الحدود السياسية بين دولتين. لكن
نقصد به ضمن هذه القراءة أنّ «فوكو » تحليله للسلطة هو تحديد مواقعيٌّ لها، هندسة خرائطية للسلطة، فيها
ما هو ظاهر، وبها ما لا بدّ أن يُستحضر من الظهور، كأن تنظر إلى شكل مكعب حضور زواياه الأمامية
ماثلة أمام العين المجرّدة، لكن زواياه الخلفية تقع ضمن الغياب. فالسلطة بهذا المعنى عند «فوكو » زئبقية
تنتقل بين الحضور والغياب ﺑ «المفهوم الدريدي »، لا يمكن القبض عليها بسهولة. كشف هذه العلاقة هي
المهمة الفينومينولوجية التي اضطلع بها «فوكو »، إحضار ما يتوارى، وجود السلطة وليس موجوديتها
بالمعنى «الهايدغري .»
هنا تكمن المغايرة الفوكوية؛ تحليل علاقات السلطة بذاتها، في فضاءات متنوعة، يرى «دولوز » أنّ
«فوكو » و «نيتشه » يلتقيان في نقطة أساسية وهي أنّ السلطة عندهما تتموضع فيما وراء الأخلاق، وخارج

المعايير الحقوقية والقانونية، والتي تُعتبر أوهاماً وأقنعة تحجب الطابع التسلطي للدولة 49 . وبالتالي يُلامس


«فوكو » السياسة من الخلف، انطلاقاً من مواضيع تندمج في حقل هذه الأخيرة، وتتجاوزها في الوقت نفسه.
فالمجنون في تَيهانه ذاته أكثر حرية من المريض العقلي الخاضع لسلطة الطبيب، كما أنّ «أنسنة الحقوق »

ظهرت كمقابل لامتداد السجن باعتباره عقاباً وتدبيراً للأعمال اللاشرعية 50 .
-47 ميشيل فوكو، «فلسفة السلطة »، ترجمة الزواوي بغورة، http://www.hekmah.org
-48 عبد المجيد دقنيش، «فوكو والجنون الغربي: لوغوس المهمشين والغوص في أركيولوجيا المعرفة »، مرجع سابق.
-49 محمد أندلسي، "الفلسفة السياسية المعاصرة: تصور ميشيل فوكو"، مرجع سابق.
-50 جان كلود مونو، مرجع سابق، ص 587
 
إنّ الخطاب حول الجنس والسياسة في ظاهره شيء بسيط، لكنّ أشكال المنع التي تَلحقه، تكشف عن
 
ارتباطه بالرّغبة والسلطة 51 . فهذه الأخيرة مُرتحلة بطبيعتها عند «فوكو »، طبعاً إلى تخوم ما هو سياسي.
 
 
فالسلطة مثلاً في العالم العربي انتقلت من مجال المرئي )الجسد( إلى مجال اللامرئي )الروح(، أي من رغبة
السيطرة على الجسد الى السيطرة على النفس والوعي واللاوعي، فهي حاضرة في الحُلم، وعلى جثث القتلى
 
والمعذّبين في المراسم الجنائزية والحفلات، وفي الأعياد الوطنية والخطابات ووسائل الإعلام...، 52 وعليه
 
 
فيمكن اعتبار أنّ المكان عامل جوهري في السلطة لا ينبغي إهماله، فهناك هندسة بانوبتيكية للسلطة «أن
 
نرى ولا أحد يرانا 53» .
إنّ البحث والحفر عن المسكوت عنه في السلطة عبر التاريخ لتعرية وتوضيح بعض العتمات 54 هو
 
 
دعوة إلى تجاوز الظاهر من السلطة إلى باطنها، لأنّها في طبيعتها تُمارس بشكل سرّي، ويصعب الإمساك
 
بها 55 لأنّها جُوّانية، ﻓ «فوكو » يعتبر المنحرفين والمهمشين والمجرمين ودعاة العنف قد مورست عليهم
 
 
سلطة القهر، في المقابل هناك سلطة مضادة هي بمثابة صورة باطنية كفيلة بتصوير لا وعي المجتمع
 
المكبوت الذي سرعان ما يتفجّر ضدّ السلطة المُنزلة للعقاب 56 .
 
 
إذن فالسلطة ليست فقط ذلك الجانب من الممارسة السياسية، ولكنها تتأرجح بين ما تُعلنه وتُخفيه،
فالمعلن هو الأيديولوجي الذي تدافع من خلاله الدولة عن مشروعيتها، والخفي هو السيكولوجي الذي لا
تظهره السلطة، فهي رسمياً مع الأيديولوجيا، ونفسياً مع الأنا - السلطة - التي تخترق الأيديولوجيا متى رأت
 
أنّ ذلك في مصلحتها 57 . وهنا يكمن خطرها، فالسلطة ممارسة نفسية، تتجسد في كل تمظهرات المجتمع.
 
 
أستحضر في هذا السياق تعبير الأكاديمي والمفكر المصري «مصطفى حجازي » سيكولوجيا الإنسان
المقهور قبل الإنسان المهدور، سلطة القهر والهدر، القهر المفضي إلى هدر المقومات والمقدرات النفسية،
التي يمكن أن تُصدّر مجتمعاً مُكبّلاً في وعيه الجمعي.
لقد وُضعت علاقة «فوكو » بالسياسة كحقل معرفي في دائرة مُلتبسة لا يمكن رسمها بوضوح، وهذا
 
راجع إلى أنّه مفكّر زئبقي ) penseur Mercurial ( عابر للتخصصات، مُتعذَّر عن التصنيف ضمن
تخصص محدّد، ومن جهة أخرى، انطلق في دراسته للسلطة من الحقل التداولي والإبستيمولوجي ) Champ
 
 
51- Michel- Foucault, L’ordre du discours, Gallimard, Paris, 1971, p.12.
 
-52 أيمن اليحياوي، "سؤال حول علاقة السلطة بالجسد"، مرجع سابق.
-53 محمد شوقي الزين، "سجال بين الميشالين: ميشيل فوكو وميشيل دو سارتو"، الوطن الجزائري، 31 أوت www.elwatandz.com ،2013
-54 مصطفى الحسناوي، فوكو والسياسية، منشورات الإختلاف، المغرب، ط. 1، 2003 ، ص 3
-55 المرجع نفسه، ص 15
-56 حسن المصدق، "البيولوجيا السياسية بين سلطة المعرفة ومعرفة السلطة: تكنولوجيا الرقابة الاجتماعية في أعمال ميشيل فوكو الفلسفية"، مرجع
سابق.
-57 سالم القمودي، سيكولوجية السلطة بحث في الخصائص النفسية المشتركة للسلطة، مكتبة مدبولي، ط. 1، 1999 ، ص ص 9- 1
 
(، ليشكل إضافة منهجية في الحقل السياسي، لكن حدث ذلك دون
وعي بالروابط الدقيقة والخيوط الرفيعة بين تصوره المِيكْرُو-فيزيائي للسلطة والتحليل العلمي للسياسة
 
المرتبط بالمتغيرات التفسيرية ) variables explicatives (، لأنّ علم السياسة تطور في مرحلته الوضعية
 
 
واستعان بما يُعرف بالتحليل الشبكي للظواهر السياسية، أي عدم الاقتصار على فاعل تحليلي واحد في
دراسة ظاهرة السلطة، بل إلى فواعل متعددة في عملية التفسير والتنبؤ، وهذا في اعتقادي مصدره الحفر
والتفكيك الفوكوي لجوهر وطبيعة السلطة، حتّى أنّ أحد الباحثين في علم العلاقات الدولية وهو «باري
 
بوزان Barry Buzan » في تحليله لمفهوم «الأمن المعقّد »، يستعير صفة «الأخطبوطي » ليشبّه تعدد
الفواعل في السلطة، والسلطة الفوكوية تقترب من هذا التصور مادامت محاكاة ) simulation ( أو تمثيل
 
 
للشبكة، هذه الأخيرة مماثلة للأخطبوط الذي هو على مقاس الفواعل المتعددة. على هذا الأساس نلاحظ أنّ
الإزاحة للتصور المبتذل والثابت للسلطة هو إضافة لمنهجية التحليل السياسي.
 
المُفَكّر به: إزاحة - إضافة للمقاربات المنهجية في الحقل السياسي
 
 
في هذه الجزئية سأركّز على دور الإزاحة المعرفية، والإزاحة هي العملية الفكرية التي تلي «الاختراق »
وتسبق «المجاوزة »، اختراق الخطاب الثقافي الراهن من أجل فهمه بدقة ومن ثم يتسنى لنا المجاوزة، إن
 
أمكن ذلك، والتجاوز لا يكون إلا بالفهم والإحاطة بالشيء وملابساته 58 . فالإزاحة المعرفية في تطور علم
 
 
السياسة عامةً ومفهوم السلطة تحديداً، قد طوّرها «فوكو .»
 
سادت في الفترة الممتدة ما بين ) 1965 - 1975 ( أعمال «فوكو » في القطيعة كمرحلة لاحقة للإزاحة،
وهي الفترة التي قام فيها بتطوير واستخدام مفهوم الإبستيمية ) Episteme ( . وقد كان لهذا المفهوم توظيف
مُقتضب، ظهر في عام 1966 ، ثم تمّ التخلي عنه بعد عشر سنوات، لأنّ “فوكو” يرى أنّ استخدامه أدّى
به إلى طريق مسدودة. في “الكلمات والأشياء” ) Les mots et les choses ( يصف «فوكو » أنّ الانتقال
 
 
من وحدة إبستيمية إلى أخرى يتم عن طريق «الانقطاع « ،» الطفرة « ،» الحدث الراديكالي » أو «الكسر .»
 
وتَفترض هذه الشروط من قبل الفكر البنيوي القفز من مَبنى إلى آخر، لتشكيل كلٍّ متجانس 59 . ولعلّ «فوكو »
 
 
يريد أن ينقل مفهوم السلطة من وحدة معرفية إلى وحدة معرفية أخرى أرقى من حيث الاستعمال والتداول، أي
استحداث السلطة كتقنيات واستراتيجيات تسبح في حوض علاقات القوى المتغيرة كبديل للسلطة باعتبارها
ماهية، فرضية، تعكس هيكلاً ثابتاً يفتقد للتفاعل النسقي، هذه القفزة أو الوثبة سيعبر عنها «فوكو » من خلال
توظيفه للإزاحة.
 
-58 محمد شوقي الزين، الإزاحة والإحتمال: صفائح نقدية في الفلسفة الغربية، الدار العربية للعلوم ناشرون – منشورات الإختلاف، الجزائر –
بيروت، 2008
59- Juignet Patrick, « Michel Foucault et le concept d’épistémè » , Philosophie, science et société, 2015, en
ligne: http://www.philosciences.com/Pss/philosophie-generale/la-philosophie-et-sa-critique/10-michel-foucaultepisteme?
 
 
start=1.
 
يرى «فوكو » أنّ الإجابة عن ماهيّة السلطة هو من اختصاص علماء السياسة، فالمنظور السياسي في
 
اعتقاده «مُبتذل » قوامه «تثبيت » السلطة وتشخيصها 60 . وتكمن الإضافة الفوكوية ضمن هذا المجال في انتقال
المنظورية والأشكال السياسية )نظام، دستور...( باتجاه تقنيات واستراتيجيات سلطة أكثر انتشاراً 61 . وهذا في
الوقت نفسه الذي يقول فيه «فوكو « :» إنّني لم أسعَ أبداً إلى تحليل أيّ موضوع من وجهة نظر السياسة 62» .
 
 
يُعتبر «فوكو » مُجدّداً إبستيمياً بامتياز لعلم السياسة، فقد شكّل حافزاً مهمّاً لتطور المقاربات المنهجية )من
المؤسساتية القانونية إلى السلوكية(، وذلك ما نلاحظه في طرحه المِيكْرُو-فيزيائي للسلطة والسياسة، فهو إذاً
إزاحة إضافة، إزاحة للمَاكْرُو-سياسي )الكل في التحليل، فاعل رسمي وحيد هو الدولة وأجهزتها(، وإضافة
للمِيكْرُو سياسي )الأجزاء في التحليل، فواعل غير رسمية، مجتمع مدني، فرد، منظمات غير حكومية(. لقد
 
استطاع «فوكو » بهذا الطرح أن يُنجز فارقاً جذرياً ... بالانتقال من مركزية الدولة والسلطة إلى هامشيتها 63 .
 
 
في الحقيقة كانت فلسفة «فوكو » ضدّ الأيديولوجيا التي تعتري السياسة، ولم يكن ضدّ السياسة كعلم أكاديمي،
 
بحكم موضوعيته النافذة )تصبح الأيديولوجيا ارتكاسية عندما تتدخل «السياسة La Politique » ، نجد في
مقابله «السياسي Le Politique بالمعنى الإيتيقي الذي يجعل الأيديولوجيا ارتكازية(. إذن المُفَكَّر به في
 
 
السياسة والسلطة هو تلك الأداة المنهجية )المِيكْرُو( التي أحدثت طفرة نوعية، وثبة حيوية ومنعطف إبستيمي
على مستوى الرؤية العلمية للظواهر السياسية، فمن النظرة الأحادية إلى الرؤية التعددية.
وينطبق هذا من جهة، على «ابتكار ما هو سياسي » داخل سياق التنمية والتبعية، ذلك أنّ هيمنة النموذج
 
الغربي لا يمكنها أبداً أن تُترجم بعملية تَصْفِيح ) Placage ( فقط، بل تؤدي إلى تكييفات وتأويلات وتجريدات 64 .
ومن جهة أخرى، عاشت مقاربات دراسة السياسة «وهماً منهجياً illusion systématique( » ( مُختزلاً
)بتعبير «برتراند بادي Bertrand Badie » و «غي هيرمنت Guy Hermet » (، إنّ الإزاحة الفوكوية
لهذا الوهم، هي إحاطة شاملة «هولستية 65» للظاهرة، بمعنى التمكّن من معالجتها في بنائها السوسيولوجي،
 
 
وتنشئتها السيكولوجية، وسيرورتها التاريخية.
 
-60 سالم يفوت، مرجع سابق، ص 75
-61 جان كلود مونو، مرجع سابق، ص ص 113 - 114
62- Michel Foucault, Dits et ecrits (1954-1988), t4, Gallimard, 1994, P.595.
-63 للمزيد من التفاصيل حول الانتقال من المركز إلى الهامش في دراسة سؤال الدولة انظر دراستنا: محمد أمين بن جيلالي، "دينامية التجديد
الإبستيمولوجي لمفهوم الدولة وفق السياسة المقارنة"، مجلة أكاديميا للدراسات السياسية والإدارية، العدد الثاني، مخبر إصلاح السياسات العربية في
ظل تحديات العولمة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الشلف، 2014 ، ص 233
-64 برتراند بادي وغي هيرمت، السياسة المقارنة، ترجمة عز الدين الخطابي، المنظمة العربية للترجمة مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت،
ط 1، 2013 ، ص ص 358 - 359
-65 تعود في الأصل إلى الكلمة اليونانية "هولوس" ) Holos ( وتعني "الكل، الشامل". هناك من ينسب المصطلح إلى "كالفي جاكو هولستي Kalvi»
Jaako Holsti وهو باحث في علم العلاقات الدولية، حيث تتميز تعريفاته لمصطلحات هذا الحقل المعرفي بطابع الشمولية، التفاعلية، الانتظامية
 
 
والنسقية، له مؤلف: «الدولة والحرب وحالة الحرب »، الذي نشر في التسعينيات.
 
 
وبشيء من التبصّر السياسي، نلاحظ أنّ السلطة عند «فوكو » تنفتح على فلسفة مقارنة ) philosophie
comparée (، هذه الأخيرة تبدو ضرورية لأنّ مسعاها يقدّم وسائل الكشف عن الدوافع العميقة لممارسة
 
 
السلطة، فكل ما هو سياسي هو منفلت دوماً من كلّ تحديد، والطموح المقارن يُسهل على الأقل، الإحاطة
بتعددية وغموض معانيه. فالمقارنة تُغني النقد الذاتي، وهي تشبه نوعاً من الحوار السُّقراطي مع وقائع العالم
 
السياسي الذي لا تنضُب معانيه 66 .
 
 
إننا يمكن أن نلاحظ أنّ هناك «تشاكلاً » و «تماثلاً » بين الثّورة التي أحدثها تصور «فوكو » للسلطة،
بالثورة العلمية الثانية ) La deuxième révolution scientifique ( في حقل السياسة المقارنة، لأنّ
هذه الأخيرة مكّنت من إضافة متغيرات جديدة لدراسة السلطة نهاية الثمانينيات من القرن العشرين. ومن
تمظهرات ذلك على مستوى الحقل: أولاً: منهجياً، بدأ علم السياسة ينتقل من التجريب إلى الإحصاء، وهذا
تقريباً ما نجده حاضراً لدى «فوكو » عندما وَسم سلطته بالمِيكْرُو-فيزياء، وهذا رَسمٌ هندسيٌّ للسلطة. ثانياً:
نظرياً، تمّ التحول من النظرية البنائية الوظيفية إلى نظرية الخيار العقلاني، في هذا الصدد يمكن اعتبار أنّ
 
السلطة هي فعل ) action ( وخيار) action ( لأنّ أنصار هذه النظرية اتفقوا على أنّ الفعل هو الخيار، وبهذا
 
 
المعنى نجد أنّ السلطة في المنظور الفوكوي يمكن أن تخضع للحساب الرياضي خاصة في اتخاذ قراراتها،
من خلال دراسة الوضعية في كلّيتها، ثم تجزئة البدائل لاختيار البديل الأمثل. فالسلوكية تستبعد دراسة
القيم والمعايير في السلوك السياسي السلطوي وتسعى إلى تكميمه. ثالثاً: جغرافياً، بدأ الانتقال من الإطار
الدولاتي إلى الإطار الكوني العالمي، وهذا دليل على أنّ «فوكو » أراد أن ينقل معالجة الظاهرة السلطوية
من حيزها الأوروبي إلى باقي دول العالم، خاصة مع أُفول ثقافة المركز، وحلول ثقافة الهامش، كنتيجة لذلك
 
تشكّل ما يعرف بالدراسات المناطقية ) études de Régionalisme ( في الحقل السياسي )التي بدأت تبرز
 
 
معالمها الأولى مع دراسات «غابريال ألموند » و «لوسيان باي » و «سيدني فاربا »( حيث عدّت لبّ الدراسات
السياسية المقارنة، ومحور المثاقفة عبر القارية حول مفهوم السلطة. وهذا ينطبق على «فوكو » خلال
تحليله للسلطة في العالم العربي والإسلامي، مرتحلاً إلى تونس، تركيا، إيران...، هذه التقاطعات بالرغم
من وجود اختلافات بين الحقل الفوكوي والحقل السياسي المقارن، تمنحنا شرعية إحداث روابط نقدية دقيقة
يمكن أن تفتح سؤال آفاق: التحليل الفوكوي للسياسة، إلى أين؟ أعتقد أنّ «فوكو » مِهمَاز للسياسة كعلم، في
الوقت الذي لم تكن علاقته بالسياسة واضحة، هذا ما يجعلنا في تفكير دائم مع ضد فوكو بشأن السلطة.
 
-66 المرجع نفسه، ص 573
 
رابعاً: ميشيل دو سارتو 67 ؛ التفكير مع ضد فوكو حول السلطة:
 
 
يحاول فوكو حسب «سارتو » - الكشف عن حيوية هذه السلطة المُبهمة بمتابعة إنشاء «آلياتيّة صغرى »
 
instrumentalité mineure( ( وتكثيرها، الغالب سلطة تفتقر إلى من يملكها أو مكان متميّز يحتضنها
 
 
وتشتغل دون قرارات عليا أو مرؤوسين ودون قمع أو دوغمائية، ولكنها سلطة فعّالة بشكل تلقائي أو مستقلّة
بقدرتها التكنولوجية على توزيع وتصنيف وتحليل وتفريد الموضوع المُعالَج داخل فضاء محصور )وفي
هذه اللحظة تواصل الأيديولوجيا «ثرثرتها « .)» يحاول أيضاً عبر جداول عيادية ) «بانوبسية » ومُدهشة
هي الأخرى( تعيين وتصنيف القواعد العامّة وشروط الاشتغال والتقنيات والإجراءات والعمليات المتميّزة
 
والآليات والمبادئ والعناصر التي تركّب كلّها ميكروفيزياء السلطة 68» .
 
 
لكن في المقابل، يعتقد «سارتو » أنّ فكر «فوكو » حول السلطة هو نظرة للسلطة وليس نظرية، ويعتبرها
مقاربة نسقية رواقية: فالسجن، المدرسة، الأسرة أجزاء من نسق أكبر )الدولة(، فما يتغير في الجزء ينعكس
على الكل، اشتغال المؤسسات بالوتيرة نفسها، لأنّها أدوات سلطة من حيث الشكل. القوة متجسدة، ليست
هيولي أو «أبيرون » فهي في السجن )العلاقة بين الحارس والسجين(، في المصحات العقلية )بين الطبيب
 
والمجنون(، وفي المدرسة )المُلقي والمُتَلقِّي للمعلومة( 69 . الأمر الذي أكّد عليه «يورغن هابرماس Jurgen »
Habermas في وصفه ﻟ: «فوكو » بأنّه راقب بعين الرواقي سلطة العرضي )التي انتهى من تمييزها عن
السلطة بحصر المعنى بدل تأويلها في أفق التجربة المسيحية( 70 .
 
 
يرى «سارتو » أنّ «فوكو » جعل من السلطة «وحدة وجود » بالمفهوم العرفاني الثيولوجي اللاهوتي
الحلولي نظراً للحضور الكاسح بأدق التفاصيل لها، لأنّ تلك المؤسسات تختلف في وظائفها وإجراءاتها
واستراتيجياتها. السلطة هذا العنكبوت، تحرم الفرد من حرية الاختيار والقرار، فالسلطة تتجمع في بؤرة
 
وتتوزع كالنقطة التي ينطلق منها الخط. إنّ فكرة حلولية السلطة خاطئة منهجياً ﻓ: «جان ديزاج Jean »
Da’zaj ، كانت تفلت من قنوات الرصد السلطوي للمعزّم والنفساني والقاضي...، مثلما هي حيلة المستهلك
 
 
مع «فوكو »، إنّ السلطوي هو الاستراتيجي لدى «فوكو »، والتكتيكي نقد غير مباشر ﻟ «فوكو »، فهناك حيل
وتكتيكات للإفلات من سلطة المُهيمن. لكنّ هناك تداخلاً بين الاستراتيجي والتكتيكي، فكيف يمكن التفريق
 
-67 ميشيل دو سارتو 1986-1925( Michel de Certeau (، مؤرّخ وأنثروبولوجي فرنسي، شغل أستاذاً في الدراسات الثقافية في جامعة «سان
 
 
دييغو » )كاليفورنيا( وفي جامعة باريس. اشتغل على تاريخ العرفان المسيحي عند الحركة الكاثوليكية اليسوعية، ثم تفرّغ بعد ذلك إلى دراسة الحياة
 
اليومية والممارسات العملية. انظر تفاصيل حياة دوسارتو في الحوار الذي أجراه «محمد شوقي الزين » مع المفكر والمؤرخ فرانسوا دوس François
Dosse حول موضوع مفاتيح معاصرة في فهم سؤال التاريخ والذاكرة دور الاعتراف في ترتيب علاقة الذات بالآخر 20 نوفمبر 2014
-68 ميشال دو سارتو، إبتكار الحياة اليومية: فنون الأداء العملي، ترجمة وتعليق وتقديم محمد شوقي الزين، الدار العربية للعلوم ناشرون - منشورات
الإختلاف دار الأمان، بيروت - الجزائر- الرباط، ط 1، 2011 ، ص 109
-69 محمد شوقي الزين، "سجال بين الميشالين: ميشيل فوكو وميشيل دو سارتو"، مرجع سابق.
-70 يورغن هابرماس، "سهم في قلب الزمن الحاضر"، مرجع سابق.
 
 
بينهما؟، فالماء هو نفسه )سائل أو جامد(، فالاستراتيجية هي الجامد والتكتيكية هي السائل 71 .نتيجة لذلك،
 
 
أعتقد أنّ العرفان في مضمونه هو اعتراف، حلول فكرة الاعتراف في السلطة هو انحلال لها داخل مؤسسات
المجتمع وخلايا النفس البشرية، إنّ الذات السلطوية بأمسّ الحاجة إلى الاعتراف للأنا والاعتراف بالآخر.
لتتنحى جانباً فكرة الهيمنة والاستحكام المتعسف للسلطة، وتحلّ محلها سياسة الاعتراف السلطوي.
يتحدّث «فوكو » عن استخدام «تقنية » الاعتراف لترشيد العقلانية الاجتماعية السائدة، ويعتمد لفهم
وظيفة هذا الطقس، الذي يتم في إطار ديني أو تربوي محض، على تعميم بعض المفاهيم التي يستنبطها من
 
كتابات آباء الكنيسة والرّواقيين. ولقد وُجد على سبيل المثال، لدى الراهب «توماس دي فيو Thomas de »
Vue ، بصدد طقس التوبة، مفهوم فعل «الحقيقة »، وهو مفهوم كان يستخدمه الراهب في معالجته لشعيرة
 
 
الاعتراف وانطلاقاً من هذا المفهوم أخذ «فوكو » يقدّم لنا تصوره لوجدان الإنسان الغربي على أنّه «ذات »
مُطَالبة، في إطار التربية الروحية القائمة على فضيلتي الطاعة والإذعان، بالإفضاء بالحقيقة الكاملة في كلّ
 
ما يخص الكلام والأخطاء والرغبات والسلوك والحالة النفسية 72 .
 
 
وعليه فإنّ الطرح الفوكوي بهذا الشكل السارتوري يعدم السلطة على حدّ تعبير «جان بوردريار »
 
1929( Jean Baudrillard - 2007 ( في مقاربته النقدية: «عدمية السلطة »، أو كما يصفها بموت السلطة
mort du pouvoir( (. في نظري هذه المقاربة هي رؤية ) vision ( لتدمير الوعي الزائف بالسلطة،
 
 
وتعمير للوعي بالجوهر الحقيقي للسلطة. لذلك حوّرَ «فوكو » السُؤال السياسي من: «ماذا أفعل »؟ نحوَ: «إلى
أيّ حدّ تستطيع البشرية أن تتحول من ثقافتها ؟»
في ذروة الحرب الفيتنامية وفي إطار مشروع الفلاسفة العالميين، دعا الفيلسوف الهولندي «فونز إلدرز »
 
Fonz Duraz بصفته منسق اللقاء في قاعة جامعة «آيندهوفن » للتكنولوجيا بهولندا عام 1971 إلى مناظرة
تاريخية )المناظرة الرابعة( بين «نعوم تشومسكي Noam Chomsky » )من معهد «ماساتشوستسو »
 
 
الأمريكي للتقنية( و «فوكو » )من الكوليج دي فرانس( حول: «الطبيعة البشرية: العدالة ضدّ السلطة »، أُذيعت
على التلفزيون الهولندي. حيث صرّح «فوكو » بموقفه من «تشومسكي » حول السياسة قائلاً: «من المعتاد
أنّه في المجتمع الأوروبي، في فرنسا مثلاً، أن نعتبر القوة مُتموضعةٌ في يد الحكومة، وأنّها تُمارَس عبر
عدد معين من المؤسسات كالإدارة الرئاسية، والشرطة، والجيش، وجهاز الدولة. نعرف أنّ هذه المؤسسات
صُنعت لتَصنع وتبثّ عدداً معيناً من القرارات لتطبيقها ومعاقبة من لا يطيعها، ولكنّي أعتقد بأنّ ممارسة
السلطة السياسية تتم كذلك عبر عدد آخر من المؤسسات التي تتظاهر أنّها لا تملك شيئاً مشتركاً مع السلطة
السياسية وباستقلاليتها عن الدولة، غير أنّها ليست كذلك. يعلم المرء أنّ الجامعة، وبصورة عامة كلّ الأنظمة
التعليمية التي تبدو وكأنّها ببساطة تنشر المعرفة، فقط صُنعت للمحافظة على طبقة اجتماعية معينة في
 
-71 محمد شوقي الزين، «سجال بين الميشالين: ميشيل فوكو وميشيل دو سارتو »، مرجع سابق.
-72 محمد علي الكردي، نظرية المعرفة والسلطة عند ميشيل فوكو، مرجع سابق، ص ص 424 - 4
 
موضع القوة، ولحصر امتلاكها لأدوات القوة دون الطبقات الاجتماعية الأخرى مثل مؤسسات المعرفة،
الوعظ والرعاية كالطب تساعد أيضاً على دعم القوة السياسية، هذا الأمر واضح جداً، وفي حالات معينة،
متعلقة بالطب النفسي يظهر بشكل مفضوح وعارٍ، والعدالة مثال آخر على ذلك، يبدو لي أنّ المهمّة السياسية
الحقيقية، في مجتمع كمجتمعنا، هي نقد عمل المؤسسات، وخاصةً تلك التي تبدو ظاهرياً كأنّها محايدةٌ
ومستقلةٌ، أي نقدها ومهاجمتها بطريقة يُنزع النقاب فيها عن العنف الذي تتضمنه بحيث نكون قادرين على
النضال ضدّها .»
إذن من هذا المقول نستنتج أنّ «فوكو » اقتحم بمِعوله الحافر عن المتواري والمتخفّي في السلطة، والناجز
أنّ سلطة الدولة ومؤسساتها هي ظاهر يَنمُّ عنه باطن هو حقيقة السلطة، دائماً تحتل السلطة مركز المجتمع،
لكن في الآن نفسه تنتشر بشكل أُخطبُوطي، فالسلطة الفوكوية لها منطق داخلي مركب اشتغل «فوكو » على
تفكيكه والحفر المعرفي في طبقاته المتراصّة. نلاحظ أنّه بين كل طبقة وأخرى مصلحة تخفيها المؤسسة،
لذلك لا بدّ من التعويل على النقد المؤسساتي للتمييز بين المحايد والمحابي. رغم أنّ الحياد السياسي مُتعذّر
داخل مؤسسات النظام السياسي وسلطته. بسبب التعقيد المتواجد في «العلبة السوداء » - كما يشير إليها عالم
 
السياسة الأمريكي السلوكي «دافيد ايستن David Easton » في تحليلاته النسقية الواردة في مؤلفه: «تحليل
 
 
النظام السياسي » - التي في الحقيقة هي لعبة السلطة.
 
الخلاصة:
 
 
 
ترتيباً على ما تقدم، نستنتج أنّ مرحلة ما بعد ثورة ماي 1968 جعلت «فوكو » يُحدث فارقاً جذرياً في
 
 
الفلسفة السياسية المعاصرة بالحفر عن «المسكوت عنه » بتعبير «فيجنشتاين » أو «هايدغر »- في مفهوم
السلطة، وذلك بهدم أهم المسلمات التقليدية للسلطة )التملك، والاختزال، والتبعية، والجوهر...(. من هنا
طرح «فوكو » تصوره المِيكْرُو-فيزيائي للسلطة، وعليه لامست هذه الأخيرة باستراتيجياتها تخوم السياسي،
ما شكّل بؤرة بداية لتكنوقراطية السلطة لدى «فوكو » لأنّها تستعين بأدق العلوم تخصصاً للنفاذ إلى علاقات
القوى العنكبوتية فيها: الذات والموضوع، المعرفة والجهل، الجسد والروح، الزمان والمكان...، لكن انفلتت
السلطة من القبضة نظراً لاختراقها ظواهر المجتمع ومؤسساته، وعليه لا بدّ من دراستها فينومينولوجياً
وتأويل مجرياتها العينية للوصول إلى حقيقة السلطة وتفادي سلطة الحقيقة، وهو اللاّمُفَكَّر فيه: ]الفلسفة -
السلطة[، وانتشار قوى السلطة داخل الجسد الاجتماعي يزيح إلى فواعل سوسيولوجية تؤثر في السلطة،
وهو المفكر بِه: ]السياسة - السلطة[.
في الوقت نفسه تبدو السلطة عند «فوكو » متماهية مع المجتمع، فلا يمكن تمييزها عنه، وهي ترتدي
مَنزع العرفان الحلولي، والحل في رأي «دو سارتو » هو فك الاستراتيجي عن التكتيكي لتجاوز أو تأطير
ما هو غير سياسي في السلطة، إذن تكمن ماهية السلطة في تسلُّط المُهَيْمِن على المُهَيْمَن عليه، ومن الناحية
 
التقنية هي علاقات قوى، ومن الوِجهة الفينومينولوجية والتفكيكية هي الجانب الخفي الحاضر الغائب. وعليه
فالسلطة عند «فوكو » ترتكز على «مبنى » و «معنى » في الوقت نفسه، لكنّ المبنى هو الثانوي والعرضي،
والمعنى هو الأساسي والجوهري، من حيث انفلات علاقاتها من المؤسسي إلى اليومي العادي، من حيث
 
تحوّل القوى من الهيكل ) Forme ( إلى التفاعلات اللارسمية ) Interaction (. هذا ويمكن أن تشكل مقاربة
فوكو للسلطة إضافة للسياسة ) Politic ( في أدواتها واستراتيجياتها كعلم، أي إنجاز المُفَكَّر به داخل هذا
 
 
الحقل الذي جعله أكثر ديناميكية.
 
 
بيبلوغرافيا المصادر والمراجع
 
 
 
- إوالد )فرانسوا(، «ميشيل فوكو: الانهمام بالحقيقة »، في: جاك دريدا وآخرون، مسارات فلسفية، ترجمة محمد ميلاد، دار
الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية سورية، ط 1، 2004
- بادي )برتراند( وغي هيرمت، السياسة المقارنة، ترجمة عز الدين الخطابي، المنظمة العربية للترجمة مركز دراسات
الوحدة العربية، بيروت، ط 1، 2013
- بروكر )بيتر(، الحداثة ومابعد الحداثة، ترجمة عبد الوهاب علوب، منشورات المجمع الثقافي، أبوظبي، ط 1، 1995
- بن جيلالي )محمد أمين(، «دينامية التجديد الإبستيمولوجي لمفهوم الدولة وفق السياسة المقارنة »، مجلة أكاديميا للدراسات
السياسية والإدارية، العدد الثاني، مخبر إصلاح السياسات العربية في ظل العولمة، كليّة الحقوق والعلوم السياسية، جامعة
الشلف، 2014
 
- جمعة )قاسم(، «المثقف والسياسة: مدخل أولي لفهم السياسة عند ميشيل فوكو »، في: علي عبود المحمداوي وآخرون،
الفلسفة السياسية المعاصرة: من الشموليات إلى السرديات الكبرى، مراجعة: إسماعيل مهنانة ومحمد شوقي الزين، ابن
النديم دار الروافد الثقافية، وهران بيروت، ط. 1، 2012
- الحسناوي )مصطفى(، فوكو والسياسية، منشورات الاختلاف، المغرب، ط. 1، 2003
- الداوي )عبد الرزاق(، موت الإنسان في الخطاب الفلسفي المعاصر: هايدجر، ليفي شتراوس وميشيل فوكو، دار الطليعة
 
للطباعة والنشر، بيروت، د.ت.
- دو سارتو )ميشال(، ابتكار الحياة اليومية: فنون الأداء العملي، ترجمة وتعليق وتقديم محمد شوقي الزين، الدار العربية
للعلوم ناشرون - منشورات الاختلاف دار الأمان، بيروت الجزائر - الرباط، ط 1، 2011
- دولوز )جيل(، المعرفة والسلطة: مدخل لقراءة فوكو، ترجمة سالم يفوت، المركز الثقافي العربي، بيروت- الدار البيضاء،
 
د.س.ن.
- رابينوف )بول(، فوكو مسيرة فلسفية، ترجمة جورج أبي صالح، مركز الإنماء القومي، القاهرة، 1990
- الزين )محمد شوقي(، الإزاحة والاحتمال: صفائح نقدية في الفلسفة الغربية، الدار العربية للعلوم ناشرون منشورات
الاختلاف، الجزائر بيروت، 2008
- سو )روجيه(، المجتمع المدني في مواجهة السلطة، ترجمة صلاح نيوف، مطبعة العلوم السياسية، باريس، 2003
- شحرور )محمد(، الدين والسلطة: قراءة معاصرة للحاكمية، دار الساقي، ط 1، 2014
- العيادي )عبد العزيز(، فلسفة الفعل، مكتبة علاء الدين، صفاقص، ط. 1، 2007
 
- غراش )جون(، «فلسفة الدين من وجهة نظر فينومينولوجية تأويلية وسبل التداوي بالتفلسف »، حاوره: محمد شوقي الزين،
نشر في: مجلة يتفكرون، العدد السادس، مؤسسة مؤمنون بلاحدود، الرباط، 2015
- فوكو )ميشيل(، حفريات المعرفة، ترجمة سالم يفوت، المركز الثقافي العربي، بيروت الدار البيضاء، ط 2، 1987
إرادة المعرفة، ترجمة مطاع الصفدي، جورج أبي صالح، مركز الانماء القومي، بيروت، 1990
- القمودي )سالم(، سيكولوجية السلطة بحث في الخصائص النفسية المشتركة للسلطة، مكتبة مدبولي، ط. 1، 1999
- الكردي )محمد علي(، نظرية المعرفة والسلطة عند ميشيل فوكو، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، د. س. ن.
- مونو )جان كلود(، «ميشيل فوكو: ميكروفيزياء السلطة »، في: بول ريكور وآخرون، في الترجمة والفلسفة السياسية
والأخلاقية، ترجمة عز الدين الخطابي، منشورات عالم التربية، الدار البيضاء، 200
 
- نيوف )صلاح علي(، مدخل إلى الفكر السياسي الغربي، الجزء الأول، كليّة القانون والعلوم السياسية، الأكاديمية العربية،
 
الدانمارك، د.ت.
- يفوت )سالم(، سلطة المعرفة، الرباط، دار الأمان، 2005
- Foucault (Michel), L’ordre du discours, Gallimard, 1971.
- ________, La volonté de Savoir, Gallimard, 1976.
 
 
-________, Dits et ecrits (1954-1988), t4, Gallimard, 1994.
- L. Dreyfus (Hubert) and Paul Rabinow, Michel Foucault: Beyond Structuralism and Hermeneutics, the
University of Chicago Press, Second Edition, 1983.
- O’Farrell (Clare), Michel Foucault, SAGE Publications Ltd, London, First published, 2005.
- Sue (Roger), La société civile face au pouvoir, Presses de sciences politique, paris, 2003.
 
 

ليست هناك تعليقات: