الاثنين، 31 أكتوبر 2016

في إشكالية العقل المكوِّن والعقل المكوَّن؛ غالب حسن الشابندر.


في إشكالية العقل المكوِّن والعقل المكوَّن

غالب حسن الشابندر
(إيلاف؛ أيلول 2009)



طرح الفيلسوف الفرنسي (لالاند) في كتابه (العقل والمعايير) مصطلح (العقل الناظم والعقل المنظوم) أو بتعبير بعض المترجمين (العقل المكوِّن والعقل المكوَّن)، وقد تحول هذا النحت الى مشروع وفكرة وفلسفة وآلية تفكير نقدي، ومن الكتَّاب العرب الذي أُفتتنوا بهذا التقسيم المفكر العربي محمد عابد  الجابري، فقد كان بمثابة البنية التحتية لتنظيره عن (العقل العربي)، هذا العقل الذي خضع لتشطير جراحي قاس، لا يعرف التداخل والتشارط والتفاعل، بحيث كأننا أمام عملية حسابية تجري على شكل مربع معلوم المساحة والمحيط، فقد  نوّع الجابري العقل العربي في ثلاث خانات متناظرات على سبيل الاستقلالية المطلقة، هي (البيان) و(البرهان) و(العرفان)، مماهيا بين الجغرافية وطبيعة التفكير، واضعا بداية مفجعة لشوفينية عقلية في عالمنا العربي والإسلامي، وكأن العقل كائنا لاهوتيا مستقلا، لا يتأثر بمقترب خارج دائرته ومملكته، وكأن السحر والغنوص والروح والضمير والوجدان كائنات مستقلة، غرف متجاورة، لا واسطة بينها، ليس للعقل أن يتلامسها أو يمازجها أو يداخلها قيد أنملة، والعكس صحيح أيضا، فيما تنحى الدراسات الحفرية الجديدة إلى اكتشاف المعقول في اللامعقول، واللامعقول في المعقول، وتتحرى الدراسات الحفرية الجديدة التسرُّبات المشتركة بين العقيدي والعقلي والوجداني، في ملحمة ساخنة من مبررات ترجيح القراءة السياقية للأحداث والافكار والنصوص، فليس المُنتًج كائنا بريئا، يلد من دون سفاح مختلط غاية الاختلاط.
ماذا يقصد (لا لاند) من هذا التقسيم؟إذا كان (العقل المكوَّن) هو: ( تلك المنظومة العامَّة من القواعد المشكَّلة والحقائق المقرَّرة التي لا تعبر في كل آن، مهما تكن ثمينة، إلاّ عن مقتضى الحضارة البعيد عن أن لا يكون كاملا) فإن تعريف (المكوِّن) هو: (منظومة المباديء المقررة والمُصاغة التي لا تتغير إلاّ ببطء شديد بحيث يمكن اعتبارها، من منظور الأفراد وظروف الحياة بمثابة حقائق أبدية) / نظرية العقل لجورج طرابيشي ص 14 /
تعريف الرجل لكلا  النموذجين لا يخرج عن منظومة القواعد والمباديء بشكل عام، ليس هنا إشارة  إلى العقل كـ (عضو) تفكير، وتعريف العقل بهذا اللحاظ  ليس جديدا، ولكن الجديد هو معاينة هذه القواعد والمباديء على مستوى نفوذها الروحي والفكري في سياق تقدير زمني يتفاوت بين السرعة والبطء من مجتمع لآخر، ومن حقبة زمنية لأخرى، فكلا النموذجين خاضع للتغير، وكلا  النموذجين سوف يودعه التاريخ! ويبدو من ملاحظة الجو العام للتعريفين، إن العقل المكوِّن هو المسؤول عن ضدِّه!، ولكن من حقنا أن نتساءل أليس العقل المكوِّن ما دام هو عبارة عن منظومة مباديء وقواعد سوى عقلا (مكوَّنا) بالاساس؟! وقد تكوَّن بفضل عقل سابق عليه.
يبدو  أن هذه الإشكالية هي التي دفعت إلى اجتراح تعريف آخر للعقل (المكوِّن) على يد بعض المنطقيين وا لمفكرين والفلاسفة كما ينقل لنا جورج طرابيشي في كتابه السابق، فهو ينقل لنا تعريف الفيلسوف الفرنسي (بول فوكيه) ما نصُّه: (الملكة التي يستطيع بها كل إنسان أن يستخرج من إدراك العلاقات بين الأشياء مباديء كلية وضرورية، وهي واحدة عند جميع الناس) / المصدر ص 12 /
الملكة غير منظومة القواعد والمباديء بطبيعة الحال، وليس من شك لا يمكن الجزم بأن منظومة العقل المكوِّن واحدة لدى جميع البشر، فيما الملكة المشار إليها في تعريف (فوكيه) هي  واحدة، وفي معرض التفصيل نأ تي على مناقشة موضوع الملكة إن شاء الله تعالى.
يعبر (لالاند) عن العقل المكوَّن بـ (العقل السائد) وعن العقل المكوِّن بـ (العقل الفاعل)، كما ينقل أصحاب الترجمة والمعرفة بفكر (لالاند)، والاول سائد لانه يهيمن على طريقة التفكير في فترة تاريخية معينة، فيما الأول فاعل لأنه هو المسؤول عن إنتاج العقل (المكوَّن)، ولا يستقيم مثل هذا التوضيح من دون الإقرار بان العقل (المكوِّن) هو هذا  العقل ذاته، اي هذا العضور المفكِّر لدى الانسان، وليس منظومة المباديء والقواعد المزعومة، لانها هي بالتحليل الاخير عقل مكوَّن، اي عقل مُنتَجْ.
لم اطلع على نموذج للعقل المكوَّن، اي على مفهوم أو قاعدة سائدة معينة في  ظرف زمني معين لكي تكون مقياسا للتعريف أو للتوضيح، وهذا مما يزيد في مشكلة هذا التقسيم، فهل نعتبر (السببية) مثلا نموذجا هنا، باعتبار أنها كانت بمثابة مفهوم سائد وآلية حاكمة لتوجيه فهمنا للكون والحياة والإنسان فيما يرفض العلم اليوم ذلك؟!، وهل نقيس على ذلك ما يقال عن الكثير من المفاهيم والمباديء مثل (الغريزة) و(الطبيعة)، حيث تعرضت للنقد والتجريح والتغيير بل وللإلغاء أحيانا؟ وهل يشمل ذلك طرق التفكير ايضا؟ ففيما كان القياس الارسطي  يمثل عمود الاستدلال يتعرض اليوم للمسائلة والنقد بل والإلغاء لدى بعض المنطقيين؟ فهل طرق التفكير من العقل المكوَّن أم من العقل المكوِّن، وماذا إذا تعرضت للتزييف والتنفيد؟
قد يتناهى الى فهم  المفكرين وا لمهتمين في الفكر الفلسفي والمنطقي إن المعلومات الاولية التي يعتبرها المذهب العقلي إنها سابقة على التجربة هي العقل (المكوِّن)، أي تلك المعلومات التي يحتاجها الإنسان في ممارسة دوره المعرفي والتي تسبق التجربة بكل نماذجها، بل التجربة هي في حاجة إليها، فكما يرى المذهب العقلي إن هذه المعارف هي الإطار التي تنتظم في داخله معارفنا وعلومنا، وهي معارف تصورية وتصديقية، لا تحتاج إلى  دليل أو برهان، بل كل عملية برهانية ترجع إليها في التحليل الاخير، سواء كانت هذه المعارف البدهية تصورية أو تصديقية، مجودة فعلا في الذهن والخارج أم هي من خلق الذهن صرفا، وذلك مثل تصور العلية والزمان والمكان والوجود والعدم والحرارة والبرودة، ومثل قولنا أن الكل أكبر من جزئه، وان المتناقضين لا يجتمعان ولا يرتفعان، وما شابه ذلك، على اختلاف بين أساطين هذه المذهب في تعدادها وتسميتها، وعلى اختلاف ايضا فيما بينهم على علاقتها بالعقل والوجود.
هذه المبادئ والقواعد يرفض المذهب التجريبي فطريتها، ولكن رغم ذلك، قد تكون بمثابة العقل المكوِّن، لبسبب بسيط، ذلك كونها تدخل في كل معارفنا وما نستحصل عليه بالكسب والبحث، وبالتالي، هي المعرفة الناظِمة، أو العقل الناظِم للمعرفة، وما يتأسس في إطارها هو (العقل المكوَّن) أو العقل (المنظوم)! ولكن ليس من المعلوم إن قصد (اندريه لالاند) يتفق مع  هذا التفسير بشكل نهائي، وفيما ثبت أنَّ هذه المعلومات الفطرية الاولى هي تجريبية أيضا، فهل تصمد أمام وصفها بأنها هي الاخرى في نفس الوقت (عقل مكوًّن)؟!
يقول الدكتور (عادل عوا) في توضيح مقصد (لالاند) في ترجمته للكتاب المذكور: [ويميِّز (لالاند) في ما يُسمَّى عادة باسم (العقل) أمرين: الاول هو جملة قواعد يمكن صياغتها،وهي التي سعى الفلاسفة إلى تبيانها وحصرها وايضاح أصلها وإظهار عملها، وهو هذا النشاط المحدد الذي يقوم به الفكر عندما يعرب الفكر عن ذاته في تلك القواعد، غير أن العقل يتجاوز هذه القواعد باستمرار، يتجاوزها دوما، وقد اقترح علاَّمتنا اطلاق اسم (العقل المكوَّن) أو المنظوم على المنحى الاول، أي على القواعد والمباديء العقلية، واسم (العقل المكوِّن) أو الناظم على فاعلية العقل الدائبة ا لمتجاوزة لكل جاهز راهن] / العقل والمعايير لالاند ترجمة عادل عوا / 1966 ص 56/ 
ولكن ما هو هذا العقل المتجاوِز؟ هل هو مبادئ سامية تعلو فوق التجربة أم هو مباديء مستلة من تجاربنا؟ هل هو هذا النشاط الذهني المجرد؟
هناك كلام ينصرف لهذا المعنى وكلام لذاك! مما يدل على أن الفكرة ليست واضحة  بشكل يدعو إلى الاطمئنان حقا.
يقول العوا في تفسير وتوضيح له عن العقل الناظِم بأنه متصف (بصفة متعالية على التجربة دوما) / ص 58 / وإن العقل المنظوم بأنه (عقل الحضارات المتعاقبة في مدارج المدنية) / نفس الصفحة / وفي ضوء هذا التمييز فإن العقل المكوِّن أو العقل الناظم كما يبدو هو العقل الذي يتساوى فيه البشر، موجود لدينا جميعا، أو هو هذه المباديء الفطرية الاولى... رغم ما يمكن أن يثار حول الفهم الثاني هذا من إشكالات... ومثل هذا المنحى في تفسير العقل الناظم والمنظوم يشكل انتصارا  للمذهب العقلي بطبيعة الحال.
يقول (لالاند) نفسه عن العقل المنظوم: (... العقل المنظوم... هو العقل كما يوجد في وقت مُعطى، وإذا تحدثنا عنه بصيغة المفرد، وجب أن نفهم منه أنه يدل على العقل الماثل في  حضارتنا وعصرنا. وإذا شئنا الدِّقة التامة قلنا: العقل الماثل في مهنتنا، لان العقل ليس بواحد لدى الرّسامين والعلماء، بل لدى علماء الطبيعة وعلماء الحياة، وإن الإنتقال من وسط إلى وسط يضطرنا في الغالب إلى شرح ما يعتبر في المحل الآخر بداهة أو يضطرنا إلى البرهان عليه) /ص 75 / ومن خلال هذا الطرح المركز المكثف، يكون العقل المكوَّن أو المنظوم هو عقل مرحلة معينة، يخص مجالا معينا، يتعرض للتغيير والتبديل والنقض والتعديل والإضافة والنقصان، فهناك عقل فيزيائي منظوم، وعقل كيميائي منظوم، وعقل تاريخي منظوم، وعقل فني منظوم، وعقل اجتماعي منظوم، وهناك عقل فلسفي ومنطقي وحكمي منظوم، لأنه مُعْطى، وليس مُلهما، ولا فطريا، ولا موهوبا، وهو المسؤول عن الاتساق الاجتماعي، وعمران الحياة، وتدبير السياسة، وتصميم العلاقات الاجتماعية، ولكنه يتغير، ما نقرأه عن المُنجَز الفيزيائي والرياضي والكيميائي والتاريخي والجغرافي والادبي والفني في فترة من الفترات في مجتمع من المجتمعات هو العقل المنظوم، فإن مفاهيم ونظريات وقوانين هذه العلوم قابلة للنقض، يتجاوزها الفكر والعقل والعلم عاجلا أو آجلا، وبالتالي، هي عقل مرحلي، الجاذبية والسببية والعقل الباطن والعقل الجمعي ونظرية الاثير ونظرية بطلاموس ونظرية الانزياح المجازي ونظرية فائض القيمة ونظرية وغيرها من النظريات والمعادلات الطبيعية هي عقل منظوم، رغم إنها تساهم في النظم المعرفي، ولكن مساهمة عرضية وليست أصيلة، إذن ما هو العقل المكوِّن أو الناظِم؟
هل هو العقل الذي يعبر عنه بعض فلاسفة المسلمين بالنور، والغريزة المفكرة؟ أم هو في حد ذاته أيضا مجموعة قواعد ومباديء، أو هو تلك الأوليات من التصورات والتصديقات البديهية التي تنتظم في نطاقها المعرفة البشرية كلها؟
ليس هناك وضوح فيما كتبه (لالاند) نفسه كما جاء في كتابه (العقل والمعايير)، وفي ما نقل عنه من ترجمات وتوضيحات هنا وهناك.
العقل المنظوم حقا سوف يتجاوزه العقل الناظم باستمرار، أم هناك من منجزات العقل الناظِم ما يبقى صامدا أمام التغيير، والتحويل، بل ربما تتراكم بسببه المعارف المنظومة، وتتاسس ببركته النظريات والرؤوى، وتكتشف بفضله الحقائق الطبيعية والاجتماعية والنفسية؟ نعم قد يصبح عقلا قديما، يتجاوزه العقل الناظِم زمنيا وليس معرفيا. وما هي التسمية التي تستحقها المعارف الرياضية الثابتة، والتي تتميز بالقدرة على الثبات، وحسب بعض النظريات إنها معرفة عقلية لا تزيدها التجارب نقصا ولا قوة، وهي واحدة في كل زمان ومكان، ترى هل هي عقل ناظِم أم عقل منظوم؟ وهل اختصاص هندسة إقليدس بالا جسام بعالمنا المسطح دون عالم مكوَّر أو عالم مقعَّر يرمي بها إلى خانة العقل المكوِّن / الناظِم أم تبقى ضمن خانة العقل الآخر، ما دامت تتميز بهذا الصمود الزمني المثير، وما دامت كونها عقلا مؤسسِّا، يؤسِّس بعضه بعضا؟
يمكن أن يثار هنا موضوع الاعراف والتقاليد والعادات الاجتماعية با عتبارها تشكل نموذجا من نماذج العقل بشكل من الأشكال، وليس من شك إن هذا العقل يتجاوزه الزمن، ويتخطاه، وينطبق عليه مفهوم العقل المنظوم، ولكن يجب الالتفات إلى أن مثل هذا العقل لا يملك  اتسا قا وتماهيا مع ذاته ومع الواقع مثل ما تتصف به القواعد والمباديء الريا ضية مثلا.... ولنا عودة إن شاء الله.
ملاحظة: هذا فصل قصير من كتاب معد للطبع بعنوان (العقل... إشكالية التعريف).

الأحد، 30 أكتوبر 2016

نحو إرساء نظرية العقل الفاعل والعقل المنفعل؛ علاء الدين الأعرجي.


نحو إرساء نظرية العقل الفاعل والعقل المنفعل

 علاء الدين الأعرجي.
http://www.startimes.com/?t=17869455

"العقل المنفعل": هو تلك الملَكة التي يكتسبُها الفردُ من مُحيطه، ويستخدمُها في التفكير والتعامُـل مع الآخرين، واتِّخاذِ قراراته التي يُميِّز بها بين الصالحِ والطالح، والصحيحِ والخطإ، والخير والشرّ، في إطار مجتمعٍ مُعيَّن، وفي حدود زمنٍ معيَّن؛ أو هو مجموعةُ المبادئ والمعايير التي يفرضُها "العقلُ المُجتمَعيّ" والتي يتَّخذُها الفردُ مِقياسًا لمعظم أحكامِه وقراراتِه.
"العقل الفاعل": فإنه يدلُّ على تلك الملَكة الذهنيَّة الطبيعيَّة التي تولَد مع الإنسان، ثمَّ تَضمرُ تدريجيًّا، بسبب تأثير العقل المُنفعِل وسيطرته على العقل الفاعل، وقد تنمو لدى بعض الأشخاص، فتـُؤَدِّي إلى تساؤلِها عن قيمة مبادئ المجتمع وأعرافِه ومُعتـقـداتِه ومدى مِصداقـيَّـتها وصلاحيَّـتها للعـقـل الفاعل وللمجتمع؛ أو قد تـُحاور، لِمامًا، "العقلَ المُنـفعـِل" و/أو تـُجادلُه، و/أو تحـلِـلـُه وتحاسبُه على ما يحملهُ من قِيَمٍ ومفاهيم ليست من مُبتكَراتِه، بل ممَّا فرضَه عليه العقلُ المُجتمَعيّ.
لدى الشروع بالنظر في كتاب "تكوين العقل العربيّ" لمحمَّد عابد الجابريّ، منذ سنوات، استرعى انتباهي، بوجهٍ خاصّ التميـيـزُ الذي أقامه لالاند A. Lalande بين العقلِ المُكوِّن(بالكسر) أو الفاعل La raison constituante والعقلِ المُكوَّن(بالفتح) أو السائد La raison constituée، حيث عرَّفَ الأوَّل بأنَّه :"النشاط الذهنيّ" الذي يقوم به الفكرُ حين البحث والدراسة، والذي يصوغ المفاهيم ويُقرِّر المبادئ؛ وبعبارة أُخرى إنَّه : "الملَكة التي يستطيع بها كلُّ إنسانٍ أن يستخرجَ من إدراك العلاقات بين الأشياء مبادئَ كـُـلـِّـيِّة وضروريِّة، وهي واحدة عند جميع الناس." أمَّا الثاني، أي العقل المُكوَّن، فهو: "مجموع المبادئ والقواعد التي نعتمدها في استدلالنا،" وهي على الرغم من كونها تميلُ إلى الوحدة، فإنَّها تختلف من عصرٍ لآخر، كما قد تختلف من فردٍ لآخر. يقول لالاند: "إنَّ العقلَ المُكوَّن، والمتغيِّر وإن يكُن في حدود، هو العقل مثلما هو كائنٌ في حقبةٍ زمنيَّةٍ معيَّنة. فإذا تحدَّثـنا عنه بالمفرد (العقل)، فيجبُ أن نفهم منهُ العقلَ كما هو في حضارتنا وفي زمَنِنا"؛ وبعبارةٍ أُخرى إنَّه "منظومةُ القواعد المقرَّرة والمقبولة في فترةٍ تاريخيَّةٍ ما، والتي تُعْطى لها خلال تلك الفترة قيمة مُطلقة." (1)
ومع أنَّ هذه التعريفات قد تكون مُقارِبة، بعض الشيء، لمفهوم العقل المُكوِّن الفاعل والعقل المكوَّن السائد، إلاَّ أنَّني وجدتُها غامضة، وربَّما تؤدِّي إلى الَخلط بين هذين المفهومَين، وذلك خلافًا لكتابات الجابريّ الأُخرى التي تتميَّز بالدقَّة والوضوح. (2)
ولئن عدتُ إلى بعض الأصول التي يعتمدُ عليها الجابريّ ومنها "مُصطَلحُ الفلسفة التـِّـقـنيّ" للالاند (3) وحصلتُ على خلفيَّاتٍ ومعلوماتٍ مفيدةٍ عن هذين المُصطلحَين، غير أنَّ الغموض ظلَّ قائمًا في ذهني بشأن التعريفات المطروحة سابقًا.
ولدى إمعاني النظرَ في كتاب جورج طرابيشي في "نظريَّة العقل"، لاحظتُ أنَّني لستُ وحدي الذي كنتُ أُعاني من هذا الغموض بل التناقض أحيانًا، لأنَّ الطرابيشي نفسه قد لاحظ ذلك، حتَّى بعد العودةِ إلى الأُصول. (4)
بيدَ أنَّني حاولتُ الاستفادةَ من هذَين التعبيرَين في تحليل سلوك العقل البشريّ وتفسيره، بعد التصرُّف والتوسُّع في مفهومَيهما، وإجراء التعديل اللازم على اللفظ الثاني، ابتغاءً لقراءتهما على النحو التالي: "العقل الفاعل" La raison active و"العقل المنفعل" La raison passive . وهكذا تجاوزنا مفهوم كل من هذين المصطلحين الوارد لدى لالاند أولا ثم الجابري ، ليُـصبحَ لكلٍ منهما مفهومٌ واضحٌ وجديدٌ يضعنا في طريقِ إنشاءِ نظريةٍ تحللُ وتفسرُ مظاهرَ التقدم ِ والتخلفِ في المجتمعات، وتكمل نظرية العقل المجتمعي وترفدها، بالتفصيل الوارد أدناه.
وسنُحاول أن نُعرِّفَ أوَّلاً "العقل المُنفعِل"، لأنَّه سيُوضِّح مفهوم "العقل الفاعل" على نحوٍ أفضل، فنقول: هو تلك الملَكة التي يكتسبُها الفردُ من مُحيطه، ويستخدمُها في التفكير والتعامُـل مع الآخرين، واتِّخاذِ قراراته التي يُميِّز بها بين الصالحِ والطالح، والصحيحِ والخطإ، والخير والشرّ، في إطار مجتمعٍ مُعيَّن، وفي حدود زمنٍ معيَّن؛ أو هو مجموعةُ المبادئ والمعايير التي يفرضُها "العقلُ المُجتمَعيّ" (كما حددَّناه سابقًا)، والتي يتَّخذُها الفردُ مِقياسًا لمعظم أحكامِه وقراراتِه.
فنحن حين نُفكِّرُ أو نتعاملُ مع الآخرين، أو نتَّخذُ قراراتِنا، نضعُ غالبًا في اعتبارنا، شعوريًّا أو لا شعوريًّا، المُستلزَماتِ والقـيّم التي يفرضُها المجتمع،ُ والتي نخضعُ لها عادةً أو نحترمُها في الغالب، شئنا أو أبَينا، وهي مُتغيِّرة بتغيُّر الزمان والمكان.
أمَّا تعبيرُ "العقل الفاعل"، فإنه يدلُّ على تلك الملَكة الذهنيَّة الطبيعيَّة التي تولَد مع الإنسان، ثمَّ تَضمرُ تدريجيًّا، بسبب تأثير العقل المُنفعِل وسيطرته على العقل الفاعل، وقد تنمو لدى بعض الأشخاص، فتـُؤَدِّي إلى تساؤلِها عن قيمة مبادئ المجتمع وأعرافِه ومُعتـقـداتِه ومدى مِصداقـيَّـتها وصلاحيَّـتها للعـقـل الفاعل وللمجتمع؛ أو قد تـُحاور، لِمامًا، "العقلَ المُنـفعـِل" و/أو تـُجادلُه، و/أو تحـلِـلـُه وتحاسبُه على ما يحملهُ من قِيَمٍ ومفاهيم ليست من مُبتكَراتِه، بل ممَّا فرضَه عليه العقلُ المُجتمَعيّ.
يُلاحَظُ من ذلك أنَّ "العقل الفاعل" يُمثِّلُ الجانبَ الطبيعيّ "الحُرّ" من عقل الإنسان، الجانب المُتحفِّز المُتسائل والمُشكِّك والمُبدِع والمُتطلِّع نحو اكتشاف آفاقٍ جديدة في كلِّ شيء، سواءٌ على صعيد الإنسان ذاته أو في ميادين مجاهيل الحياة والطبيعة والكون، أو على صعيد مجتمعه.
وانطلاقًا من هذَين التعريفَين، وإيضاحًا واستكمالاً لفرضيَّة أو نظرية العقل الفاعل والعقل المُنفعِل، وأهمِّـيَّتها على الصعيد الفرديّ والاجتماعيّ، لا بدَّ من إيرادِ هذه المُلاحظات الاستقصائيَّة المُختصرة:
1- يولَدُ كلُّ فردٍ بعقلٍ واحد هو "العقل الفاعل"، الذي يكون في مُنطلقاته الأُولى عقلاً "بِدائيًّا" أقربَ إلى الغريزة منه إلى "العقل الناضج"، ولكنَّه قد يزدادُ نموًّا خلال سنوات العُمر التالية.
ولدى اختلاط الفرد بأعضاء المجتمع الآخرين، بأبوَيه أوَّلاً، ثمَّ رفاقِه ومُدرِّسيه فيما بعد، يبدأُ الصراعُ بين العقل الفاعل الطبيعيّ والعقل المُجتمَعيّ المُكتسَب، الذي يُغذِّي العقلَ المُنفعِل، وتكون الغَلبةُ للعقل المُنفعِل عادةً، لأنَّه هو العقلُ السائد. فيبدأ الطفلُ في تعلُّم الخضوع للقواعد التي يسلُكها المجتمع، لأنَّه سيُعاقَبُ لو عصاها، بشكلٍ أو آخر، وإذا اتَّبعها فإنَّه سينال رضا أبوَيه ومُعلِّميه أو اعجابهم ؛ لذلك فلا مفرَّ من اتِّباعها في العادة.
وفي هذا السياق، فإنَّ المُجتمعات تتفاوتُ في مدى فَرضِ تلك القواعد واحترامها؛ فكلَّما ارتفعَ المجتمعُ في سلَّم التطوُّر والتقدُّم والديمقراطيَّة، بالمعنى الحديث، مُنِحَ الطفلُ قَدرًا أكبر من الحرِّيـَّة والاختيار. وكلَّما انخفضَ في ذلك السلَّم، كان العكسُ صحيحًا. ومع مُراعاةِ النتائج الإيجابيَّة والسلبيَّة لهذه الحُرِّيـَّة، وتفاوُتِ الأفراد في الاستفادةِ منها أو إساءةِ استعمالها، فإنَّ نتائجَ الأبحاث النظريَّة والعلميَّة الحديثة رجَّحتْ أنَّ منحَ الطفل قَدْرًا مُعيَّـنًا من حُرِّيـَّة التصرُّف -أي استخدام عقله الفاعل- المصحوبة بحُسن التوجيه والـتـثـقـيف والتعليم دون ضغطٍ أو تلـقـين، يُؤدِّي، بالنسبةِ للأغـلبـيَّة العُظمى من أفراد المجتمع، إلى بناءِ شخصيَّة الفرد، وحَـفـْـزِ قُدراته الذاتـيَّـة للخلقِ والإبداع. (5)
وعلى صعيدِ المجتمع العربيّ، فقد تعوَّدنا منذ نعومة أظفارنا الخضوعَ لـ"العقل المُجتمَعيّ"، أو بالأحرى تعزيزَ عقلنا المُنفعِل على حساب عقلنا الفاعل. وذلك أسفرَ عن إنشاءِ جيلٍ واهن قـلما يُحقـِق مُنجَزاتٍ كبيرة، سواءٌ على الصعيد الشخصيّ، أو على الصعيد المُجتمَعيّ. لذلك فإنَّ إنشاء 200 جامعة في الوطن العربيِّ، وتخريج قرابة 12 مليونا من المتعلِّمين والمتخصِّصين، لم يتمخَّض عن تحقيق نتائجَ كافية سواءٌ على الصعيد الاقتصاديِّ أو الاجتماعيِّ أو العلميِّ، (6).
إنَّ الضغطَ المُجتمَعيّ والسياسيّ والإعلاميّ الذي يتعرَّضُ له الناشئُ في مختلف مراحل حياته، يُؤدِّي إلى قَتل روح الاستقلال والتـفـتُّح والإبداع. وهذه هي الخطوة الأولى التي يجب أن نهتمَّ بها لدى بحثنا في تحرير العقل العربيّ لتحرير الإنسان العربيّ (وأحدُهما يرتبطُ بالآخر ارتباطًا عُضويًّا)، وأعني التربية أو التعليم القائم على تشجيع إعمال الفكر وحَفز القـُدرات الإبداعيَّة في مُختلف المراحل، بدلاً من التـلـقـين والحِفظ والـتـقـليد.
2- في بداية سنوات العُمر يُغذِّي العقلُ الفاعل العقلَ المنفعل بنتائج انطباعاته وتجاربه المُستخلَصة من اتِّصالات الفَرد بالآخرين، أُسرتِه أوَّلاً ثمَّ مدرستِه ورفاقِه فيما بعد؛ وهذا العـقـلُ الفاعل هو الذي يُـقرِّر أوَّلاً ما يجبُ أن يُغذِّيَ به العقلَ المنفعل من قواعدَ ومبادئ. ولئن يُلاحظ الفردُ أنَّ هناك أمورًا مقبولة ومُـتـَّبعة من قـِـبـَل الآخرين، غير أنَّه لا يُحبُّها، وأُمورًا غير مقبولة من جانب الآخرين، بيدَ أنه يُحبُّها، فأنـَّه يُحاول أن يُوازنَ ويُقارنَ ويُعادل، من خلال عقله الفاعل، مقدارَ ما يحصلُ عليه إن تخلَّى عن رغباته المُحبَّبة، إكرامًا لرغبات الآخرين، أو بالأحرى إكرامًا للقواعد التي يفرضُها المجتمع - قبولُ الآخرين له و/ أو إعجابُهم به- أو ما يفـقـدُه أو يُعانـيه إن اتَّبع أوامرَ عقلِه الفاعل التي تُمثــِّل رغباتِه: غضب الآخرين عليه أو مُعاقبته.
إنَّ حصيلةَ هذه المُوازنة الصعبة والمعـقـدة، والتـلقائـيَّة أحيانًا، هي التي تحدِّد وتـُـقـرِّر مدى التزام الفرد اتـِّباعَ قواعد "العقل المُجتمَعيّ"، وبالتـَّالي مدى تغلـُّب العقل المُنفعِل على العقل الفاعل، أو ضمور العقل الفاعل لمصلحة العقل المنفعل. وفي الأحوال العاديَّة فإنَّ العقل المنفعل هو الذي يكسبُ هذا السباق.
3- وتدريجيًّا يحلُّ العقـلُ المُنـفعـِل محلَّ العقل الفاعل في ميدان التمييز بين الأُمور، أي إنَّ "العقلَ المُجتمَعيّ" يُسيطرُ بالتدريج على عقل الفرد عامَّةً وعلى عقلِه الفاعل خاصَّة، لمصلحة عقله المنفعل، الذي يبدأ بالتطوُّر تدريجيًّا حتَّى يصلَ إلى المرحلة التي يصبح فيها الفردُ الناضج يُدافعُ عن قِيَمِ مُجتمَعِه ومعاييرِه وقواعدِه بحماسٍ وإخلاص، لأنَّ عقلَه المنفعِل قد أدرك مرحلة النضوج بل الازدهار. يُدافع عنها باعتبارها تـمثــِّل عقلَه هو لا عـقـلَ المجتمع الذي يعيش فيه. وفي هذه الحالة، وهي السائدة والغالبة في مُختلفِ المُجتمعاتِ، وفي مُجتمعاتـِنا العربـيَّـة والإسْلاميَّـة خصوصا ً، يُصبحُ الفردُ ناطقا ًبلسان مجتمعهِ، أو يتحوّل بالأحرى إلى دُميةٍ يُحرِّك خيوطـَها العقـلُ المُجتمَعيّ.
4- ومع ذلك، فإنَّ العقـلَ الفاعل قد لا يموت نهائيا ً لدى فئةٍ من الأشخاص، بل يظـلُّ قابعًا ومُنـزويًا في أعماق ذات الإنسان، في جزءٍ ممَّا يُسمِّيه فرويد "العقل الباطن"، أو ما يُسمِّيه أرسطو بالوجود بـ"القوَّة" لا بـ"الفِعْل". وقد يظهر بين حين وآخر لدى أفراد هذه الفئة حين اعتراضهم أو ثورتـهم على القواعد والمبادئ المُتعارَف عليها في المجتمع، أو يظهر بشكلٍ واضح ٍ ومركـَّـز لدى قلائلَ جدًّا من الأفراد الذين يشرعون، عن طريق استخدام "عقلهم الفاعل" هذا، بتحليلِ وتقويمِ مفاهيم المجتمع، أو "العقل المُجتمَعيّ"، و/ أو قِيَمه، أو معارفه، أو مبادئه، ويتساءلون عن مِصداقيـَّـتِها وصلاحيَّتها، تمهيدًا لمحاولة تعديلها أو تكييفها أو إلغائها.
ويدخلُ في هذا الرَعيل الأنبياءُ والعباقرةُ من العُلماء والفلاسفةِ والمصلحين الاجتماعيِّين مِمَّن تمكـَّـنوا من تغيـير وجه المجتمع والتاريخ بفكرهم أو بمُكـتـشـفاتهم وكفاحهم. وقد لقيَ هؤلاء البارزون من الأشخاص، على مرِّ التاريخ، صنوفا ً من الصَّدِّ والردِّ والعقاب والتعذيب، بل القتلِ أحيانا.
5- ومعنى ذلك أنَّ هؤلاء الأشخاص قد أخذوا باستخدام عقلهم الفاعِل لِمُحاسبة عقلهم المُنفعِل، وتحليل مفاهيمه وقِيَمِه ومُعتقداته، والتمييز بين صالحها وطالحها، وتبعا ً لِمِصداقـيـَّـتِـها وصلاحيَّتها، بالنسبة لهم، ولحاضر المجتمع الذي يعيشون فيه ومستـقـبله.
وبعبارةٍ أُخرى فإنـَّهم قد أدركوا شعوريا ً أنَّ لعقلهم وجهـَيـن، وجهًا "مُنفعلا ً" ووجهًا "فاعلا ً". فراحَ الوجهُ الفاعل ينظر في وجهه المقابل "المُنفعِل"، يُحاورُه ويُجادلُه، وربَّما يعترضُ أو يثورُ عليه، كما أشرنا إليه في تعريف "العقل الفاعل".
وفي هذه المرحلة نفسها نصلُ إلى ما أسماه الجابريّ خاصَّة "التفكير بالعقل في العقل". يقولُ في هذا السياق: "التفكير في العقل درجةٌ من المعقوليَّة أسمى بدون شكٍّ من درجة التفكير بالعقل..." (7)
...
إنَّ "التفكيرَ في العقل" يُمثِّلُ نوعًا من "انعكاس الفكر على ذاته"، فتُصبحُ "الذات" موضوعًا للإمعان الفكريّ، بدل أن يكونَ "الموضوع" ميدانًا للعمل الفكريّ في الأحوال الاعتياديَّة. فنحن نفكِّر عادةً في أمورٍ خارجةٍ عن ذواتنا تُسمَّى "الموضوع"، مثل الأحداثِ الجارية والأشخاصِ الآخرين، والأفكار الصادرة عنهم. أمَّا إذا فكَّرنا "في عقلنا"، فمعنى ذلك أنَّ العقل أصبحَ "موضوعًا" للتفكير. وهذا ما يُسمَّى "التفكير بالعقل في العقل". ونظريَّـة "العقل الفاعل والعقل المنفعِل" تـُنـَظـِّرُ Theorizes وتـُعَـقـْـلـِنُ Rationalizes وتـُـقـرِّبُ إلى الأذهان "نظريَّةَ انعكاس الفكر" (8) التي ترتبطُ بتلك النظريَّة بوثوق، من حيثُ أنَّ العقـلَ البشريّ ينعكسُ أحيانًا على ذاته كعقلٍ فاعل، أو من خلال جانبه "الفاعل" ليتأمَّـلَ جانبَه الآخر "المنفعِل". وهكذا نرى أن العقلَ الفاعل يضطلعُ بأدوارٍ ثلاثة أساسيَّة هي:
أ- التفكيرُ في ذاته هو كـ"عقلٍ فاعل"، يتأمـلـُها ويستقصيها ويستبطـنـُها، ويُلاحظ مدى استقلالها عن العقل المنفعِل، من جهة؛ ومدى قُدرةِ الذات العاقلة الفاعلة على استخراج المبادئ الكـُـلـِّـيَّة والضروريَّة من إدراك العلاقات بين الأشياء، فضلاً عن استنباط الدليل لإثبات المدلول أي الوصول إلى الاستدلال Inférence الصحيح، قدر الإمكان، دون التـأثــُّر بأيِّ تأثيرٍ مُسبقٍ أو بعامل اجتماعيٍّ أو إيديولوجيٍّ خارجيّ. ونحنُ نعتبرُ هذه المرحلة من أصعبِ وأدق ِ ما يمرُّ به العقلُ الفاعلُ في بحثه عن الذات الفاعلةِ لتحريرها من قهر العقل المنفعلِ الخاضع للعقل المجتمعيِّ، من جهة، وتحريرها، من جهة أخرى، منه بالذات، أي من العقل الفاعلِ نفسه، في حالة إيمانه بمُسَلماتٍ مقبولةٍ على نطاقٍ عام حتى في الأوساط العالِـمةِ أو التي تـُعتبر موثوقة ً، أو مقبولة لدى الطبقة المثـقـفة، كنظريات كبار العلماء والفلاسفة. فباستـثـناء بعض النظريات العلمية التي وصلتْ إلى حدّ اليقـينِ وسُميت "قوانينَ"، ينبغي أن تظل جميع الأمور الأخرى خاضعة للشك والبحث.
ب- التفكير في "العقل المنفعـِل": يُسائـله ويُحاورُه ويُجادلُه و/أو يُحاسبُه ويُـقوِّم مفاهيمَه وقِيَمَه ومعاييرَه -أي ينقدُه- ليكشفَ عن مدى تأثر ذلك العقل بالمجتمع أو بـ"العقل المُجتمَعيّ"، الذي شرحناه آنفا ً، أو مدى خضوعِه له. ثمَّ يُحاول أن يُعدِّـلـَه و/ أو يُغيِّرَه، ليصبحَ، على الأقلّ، عقلاً "مُنفعلاً" على نطاقٍ عالَميٍّ أو شموليٍّ بدلَ أن يكون محلـِّـيا ً أو قـُطريّا ً أو قوميّا ً، أو لِيغدوَ عقلاً يتجاوز إيديولوجيَّته نفسَها، لينظرَ في الإيديولوجيَّات الأُخرى ويُراعيَها ويتفهَّمها، ويتعلـَّم منها.
ج- التفكير في "العقل المُجتمَعيّ" باعتباره ظاهرة ً مستـقـلـَّة ًخارجة ًعنه وعن "العقل المنفعِل"؛ أي ينظر في أحوالِ المجتمع وظواهره وخصائصه وصفاته وقِـيَمِه ومعاييره، ثمَّ يستخرجُ منها فرضيَّات فنظريَّات ثمَّ قوانين، قد تصدق على كلِّ المجتمعات أو على مجتمعات معـيَّـنة فقط. ثمَّ يدرس تأثـيَر ذلك "العقل المُجتمعيّ" على "العقل المنفعل".
أي من العقل الفاعلِ نفسه، في حالة إيمانه بمُسَلماتٍ مقبولةٍ على نطاقٍ عام حتى في الأوساط العالِـمةِ أو التي تـُعتبر موثوقة ً، أو مقبولة لدى الطبقة المثـقـفة، كنظريات كبار العلماء والفلاسفة. فباستـثـناء بعض النظريات العلمية التي وصلتْ إلى حدّ اليقـينِ وسُميت "قوانينَ"، ينبغي أن تظل جميع الأمور الأخرى خاضعة للشك والبحث. ب- التفكير في "العقل المنفعـِل": يُسائـله ويُحاورُه ويُجادلُه و/أو يُحاسبُه ويُـقوِّم مفاهيمَه وقِيَمَه ومعاييرَه -أي ينقدُه- ليكشفَ عن مدى تأثر ذلك العقل بالمجتمع أو بـ"العقل المُجتمَعيّ"، الذي شرحناه آنفا ً، أو مدى خضوعِه له. ثمَّ يُحاول أن يُعدِّـلـَه و/ أو يُغيِّرَه، ليصبحَ، على الأقلّ، عقلاً "مُنفعلاً" على نطاقٍ عالَميٍّ أو شموليٍّ بدلَ أن يكون محلـِّـيا ً أو قـُطريّا ً أو قوميّا ً، أو لِيغدوَ عقلاً يتجاوز إيديولوجيَّته نفسَها، لينظرَ في الإيديولوجيَّات الأُخرى ويُراعيَها ويتفهَّمها، ويتعلـَّم منها. ج- التفكير في "العقل المُجتمَعيّ" باعتباره ظاهرة ً مستـقـلـَّة ًخارجة عنه وعن "العقل المنفعِل"؛ أي ينظر في أحوالِ المجتمع وظواهره وخصائصه وصفاته وقِـيَمِه ومعاييره، ثمَّ يستخرجُ منها فرضيَّات فنظريَّات ثمَّ قوانين، قد تصدق على كلِّ المجتمعات أو على مجتمعات معـيَّـنة فقط. ثمَّ يدرس تأثـيَر ذلك "العقل المُجتمعيّ" على "العقل المنفعل".
وبقدر ما يتعلَّق بموضوعنا الخاصّ بتحرير العقل العربيِّ لتحرير الإنسان العربيّ، فإنـَّـنا أحوجُ ما نكون إلى "عقول فاعلة" تضطلعُ بهذه الوظائف الثلاث، المذكورة أعلاه، بدقـَّةٍ وإخلاص. فـ"عقلُنا المُجتمَعيّ" لا يزال يعيشُ عالةً على أمجاد ماضينا التليد. وأدهى من ذلك أنَّه لا يستـنير بنوره وناره، بقدر ما يتعـفـَّر برماده. فنحن لم نتمكـَّـن حتى من كتابةِ تاريخنا وتـُراثـنا وتحليله ونقده بقَدر ما تمكـَّن منه "الآخر". لننظرْ مثلا في المؤلَّفاتِ والكتبِ التي حقَـَـقها أو ألـَّـفها الأجانب بشأن تاريخنا وفنوننا، وفي تميُّـزِها من حيث الكمّ والكَيف بوجهٍ خاصّ، وأُقدِّم نموذجَين لذلك فقط: "دائرة المعارف الإسلاميَّة"، (9) والمؤلـَّفَ القـَيّـِم "الإسلام والفنّ الإسلاميّ" لأَلكسندر بابا دوبولو. (10) ويا ليت ذلك "العقلَ المُجتمَعيّ" يعيش عالةً على رماد أمجاد الماضي التليد فقط، بل إنَّه يعيش على أورامه، بما فيها خلافاتـُه الإيديولوجيَّـة، وخاصة والمذهبيَّـة والطائفـيَّـة، التي تـُعتـبَـر من بقايا الصراع الـقـَبـَـلي على الخلافة منذ وفاة الرسول. فضلا عن تقاليدُه البدويَّـة وعصبيَّـتـُه القـَبليَّـة التي لا تزالُ قائمةً في مجتمعاتنا على قدمٍ وساق، بحيث إنَّ أكبرَ دولةٍ عربيَّة من حيث المساحة والثروة تُسمِّي نفسَها باسم العشيرة أو الأسرة التي تحكم البلدَ منذ تأسيسها. ومعظمُ الحكـّام العرب إن لم يسمُّوا أنفسهم بأسماء عشائرهم، فهم يُكرِّسون هذا المفهوم في اختيار بطانتهم ومسؤوليهم. (11)
وجدير بالذكر أنَّ "العقلَ المُجتمَعيّ العربيّ الإسلاميّ " متأثرٌ بالفترةِ المظلمة من تاريخنا التي استمرَّت أكثر من 700 عام ( منذ سقوط بغداد) بكلِّ ما تتضمَّـنُه من سلبيَّات وتخلف، أكثر مما هو متأثر بفترة الحضارة العربية الإسلامية.
ومن الواضح أنَّ العقلَ المُجتمَعيّ هو الذي يُغذِّي "العقلَ المنفعِل" بالمعلومات والقِيَم والأعراف والمعتقدات. لذلك فإنَّ العقلَ المنفعل لدى الفرد ينمو تدريجيًّا في مجتمعنا متأثرًا بـ"العقل المجتمَعيّ".
وكمثال على ذلك، فإنَّ نهضتـَنا قد فشلَت لأنـَّنا التزمنا منذ أوائل اصطدامِنا بالحضارة الحديثة، بالتفكير بعقلنا المنفعِل بدلاً من عقلنا الفاعِل لوضع الحلول لمعضلاتنا. فالعقلُ المنفعل بـ"العقل المجتمَعيّ"، قد أوهَمنا، مثلاً، أنَّ بإمكاننا أن نحتفظَ بقِيَمنا ومبادئنا، واختيار ما يُلائمنا من حضارة الغرب الصاعدة دون التفريط بتلك "الأُصول" التي تربطنا بماضينا المجيد. فأصبحنا بذلك نحمل شخصيَّاتٍ ضعيفةٍ مزدوجة؛ ففي الوقت الذي نؤمنُ بقـِـيَمنا ونقدِّسُها أحيانا ً، ونحتـقرُ قـِـيَمَ "الآخر" ونفضحُها في كلِّ مناسبة، فإنـَّنا نلجأ ُ إلى "الآخر" في كلِّ أمورنا الكبيرة: الغذاء والكساء والدواء وخدمات الاتِّصالات، مثل الهاتف الخلـيَويّ والفاكس والحاسوب والتليفزيون، والمواصلات بواسطة السيَّارات والطائرات والقطارات... بل حتَّى في حلِّ المشاكل التي تحدثُ بيننا، وفي أمورنا الصغيرة والتفصيليَّة: الأزياء الرجاليّة والنسائية، والتقويم الميلاديّ الذي أصبحنا نحتفل به، وأعياد الميلاد الفرديَّة، بل حتَّى آداب الجلوس والتصرُّف في الحفلات واللقاءات والاجتماعيَّات؛ أي أصبحنا مُستهلِـكـين لمُنتَجات الحضارة الحديثة - حضارة الآخر- دون أن يكون لنا أيُّ دور في إنتاجها؛ الأمر الذي أسفرَ عن زيادة نفوذ ذلك "الآخر" الذي أصبح يستعبدُنا ويُذِلـّـُـنا، لأنه يعرف تمامًا درجة ضعفنا، وحاجتَنا الماسَّة إليه؛ ونحن بدورنا نزداد خضوعًا له، لأنَّنا نحتاجُه إلى أقصى حدّ. وهذا يؤدِّي فعلاً إلى انتهاك أهمِّ مبادئنا التي كنَّا نريد المحافظة عليها ابتداءً، وخاصَّةً شرفنا وكرامتنا التي تُراق كلَّ يومٍ على موائد المفاوضات واستجداء المُساعدات أو استعادة أشبارٍ من أرضنا المُغتصَبة.
إنَّ الحضارة الحديثة قائمةٌ على فلسفة، وبالتَالي على علمٍ وتـقـنيَّة؛ فإمَّا أن نفهمَ هذه الفلسفة بدقـَّةٍ من خلال عقلنا الفاعل ونـُبـيـِّـئـُها لمتطـلـَّباتنا، أو نكون قادرين على خَلقِ فلسفةٍ عربيَّةٍ جديدةٍ تنسجمُ مع عصرنا ومُستلزَماته. ولكننا لم نتمكـَّن من القِـيام بأيٍّ من هذَين الأمرَين. يقول حسن حنفي: "لقد تعثــَّرت الفلسفة لدينا لأنَّ البُعدَ الثالث في موقـفـنا الحضاريّ، وهو الموقفُ من الواقع، قد أُزيح جانبًا وأُسقِط من الحساب، فتحوَّلت الفلسفةُ لدينا إلى نقل، نقلٍ عن القدماء، أو نقلٍ عن المُحدَثين، وغابَ التنظيرُ المباشر للواقع." (12)


alaeddine-aaradji.jpg * علاء الدين الأعرجي (مواليد 1928) مفكر وباحث عراقي يعنى بإشكالية تخلف العرب الحضاري حاليا. عضو في المؤتمر القومي العربي(بيروت) منذ عام 1998.كما أنه عضو في نقابة المحامين وجمعية الحقوقيين ونقابة الصحفيين العراقيين، وعضو في النادي العربي في الأمم المتحدة،منذ عام 1981، ومن الأعضاء المؤسسين للجمعية الثقافية العراقية الأمريكية منذ عام 1984.
(1)- محمَّد عابد الجابريّ، "نقدُ العقل العربيّ"، الجزء الأوَّل: "تكوين العقل العربيّ"، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيَّة، جماعة الدراسات العربيَّة والتاريخ والمجتمع، ط 5، 1991) ص 15.
(2)- ناقشنا هذا الغموضَ والخلط في مقالةٍ سابقة تحت عنوان: "خواطرُ في العقل الفاعل والعقل المنفعِل من لالاند إلى الجابريّ"، في صحيفة "القُدس العربيّ"، لندن، 18/2/1997
(3)- André Lalande: Vocabulaire technique et critique de la philosophie, (Paris: Presses universitaires de France, Ed. 16, 1988), Vol. II, Art.: Raison.
(4)- جورج طرابيشي، "نقدُ ’نقدُ العقل العربيّ‘، نظريَّة العقل"، (بيروت/ لندن؛ دار الساقي، 1996)، ص 14. يُعيد الطرابيشي التعريفات التي أوردها الجابريّ إلى "مُعجم اللغة الفلسفيَّة" لـ"بول فوكييه" لا إلى لالاند كما يقول الجابريّ، ويُلاحظ أنَّ تعريف فوكييه للعقل المكوَّن، "لا يخلو من التباس" كذلك، ونحن نوافـقـه على ذلك.
(5)- في هذا الميدان عدَّة مراجع عربيَّة جديرة بالاهتمام؛ من أهمِها: محمَّد جواد رِضا، "العربُ والتربية والحضارة، الاختيار الصعب"، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيَّة، ط2، الكُوَيت، 1987)؛ ومؤلَّفات هشام شرابي خاصَّة "النظام الأبَويّ وإشكاليَّة تخلُّف المجتمع العربيّ".
(6)- أنطوان زحلان، "العربُ وتحدِّياتُ العلم والتِّقانة، تقدُّم من دون تغيير" (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيَّة، 1999)، ص 28. ويُشيرُ هذا المؤلَّف الهامّ إلى أنَّ الوطنَ العربيّ يملكُ اليوم مئةً وخمسًا وسبعين جامعة ومئةَ ألف مؤسَّسة استشاريَّة، وألفَ مؤسَّسة بحثيَّة، وخمسين ألف أستاذٍ جامعيٍّ، وحوالى مليوني مهندس واختصاصيّ من حَملة الدكتوراه. كما أصبح عددُ الخرِّيجين يتجاوز عشرة ملايين. ومع ذلك ظلَّ الوطن العربيّ مُتخلِّفًا علميًّا وتِقنيًّا واقتصاديًّا وصناعيًّا، بصورة خاصَّة، عن إسرائيل التي لا تملك سوى ستّ جامعات. وقد لاحظت من مراجع أخرى إلى أن عدد الجامعات قد ارتفع إلى 200جامعة تقريبا.
(7)- محمَّد عابد الجابريّ، "نقدُ العقل العربيّ"، الجزء الأوَّل: "تكوين العقل العربيّ"، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيَّة، جماعة الدراسات العربيَّة والتاريخ والمجتمع، ط 5، 1991) ص 18.
(8)- فصَّلنا مسألة انعكاس الفكر على ذاته في بحث نُشر، في عدَّة حلقات، تحت عنوان رئيسيّ هو مسألة "إعجاز الفكر البشريّ"، وعناوين فرعيَّة أُخرى منها: "التفكير هو القدرة التي يكتسبُها الوعيُ الذي يتَّخذُ من ذاته موضوعًا"، و"ظاهرةُ انعكاس الفكر"، و"غريزةُ البقاء والنـزوع نحو الموت"، و"إدراك النقيضَين: الوجود والفناء"، و"الكوجيتو: أنا أفكِّر فأنا موجود". (أُنظر صحيفة "القدس العربيّ"، لندن: في 4 و 5 و 6 نيسان/ إبريل 1998)؛ فضلاً عن دراسة أُخرى نُشِرت تحت عنوان رئيسيّ هو "العرب لا يفكِّرون فهل هم موجودون؟" وقد انطلقتُ فيها من "كوجيتو" ديكارت الأخيرة التي تربطُ الفكرَ بالوجود ولا سيَّما التفكير بالعقل في العقل. أي تفكير العقل الفاعل في العقل المنفعِل. (أُنظر "القُدس العربيّ"، لندن، في 5/5/1998).
(9)- Encyclopedia of Islam,( Leiden, Netherlands: Brill), 1913-1936.
وقد أشرتُ إليها بتفصيلٍ كافٍ في حواشي الفصل الثاني. وأودُّ أن أُشدِّد مرَّةً أُخرى على أنـَّنا لم نتمكَّن، حتَّى الآن، من أن نُخرجَ موسوعة عربيَّة شاملة واحدة، بالمعنى الصحيح كهذه، أو كالموسوعة البريطانيَّة. لذلك طرحنا فكرةَ مشروع الموسوعة العربيَّة الجامعة، منذ فترة، بُغيةَ إعادة كتابة تاريخنا بعِلميَّة وموضوعيَّة، بين أمورٍ أُخرى، ونشرنا بشأنه عددا من المقالات في صحيفة "القدس العربي"(لندن) .
(10)- Alexandre Papadopoulos, Islam and Muslim Art, (New York: Harry N. Abram, Inc., Publishers), 1979.
وأصلُ الكتاب بالفرنسيَّة، والمؤلِّف أُستاذ في "السوربون" ومُدير مركز الفنّ الإسلاميّ في باريس. ويتألَّف هذا الكتاب من حوالى 630 صفحة من الحجم الكبير جدًّا، ويضمُّ مئات اللوحات والخرائط، والمخطَّطات، والرسوم، والصوَر المُجسَّمة والملوَّنة الرائعة لنماذج الفنّ الإسلاميّ. ومن فصوله البارزة: الإسلامُ والحضارة الإسلاميَّة، تكوُّنُ الإسلام والحضارة، الفتوحاتُ الإسلاميَّة، التراثُ العربيّ-الإسلاميّ ومُكتسباتُ الحضارات الأُخرى، نظرةُ الإسلام إلى العالم، الفنون الإسلاميَّة إلخ. ولئن تضمَّن هذا الكتابُ بعضَ المآخذ التي قد لا يُقرُّها بعضُ المسلمين، فلا عليهم إلاَّ أن يلوموا أنفسَهم لأنَّهم لم يتمكَّنوا من إخراج عمَلٍ من هذا النوع.
(11)- نشرنا عدَّةَ أبحاثٍ ودراساتٍ بشأن أثَرِ البداوة في العقل العربيِّ والسلوك المُجتمَعيِّ
(12)- حسَن حَنَفي، "موقفُنا الحضاريّ"، الوارد في المؤلَّف الهامّ، تحت عنوان "الفلسفة في الوطن العربي المعاصر"، بحوث المؤتمر الفلسفيّ العربيّ الأوَّل الذي نظَّمته الجامعة الأُردنيَّة، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيَّة، ط 2، 1987)، ص 19.

ما الذي يقف اليوم أمام العقلنة؛ عبد السلام بنعبد العالي.


ما الذي يقف اليوم أمام العقلنة؟ 
عبد السلام بنعبد العالي.
(مؤمنون بلا حدود؛ آب 2015)

حدّدت العقلانية التقليدية العقل بأنه مبادئ مطلقة ومحكمة عليا تملي القواعد، وتسنّ المناهج، وتميّز الصواب من الخطأ. إلا أن الدراسات الإبستمولوجية المعاصرة، التي تتابع منتوجات العقل في مختلف جهاتها، بينت أن العقل، على العكس من ذلك، محايث للمجال الذي يعمل فيه، لصيق به، لا ينمو إلا في أحضانه؛ فهو يبني ذاته بناء، ويحوّلها عندما يصنع الأدوات النظرية والتقنية التي يعقل عن طريقها العالم الطبيعي، ويدبّر بواسطتها الشأن البشري.
العقل تقنيات ذهنية تختصّ بها ميادين معينة للتجربة والمعرفة، وقدرة على القيام بعمليات وفقا لقواعد. هذه القواعد والتقنيات تتحول بدلالة الموضوعات التي تنصبّ عليها، واللغة التي تستعملها، وهي تتوقّف على مستوى تطور التقنو-علم، وترتبط بالتاريخ الاجتماعي والسياسي.
لا ينمو العقل إذن، إلا في حضن أشكال المعقولية. ولا إمكان لعزل أشكال المعقولية هذه عن أدوات العقل وتقنياته؛ لكنها لا يمكن أن تُعزل كذلك عن الأخطاء التي يحاربها العقل، والعثرات التي يلاقيها، والعوائق التي يتجاوزها، والمقاومات التي يصارعها. فالعقلانية لا تتأسس في سلم وطمأنينة، بل هي دوما وليدة نضال وصراع. إنها ليست عقلا جاهزا ومبادئ يُبدأ بها ويعمل وفقها، وإنما «عقلنة» ومسلسل مفتوح لغزو أشكال اللامعقول.
غير أن هذه العوائق التي تقف حجر عثرة أمام العقلنة لا تظل هي هي، فهي ما تفتأ تتجدد. وقد حملت أسماء متنوعة حسب الحقب وحسب الفلاسفة وحسب المجالات، فاتخذت اسم الفكر الأسطوري تارة، واسم العوائق الإبستمولوجية تارة أخرى، كما ضُمّت تحت اسم الأيديولوجيا في أغلب الأحيان.
فما هي العوائق التي يواجهها العقل اليوم؟ وماذا يستطيع حيالها؟
عندما نتكلم عن عوائق متجددة، فلا يعني ذلك بالضرورة أن العوائق التقليدية تمضي وتزول: لا يعني ذلك أن المعرفة العلمية صارت تتم في جو المسالمة والهدنة، كما لا يعني أن عالمنا غدا متحررا من كل طابع أسطوري، وهو لا يعني بالأوْلى أنه عالم بلا أيديولوجيا، عالم «ماتت فيه الأيديولوجيا» كما يقال. إن كل هذه العوائق تظل حيّة فاعلة، إلا أنها لا تعمل إلا على تغيير حلتها.
التلوّن وتغيير الحلة يصدقان أكثر ما يصدقان على العوائق الأيديولوجية بطبيعة الحال، إذ إن الأيديولوجية هي صاحبة التلوّن ولبس الأقنعة بلا منازع. على هذا النّحو، فإن العوائق الأيديولوجية غدت تعمل في عالمنا على غير النحو الذي عملت به إلى حدّ الآن. فإذا كانت الستّينيات من القرن الماضي قد قابلت بين «العلم والأيديولوجيا»، أو بين «الحقيقة والأيديولوجيا»، فلأنها كانت تعتبر أن الآلية الأيديولوجية تتمثل أساسا في كونها إعادة إنتاج لعلائق الإنتاج، وكونها أداة قلب وتشويه، وكونها آلة لصنع الأوهام تعمل جاهدة على ترسيخ عقيدة بعينها، وقوفا ضد كل روح انتقادية. أما اليوم، فليس في إمكاننا أن نقابل بين العقل والأيديولوجية إذا اقتصرنا على هاته المعاني عن الآلية الأيديولوجية. ذلك أن هاته الآلية لم تعد اليوم تتمثل في قلب الواقع ولا في تشويهه، ولربما ليس أساسا حتى في تغليف تناقضاته، وإنما أصبحت تتمثل في «خلقه». لا نقول إنها تخلق الواقع، وإنما تخلق «ما يعمل كواقع»، إلا أن ما يهمّ في «عالم الفرجة» هو بالضبط هذا «الذي يعمل كما لو...»، هذا الذي يتشبّه فيتشابه فيشتبه ويخلق الشبهات.
لقد أصبحت الآلية الأيديولوجية اليوم، تمثُل في جعل الواقع مفعول ما يُصوّر به وما يقال عنه. الأيديولوجية هي ما يجعل الأشياء حقيقة بمجرد التأكيد الدائم على أنها كذلك. المنطق المتحكم هنا منطق غريب وجديد يمزج بين الحلم والواقع، ويخلق الواقع الذي يتنبأ به فينبئ عنه. على هذا النحو تغدو الأيديولوجية لبّ لاواقعية الواقع، لبّ «سريالية الواقع». لعل هذا ما يجعل واقعنا اليوم يفقد شيئا من الواقعية، يجعله واقعا سرياليا، واقعا فوق-واقعي sur-réel، واقعا يتلبس الوهم ويتحول إلى فرجة وسنيما.
لا عجب إذاً أن تغدو الشاشة اليوم صورة عن هذا الواقع، إن لم تكن هي الواقع ذاته في مباشرته وحيويته وحياته، مع ما يتمخض عن ذلك من تحوّل لمفهوم الحدث نفسه، حيث تغدو الأحداث الجسام وقائع متنوعة، تغدو «منوعات» كما يقال، منوعات يجترها الإعلام كي يحشرنا في الراهن ويغرقنا فيه.
لا يمكن الحديث اليوم عما يقف حجر عثرة أمام العقل من غير التوقف عند هذه الآلية الأيديولوجية في حلتها الجديدة، وهي آلية تتخذ مطية لها الإعلام كي تفعل فعلها وتجعل الواقع واقعا سرياليا.

الجمعة، 28 أكتوبر 2016

Le Moi et les mécanismes de défense, d'Anna FREUD







 Publié à Vienne en 1936, Le Moi et les mécanismes de défense, constitue une tentative d'Anna FREUD (1895-1982), psychanalyste et pionnière de l'analyse des enfants, d'intégrer la psychanalyse à la psychologie. Cette oeuvre, très proche de l'analyse concrète des patients qu'elle fréquente, élabore une théorie devenue classique des mécanismes de défense en psychanalyse.
Texte assez facile à lire, même s'il réclame de l'attention, relativement court et découpé en petites parties, il comporte quatre grandes parties, Théorie des mécanismes de défense, Exemples d'évitements de déplaisir et de danger réels, Exemples de deux types de défense et Mécanismes de défense déclenchés par la peur des pulsions trop puissantes, L'ouvrage reste très près de la théorie psychanalytique classique élaborée par son père, Sigmund FREUD. Il constitue encore aujourd'hui une bonne introduction aux questions de défense psychique.


       La première partie,Théorie des mécanismes de défense, divisée en 5 chapitres, contrairement à ce que pourrait laisser entendre un tel titre, est très éloignée d'une présentation schématique.

     Le premier chapitre, Le Moi, objet de l'observation, commence par présenter une définition de la psychanalyse, qui veut s'éloigner d'une approche trop courante en littérature la présentant exclusivement comme une analyse de l'inconscient. Ce qui est vrai historiquement ne doit pas s'opposer à voir autant les couches superficielles que les couches profondes de la personnalité, dans ses relations avec l'extérieur. Ce qui importe, dans l'analyse psychanalytique, c'est de se centrer toujours sur le Moi, en tant qu'observateur (observé du coup). Cela permet de se rendre compte que la perception des émois instinctuels passe toujours par le Moi : ce que l'on observe dans la cure psychanalytique, c'est bien le Ca déformé par le Moi, et jamais le Ca lui-même. "Tous les actes défensifs du Moi contre le Ca s'effectuent sans tapage, invisiblement. Nous devons nous contenter d'en faire ultérieurement la reconstitution, sans jamais nous ne les observons au moment même où ils se produisent. C'est ce qui arrive, par exemple, dans le cas d'un refoulement réussi." C'est la même chose qui survient lors d'une formation réactionnelle réussie.
 "Nous remarquerons que toutes nos connaissances nous ont été fournies par l'étude des poussées venues d'une direction opposée, c'est-à-dire des poussées du Ca vers le Moi. Si le refoulement réussi nous semble à tel point obscur, le mouvement en sens contraire, c'est-à-dire le retour du refoulé tel que nous l'observons dans les névroses, nous semble lui, parfaitement clair. Ici, nous suivons pas à pas la lutte engagée entre l'émoi instinctuel et la défense du Moi. de même, c'est la désagrégation des formations réactionnelles qui permet le mieux d'étudier la manière dont ces dernières se sont produites. Du fait de la poussée du Ca, l'investissement libidinal, jusque là masqué par la formation réactionnelle, se trouve renforcé. C'est ce qui permet à l'émoi instinctuel de se frayer un chemin jusqu'au conscient. Pendant un certain temps pulsion et formation réactionnelle sont, toutes deux à la fois, perceptibles dans le Moi. Une autre fonction du moi - sa tendance à la synthèse - fait que cet état, extrêmement favorable à l'observation analytique, ne persiste que quelques instants. Un nouveau conflit s'engage entre les rejetons du Ca et l'activité du Moi, conflit qui doit aboutir soit à la victoire de l'une des parties intéressées, soit à la formation d'un compromis entre les deux. Si, grâce au renforcement de son investissement, l'attaque du Ca cesse et un état de quiétude psychique défavorable à toute observation s'instaure à nouveau."
  Dans ce premier chapitre, Anna FREUD dresse vraiment le tableau du conflit entre le Moi et le Ca, en référence directe à la deuxième topique de son père.

      Dans le second, elle expose l'Application de la technique psychanalytique à l'étude des instances psychiques. La technique hypnotique dans la période préanalytique élimine le Moi durant la recherche et cela nuit à la réussite finale, même si le succès parait d'abord spectaculaire. L'association libre doit être utilisée surtout pour déterminer le genre de mécanisme défensif utilisé par le Moi, sans fixer trop de règle fondamentale analytique (absence de résistances qu'il faut au contraire comprendre). Ensuite, l'interprétation des rêves, l'interprétation des symboles, l'analyse des actes manqués et surtout l'interprétation du transfert, doivent permettre de poursuivre l'observation.
Elle appelle transfert "tous les émois du patient dus à ses relations avec l'analyste." Ces émois proviennent de relations objectales anciennes qu'il s'agit d'observer, à travers les modalités de cette relation avec l'analyste. Elle distingue le transfert d'émois libidinaux (permettant d'observer le Ca du patient - à travers la nature des sentiments exprimés, involontaires et non maîtrisés), le transfert de défense, très différent (avec les déformations du Ca effectuées par le Moi, qui s'exprime par la manière dont le patient "joue" avec l'analyste), et l'agir dans le transfert qui modifie les "rapports de force" entre le Ca et le Moi. Si elle insiste sur ces distinctions, c'est pour montrer "que les difficultés techniques de l'analyse sont relativement moindres là où il s'agit de rendre conscients les dérivés du Ca."  Le maniement par l'analyste du transfert affectif requiert l'utilisation souple de ces diverses techniques. Il faut à la fois comprendre la nature des résistances, la nature des affects en jeu et les habitudes de défense du Moi, car il faut analyser les opérations défensives inconscientes du Moi pour reconstituer les transformations subies par les instincts.

         Tout cela, explique t-elle dans le troisième chapitre (Etude analytique et procédés de défense du Moi) car "l'analyste a pour mission de rendre conscient l'inconscient à quelque instance qu'appartienne ce dernier, il doit aussi porter aux éléments inconscients des trois instances la même attention objective."  Le lecteur doit apporter pour comprendre la suite, une attention à l'exposé théorique fait auparavant, même si, admet-elle, il est long et difficile...
Cette difficulté, pensons-nous, que rencontre le lecteur, surtout s'il ne possède pas une "culture psychanalytique minimum", est que souvent il n'a aucune idée de la pratique concrète et aussi parce que les processus inconscients ne sont vraisemblablement pas percés à jour à l'heure actuelle. La première étape pour "soigner" nombre d'affections mentales (bénignes ou graves) est précisément de faire comme les fondateurs de la psychanalyse : prendre conscience de l'existence de l'inconscient, comprendre pourquoi et comment les affects ne s'expriment tout bonnement pas librement, et observer...  Quand le patient ne peut venir à bout de ses problèmes psychiques, précisément, l'analyste doit posséder une connaissance, même si elle est lacunaire, et elle l'est véritablement, pour l'aider à voir ce qui l'empêche de bien se sentir, et cela est particulièrement vrai lorsqu'il s'agit d'enfants.
  "... l'attitude du Moi en face des efforts analytiques comporte trois modalités. Le Moi, quand il exerce la faculté d'auto-observation (...), fait cause commune avec l'analyste, met à la disposition de celui-ci ses capacités et lui procure, grâce aux rejetons des des autres instances qui ont pénétré dans son domaine, une image de ces dernières. Le Moi se pose en adversaire de l'analyste quand il se monde, au cours de son auto-observation, partial, plein de mauvaise foi et lorsque, enregistrant et transmettant consciencieusement certains renseignements, il en falsifie et rejette d'autres et les empêche de venir au jour : il va ainsi à l'encontre du travail analytique, lequel exige de voir, sans en rien excepter, tout ce qui peut émerger. Enfin, le Moi est lui-même objet de l'analyse dans la mesure où l'activité défensive qu'il exerce sans cesse se poursuit inconsciemment et ne devient qu'à grand peine consciente, à peu près comme l'activité inconsciente de quelque émoi instinctuel interdit."
       Pendant l'analyse, écrit Anna FREUD dans ses considérations sur la Défense contre l'instinct et la Résistance, "le Moi devient agissant partout où il cherche, par une action antagoniste, à empêcher la poussée du Ca. Or, le but de la psychanalyse étant d'assurer aux idées qui représentent la pulsion refoulée l'accès au conscient, c'est-à-dire justement de susciter de pareilles poussées, il s'ensuit que les mesures de défense adoptées par le Moi contre l'apparition de ces idées prennent automatiquement le caractère d'une résistance active contre l'analyse.".. et contre l'analyste, ce qui peut s'exprimer par une certaine agressivité... "A côté des résistances dites du Moi, poursuit-elle, nous savons qu'il existe des résistances de transfert, différemment constituées et aussi certaines forces antagonistes difficilement surmontables qui dérivent de l'automatisme de répétition. Ainsi toute résistance ne résulte pas nécessairement d'un acte défensif du Moi, mais tout acte de défense du Moi contre le Ca, au cours de l'analyse, ne peut se traduire que par une résistance aux efforts de l'analyste".
      Sur la Défense contre les affects, nous pouvons lire que "le Moi n'est pas seulement en conflit avec les rejetons du Ca qui essayent de l'envahir pour avoir accès au conscient et à la satisfaction. Il se défend avec la même énergie contre les affects liés à ces pulsions instinctuelles."
       Sur les Manifestations permanentes de défense, Anna FREUD fait directement référence aux travaux de Wilhelm REICH (Analyse logique des résistances, 1935) : Toutes les manifestations - certaines attitudes du corps - révélatrice de l'activité défensive du Moi se transforment en traits de caractère définitifs, devenus des "cuirasses de caractère".
       La Formation des symptômes, dans les domaines de l'hystérie ou des névroses est liée directement à la forme de résistance déployée. Il s'agit, de trouver et d'utiliser une Technique analytique qui permette de déceler les modes de défense contre les pulsions et les affects. Tout l'effort d'analyse des enfants d'Anna Freud, surtout que pour eux la méthode des associations libres ne donne pas beaucoup de résultats, est d'obtenir d'eux des renseignements directs sur leurs rêves et leurs émotions, dans les jeux, les dessins, etc. Il s'agit de faire évoluer l'enfant dans son propre univers mental exprimé, pour reprendre un autre vocabulaire que celui de la psychanalyste. Et c'est l'expérience, précisément qui permet de construire des techniques d'analyse, qui "nous donne les moyens de liquider les résistances du Moi".

      Le Chapitre 4, qui porte sur les Mécanismes de défense, part des études de Sigmund FREUD, notamment dans Les psychonévroses de défense (1894), l'étiologie de l'hystérie, et surtout dans Inhibition, symptôme et angoisse (1926). Elle envisage à sa suite le rôle de refoulement comme mode particulier de défense, à mettre en relation avec les "autres procédés spéciaux de défense". Elle cite parmi eux, "parmi les procédés de défense utilisés dans la névrose obsessionnelle, la régression et les modifications réactionnelles (formations réactionnelles) du Moi, l'isolation et l'annulation rétroactive." Elle tire de l'ouvrage, toujours de Sigmund FREUD, A propos de quelques mécanismes névrotiques dans la jalousie, la paranoïa et l'homosexualité, les mécanismes de défense nommé introjection ou identification et la projection. Du travail sur la théorie des instincts, le retournement contre soi-même et la transformation en contraire (destin des pulsions). A ceux-ci, elle ajoute ceux appartenant plutôt "au domaine de la normalité qu'à celui de la névrose, la sublimation ou déplacement du but instinctuel. Ainsi sont réunis ces dix méthodes différentes, et dans chaque cas particulier, le praticien doit observer les conséquences de leur mise en oeuvre sur la personnalité du patient.
  Dans la suite de son exposé, qui est loin de faire systématiquement le tour de ces méthodes, l'une après l'autre, elle effectue une Comparaison entre les divers effets de ces mécanismes dans des cas particuliers. Ainsi, elle puise dans son expérience des cas de garçons et de filles  mettant en oeuvre ces mécanismes de défense. Ce qu'il faut retenir surtout, au-delà d'une organisation stricte des méthodes de défense, dont elle renonce d'en établir la chronologie, c'est la valeur descriptive de ce qui se passe chez ces enfants.
Anna FREUD insiste beaucoup sur le fait que le refoulement "peut bien être englobé dans le concept général théorique de la défense et comparé aux autres procédés défensifs spéciaux". Il se place néanmoins selon elle sur un plan tout à fait différent. Les mécanismes de défense tels que le refoulement et la sublimation apparaissent très tôt, et de plus, ce sont eux qui réclament de la part du Moi la plus grande énergie et la plus grande constance.

     Le chapitre 5, Orientation des processus de défense suivant l'angoisse et le danger, examine successivement, de manière plus précise les Motifs de la défense contre les pulsions (peur du SurMoi dans la névrose des adultes et Crainte réelle dans la névrose infantile. L'auteure montre bien le face à face du Moi face à la fois au SurMoi et au Ca, et met bien en évidence cette balance de la peur du Moi face à l'angoisse devant les menaces de l'extérieur (punitions en cas d'infraction aux interdictions formelles des parents) et face aux puissantes pulsions du Ca qui se manifestent de façon imprévisible dans le cours du développement de l'enfant. Constamment, le Moi qui veut se construire (besoin de synthèse du Moi), doit jouer entre diverses menaces de l'équilibre qu'il met en place au cours du temps, événement après événement. Elle pense que dans le travail de l'analyse, il est plus difficile de traiter certains états pathologiques où le patient lutte par peur de la puissance de ses instincts que ceux qui relèvent de la contrainte extérieure (mise en place d'un SurMoi puissant), où la modification des méthodes éducatives peuvent avoir beaucoup d'effets bénéfiques.


     La deuxième partie, Exemples d'évitement de déplaisir et de danger réels, traitent des stades préliminaires de la défense. Les chapitres 6, 7 et 8 du livre abordent La négation par le fantasme, La négation par actes et paroles et la rétraction du Moi.

     Le chapitre 6 sur La négation par le fantasme commence par un rappel : la doctrine psychanalytique est issue de l'étude des névroses. C'est-à-dire d'aspects pathologiques qui laissent dans l'ombre les mécanismes "normaux". C'est en psychologie que ces aspects nullement pathogènes sont laissés, et c'est pourquoi la négation par le fantasme est jugé comme accessoire. Alors qu'il est probablement le premier mécanisme de défense du Moi. Le petit enfant, à cette époque de l'existence, "est encore trop faible pour se dresser activement, pour se protéger à l'aide de ses forces physiques contre le monde extérieur et pour modifier se dernier à sa guise." Anna FREUD se base sur le fameux cas du petit Hans étudié par son père et sur le cas d'autres enfants pour mettre en relief la manière dont le fantasme d'un animal par exemple remplace dans son esprit une réalité trop dure. "Les thèmes sur lesquels ont brodé ces deux enfants ne sont nullement originaux et nous les retrouvons, de façon tout à fait générale, dans les contes et dans la littérature enfantine" (élément qu'étudie plus tard Françoise DOLTO). C'est un renversement total de la réalité qu'opère ses histoires intérieures et de ces contes pour le bénéfice d'un Moi qui substitue à une réalité inmodifiable des fantasmes  qui s'expriment  tant dans le rêve que dans l'état de veille. La persistance de ce mode de défense chez l'adulte entraîne des conséquences importantes, et généralement ce mode disparaît assez rapidement lors de la fin de la petite enfance.

    La négation par actes et paroles étudiée dans le chapitre 7 part de cette forme de défense qui évolue avec l'âge : "Pendant plusieurs années le moi infantile, tout en conservant un sens intact de la réalité, gard le privilège de nier tout ce qui, dans cette réalité, lui déplaît. Il use amplement de cette faculté et, ce faisant, ne se cantonne pas dans le seul domaine des représentations et des fantasmes, il ne se borne pas à penser, il agit. Pour parvenir à transformer la réalité, il se sert des objets extérieurs les plus divers. On retrouve fréquemment aussi, dans les jeux enfantins, en général, et dans ceux où l'enfant adopte un rôle, en particulier, cette même négation de la réalité." Dans une présentation dynamique, Anna FREUD met en relation l'évolution de l'enfant dans ce sens avec l'existence des différentes écoles pédagogiques : "Le conflit toujours existant entre les différentes écoles pédagogiques (Froebel contre Montessori) peut se résumer ainsi : dans quelle mesure l'éducateur doit-il inciter l'enfant - et cela dès le plus jeune âge - à assimiler la réalité? Jusqu'à quel degré peut-on laisser le jeune être se détourner de cette réalité en favorisant chez lui la construction d'un monde imaginaire?"  Dans l'équilibre délicat entre l'entrée dans le monde de la réalité et la protection d'un Moi fragile, entre les excitations extérieures et les excitations pulsionnelles, c'est surtout la fonction de synthèse du Moi qui permet à l'enfant d'entrer progressivement dans une dynamique positive (d'échanges réels) avec le monde extérieur. Tout dépend de l'attitude des éducateurs, pris au sens large, dans leur compréhension des mesures protectrices du Moi, entre consentement trop large, qui risque de conforte l'enfant dans sa négation et répression trop forte qui augmente l'angoisse et réoriente de manière trop importante la défense contre la vie instinctuelle, ce qui aboutit au développement de névroses véritables.

     Le chapitre suivant sur La rétraction du Moi examine un phénomène parallèle à l'élaboration des fantasmes, divers procédés employés par le Moi "pour éviter toute souffrance venue soit du dedans soit du dehors". Cette rétraction du moi appartient autant aux procédés "normaux" qu'aux procédés pathologiques.Toujours à partir d'exemples concrets, elle décrit ce mécanisme de défense, qu'elle distingue de l'inhibition : "toute la différence entre l'inhibition et la rétraction du moi consiste en ce que, dans le premier cas, le moi se défend contre ses propres processus internes tandis que, dans le second, il se dresse contre les excitations extérieures". Ce processus de rétraction s'inscrit pour Anna FREUD dans le processus normal de l'enfance. Elle conclue sur le fait qu'étant donné le peu d'indépendance dont jouit l'enfant, "les adultes peuvent, à leur gré, favoriser ou étouffer chez lui l'éclosion d'une névrose". Ainsi, elle cite l'exemple d'une mère que l'état de son enfant inquiète et dont l'orgueil est blessé chercher à le protéger en lui évitant d'affronter des situations pénibles dans le monde extérieur. Tout est dans l'attention qu'elle témoigne et on peut mesurer combien est délicat le dosage de liberté à accorder, sans tomber dans l'état phobique à l'égard d'accès d'angoisse.

    La troisième partie aborde des exemples de deux types de défense, l'identification avec l'agresseur et une forme d'altruisme (Chapitres 9 et 10). La quatrième et dernière partie se focalise sur l'étude des phénomènes de la puberté : Mécanismes de défense déclenchés par la peur des pulsions trop puissantes (Chapitres 11 et 12).

    Dans sa conclusion, Anna FREUD commence, avons de faire une sorte de bilan des connaissances actuelles, par une sorte de mise en garde : "Quand nous connaîtrons mieux l'activité inconsciente du Moi, nous serons sans doute en mesure d'établir une classification bien plus rigoureuse". Les exemples qu'elle donne, tirés de son expérience clinique, lui permettent toutefois "de supposer que le moi met en branle le mécanisme de la négation quand il s'agit d'idées de castration et de pertes d'objet aimés. La cession altruiste des pulsions instinctuelles, d'autre part, semble être utilisée de préférence, dans certaines conditions déterminées, lorsqu'il s'agit de triompher d'humiliations narcissiques." Elle pense que les connaissances sont mieux "établies" sur les rapprochements entre les diverses activités de défense du moi contre les dangers qui menacent soit du dedans soit du dehors. "Le refoulement sert à évincer les dérivés du Ca comme la négation à supprimer les excitations extérieures. La formation réactionnelle préserve le moi d'une réapparition de ce qui a été refoulé, les fantasmes grâce auxquels la situation réelle est renversée empêchent la négation d'être ébranlée par l'ambiance. L'inhibition de l'émoi pulsionnel correspond à une rétraction du moi, destinée à éviter tout déplaisir causé par le monde extérieur. L'intellectualisation des processus instinctuels agit en tant que protection contre un danger intérieur et équivaut à une vigilance perpétuelle du moi contre les dangers extérieurs. Tous les autres mécanismes de défense qui, à la manière du retournement en contraire ou du retournement contre soi, se manifestent par une altération des phénomènes pulsionnels eux-mêmes, trouvent leur contrepartie dans les tentatives faites par le moi pour parer au danger extérieur en intervenant activement afin de modifier l'ambiance. toutefois, je ne puis m'étendre davantage ici sur ces sortes d'activités du moi". A lire la suite, le lecteur se rend compte de la mobilité extrême des mécanismes de défense et de la multiplication de véritables tactiques au fur et à mesure que les événements interviennent et que de nouvelles pulsions naissent dans le corps de l'individu.
"Bien que le moi, écrit-elle à la fin de sa conclusion, ne dispose pas, dans le choix des mécanismes de défense, d'une totale liberté, il n'en est pas moins vrai que l'importance de son rôle nous frappe quand nous étudions ces mécanismes. l'existence même des symptômes névrotiques prouve que le moi a été submergé. Tout retour des pulsions refoulées, toute formation ensuite de compromis trahissent un échec de la défense projetés, partant une défaite du moi. Le moi est vainqueur quand ses mesures de défense sont efficaces, c'est-à-dire quand il arrive, par elles, à limiter la production d'angoisse et de déplaisir, à assurer au sujet, même dans des circonstances difficiles, grâce à une modification des pulsions, une certaine dose de jouissance pulsionnelle. Ainsi s'établissent, dans la mesure du possible, d'harmonieuses relations entre le Ca, le Surmoi et les puissances du monde extérieur."

     Elsa SCHMID-KILSIKIS indique que "l'oeuvre d'Anna FREUD, et plus particulièrement (cet) ouvrage, a directement alimenté un courant de pensée que l'on pourrait qualifier de "psychanalyse de la conscience" et qui a surtout pris son essor aux Etats-Unis grâce aux adeptes de l'Ego-psychology (Hartmann, Kris et Loewenstein), mais elle a surtout indirectement permis une utilisation psychologique des données de la psychanalyse freudienne, utilisation entre autres sur le terrain de ce qu'il est convenu d'appeler de nos jours la "pédagogie psychanalytique" ainsi que dans le cadre des tests dits de personnalité." Nous pouvons ajouter que cet ouvrage se situe dans la longue lutte-polémique entre Anna FREUD et Mélanie KLEIN en ce qui concerne la psychanalyse des enfants.

       Anna FREUD, Le Moi et les mécanismes de défense, Presses Univertaires de France, Bibliothèque de psychanalyse, 2001, 170 pages environ. Traduction de Das ich und die abwehrmechanismen, Imago Publishing, London, 1946. Réédition de l'ouvrage de 1949 (15ème édition). L'ouvrage originel de 1936 porte le titre complet de Das Ich und die Abwehrmechanismen, Wege und Irrwege in der Kinderentwicklung, Wien, Internationaler Psychoanalytischer Verlag.
      Elsa SCHMID-KILSIKIS, article Le moi et les mécanismes de défense, dans Dictionnaire international de la psychanalyse, Hachette Littératures, 2002.

الدولة والمجتمع المدني؛ مقاربات معاصرة. (محور بالفرنسية) Etat et société civile - Approches contemporaines



Etat et société civile - Approches contemporaines

A partir des années 1970, l'étude des relations entre les instances organisées de la société civile et l'Etat connait un développement important, sans faire précisément référence aux grands auteurs antérieurs. Le volume des propositions théoriques ne cesse d'augmenter encore aujourd'hui, notamment sans doute à cause d'une baisse de l'importance de l'Etat. S'affine alors ce qu'on entend par société civile, en allant largement au-delà de sa définition économiste. En même temps ce foisonnement s'effectue dans une dispersion sémantique qui rend insdispensable, comme l'écrit Rocco VITALI, une "définition peu complexe de ce terme", condition importante pour tout débat intellectuel en sociologie ou en philosophie politique. Un ensemble d'auteurs, notamment en sociologie (Pierre Bourdieu par exemple) font pencher cette définition en soulignant ce que la société civile n'est pas.
    Le chercheur auprès du Centre de Recherche en Science Politique (CreSPo), des Facultés Universitaires Saint-Louis-FUSL de Bruxelles, entend identifier "provisoirement", dans un premier temps, la société civile "à un lieu où sont représentées des identités multiples et où l'on produit du bien-être", en tout cas comprenons-nous du vivre ensemble. "Tout en étant une instance en mesure de fournir des services, la société civile ne reproduit pas la rationalité "instrumentale" du marché ni la rationalité "stratégique" des appareils bureaucratiques de l'Etat-providence." Cet auteur s'inspire très librement ainsi de la théorie de l'action développée par HABERMAS (Théorie de l'agir communicationnel, 1981).
  Il distingue des théories normatives de la société civile (communautariens), des théories politiques, des théories procédurales de celle-ci et des Théories systémiques.
- Les théories normatives émergent parallèlement à l'affaiblissement des Etats. Des auteurs comme Amitai ETZIONI (né en 1929), sociologue israélo-américain, Theodore LEVITT (1925-2006), économiste américain et G RUFFOLO, théoricien italien,  inscrivent l'analyse du "troisième secteur" dans une logique "communautarienne". Ils définissent les associations issues de contextes communautaires comme une alternative aux limites posées par l'Etat-providence et chargent de signification idéologique le contexte d'action d'action associatif. La force des associations réside dans la capacité des contextes communautaires et identitaires de développer "naturellement" des liens de solidarité horizontaux et, de ce fait, de fournir des services extrêmement efficaces aux membres des différentes communautés. Très engagés idéologiquement, ces auteurs inaugurent l'étude empirique du rôle de la société civile, avec sans doute des biais partisans, mais il faut noter qu'en la matière toute analyse de la société civile est forcément de caractère plus ou moins politique, et il ne faut pas s'en étonner ou le déplorer (comme le fait notre auteur).
- Au cours des années 1980, les études sur la société civile ont essayé de répondre à la question suivante : "Pourquoi les sociétés complexes produisent et reproduisent un secteur "sans but lucratif" (le troisième secteur) indépendant du marché et de l'Etat?"
Deux sortes de réponses différent's sont apportées, d'abord par l'analyse des contraintes structurelles de l'universalisme, ensuite par l'analyse de la médiation politique des intérêts.
  Une première approche pose que selon les théories classiques et normatives de la démocratie, l'Etat peut fournir un service uniquement quend, agissant ainsi, il couvre des besoins ressentis par une majorité de citoyens/électeurs/contribuables. L'Etat doit alors adopteer des principes de justice redistributive en offrant des opportunités égales à tous les cityens. La théorie politique appelle cette dimension de l'action démocratique "les contraintes structurelles de l'universalisme". Il s'agit de contraintes puisqu'elles interdisent à l'Etat de mener en même temps deux politiques contradictoires favorisant l'une ou l'autre partie des citoyens. Ces dimensions ne pose a priori pas de problèmes dans les cas où les contenus des politiques s'appuient sur un large consensus social. Toutefois dans la plupart des cas ce n'est pas le cas, pour de multiples raisons. L'hypothèse centrale de J DOUGLAS (Political theories of Nonprofit organization, dans  W POWELL, The third sector. A research Handbook, New Haven, London, Sge, 1987) s'articule autour de ce qu'il appelle un "troisième secteur", et ce en lien avec l'absence d'une volonté populaire unique et inéliénable. Chaque organisation du troisième secteur repprésenterait ainsi une position inconciliable avec celle des autres organisations.
 Une deuxième approche se développé autour de la notion de "médiation politique des intérêts". Selon celle-ci, les organisations jouent au contraire un rôle de médiation entre intérêts privés et intérêts collectifs. Dans les systèmes politiques pluralistes, les organisations nonprofit renforcent le pluralisme puisqu'elles parviennent à constituer des centrs de représentations sociales externes à l'etat. Des populations marginalisées peuvent être réintégrées dans le système politique par le biais des organisations de la société civile. Mais dans les systèmes néo-corporatistes, les associations de la société civile peuvent constituer des véritables monopoles de l'offre de services sociaux et de l'agrégation des intérêts. Elles constituent alors un facteur d'immobilisme et de surcharge su système. Dans les démocraties consociatives, le troisième secteur permettrait la coexistence au sein de sociétés polarisées, de publics segmentés et potentiellement antagonistes. 
- Dans le courant des années 1980, le débat intellectuel allemand portant sur le rôle de l'Etat dans les sociétés complexes produit de nouveaux cadrages théories sur le troisième secteur.
Helmutt WILLKE (né en 1945), sociologue qui étudie les effets de la globalisation, observe la faillite idéologique du modèle de gestion libéral fondé sur l'idée d'une société pluraliste gérée au travers d'intruments juridiques interventionnistes et basés sur l'idée de planification centrale et de développement intégral. Ce constat l'amène à développeer des nouveaux modèles de "pilotages" des systèmes sociaux complexes. La problématique consiste à identifier les manières de gestion efficace des sociétés "polycéphales" et "complexes" en abandonnant les deux modèles traditionnels de l'"autorégulation libérale" ou de la "planification dirigiste". Il reprend l'idée d'HABERMAS qui stipule qu'à chaque modèle de structure sociale correspond un type particulier de droit. Il souligne le fait que le droit contemporain ne correspond plus aux nouvelles exigences structurelles. 
Le sociologue allemand propose en conséquence de développer des "programmes relationnels" basés sur des instruments juridiques de "droit réflexif". L'idée centrale consiste à postuler que l'Etat ne parvient plus à contrôler toute l'information utile à la gestion des différents niveaux d'intervention décentralisés. Il faut, pour cette raison, concevoir un type de droit qui permet à l'Etat de distribuer vers les lieux où les problèmes se posent, non seulement les moyens matériels pour leur rsolution, mais également des ressources décisionnelles. En d'autres termes, les "programmes relationnels" impliquent la décentralisation des compétences décisionnelles vers des instances externes à l'Etat et, dans ce cas, vers les associations de la société civile. L'Etat assume ainsi les fonctions de pilotage non centralisé, c'est-à dire qu'il se limite à garantir la médiation et la coordination nécessaire pour assurer non pas la cohérence mais la continuité de l'action publique. 
- Les théories systémiques de Wolfgang SEIBEL (né en 1953), procèdent d'une approche inverse de celle de la théorie politique de WILLKE. Le politologue allemand montre que l'Etat-providence se décharge de contextes de régulation problématiques en faisant appel aux instances de la société civile. L'Etat parvient ainsi à dépasser les difficulutés de légitimation de ses propres politiques sociales en délégant vers d'autres secteurs une partie de ses compétences. L'antagonisme apparent entre société civile et Etat est repris par cette approche.
Sociologue des organisation, SEIBEL estime qu'il faut faire ressortir la relation entre les organisations (ou sous-systèmes) et les environnements dans lesquels celles-ci évoluent. Par ailleurs, il estime que la forme la plus performante de différenciation organisationnelle de gestion de la complexité demeure la bureaucratie. Car celle-ci réduit efficacement les coûts de transaction (légitimation), elle permet d'atteindre une efficacité redistributive et de fournir des structures d'action collective suffisamment flexibles et fiables dans des sociétés démocratiques et ouvertes. Sa démarche s'inspire à la fois des théories de dysfonction de CROZIER et de MERTON, des principes de WEBER et des réflexions de LUHMAN.
Dans cette optique, les organisations du troisième secteur sont considérées comme étant une déviation de l'idéal bureaucratique. Elles ne couvrent pas véritablement (même si elles prétendent le faire ou vouloir le faire) les fonctions dévolues auparavant par les administrations. En définitive, vus leurs véritables activités et les publics qu'elles touchent réellement, elles ne sont ni efficaces ni efficients et elles ne se substituent ni à l'Etat ni au marché. Il convient d'écrire également selon nous, que très souvent, elles n'entendent se substituer ni à l'une ni à l'autre mais au contraire elles veulent corrgier les erreurs et les carences de l'un ou/et de l'autre. 
En tout cas, la position de SEIBEL vise directement les approches qui postulent que le troisième secteur se constitue pour faire face aux échecs du marché et à la crise de l'Etat-providence. Il considère qu'au cas où le marché faillit, c'est l'Etat qui doit intervenir et vice-versa. De plus, les organisations du privé social existent et se développent car elles agissent au niveau d'une sphère particulière. Pour lui, le financement de ce type d'acteurs se justifie puisqu'il réduit le dillemme de légitimation des systèmes politiques démocratiques. Si les associations ne résolvent pas les problèmes pour la solution desquels elles sont financées, pas contre elles sont très appréciées par les communautés locales. Cet avantage symbolique et la légitimation qui en suit, suffisent à les justifier. Concrètement, du fait du financement, personne ne pourra rendre l'Etat responsable d'un échec au niveau de la résolution du problème affronté par les organisations subventionnées. Si sa théorie est assez convaincante, encore que sans doute le jeu associtif diffère par bien des aspects du jeu politique (avec des effets de ricochets qui peuvent brouiller les responsabilités et influer, de manière tout à fait inopportune, les résultats des élections!), mais elle repose sur un postulat largement dépassé et difficile à prouver empiriquement (la bureaucratie est le seul type d'organisation efficace).
- L'auteur penche plus favorablement pour l'analyse relationnelle de la société civile, tel que la propose des théoriciens comme Adalbert EVERS (voir entre autres dans la revue Sociologie, 2013/2, avec Anne-Marie GUILLEMARD, Social Policy and Citizenship. The changinig Landscape). Dans un champ social concret, les distinctions telles que formel/informel, public/privé se fluidifient et se confondent. Il s'agit de définir le champ avant de réintroduire l'acteur. Il prône une approche soulignant le dynamisme des champs, tout en se donnant les moyens en parallèle de comprendre la stabilisation de certaines organisations. Cet auteur et d'autres discutent alors de la "coopération conflictuelle" entre agents intermédiaires stables.
Pour comprendre les problèmes d'intermédiation, EVERS utilise le schéma du "triangle du bien-être". Dans ce schéma, il définit les buts, les caractéristiques et les logiques d'action des trois pôles de la société : l'Etat, le marché et les ménages. Entre eux, s'organisent des groupes d'entraide, des projets auto-organisés, des projets subventionnées et des initiatives occupationnelles, auteurs d'initiatives distinctes de leurs prérogatives respectives. Il existe entre ces initiatives et les organismes (parfois ad-hoc) qui les portent des processus d'assimulation, d'exclusion et de coopération. L'assimilation rend compte du déplacement d'une organisation vers un pôle bureaucratique caractérisé soit par une logique étatique, soit par une logique marchande. L'exclusion est le processus inverse et il aboutit souvent à l'abandon du but d'intermédiation. la coopération avec l'Etat favorise, quant à elle, la stabilité à moyen trme des agents intermédiaire (ou une participation partielle du marché). 
Rocco VITALI constate que par bien des aspects, le problème principal de l'analyse de la société civile concerne une dimansion "angélique" qui met plus l'accent sur les coopérations et agencements possibles que sur les conflits qui occupent une partie de l'énergie des acteurs concurremment aux efforts vers les objectifs qu'ils disent vouloir attendre. Toutefois, dans l'analyse relationnelle, qui ne connote pas nécessairement de manière négative ni l'action de l'Etat ni celle des marchés, l'accent est bien mis sur les dynamiques différentes qui peuvent se développer. il manque sans doute à ces analyses des réflexions proprement politico-économiques sur le fonctionnement réel de l'économie et une absence d'approfondissement sur les aspects correctifs du troisième secteur, à la fois vivier d'alternatives politiques de fond et support conservateur de l'état social existant. Il n'est pas sûr enfin que la réflexion sur le troisième secteur recouvre complètement celle sur l'Etat et la société civile. Si le troisième secteur offre soutient souvent des préoccupations solidaristes et conviviales, dans la société civile - mais est-ce encore la société civile? - existent des aspects tenant à l'économie souterraine ou la privatisation d'activités régaliennes dévolues par la théorie politique à l'Etat. En dehors du troisième secteur, de la société civile et de l'Etat, se trouvent sans doute d'autres éléments dont il faudrait tenir en compte pour comprendre réellement les évolutions de notre temps.

Rocco VITALI, Etat et société civile : une coopération conflictuelle, Pyramide, 6/2002. http://pyramides.revues.org.

PHILIUS