الاثنين، 26 فبراير 2018

الله الناطق بالعربية؛ الأب جورج مسّوح.


الله الناطق بالعربيّة

هذه المقالة نُشرت في صحيفة "النهار" بتارخ 9 أكتوبر 2013، وكنتُ لأكتبها اليوم لو لم أكتبها أنذاك.

يذكر القدّيس بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية أنّه بعيد اهتدائه إلى الإيمان المسيحيّ انطلق إلى "ديار العرب"، ثمّ رجع إلى دمشق (1، 17). و"ديار العرب" كانت تعني آنذاك شبه الجزيرة العربيّة والأردن وسورية الجنوبيّة وصولاً إلى دمشق. وكانت تضمّ مملكة الأنباط والبتراء العربيّة وجرش وفيلادلفيا (عمّان الحاليّة) وبُصرى وحوران. ومن الراجح أن يكون بولس قد ذهب إلى بلاد العرب المتاخمة لدمشق، إلى تلك الصحراء الجبليّة الجرداء، إلى مدينة بُصرى وجوارها.
في بداية القرن الثاني الميلاديّ أطلقت الإمبراطوريّة الرومانيّة اسم "ولاية العربيّة" على بلاد الأنباط بعد أن تمّ إلحاقها بأراضي الإمبراطوريّة. وشهدت مدينة بُصرى ازدهارًا زراعيًّا وتجاريًّا وعمرانيًّا غداة إعلانها عاصمة للولاية عام 106 على عهد الإمبراطور تراجان.
لا ريب في أنّ ديار العرب، وبخاصّة عاصمتها بُصرى، هي من أولى المناطق التي اعتنق سكّانها المسيحيّة. فموقعها القريب من فلسطين، حيث عاش المسيح، جذب إليها الرسل منذ بدايات انطلاقهم حاملين البشارة الإنجيليّة إلى أطراف المسكونة كافّة. وورد في التراث الكنسيّ أنّ طيمن الرسول، أحد الشمامسة السبعة، قد أقيم أسقفًا على بصرى. وقد شارك أساقفتها في العديد من المجامع الكنسيّة المحلّيّة والمسكونيّة على السواء. وكتب المقريزي أنّ متّى الرسول هو "أوّل مَن صدع بالإنجيل في بُصرى". كما ورد عند الطبريّ ذكر "أسقف العرب الغسّانيّين".
في القرنين الخامس والسادس بلغت المسيحيّة كلّ قرى حوران ومدنها حتّى أصبح كلّ سكّان ولاية العربيّة مسيحيّين. واشتهرت العربيّة بالحياة النسكيّة، وتكاثرت الأديرة التي لا يزال بعضها أو بعض آثارها قائمة إلى اليوم. وحظي الرهبان برعاية وحماية الأمراء الغساسنة الذين شيّدوا بعض تلك الأديار على نفقتهم. وكان للرهبان فضل كبير في نشر الإيمان المسيحيّ بين القبائل العربيّة التي اعتنقت المسيحيّة.
وقد تأسّست في ولاية العربيّة أسقفيّات عديدة منذ القرن الرابع، وتكاثر عددها في كلّ المناطق والمدن التي سيطرت عليها القبائل العربيّة وانتشرت فيها، نذكر منها بالإضافة إلى بُصرى: جرش، عمّان، مأدبا، درعا، صنمين، سويداء، شهبا، وصولاً إلى حرّان والرصافة وتدمر وبعلبك... بعلبك التي يتبيّن ممّا ذكره البلاذريّ عن صلح القائد الإسلاميّ أبي عبيدة بن الجرّاح لأهلها المسيحيّين، عربًا وغير عرب، وجود مسيحيّين عرب في المدينة أيّام الفتوحات.
منذ اللحظة الأولى لنشأة الكنيسة، نطقت المسيحيّة باللغة العربيّة. فيوم العنصرة، يوم حلّ الروح القدس على التلاميذ، يوم "امتلأوا كلّهم من الروح القدس وطفقوا يتكلّمون بلغات أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا"، يوم دُهش الحاضرون، ومنهم العرب، كيف يسمعون الرسل الجليليّين "ينطقون بألسنتنا بعظائم الله" (أعمال الرسل 2، 1-11)، نطق الله بالعربيّة.
في ذلك اليوم، منذ ألفَي عام، نطق الله بالعربيّة. وبالعربيّة انتشر الله وكلمته وروحه وإنجيله في المدن والقرى والبراري والبوادي، وفي الكنائس والصوامع، وفي الصلوات والأصوام والأدعية والترانيم، وفي حيوات القدّيسين والشهداء والأبرار والنسّاك والرهبان.
تبنّى الله العربيّة وجعلها مسيحيّة تشهد له ولكنيسته الحيّة على الدوام. عمّدها بالروح والماء والدم. وستظلّ المسيحيّة العربيّة وفيّة لهذه الأمانة النفيسة، هذه المعموديّة التي تحصل مرّة واحدة وإلى الأبد. ولن يسع أحدًا أن يقتلعها من جذورها الضاربة في الماضي والحاضر والآتي من الدهور.

الأب جورج مسّوح

الخميس، 22 فبراير 2018

العلاقة بين الدين والفلسفة عبر التاريخ؛ هاشم صالح.




العلاقة بين الدين والفلسفة عبر التاريخ
هاشم صالح


مؤلف هذا الكتاب «أجمل قصة لتاريخ الفلسفة» هو الفيلسوف الفرنسي المعروف لوك فيري. وكان سابقًا وزيرًا للتربية والتعليم في عهد جاك شيراك. وقد اشتهرت مؤلفاته وترجمت إلى أكثر من 20 لغة عالمية، نذكر من بينها كتابه عن الفلسفة السياسية، وعن ثورة مايو (أيار) 1968، وعن هيدغر والمحدثين، وعن ظهور الجماليات الحديثة، وعن تجاوز نيتشه، وعن أجمل قصة لتاريخ للفلسفة، إلخ. وفي هذا الكتاب الأخير الذي نستعرضه بسرعة شديدة يعترف لوك فيري بأن الفلسفة حلت محل الدين في الغرب في القرون الأخيرة. فلم يعد الناس، أو قل أغلبيتهم، يبحثون عن الطمأنينة وتهدئة مخاوفهم وقلقهم في جهة المسيحية، وإنما في جهة الفلسفة القديمة أو الحديثة.
وهذا تطور مذهل لم يحصل في أي منطقة أخرى من مناطق العالم حتى الآن. فالفلسفة العلمانية هي التي تسيطر على الغرب حاليا وليس الدين المسيحي. فالفرنسي إذا ما أراد أن يبحث عن معنى الوجود، ومن أين جئنا وإلى أين المصير، لم يعد يبحث عنه في الإنجيل أو في كتابات آباء الكنيسة الكبار، وإنما لدى أفلاطون وأرسطو وكانط، ونيتشه.. إلخ. وفي هذا الكتاب يستعرض المؤلف تاريخ هذا التطور على مدار القرون، ويفتتحه بالتساؤل الأساسي التالي: ما الفلسفة؟ وما عقائدها التي تقود الإنسان إلى الخلاص خارج إطار الدين المسيحي؟ من المعلوم أن الإنسان في أوروبا كان يهدئ قلقه أمام الموت عن طريق اللجوء إلى الكاهن المسيحي الذي يشرح له مبادئ دينه ويطمئنه ويقول له إن الموت ليس إلا عبورا نحو الحياة الآخرة حياة الأبدية والخلود. وكان هذا الجواب يدخل الطمأنينة إلى قلب الإنسان المسيحي فلا يعود يخشى من الاندثار أو الفناء الكامل بعد الموت. ولكن بعد أن ظهرت العلوم الحديثة في الغرب، وبعد أن تطور المجتمع كثيرا من الناحية العقلانية لم يعد هذا الجواب يكفي أو قل لم يعد يقنع إلا المؤمنين بالمعنى التقليدي للكلمة. وعندئذ تدخلت الفلسفة أو قل حلت محل الدين المسيحي لكي تقدم الجواب على قلق الإنسان وتساؤلاته الميتافيزيقية.
ولكن هذا لا يعني أن الجواب الديني انتهى مفعوله. فالواقع أن الكثيرين لا يزالون يؤمنون به وإن كان عددهم قد تناقص كثيرا بالقياس إلى المجتمعات الأخرى، كالمجتمعات الإسلامية مثلا. ثم يردف المؤلف قائلا: «في الواقع أن الدين المسيحي انتصر على الفلسفة قبل أن تنتصر الفلسفة أخيرا عليه. فعندما ظهرت المسيحية قبل ألفي سنة (2000) كانت الفلسفة اليونانية هي السائدة، أي فلسفة أرسطو وأفلاطون وأتباعهما. ولذلك قامت المسيحية برد فعل عنيف على هذه الفلسفة واتهمتها بالوثنية ودعت الناس إلى التخلي عنها وعدم قراءتها. بل وحرقت كتبها في أماكن كثيرة باعتبار أنها كتب ضالة مضلة تبعد عن الله».

وهكذا ماتت الفلسفة في الغرب لمدة عدة قرون، أي من القرن الرابع أو الخامس الميلادي إلى القرن الحادي عشر أو الثاني عشر. ولم تكتشف المسيحية الأوروبية الفلسفة إلا على يد العرب في إسبانيا. عندئذ راح مفكروها يترجمون كتب الفارابي وابن سينا وابن رشد وسواهم لكي يطلعوا على أفكار أفلاطون وأرسطو. وابتدأت النهضة الأوروبية بعدئذ كما هو معلوم. وبالتالي فقد كان للعرب المسلمين شرف نقل الفكر الفلسفي والعلمي إلى أوروبا الجاهلة المتعصبة آنذاك. هذا شيء كثيرا ما ينساه الناس هنا أو يتناسونه لأن الأمور انقلبت رأسا على عقب ولأن عالم الإسلام أصبح بحاجة إلى تنوير فلسفي عقلاني وليس عالم أوروبا. وبالتالي فسبحان مغير الأحوال! فمن كان حضاريا سابقا أصبح متخلفا الآن ومن كان متخلفا أصبح حضاريا متفوقا. ثم يتحدث المؤلف بعدئذ عن كيفية انتصار الفلسفة العقلانية والإنسانية في أوروبا على الأصولية المسيحية. وقد ابتدأ هذا الانتصار في عصر ديكارت الذي دعا المسيحيين إلى استخدام العقل من أجل اكتشاف قوانين الطبيعة والسيطرة على الكون. كما دعاهم إلى التخلي عن عقلية الخرافات الأسطورية والمعجزات التي تلغي العقل، ثم جاء بعده فلاسفة آخرون مشوا في هذا الاتجاه وكان أكبرهم كانط.

وهو مؤسس الفلسفة الحديثة في الغرب بل قد استطاع أن يتنبأ بمستقبل البشرية وبالأمم المتحدة تقريبا عندما دعا إلى تأسيس حكومة عالمية لحل المشكلات الناشبة عن طريق التفاوض العقلاني وليس عن طريق قعقعة السلاح. وراح يحلم بالسلام الأبدي بين الأمم والشعوب بعد أن تتحضر الشعوب كافة بالطبع وليس قبل ذلك. وهو هدف لا يزال بعيد المنال للأسف الشديد.
ويعترف المؤلف بأن كانط شكل ثورة في الأخلاق الحديثة عن طريق كتابه «نقد العقل العملي»، فقد بلور المبادئ الأخلاقية الكبرى التي ينبغي أن تتحكم بالسلوك البشري لكي تنتظم الحياة في المجتمع، ولكي يصبح جميع الناس مهذبين، حضاريين، ملتزمين بالنزعة الإنسانية وخدمة المصلحة العامة وليس فقط المصلحة الفردية. والآن نلاحظ أن المبادئ الأخلاقية التي بلورها كانط لا تزال تسود بلدان الغرب المتحضرة من ألمانيا إلى هولندا إلى سويسرا إلى بلجيكا إلى فرنسا إلى إنجلترا.. إلخ.

فالجميع يلتزمون بأداء الواجب، وعدم الاعتداء على حريات بعضهم البعض. وكل واحد ينجز عمله بإتقان داخل المجتمع أو من خلال الموقع الذي حدده له المجتمع. وهذا الأمر ينطبق على كل المهن والحرف كبيرها وصغيرها. فمن رئيس الوزراء إلى أستاذ الجامعة إلى الطبيب والمهندس إلى النجار والحداد والتاجر وحتى الزبال وكناس الشوارع نجدهم كلهم يؤدون واجبهم على أفضل وجه. يضاف إلى ذلك قيم الصدق، والدقة في المواعيد، والأمانة، والنزاهة الشخصية.. إلخ
ولذلك تقدمت بلدان أوروبا وتحضرت، على عكس بلدان الشرق التي ظلت غارقة في التخلف والجهل والتواكل والكسل وإخلاف المواعيد واحتقار الزمن وسوى ذلك. وأخيرًا يمكن القول إن هذا الكتاب يقدم صورة بانورامية عامة عن تطور الفكر في الغرب منذ أكثر من 2500 سنة وحتى اليوم. فهو يتحدث في الفصول الأولى عن الفلسفة اليونانية وكيف هيمنت على الغرب قبل ظهور المسيحية. ثم يتحدث بعدئذ عن انتصار المسيحية على الفلسفة اليونانية طيلة عشرة قرون. وهي فترة العصور الوسطى. وبعدئذ يتحدث المؤلف عن عودة الفلسفة إلى الساحة الأوروبية من جديد بدءا من عصر النهضة حيث حصل رد فعل عنيف ضد التزمت المسيحي.
ثم استمرت الفلسفة في الصعود طيلة العصور التالية من القرن السابع عشر وحتى القرن العشرين وبدايات الحادي والعشرين، حيث تغلبت على الدين المسيحي الذي انحسر كثيرا. ويتوقف المؤلف مطولا عند بدايات الفلسفة العقلانية ذات الطابع الإنساني، وكيف انتصرت على الأصولية المسيحية. ومن أهم الفصول هنا نذكر فصلا بعنوان: تأسيس الفلسفة الإنسانية في عصر التنوير على يد جان جاك روسو وعمانويل كانط. وعلى هذا النحو انتصرت فلسفة الحداثة.
ثم ينتقل المؤلف بعدئذ إلى فلسفة ما بعد الحداثة، التي كانت نقدا للأولى. وقد انتصرت في رأيه على يد نيتشه وهيدغر، قبل أن تنتصر على يد أتباعهما المعاصرين من أمثال فوكو، ودريدا، وديلوز، وجان فرنسوا ليوتار، وسواهم. وهي فلسفة طغت وزادت عن حدها. ولذلك تلاشت أسطورتها أخيرا.
ثم يختتم المؤلف كلامه قائلا: لقد آن الأوان لكي نتجاوز فلسفة ما بعد الحداثة لأنها أدت إلى العدمية ونسبية القيم بل وتدمير القيم. إنها فلسفة نسبوية لا نسبية. فقد راحت تساوي بين كل شيء وكل شيء ولم يعد هناك من شيء أفضل وشيء أسوأ في نظرها. فلا توجد مجتمعات متقدمة ومجتمعات متخلفة توجد فقط مجتمعات مختلفة. فهل أنت ضد حق الاختلاف؟ ونضيف من عندنا: لا توجد حياة جنسية صحيحة وأخرى خاطئة. يوجد فقط اختلاف في ممارسة الحب: فالشذوذ الجنسي مثلا والجنس الطبيعي سيان! وهنا تتبدى تطرفات الحضارة الغربية التي ينبغي تحاشيها بأي شكل. للأسف فإن لوك فيري غير موافق على هذا الرأي. وهنا نختلف معه جذريا ومع معظم المثقفين الحداثيين الفرنسيين.
على أي حال فضد هذا التطرف العدمي الذي أصاب فلسفة ما بعد الحداثة ينهض لوك فيري ويدعو إلى تأسيس فلسفة عقلانية وإنسانية جديدة تأخذ البعد الروحي أو التساؤلات الميتافيزيقية للإنسان بعين الاعتبار. فالإنسان ليس فقط ماديات واستهلاكات، وإنما هو أيضا روحانيات وتساؤلات ميتافيزيقية.. ولكن لم يعد الدين في نظره هو الجواب الشافي على هذه التساؤلات، وإنما الفلسفة.
وفي رأينا فإن كليهما ضروري ويكمل بعضهما البعض إذا ما فهمناهما بشكل صحيح. فنحن بحاجة إلى الدين والفلسفة في آن معا. نحن بحاجة إلى العلم والإيمان. ومن هذه الناحية فليسمح لنا الغرب السيد المتغطرس أن نختلف معه أو قل مع تياره الجارف وليس كل تياراته، فلا يزال هناك لحسن الحظ تيار مؤمن لا إلحادي، وأكبر دليل على ذلك: بول ريكور.
_______
*الشرق الأوسط


تاريخ الفلسفة منذ اليونان حتى يومنا هذا، لوك فيري يقدم مسحاً تاريخياً شاملاً؛ هاشم صالح.



تاريخ الفلسفة منذ اليونان حتى يومنا هذا
لوك فيري يقدم مسحاً تاريخياً شاملاً

- 22 فبراير 2018 مـ رقم العدد [14331]


غني عن القول أني لا أستطيع استعراض جميع الكتب التي قرأتها أخيراً، ولكني سأتوقف عند أحدها، وهو للفيلسوف الفرنسي لوك فيري، ومعلوم أنه كان قد نشر سابقاً كتاباً بعنوان «أجمل قصة لتاريخ الفلسفة». وكنت قد أشدت به هنا على صفحات «الشرق الأوسط»، في مقالة مطولة فور صدوره، ولكنه أصدر بعده كتاباً أكثر ضخامة، بعنوان «فلسفات الأمس واليوم»؛ العنوان الحرفي للكتاب هو «حكمات الأمس واليوم»، جمع حكمة. ومن مصادفات الأمور السعيدة أن العرب كانت تترجم كلمة «فلسفة» اليونانية بكلمة «حكمة». وربما كان الأفضل أن نترجم عنوان الكتاب بـ«فلاسفة الأمس واليوم»، وذلك لأنه يستعرض تاريخ الفلسفة منذ اليونان حتى يومنا هذا، ولكنه يضيف إليهم غلغامش وبوذا وحكمة الشرق أو حكمائه. وينبغي أن نعترف فوراً بأن لوك فيري هو أفضل شارح لتاريخ الفلسفة في فرنسا، وربما في العالم كله. ما عدا ذلك، فإن هذا الكتاب يتحدث لنا عن تاريخ الفلسفة من هوميروس إلى أفلاطون، في فصل افتتاحي تدشيني، ثم ينتقل مباشرة لكي يتحدث عن أرسطو (تلميذ أفلاطون)، في فصل مطول يحاذي الأربعين صفحة تقريباً، يليه فصل عن الرواقيين، ثم عن الأبيقوريين، ثم عن غلغامش وبوذا وحكمة الشرق، كما ذكرنا.

وبعدئذ، يكرس المؤلف فصلاً كاملاً ليسوع المسيح والثورة الدينية الرائعة التي دشنها ودفع حياته ثمناً لها. ولكن ينبغي الاعتراف بأن الدوغمائية الدينية الانغلاقية انقلبت لاحقاً على الفلسفة اليونانية، بل وكفرتها باعتبار أنها وثنية، ثم جاء عصر النهضة في القرن السادس عشر لكي ينقلب بدوره على الدوغمائية الدينية اللاهوتية، وينتقم للفلسفة. وهكذا، انتقلنا من نقيض إلى نقيض في تاريخ الفكر الأوروبي. فالعدو أصبح العصور الوسطى المسيحية، وليس الفلسفة والآداب اليونانية - الرومانية التي أشعلت النهضة الأوروبية. ومعلوم أن العرب لعبوا دوراً كبيراً في انطلاقة نهضة أوروبا، عن طريق نقل الفلسفة اليونانية إليها من خلال الفارابي وابن سينا، ثم الشارح الأكبر ابن رشد.

ونلاحظ أن لوك فيري يركز على شخصية واحدة من شخصيات النهضة الإيطالية، ألا وهو: بيك الميراندولي، الذي كان معجباً جداً بالعرب وحضارتهم وثقافتهم. وسوف أتوقف عنده لحظة بعد قليل. وماذا حصل بعد عصر النهضة في القرن السادس عشر؟ شيئان عظيمان: الثورة العلمية التي قضت على علم أرسطو وبطليموس، بفضل كوبرنيكوس وغاليليو، والثورة الفلسفية التي تحققت على يد ديكارت.

وبعد أن يفرغ المؤلف من الحديث عن الثورة الديكارتية، نجده يكرس فصلاً مطولاً لأهم تلميذين خرجا من معطف ديكارت وتفوقا عليه في بعض المجالات، وهما لايبنتز وسبينوزا. ثم يخصص صاحبنا فصلاً كاملاً للفلسفة الأنغلو - ساكسونية، وهذا أضعف الإيمان. وبعدئذ، ينتقل مباشرة إلى التحدث عن كانط والأنوار. ومعلوم أن فيري مختص بكانط، وهو يقرأه في النص الأصلي، أي الألماني. بل ونعته البعض بأنه كانط جديد، عندما اندلعت المعركة ضد فوكو ونيتشه في الساحة الباريسية نهاية السبعينات وبداية الثمانينات. ثم يخصص المؤلف فصلاً كاملاً لجان جاك روسو وتوكفيل، اللذين دشنا الفكرة الديمقراطية في الغرب. وبعدئذ، يخصص فصلاً طويلاً لهيغل والفلسفة المثالية الألمانية، ثم ينتقل إلى شوبنهاور العدو اللدود لهيغل. ومعلوم أنه كان يغار منه، ويشتمه بعبارات نابية. وبالتالي، فالفلاسفة الكبار قد يفقدون أعصابهم أحياناً بسبب الغيرة والحسد من بعضهم بعضاً، وكنا نتوقع منهم غير ذلك، ولكن انظر إلى حقد المثقفين العرب على بعضهم بعضاً أيضاً! ثم ينتقل المؤلف إلى تلميذ شوبنهاور الذي تفوق على أستاذه: عنيت نيتشه. وبعد نيتشه، يجيء دور ماركس وفرويد وكارل بوبر وهيدغر، وسارتر والفلسفة الوجودية، ثم فكر «مايو 68»، المتمثل بالأقطاب الكبار فوكو وديلوز ودريدا، إلخ. وهم الذين حاول لوك فيري تفكيكهم أو تحطيمهم في كتاب مشهور صدر بالاسم نفسه عام 1985. ثم يختتم المؤلف كتابه بفصل مطول عن وضع الفلسفة اليوم. هكذا، تلاحظون أني عددت مفاصل الكتاب بدقة لكي يتسنى للقارئ أخذ فكرة عن المشروع العام ككل. والآن، دعونا ندخل في التفاصيل.

يرى المؤلف منذ البداية أن هدف الفلسفة هو: تحديد نوعية الحياة الجيدة التي ينبغي أن يعيشها الإنسان؛ إنها تبغي التوصل إلى الحكمة التي تقودنا في الحياة، وذلك اعتماداً على العقل فقط. والفلسفات المتتالية ما هي في نظر لوك فيري إلا روحانيات علمانية منافسة للدين، أو مستغنية عنه، وذلك على عكس الروحانيات الدينية التي لم يعد لها لزوم في عصر الحداثة، بحسب رأيه. وهنا، نجد أنفسنا مختلفين مع السيد فيري، فنحن لا نعتقد أن بتر الإيمان أو الدين شيء مستحب. نعم لبتر التعصب الديني التكفيري، ولكن لا لبتر الدين في المطلق، فنحن لا نعتقد أن هناك تعارضاً بين الفلسفة والدين، أو العقل والإيمان، بشرط أن نفهم الدين بشكل عقلاني متنور. وأكبر مثال على ذلك الفيلسوف بول ريكور، فقد كان فيلسوفاً ضخماً، باعتراف لوك فيري نفسه، وفي الوقت ذاته كان مؤمناً كبيراً. على أي حال، فالسيد فيري حر في تصوراته، مثلما نحن أحرار في تصوراتنا.

لكن لنواصل رحلتنا مع هذا الكتاب الضخم الذي يتجاوز الثمانمائة صفحة من القطع الكبير.. يرى المؤلف أن الانتقال من مرحلة هوميروس إلى مرحلة أفلاطون يعني الانتقال من عصر الأسطورة إلى عصر الفلسفة، أو من عصر الملاحم الشعرية إلى عصر النثر والعقل. بهذا المعنى، فإن أفلاطون هو أول فيلسوف في تاريخ البشرية، وربما أكبر فيلسوف، كما قال لي يوماً ما كاستورياديس، أستاذ لوك فيري نفسه وكل جيله، وذلك عندما قابلته يوماً ما في منزله الباريسي لصالح مجلة «الكرمل»، التي كان يرأس تحريرها شاعرنا الكبير محمود درويش.

وماذا عن أرسطو الذي هيمن على البشرية العربية الإسلامية والأوروبية المسيحية طيلة العصور الوسطى؟ إنه القطب المضاد لأستاذه أفلاطون. فبقدر ما كان هذا الأخير مثالياً سارحاً في عالم المثل السماوية، كان أرسطو واقعياً يركز اهتمامه بالدرجة الأولى على دراسة الواقع الأرضي المحسوس. والصراع بين أفلاطون وأرسطو اخترق تاريخ الفلسفة من أوله إلى آخره، إنه الصراع بين المثالية والواقعية. نقول ذلك باختصار شديد وتسرع أشد. والآن، لنقفز على فصول كثيرة، ولننتقل مباشرة إلى عصر النهضة في القرن السادس عشر. وهنا، نصل إلى بيك الميراندولي، الذي يُعتقد أنه مات مسموماً في عز الشباب: 31 سنة فقط! لقد اغتاله الإخوان المسيحيون، فقد اتهموه بالزندقة والكفر والخروج على الدين. وكان الميراندولي يقول إن علينا أن نقلد علماء العرب وفلاسفتهم، إذا ما أردنا أن ننهض ونتطور. وكان في رأي لوك فيري أول من بلور النزعة الإنسانية الحديثة في الغرب، عندما ألف كتابه عن «الكرامة الإنسانية أو العظمة الإنسانية»، ولذلك اصطدم باللاهوت المسيحي ورجال الدين، وقد اشتهر بثقته الكبيرة في الإنسان، وقدرته على صنع المعجزات، وقال إنه أخذ هذه الفكرة عن كتب العرب التي تقول إنه «لا يوجد على وجه الأرض أروع من الإنسان»، ولكن المتشددين فهموا كلامه على أساس أنه تطاول على الذات الإلهية. هذا في حين أنه كان مؤمناً بالله، ولا غبار عليه، ولكن الإنسان في نظرهم لا يستحق كل هذا الاهتمام والتمجيد، فهو مجرد عابر فان، يجدر به أن يفكر بآخرته لا بدنياه. وهنا، نلتقي بإحدى سمات العصور الوسطى التي كانت تحتقر الحياة الدنيا، وتزهد بالإنسان وإمكانياته وملكاته وقدراته.

ننتقل الآن بسرعة شديدة إلى ديكارت، الذي يقول عنه المؤلف: لقد خُلد اسم ديكارت لاحقاً عن طريق كتابين فقط، هما: مقال في المنهج (1637)، والتأملات الميتافيزيقية (1641). وهذان الكتابان صغيران من حيث الحجم، ولكنهما ضخمان من حيث التأثير الذي مارساه على تاريخ الفلسفة، والدليل على ذلك أن العمالقة اللاحقين، من هيغل إلى هيدغر، أشادوا بديكارت كل الإشادة، واعتبروه بطل الفكر والمؤسس الحقيقي للفلسفة الحديثة، بمعنى أنه أغلق العصور الوسطى والفلسفة الأرسطوطاليسية. ولا نستطيع الدخول في تفاصيل الفلسفة الديكارتية لأننا قد نغطس بكل بساطة. ولن نتوقف عند تلميذيه الكبيرين، لايبنتز وسبينوزا، ولا حتى عند الفلسفة الأنغلو - ساكسونية، وإنما سننط نطة كبيرة واحدة لكي نصل إلى كانط والأنوار، فماذا يقول لوك فيري عن الموضوع؟ يقول بالحرف الواحد: «سوف نتحدث اليوم عن إيمانويل كانط (1724 - 1804)، إنه أكبر فلاسفة التنوير وأعظمهم شأناً، وربما كان أكبر فيلسوف في تاريخ البشرية. إن مؤلفاته تشبه جبال الهمالايا: من الصعب جداً تسلقها، ومن المستحيل مضاهاتها». ولكي لا نغطس هنا أيضاً، بل ونغرق كلياً، دعونا ننتقل فوراً إلى الفصل التالي، عن جان جاك روسو، أستاذ كانط ذاته ومثله الأعلى، قدوةً وأخلاقاً وسلوكاً.

أين تكمن عظمة روسو؟ في نزعته الإنسانية العميقة التي لا تضاهى. يضاف إلى ذلك أن روسو غامر بحياته من أجل الحقيقة؛ لقد شطب على حياته الشخصية بكل بساطة. ما السؤال الرئيسي الذي طرحه جان جاك روسو على عصره؟ إنه التالي: هل التقدم العلمي والتكنولوجي للبشرية يترافق بالضرورة مع التقدم الأخلاقي والإنساني؟ سؤال هائل وعظيم انفجر في عصره كالزلزال أو البركان، فراحوا يشتمونه ويتهكمون عليه، بل ويطلقون الشائعات حول مدى صحته النفسية وإمكانياته العقلية.
التعليقات
ahmedgarash@hotmail.com
الغرب بعد حركه الأنوار دخل في تقسيمه غريبة حيث اصبح هناك ربا للفلاسفة وربا اخر للكنيسه وأصبح هذا مثال علي الاختلاف بين الهرطقة في جانب الكنيسه والعقلانية في جانب الفلاسفة وهذا طبعا أدي بهم الا ان يصبح كلا منهما في طريق . أهل الاسلام المعتدل وليس الاصوليين منهم يَرَوْن انهم الي مفهوم الفلاسفة حيث العلم وقوانين الطبيعه لها مكانتها . وبالتالي هم لايعانون من هذه الازدواجية في علاقتهم الدنيوية والروحانية ولكن للأسف اغلب فلاسفة الغرب وبعض مثقفين العرب اصر ويصر علي وجود هذا الصراع. وأود ان أقول هذا الصراع الكنيسي والفلسفي لايوجد لدينا. نحن كمسلمين ( بعيدا عن الاصوليين ) التوجد لدينا ازمه ان نجمع بين الإيمان الالهي وقوانين ومظاهر الطبيعه وليس لدينا هذا الكم من الهرطقة اللاهوتية .


أسس مقترحة لتصحيح مسابقة صف العلوم العامة.


أسس مقترحة لتصحيح مسابقة الفلسفة لصف علوم الحياة والعلوم العامة.

1ـ كتابة مقدمة تتحدث عن الميول: (2)
ـ أهمية الميول بالنسبة للكائنات الحية واستمرارها على قيد الحياة واهتمام علم النفس والفلسفة بموضوعها.
تنوع أشكال الميول وتعريفاتها:
 ـ الميل بشكل عام، كقوة داخلية تدفع الكائن الحي نحو موضوع خارجي للحصول على الإشباع وإزالة التوتر واستعادة التوازن النفسي..
ـ الحاجة كميل بيولوجي مشترك بين الإنسان والحيوان.
ـ الغريزة كميل يمتلك أدواتٍ وسلوكاً فطرياً ومتقناً ومتشابهاً لدى أفراد النوع الواحد للحصول على الإشباع. وهي خاصة بالحيوان، مثل سلوك النحل أو السلاحف أو الطيور.. بينما لا يمتلك الإنسان إلا غريزة الرضاعة في الفترة الأولى من حياة الطفل..
الدوافع والرغبة كميل يمتلك وعياً بذاته وبموضوع إشباعه. وهي خاصة بالإنسان.
الإشكالية: (2)
اهتم الفلاسفة وعلماء النفس بالبحث في أصل الميول، فمن قائل بأنها فطرية وآخرين يقولون باكتسابها لاحقاً. فإذا كانت مكتسبةً، فما هي طبيعتها وأصلها؟
هل هي ناتجة عن الحركة كما يرى ريبو؟
أم أنها ناتجة عن خبرات لذيذة سابقة تدفعنا إلى البحث عن اللذة من جديد كما يرى الفلاسفة التجريبيون؟

الشرح: (4.5)
ـ مقدمة: يمكن أن تتحدث عن اتجاه في علم النفس وهو الاتجاه السلوكي الذي يشترط على علم النفس دراسة ما هو قابل للملاحظة الموضوعية كموضوع له ليكون علماً.
ريبو أيضاً ينطلق من دراسة السلوك ويعتبر بأننا لا يمكن أن نفصل الميول عن تمظهراتها الجسدية.
ـ السلوك سابق على الانفعال: نرى الخطر/ نهرب/ نخاف.
وما ينطبق على الانفعال ينطبق على الميول: لا يمكن فصل الميل العدواني عن تمظهراته الجسدية، وكذلك الميل إلى الطعام أو غيرهما من الميول.
ـ حركات التمازح بين الأصدقاء يتحول إلى عراك حقيقي.
ـ التعابير الجسدية التي يتخذها الممثل تؤدي إلى شعوره بالدور الذي يقوم بتمثيله.
ـ الحيوان المفترس يجسد ميله العدواني من خلال سلوك الانقضاض والافتراس. وهذه الحركات تكون في حالةٍ أدنى حين يكون في مرحلة التربص بانتظار الطريدة. وفي حالتها الدنيا بعد الحصول على الإشباع.
ـ إن إلغاء الحركات والتعبيرات الجسدية تلغي الميل أو الانفعال.

ـ النقاش: (7)
أ ـ نقد داخلي: (1)
ـ لو كانت الحركات تولّد الميل، لكانت كل حركاتنا العشوائية تولد ميولاً ولكانت أعداد الميول كبيرة جداً. بينما الكثير من الحركات لا تعبر عن أي ميل ولا تخلق أي ميل.
لو كانت الحركات تولد ميولاً، لكان الطالب يشعر بالميل بالذهاب إلى المدرسة يوم العطلة كنتيجة لتكرار مجيئه اليومي إليها.
ـ الحديث عن التمييز بين الميل عن والميل نحو: الميل رغم أنه يتضمن حركة لكنه ليس ميلاً حقيقياً. الميل الحقيقي يجب أن يتوجه نحو موضوع محدد والحصول عليه لتحقيق الإشباع.
ـ حتى التكرار الذي يخلق عاداتٍ جديدة، بما فيها حالات الإدمان، ليست ميولاً جديدة، بل هي أشكالٌ جديدة لإشباع ميول قديمة.
ب ـ النقاش: (4.5)
النظرية التجريبية عند كوندياك:
ـ مقدمة عن المدرسة التجريبية: العقل يولد صفحة بيضاء..
تطبيق ذلك على الميول: لا توجد ميول فطرية.
ـ التجربة التي ترافقها لذة تخلق لدينا ميلاً جديداً لإعادة تلك التجربة.
ـ الحديث عن "تمثال" كوندياك: التمثال الحي المحروم من أية تجربة والمعزول عن العالم الخارجي بتمثال خارجي لا يمكن أن يرغب في أي شيء ولا يمكن أن يعرف أي شيء.
ـ حين يبدأ بالتواصل مع العالم الخارجي من خلال الحواس، يكتسب معرفةً جديدة، ويرغب في تكرار الخبرة اللذيذة: لو كانت الخبرة الأولى هي من خلال شم عطر زهرة، يستحسنها، يتذكرها بعد غيابها، يرغب في تكرارها من جديد، وبالتالي، فإن الخبرة هي التي خلقت الميل.
تذوق طعام، الشعور باللذة، فقدان هذا الطعام، تذكره في غيابه، والرغبة في الحصول عليه من جديد.
.. وهكذا في ما يتعلق بكل الحواس.
ج ـ توليف: (1.5)
لا يمكن فصل الميل عن تمظهراته الحركية الجسدية. لا يمكننا مراقبة الميل بذاته لكننا نراقبه من خلال السلوك الذي يسعى إلى إشباع الميل. الحركة لا تخلق الميل، لكن لا يمكن إشباع الميل إلا من خلال السلوك والحركة.
كما لا يمكن فصل الميل عن اللذة التي نشعر بها خلال إشباع الميل.
التجربة اللذيذة لا تخلق الميل، بل تحوله إلى رغبة، أي تحدد طريقة إشباع الميل. الميل إلى الطعام موجود بالفطرة، خبرتنا الماضية اللذيذة تحدد  لنا كيف نشبع ميلنا إلى الطعام حين يكون هذا الميل غير مشبع.
الميل موجود، عدم إشباعه يشعرنا بالألم، ونسعى لإزالة الألم والحصول على الإشباع وما يرافقه من لذه لنستعيد التوازن النفسي المفقود بسبب عدم إشباع الميل: الطعام/ الجنس..
3ـ سؤال الرأي: (4)
 تعديل الميول.
يمكن الإفادة من أمثلة شارل بودوان للحديث عن مرونة الميول وتعديل طرائق الإشباع.

السؤال الثاني:

المقدمة:
كتابة مقدمة تمهيدية يمكن أن تتحدث عن أهمية الرياضيات في حياة الإنسان. منذ مرحلة الإنسان البدائي حتى عصر المعلوماتية.
تطور الرياضيات بدءاً من الحاجة إلى معرفة عدد الأبناء أو الممتلكات، مروراً بالحاجة العملية عند المصريين لمسح الأرض وبناء المعابد والأهرامات والمنازل وقنوات الريّ وصولاً إلى الرياضيات التجريدية عند اليونانيين أمثال طاليس وفيثاغور أو عند الهنود من خلال ابتكار النظام العشري وحل المعادلات الجبرية عند الهنود ثم عند العرب في العصور الوسطى.
وتعتمد العلوم الرياضية على مفاهيم تشكل قاعدة هذه العلوم، مثل الأعداد والأشكال الهندسية كالدائرة والمثلث والخط المستقيم والنقطة والأسطوانة وغيرها من المفاهيم.
ب ـ الإشكالية:
لكن كيف توصل الإنسان إلى ابتكار المفاهيم الرياضية؟
هل هي ناتجة عن التجربة الحسية كما ترى المدرسة التجريبية؟
أم أنها من عمل العقل بشكل مستقل عن التجربة كما يرى التعقليون والمثاليون؟
ج ـ الشرح:
التعريف بالمدرسة التجريبية التي ترى بأن العقل يولد صفحة بيضاء. وكل الأفكار ناتجة عن التجربة الحسية.
شرح وجهة نظر المدرسة التجريبية التي ترى بأن أصل المفاهيم الرياضية هي التجربة الحسية، ثم القيام بالتجريد انطلاقاً من تلك التجربة.
ـ فكرة النقطة جاءت بوحي من مشاهدة النجوم.
فكرة الخط المستقيم جاءت من خلال مشاهدة خيوط العنكبوت أو الخيوط المربوطة بين وتدين.
ـ فكرة الدائرة بوحي من مشاهدة الشمس والقمر.
ـ الكرة من مشاهدة الثمار الكروية.
ـ الأسطوانة من مشاهدة جذوع الأشجار..

2ـ النقاش:
نقد داخلي:
المفاهيم الرياضية لا يمكن أن تكون مطابقة لما تقدمه لنا الحواس.
فالنقطة الرياضية معدومة الأبعاد، ولا يمكن أن تكون كذلك في الواقع الحسي مهما صغرت.
ـ الطبيعة لا تقدم لنا شكلاً هندسياً ثماني الأضلاع.
ـ الرياضيات علم دقيق وضروري، والتجربة الحسية لا يمكن أن تكون مصدراً لذلك (كانط)
ـ اللامتناهي غير موجود في عالم الحس.

النقاش: المدرسة التعقلية.
كل المفاهيم الرياضية هي من عمل العقل.
فالخط كفكرة رياضية لا تشبه خيط العنكبوت، فهي امتداد لا سماكة له، بينما خيط العنكبوت مهما كان دقيقاً فهو ذو سماكة.
والدائرة الحسية أو الكرة لا يمكن أن تكون مطابقة لفكرة الدائرة أو الكرة بالمعنى الرياضي.
ـ بالنسبة لأفلاطون هي سابقة على وجود الحالات الحسية. (هي موجودة كأفكار في عالم المثل وسابقة على الوجود المادي)
ـ لا يمكن أن تكون فكرة السلب (ــ) ناجمة عن التجربة. هي من عمل العقل.
ـ الأعداد التخيلية أعداد غير واقعية ولا يمكن أن تتأتى إلى من العقل ذاته. وكذلك الجذر التربيعي لناقص ثلاثة.
ج ـ توليف:
الرياضيات ناتجة عن التكامل والتعاون بين ما تقدمه التجربة الحسية وما يقوم به العقل، كما تحفز الحاجة البشرية ابتكار مثل ذلك العلم.
إذا كان الخط الرياضي لا يشبه خيط العنكبوت، فلا شيء يمنع من أن يكون خيط العنكبوت قد أوحى بفكرة الخط المستقيم.
وكذلك إذا كان القمر لا يشكل دائرة بدقة الدائرة الرياضية فليس هناك ما يمنع من أن تكون الأشكال القريبة من الدائرة قد أوحت بفكرة الدائرة الرياضية.
نلاحظ بأن الأطفال لا يستطيعون أن يفهموا الأعداد بطريقة مجردة. إن مفهوم العدد اثنين غير مفهوم بالنسبة إليهم إلا مرتبطاً بمعدود معيّن: تفاحتان أو دجاجتان..
لكن يمكن الانتقال بعد ذلك من العيني إلى المجرد.
لكن بعد مرحلة النضوج وتمرن العقل على النشاط حول مفاهيم مجردة، يمكن له أن يبتكر مفاهيم مفارقة للتجربة الحسية، مثل الأعداد التخيلية أو الهندسات اللاإقليدية أو الأنساق الأكسيومية بعموم.
ـ الرياضيات كعلم فرضي استنباطي يمكن أن تنطلق من فرضيات يضعها العقل ليستنتج ما يترتب عليها منطقياً حتى لو لم يكن في الواقع ما يقابله.
3ـ الرأي:
أهمية الرياضيات في مجالات النشاط البشري، بما فيها الفنون.
يمكن الحديث عن أهمية الرياضيات في كافة مجالات النشاط البشري، من الاقتصاد إلى العمارة إلى التكنولوجيا وكل العلوم. والتوسع في هذا أمر متاح ويمكن الحديث عنه مطولاً.
حتى في مجال الفنون، لقد كان اليونانيون يعتبرون الموسيقى جزءاً من الرياضيات. وهي عبارة عن تناسق وتناسب رياضي بين الصوت والصمت..
كذلك في الرسم والنحت، فالتناسب موجود.
لكن يمكن للطالب أن يقول غير ذلك. فقد تكسر الفنون أحياناً القواعد الرياضية. المطلوب أن يوضح الطالب فكرته ويبررها بشكل مقنع.
شرح النص.
المقدمة:
الحديث عن الاهتمام بمحاولة فهم الإنسان ودوافعه، ذلك الاهتمام الذي خطا خطوة كبيرة مع نشوء علم النفس في القرن التاسع عشر، وبالتحديد مع فرويد ومدرسة التحليل النفسي التي بحثت في الدوافع اللاواعية للسلوك.
لقد تحدث بعض الفلاسفة قبل ذلك عن اللاوعي، أمثال شوبنهاور ولاروشفوكو ونيتشه، لكنه مع فرويد أصبح نظرية متماسكة ومتكاملة وتقنية للعلاج النفسي من خلال استكشاف اللاوعي المسبب للمرض.
الإشكالية:
ولتفسير ذلك يرى فرويد بأن سبب الكبت هو الصراع النفسي الذي يكبت الخبرات والرغبات المقموعة في اللاوعي التي تعود فتظهر على شكل أعراض مرضية.
فما هي أهمية اللاوعي في الحياة النفسية؟
وكيف فسر فرويد آلية الكبت في اللاوعي؟
وما هي خصائص وأهمية الوعي في حياة الأفراد؟

شرح النص:
تمهيد يمكن أن يتحدث عن مركزية اللاوعي في نظرية فرويد (جبل الجليد)
وعن اعتماده تقنيات عديدة لاستكشاف هذا اللاوعي.
أما في هذا النص، فيشبه فرويد الجهاز النفسي الذي يفسر من خلاله آلية الكبت في اللاوعي بـ :
ـ حجرة كبيرة تتضمن الميول "تزدحم فيها الميول النفسية"
ـ غرفة ثانية يقيم فيها الشعور.
ـ ممر بين الحجرة الكبيرة والغرفة التي يقيم فيها الشعور.
ـ وعلى كل ميل لكي يصل إلى وعينا (غرفة الشعور) أن تمر في ذلك الممر الذي يقيم فيه حارس يمنع تلك الميول من الوصول إلى غرفة الوعي المضاءة.
ما يقصده فرويد بهذا التشبيه، هو أن الحجرة الكبيرة المزدحمة بالميول، وهي هنا الميول المكبوتة التي لا نعرف بوجودها، وهي الجزي مما يسميه فرويد بالهو، الباحث عن الإشباع والحصول على اللذة.
ـ غرفة الشعور، هي المرحلة التي تصبح تلك الميول واعية، أو يصبح لدينا وعي بها.
ـ لكن الكثير من هذه الميول تخضع لرقابة الأنا الأعلى (الحارس) الذي يمنعها من العبور، وبالتالي التعرض للكبت. فهي موجودة، لكننا لا نعرف بوجودها لأنها لم تصل إلى نور الوعي أو الشعور.. لكنه تعبر عن ذاتها من خلال الأعراض المرضية، التي لم يتحدث عنها فرويد في هذه السطور.
يفسر فرويد هذه الآلية من خلال حديثه عن الجهاز النفسي: الهو الذي يسعى إلى اللذة.
الطفل يريد الحصول على كل متطلباته التي تؤمن له الإشباع، ويحصل على ذلك.
مع النمو يبدأ الأهل والمحيط في فرض الرقابة والمنع على بعض هذه الرغبات، في الوقت الذي تزداد تطلباته بسبب فضوله المعرفي، وبسبب الحصول على كل ما يعجبه.
هذا المنع يصبح لاحقاً جزءاً من شخصيته (رقابة ذاتية)، فإذا كان الأهل في البداية هم من يرغمونه على ارتداء الثياب، فإنه في مرحلة لاحقة سيشعر بالخجل بسبب العري.
في المرحلة الأوديبية، يرغب الصبي بالاستحواذ على الأم، ويشعر بالغيرة من الأب، فيتمنى استبعاده. وبسبب عجزه عن ذلك يشعر بالعدوانية تجاهه ويتمنى موته. لكن هذا التمني يصطدم برقابة الأنا الأعلى لأنه تمنٍ غير مقبول أخلاقياً. ينتقل هذا التمني إلى اللاوعي ولا يعود يستطيع العبور من حجرة الميول المظلمة إلى غرفة الشعور المضاءة (وهذا مثال أساسي عند فرويد لتفسير آلية الكبت في اللاوعي)
الحارس الذي يشير إليه فرويد في هذا النص والذي يقف حائلاً وحاجزاً بين الغرفتين إذاً هو رقابة الأنا الأعلى.

2ـ النقاش:
نقد اللاوعي: مبالغة فرويد في إضفاء الأهمية على العامل الجنسي.
آدلر يعتبر بأن الدافع الأساس للسلوك هو التعويض وعقدة الدونية.
المبالغة في إعطاء الأهمية للاوعي كدافع للسلوك على حساب الوعي نفسه.
لا يمكن إثبات فرضية فرويد حين يتحدث عن أسباب الكبت إلى مراحل الطفولة الأولى، وإن كان لا يمكن إثبات خطئها أيضاً.
النقاش:
لقد ذهب الكثير من الفلاسفة إلى الإضاءة على أهمية الوعي في حياة الإنسان النفسية.
فمنهم من اعتبر الحياة النفسية وعي بالكامل، مثل ديكارت.
يقول ديكارت بأن كل ما هو نفسيّ واعٍ وكل ما هو لاواعٍ جسدي. (توضيح، وأمثلة)
ـ كما يرى بأن الوعي هو اليقين الأول بعد أن شك في كل شيء بما فيه وجوده الشخصي. (الكوجيتو)
ـ من صفات الوعي أنه غير موجود في مكان (مقابل المادة المتحيزة في المكان)
ـ ومن صفاته أيضاً أنه حرية مطلقة.
ـ برغسون، يرى بأن الوعي قدرة على الاختيار.
ـ وبأنه ذاكرة بالدرجة الأولى
ـ وبأن الحياة النفسية ديمومة لا انقطاع فيها.
ـــ بيار جانية، يرى بأن الوعي قدرة على التوليف، وبأن اللاوعي ناتج عن ضعف هذه القدرة أو الطاقة الذهنية. حتى الأمراض النفسية ناتجة عن هذا الضعف في الطاقة الذهنية والقدرة على مراقبة الوعي.
ـــ هوسرل، يرى بأن كل وعي هو وعي بشيء ما. (القصدية)
ـ وبأن أشكال الوعي تختلف عن بعضها اختلافاً نوعياً: الوعي التخيلي والوعي الإدراكي والوعي التذكري.
ج ـ التوليف:
لا يمكن تفسير الحياة النفسية انطلاقاً من الوعي وحده. هناك حالات لا يمكن تفسيرها بالوعي: الشلل الهستيري والكثير من الأمراض النفسية.
لا يمكن القبول بإهمال أهمية الوعي في حياتنا: فالوعي ضروري لكل ما نتعلمه.
والوعي ضروري للاختيار.
وضروري لتمييز المفيد من الضار. والجميل من القبيح، والخير من الشر. وضروري لكل ما أنجزه الإنسان في تاريخه من اختراعات واكتشافات..
3ـ الرأي:
نحن نعي خياراتنا.
لكن هل نعي أسبابها الحقيقية ودوافعها؟
استعراض الرأي القائل بأننا نعي كل هذه الدوافع. (ديكارت وبرغسون)
وآراء أخرى ترى أن دوافعنا الحقيقية غير واعية: فرويد، لاروشفوكو، نيتشه..
يمكن للطالب اعتماد الرأي الذي يراه، شرط أن يبرر ذلك. وإن كان من الأفضل الجمع بين الرأيين، لكن يبدو أننا غالباً ما نسهو عن الأسباب العميقة لسلوكنا وطموحاتنا التي ربما تعود إلى خبرات ماضية شكلت شخصيتنا وأصبحت تحدد ما نريد وما نستحسن..