الأربعاء، 26 يونيو 2019

ذات صيف فوق جبل الريحان؛ حسن بزيع.



حدث في مثل هذا اليوم ... وفي مثل هذه الساعات ... ذات صيف
فوق جبل الريحان 
(حسن بزيع)
.......

توارت شمس ذلك النهار خلف التلال ولم يبقَ الا لمعانُ النحاس على منحدرات "نيحا" النازلة صوب جزين ...
غبشُ الغروب يزحف نحو الوادي المعلّق على خاصرة الريحان ...
بئرُ ماءٍ واجرانٌ حجرية و ثغاءات 
وشجرة خروب عالية يستريح في ظلالها الرعيان ...
رأيتهم في طريق الذهاب ...
ولم المح في طريق العودة سوى رنين أجراسهم تبتعد عند آحر الدرب
سحرني المكان ... فاستسلمتُ لسأسأةِ الندى على شغاف الروح
فجأة انهمر الرصاص ... فملت بجسدي ناحية التراب ... ورحت أزحف مقوّسَ الظهر على غير دراية بعلم الحروب ...
دمٌ طازجٌ ... وحارٌ ... يتدفقُ من سلسلة الظهر
كأنه دمي ....!!!!!!!!!
وهذا أنا
يا الهي ....!! !!!
إنه ليس خبراً اقرأه في "فلسطين الثورة" ... أو بلاغا من بلاغات "العاصفة "
................
في دارة على طريق الغيم بين "جباع" و"حيطورة" خلَتْ او أُخلِيت من سكانها ... أسكنونا
انا ...ومنير.... وصبايا من عرب الهيْب ذوات الوجوه المسروقة من عتم الليل والقسمات الموشومة بوجع مخيمات البؤس والغربة
منير ... المقاتل الفلسطيني الأسمر ... الفولاذيّ الملامح ... المسؤول العسكري للناحية
وأنا ... العاشق لفلسطين من بوابة أغاني فيروز ... وشعراء الارض المحتلة ..... وأغاني العاصفة 
الحالم بتغيير العالم ... محمولا على توليفة من اللينينة والجيفارية والتروتسكية والماوية التي مهدت الدرب لإسلامٍ يساريٍّ على نكهة "ابي ذر"
كلما غادر "منير" في مهمةٍ قال لي ... خوّي "لؤي" خوذ بالك من الأٌختات ...
هذا الصباح ... على غير عادته قال "منير" ... ان الحاج أشرف يريدني في مهمة استطلاع على مشارف جزين ...
جزين التي كانت تلوح لي من بعيد كلما طفتُ على قمم الريحان تزهو بخضرتها وشلالها وقرميد بيوتها الأحمر
...................
من أين يأتي الرصاص ليمزق هذا السكون الاثيري
أَوَيكون قد أشكل الأمر على رفيقيّ من القوات المشتركة الذين أمّنت طريق عودتهم وصارا خيالا بعيداً على رأس الجبل
ناديت "بكلتا اذناي" ...لا تطلقوا النار
قذفت بما أوتيت من عزم بالفيلد العسكري الذي أهداني اياه ضابط في جيش لبنان العربي على حاجز "بئر السلاسل" ... إلى الأعلى .... لعلهم يعرفونني
استمر الرصاص ..تتبعه قذائف مدفعية ... وصوت ارتطام الشظايا على الصخور مثل زخّ المطر
عندها ايقنت بأنه رصاص "عدو" ....!!!!؟؟؟؟
دمي ينزف ... وأصواتهم تقترب ...وصرت على قاب قوسين أو أدنى من الأسر أو الموت
وحدَها اصوات القذائف تنسيني الوجع الذي صار يتعاظم مع مرور الوقت 
أغيب عن الوعي تارة ثم أستعيدُه على وقع قذيفةٍ أو شظية متطايرة ...
خربشت حفرة في التراب ودفنت رأسي
......................
-
يا حادي العيس سلملي على أمي
واحكيلها ما جرى واشكيلها همي
بين الغيبوبة والصحو .... تتداخل الرؤى والتذكار
-
صوري على الجدران
-
حشود المشيعين تتماوج على إيقاع قصيدة "شوقي" التي ترتج لقوافيه حسينيات الجنوب
-
صوت ابي سهيل وهو يصعد من أودية العزيّة
"
غيرك مين للثورة يا ياسر 
يا معلم درس للأمة يا ياسر
لحد الشمس وصلنا يا ياسر
لنكتب عالسما فتح العرب"
-
رفاقي في التنظيم الشعبي اللبناني لحركة فتح ونحن نتحزّر ... من سيكون شهيدَنا الأول الذي سنسمي الفصيل باسمه...؟
-
وجهها القمري وبريق عيونها الخضراء وشعرها المتماوج في فضاء الروح مثل "شباشيل الذرة"
لماذا وقع عليّ الاختيار لأكون الموجّه السياسي لفصيل الطوارىء ...
والفصيل نخبة من خيرة شباب وزهرات الجنوب ... ورياحين جنته ..
سنتان ونحن نهدر مثل موج البحر على طرقات الجنوب و في ساحات القرى ...
نحمل الطحين والغاز ونضعه قبيل الفجر على أبواب البيوت التي ضاق عليها الحصار ...
تستفيق قرى القطاع الاوسط على رندحة مواويلنا في الصباح ... وتغفو على نشيج حداءاتنا في الليل
..............
تناهت إليّ أصواتُ الرفاق تنده لي من خلف الصخور ... استطاعوا الوصول رغم انكشاف الطريق وصعوبة تحديد المكان الذي أنا فيه ...
بعد ست ساعات انتشلني الرفاق من فم الذئب وحملوني "بطلوع الروح" إلى أعلى الجبل .. كان ذلك حوالي منتصف الليل ... هنالك كان بلال قائد الأوسط ... ونعيم أسطورة العرقوب الذي كنت أتشوّق للقائه والتعرف إليه 
....
في مستشفى النبطية وأنا ممدّد على سرير العمليات .. قال الطبيب بأن ما حصل يشبه المعجزة ... شعرة واحدة تفصل بين الرصاصة والعمود الفقري
وبصوت متقطع رحت أهذي بما أحفظه من الشعر
"
تطلعت الى المطلق في ثقة ... كان أبو ذر خلف زجاج الشباك المقفل يزرع فيَّ شجاعته فرفضتُ ....
وكانت أمي واقفةً قدام الشعب بصمت صابرة فرفضتُ رفضتُ"
يهمس الطبيب لبلال ونعيم ...ويتضاحكون ...
........
بعد أيامٍ قصفت قوات الأسد الأب "دارتنا على طريق الغيم" ...فجعلَتْها أثراً بعد عين ... واستشهد منير.
دارت الحرب دورتها ...اشتد الحصار والكثير من الرفاق مضَوْا في ذلك الصيف
نعيم ابتلعه البحر اثناء توجهه لفك الحصار عن طرابلس
محمود قواس، عادل وطفا ونزيه دياب "وكان يجب أن أكون رابعَهم" .... مضَوْا على بوابات عين إبل ...
وانا ما زلت هنا ... لان احدا في ذلك الصيف لم يحسن التصويب...
ولأن ... إخوتي ... استبسلوا رغم استحالة الظروف كي لا يعودوا بقميصي إلى أبي ويقولون أكله الذئب..
تحية لغصوب بزيع العميد المتقاعد في الجيش اللبناني ...
موسى حمود الذي لم أره منذ ذلك الحين
حسن شمس الدين وكل الأسماء الحسنى ... الذين أدين لهم بكل هذه السنوات الفائضة

الثلاثاء، 25 يونيو 2019

بورخيس يحاور طيفَه؛ محمد الحجيري.



بورخس يحاور طيفَه..
برسم القراءات..

مقطع من رواية "الرمل" يثبت فيه بورخس العجوز انه الحقيقة وأن بورخس الشاب يحلم به:

"-
بورخيس الشاب: لو كنتَ انت انا، فكيف تفسّر نسيانك لحقيقة أنك التقيت بمَن اخبرك أنه كان بورخيس ايضاً ؟
-
بورخيس العجوز :لم افكر في هذه الصعوبة من قبل . فأجبته بغير قناعة :"سؤالك غريب !"
..
اتفقنا ان نلتقي في اليوم التالي على ذات المقعد وفي ذات المكان والزمان ، وافترقنا دون ان نتصافح.
في اليوم التالي لم أحضر، والآخرالشاب لم يحضر أيضاً. فكرت كثيراً في ذاك اللقاء الذي لم أروه لأحد.واعتقدتُ انني وجدت المفتاح. كان اللقاء حقيقياً. اما الآخر فكان يحلم عندما تحاور معي ، وهذا ما يفسّر نسيانه لي وللموعد. أما انا فقد تحدثت معه في اليقظة، وما تزال ذكراه تنغصني ".
(بورخيس؛ "الرمل")

قراءتي لنصّ بورخيس:

طبعاً نصوص بورخيس قابلة للعديد من القراءات، أقنعت نفسي بقراءة متماسكة: وهي أن بورخيس يتحدث عن ثلاث شخصيات: الأولى هي كما هو عليه في الواقع شيخاً مسناً، والثانية هي كما كان عليه حين كان شاباً. والثالثة هي ما كان يحلم أن يصيره بورخيس حين كان شاباً.
هذه الشخصية الثالثة، التي كان يحلم بها بورخيس الشاب، يعرفها بورخيس الشاب فقط، أما بورخيس العجوز فقد نسيَها.
لو كنتَ أنت أنا، أي لو كنتَ أيها العجوز أنا الشاب لما نسيت ما كنت أحلم أن أكونه.
في حكمه الأخير يعتبر بورخيس بأن "الآخر"، أي بورخيس الشاب كان يحلم..
ونسيانُه لبورخيس العجوز، تعني أنه لم يخطر في باله أن يكون كما صار وتحقق في الواقع: صورة بورخيس العجوز لم تخطر في بال بورخيس الشاب. وهذا ما أظنه معنى النسيان.
أما بورخيس العجوز فقد كان يقظاً في حديثه: أي كان يذكر مرحلة شبابه. ولذلك فإن هذه الذكرى تنغّصه: التحسر على فترة الشباب.
بورخس الشيخ هو اليقظة، هو الحقيقة التي تحققت في الواقع. بينما بورخيس الشاب فقد كان يحلم..
"
كان اللقاء حقيقياً. اما الآخر فكان يحلم عندما تحاور معي ، وهذا ما يفسّر نسيانه لي وللموعد."
الذي حضر الموعد هو بورخيس الشيخ. بورخيس الشاب لم يحضر..
مذهل في كتاباته هذا الـ بورخيس.
هي ليست القراءة الوحيدة، لكن وجدتها متماسكة كما أسلفت.
لكن بانتظار قراءات أخرى متماسكة علها تكون أكثر تماسكاً من هذه القراءة.

محمد الحجيري.
حزيران 2016

الأحد، 23 يونيو 2019

عن المقالع والكسّارات؛ الدكتور أنطوان الديري.




المقالع والكسارات

تهميش الكفاءات وأصحاب الفكر.
مقالة نشرها الدكتور أنطوان الديري على صفحته على الفيسبوك. وأنشرها لأنها تشكل نموذجاً لطريقة تعامل السلطة السياسية مع المبدعين أصحاب الأفكار والابتكارات الجدّيين.

يقول الدكتور أنطوان:
أنا أكره الكلام عن الفساد لأن الفساد كائنٌ غيرُ ملموس، لكني أحب لو نتحاور حول الفاسدين بعينهم فهؤلاء كائنات ملموسة ويمكن زجهم في السجن إذا كنتم صادقين .
سوف نجد تطابقاً بين الفاسدين وبين الفاشلين ونبني إسقاطا رياضياً من الفئة الأولى على الثانية وبالعكس. إن الفاسدين في سلطاتنا هم دائماً فاشلون في إداراتنا. منحوا تراخيصَ لمقالعَ وكساراتٍ غيرِ مكتفيةِ الشروط، ولم يستتبعوها بالمراقبة على القليل من الشروط التي فرضوها ورخصوا لبعضِها، وبعضُها مخالفٌ تماماً، ودفعوا تعويضاتٍ لبعض النافذين أذهلت المراقبين، كما باعوا الشواطئ البحرية بغير حقّ، وغضوا النظر عن المرافئ وعن المطار وعن الجمارك وعن الدوائر العقارية والمالية والضريبية وعن الكازينو، وفشلوا في كل مكان إلى أن طمرونا بزبالتهم، وغضّوا الطرف عن التشبيح وكأن هذه الأموال لا تخص العامة بل هي حق موروث لهم فأوصلوا البلد إلى الإفلاس. هذا المصير الذي صرنا إليه نتج عن سببيةٍ هم في أساسها فأثرَوْا، ثم نسمعهم اليوم يطالبون الشعب بتسديد ما أفسدت أياديهم "الماهرة". 

في العام 1996 ، ربما، علت ضجتان في الاعلام تناولت موضوعين :
الموضوع الأول تناوَلَ مقالع الكسارات المرخَّصة عشوائياً، لأن التشوه الذي أحدثته هذه المقالع في تضاريس القشرة الخضراء كان كارثياً فنشأ الدافع إلى تلك الضجة. لم يكن يومها الخطرُ الصحيُّ على حياة الإنسان الحيوان والنبات خصوصاً ظاهراً ومعروفاً محدداً كما هو الآن.
والموضوع الثاني كان القرار بإنشاء كلية للفنون تخرج راقصين ومسرحيين ... إلخ بينما كان يقول المعترضون بأن الجامعة اللبنانية تواجه مشاكلَ أكثرَ إلحاحاً ما يستدعي أوليةً في معالجتها قبل إنشاء كلية للفنون .
كنت يومها مقتنعاً ولا أزال بضرورة إنماء الصناعة وتيسير عجلة الاقتصاد، ولكن مع حرصي الشديد على ألا ندمر الحياة .
كتبت مسودة مشروع يتعلق بإنشاء مدرسة مقالع نلحقها بكلية الهندسة في الجامعة اللبنانية ينتسب إليها الخريجون في برنامج استكمالي لمدة سنتين إضافيتين نغني فيها المتخصصين بالجيولوجيا المتقدمة وبميكانيك الأرض وبالتعمق في دراسات الأساس والجسور على غرار ((école des mines في فرنسا مهمتها إعداد مهندسين محترفين يديرون مقالع جوفية تحافظ على القشرة الخضراء من تضاريسِ أرضِنا وما عليها من حياة، وتمنع أو تقلل من التلوث الغباري والغازي الذي تنشره المقالعُ المكشوفة في الهواء، وتسعى للكشف عن الكنوز المختزنة في جوف الأرض وخصوصاً المياه الجوفية التي تذهب هدراً وتمكن المستثمر من استثمار مكوّنات الصخور على أن تسلم هذه الأنفاق للدولة فيما بعد تستعملها مكبات للنفايات أو لمعالجتها أو لأي استثمار آخر.
ففي شمالي لبنان وفي منطقة رأس مسقا وفي الأرض التي تقع خلف الأبنية الجامعية الجديدة مباشرة توجَد مقالع "الجارور" الجوفية التي يزيد عمرُها عن ثلاث مائة سنة، كانت تدخل إليها قافلة من الجمال لتحمّل الحجر الرملي الممتاز الذي استُخدِم في بناء مدينة طرابلس والميناء في ذلك الزمان، ولا تزال موجودةً حتى الآن، فهي الآن سلاسل من المغاور الهائلة ولو أن أكثرها أصبح متهدماً نتيجةً لقلة سماكة القشرة التي بقيت فوقها.
كان قاطعو الصخور الأشداء من مناطقنا يعملون في الداخل في عز الظهر على ضوء سراج الزيت .

زار على إثر تلك الضجة وزيرُ الثقافة فوزي حبيش ، يومها ، يرافقه رئيس الجامعة اللبنانية المرحوم أسعد دياب، وكانت الزيارةُ مناسبةً لشرح الأسباب الموجبة لإنشاء كلية الفنون الشعبية فدعوا إلى لقاء مع أساتذة الفروع وطلابهم في كلية الآداب. في هذا اللقاء ألقى معالي الوزير خطاباً قال قيه :(هو اقترح وأنا وافقت.... ثم أكمل: مش هيك يا أسعد ؟). وصفق له الحاضرون .
أما أنا الذي كنت متحمساً لمسودة مشروعي في ذلك الزمن فقد تجرأت في نهاية هذا اللقاء وقدمت الملف الذي أحمله للوزير فتطلع إليّ بطرف من عينه وأتبعها بحركة من يده فهمت منها أني تطاولت على معاليه وتجاوزت المراتب.
فما كان من المرحوم أسعد دياب الذي كانت تجمعني به محبة وا حترام ( فأنا كنت مديرا لكلية العلوم -3 ) أن ابتسم وأخذ مني الملف ولم أسأله عنه فيما بعد .
مات الرئيس أسعد دياب رحمه الله فيما بعد ومات مشروعي معه ولكني ما زلت مقتنعاً بمنافعه فهو يعطي كلية الهندسة دفعاً ودافعاً لتكون بمستوى الكبار فأدعو إلى إعادة إحيائه من جديد.


(عن صفحة الدكتور أنطوان الديري)

الأربعاء، 19 يونيو 2019

الاعتزال المجهَض؛ محمد الحجيري.




الاعتزال المُجهَض..
محمد الحجيري


سعى المعتزلة من خلال الإله المنزّه بدفع فكرة الألوهية وتقريبها من المفهوم الأرسطي: الإله الذي يترك الكون يسيّر نفسه من خلال قوانينه (قوانين الكون).
والحسن والقبح عقليان. وهذا يسمح بتأسيس أخلاق وضعية قائمة على العقل. وينسجم مع مسؤولية الإنسان في هذا العالم، وفي العالم الآخر (لمن يعتقد به).
كان يمكن لهذه البذرة، فيما لو تمت تنميتها وتعميمها، التأسيس لتيار مدني علماني (دنيوي).
بينما أقحم الأشاعرة الإله في كل التفاصيل، فهو محايث لكل أفعالنا ولكل ما يحدث في هذا العالم.
وهذا أدى بشكل أو بآخر إلى إلغاء أي فعالية في الكون لغير الإله.
وكان طبيعياً أو منسجماً مع هذا السياق أن يأتي الغزالي ليلغي وجود كافة الأسباب في الطبيعة.
ثمة سببٌ واحد ووحيد: هو الله.
الله المبثوث في كل شيء، وهذا ما سيؤدي به ربما إلى التصوّف.
لكن أين مسؤولية الإنسان إذا كان الله يتدخل في كل شيء؟
حاول الأشاعرة الحفاظ على هذه المسؤولية، التي هي شرط لأي حساب عادل، من خلال القول بنظرية الكسب: الإنسان يريد، والله يخلق لديه القدرة على الفعل. وبالتالي فهو يحاسب لأنه أراد.
السؤال: هل إرادة الإنسان كانت خارج السببية الإلهية التي تحدث عنها الغزالي؟
إذا كان الله هو الذي جعل النار تحرق القطن، فهل الله هو الذي جعل الإنسان يريد، أم أنه لم يفعل ذلك؟

(محمد الحجيري)
19 حزيران 2016

الأحد، 9 يونيو 2019

عن إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية؛ (محمد الحجيري)




عن إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية.


في مقابلة مع الدكتور يوسف ضاهر رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، وردّاً على سؤال عن "صحة القول بوجود أساتذة، وحتى عمداء في الجامعة اللبنانية مخالفين للقانون"، يجيب الدكتور ضاهر بالقول بأن " أكثر من ثمانين % أو 90% من الأساتذة يحترمون القوانين، ويحترمون عملهم، رغم أنهم دخلوا إلى الجامعة بالمحاصصة السياسية..لكن الأستاذ [الدكتور]، وبعد انتظاره أربع أو خمس سنوات، وبما أنه يريد أن يعيش فيذهب إلى مكتب سياسي معيّن ويدخل عبره إلى الجامعةلكن ما أحبه كثيراً هذه الأيام، وهو ما جعل الإضراب ينجح، أن الأساتذة دخلوا بهذه الطريقة، لكنهم لم يبقَوْا مرتهنين. الأساتذة أحرار، وهذا جميل جداً، يحترمون محاضراتهم، يحترمون الإضراب.
 أكيد إنّ الكرامة مهددة، والجامعة ذاهبة إلى الزوال، 
إذا كان هناك من سلبيات، إذا كان هناك أساتذة مرتكبين، فالهيئة التنفيذية والرابطة لا تغطيهم."
(انتهى كلام الدكتور ضاهر)

هذه النقطة التي يحاول رئيس الهيئة التنفيذية للرابطة أن يمرّ عليها مروراً عابراً، ويعتبر بأن الرابطة إذا كانت لا تغطي المرتكبين، فهي تكون قد قامت بما بما يمليه عليها الواجب. وهو يدعو أجهزة الرقابة للقيام بدورها.  أظن أن هذه النقطة هي مربط الفرس، وهي من أهم النقاط، إن لم تكن النقطة الأهم في موضوع الجامعة اللبنانية، لأنه متى استقامت الآلية السليمة لدخول الأساتذة إلى الجامعة، فإن هؤلاء الأساتذة، مع الطلاب، يستطيعون أن يتابعوا العمل من أجل بقية المطالب.
يقول الدكتور ضاهر بأن الأساتذة، وبعد أن يصلوا إلى الجامعة عبر المكاتب السياسية لأحزاب السلطة المتنفّذة، يتحلّلون من ارتهانهم السياسي، والدليل على ذلك هو نجاح الإضراب، في إشارة منه إلى أن أحزاب السلطة لا تريد إنجاح الإضراب، وهو ربما يكون محقاً في النقطة الأخيرة.

لكن لقائلٍ أن يقول بأن هؤلاء الأساتذة، لم يكونوا حين ذهبوا إلى مكاتب الأحزاب السياسية للعبور إلى الجامعة، ولا كانوا حين التزموا بالإضراب، إلا باحثين عن مصالحهم الشخصية ليس إلا. بما في ذلك من انتهازية، ويكون عبورهم إلى الجامعة على حساب من هم أكفأ منهم غالباً وعلى حساب من تمنعه كرامته من الذهاب إلى المكاتب التربوية لأحزاب السلطةواستطراداً، هناك سؤال يمكن أن يُطرح. وإذا استثنينا الأمور التي تطال مصلحتهم ومطالبهم الشخصية التي يلتزمون بها خارج وصاية السلطة التي أدخلتهم إلى الجامعة، إلى أيِّ مدىً يبقى هؤلاء الأساتذة متحررين من ارتهانهم السياسي؟
بمعنى آخر، الأستاذ الذي التزم بالإضراب لتحقيق المطالب المرفوعة، حين يصبح رئيساً لقسم في الجامعة، أو مديراً لفرع من فروعها، أو عميداً أو رئيساً لها، هل سيبقى متحرراً من الارتهان للطرف السياسي صاحب الفضل عليه؟
هل سيرفض إدخال أساتذة جدد إلى التعاقد بتوصية من المكاتب التربوية الحزبية التي أتت به نفسه إلى الجامعة؟ إذا كان الجواب بالنفي، وهو غالباً كذلك، ألا نكون قد دخلنا في دائرة مقفلة، تبدأ من المكاتب الطلابية لأحزاب السلطة وتنتهي عندها أيضاً؟
هل يليق بالجامعة الوطنية أن تكون مرهونةً لمكاتب أحزاب أفسدت وخرّبت البلد بما فيه وبمن فيه؟
هل يكفي رابطة الأساتذة المتفرغين أن تقول بأنها لن تغطي المرتكبين من الأساتذة؟
ومن قال بأن الأساتذة المرتكبين بحاجة إلى الرابطة لتغطي ارتكاباتهم؟ إن هؤلاء لديهم من "الغطاء" السياسي ما يكفي لتغطية كل الارتكابات التي بدأت أصلاً بطريقة وصولهم إلى الجامعة عبر هذه المكاتب التربوية لأحزاب السلطة. لن يؤخذ كلام رابطة الأساتذة المتفرّغين حول النهوض بالجامعة على محمل الجِدّ قبل أن تضع على رأس جدول أعمالها تصويب آلية دخول الأساتذة إلى الجامعة بعيداً عن مكاتب الأحزاب، والعمل على تحقيق هذا المطلب كبندٍ أول، وأن توظف كل إمكاناتها وإمكانات طلاب الجامعة أنفسهم من أجل ذلك، وبالتعاون مع كل الحريصين من المجتمع اللبناني على جامعة وطنية مستقلة وصاحبة سمعة محترمة.

حينئذٍ فقط يحق لنا أن نتفاءل بمستقبل الجامعة، وبمستواها، وبأنها ستستقطب خيرة الكفاءات العلمية والأخلاقية، ويحق لنا بعد ذلك أن نتفاءل بمستقبل البلاد.

(محمد الحجيري)

10/6/2019