الثلاثاء، 5 يوليو 2016

مبدأ السببيّة بين الدفاع عن الإيمان وتهديمه/محمد الحجيري.





مبدأ السببيّة بين الدفاع عن الإيمان وتهديمه

من المعروف بأن اشهر من تحدث عن مبدأ السببيّة في تاريخ الفكر هو أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد.
ينطلق أرسطو من القول بأنه لا بد من أن يكون لكل حادثة سبب. وأن هذا السبب، لا بد من أن يكون له سبب سابقٌ عليه، وهكذا في سلسلة من الأسباب لا يمكن أن تستمر إلى ما لانهاية (بحسب أرسطو، وهو رأي قابل للنقاش)، وبالتالي يجب أن تنتهي هذه السلسلة من الأسباب عند سببٍ أوّل (يوازي فكرة الإله في الدين)، هو سبب لكل ...
الأسباب.
جاء الغزالي في القرن الثاني عشر الميلادي، ليحذف هذه السلسلة من الأسباب، ولا يستبقي إلا السبب الأول نفسه: ألله هو السبب الوحيد لما يحدث في الكون.
ليست النار هي التي تحرق القطن. حين تلتقي النار بالقطن، تتدخل الإرادة الإلهية وتحرق القطن. كان يمكن أن يلتقيا دون أن يحصل الاحتراق.
ألله هو السبب الوحيد. يريد الغزالي كما يقول المؤرّخون أن يدافع عن المعجزات التي تحدثت عنها الأديان، وبخاصةٍ قصة النبي إبراهيم الذي أُلقيَ في النار ـ كما تقول الرواية الإيمانية ـ ولم يحترق، لأن الله (السبب الوحيد) أمرها أن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم..
فليست النار هي التي تحرِق، قد تحرِق وقد لا تحرِق، ذلك متروك لما يريده منها (السبب الوحيد= ألله). وبالتالي فليس هناك إطرادٌ ضروريٌّ في ظواهر الطبيعة.
في القرن الثامن عشر، ومع الفيلسوف الإنكليزي ديفيد هيوم، سنجد أنفسنا مجدداً أمام نفس الإشكالية. وكما نفى الغزّالي من قبلُ مبدأ السببية، فقد قام هيوم بنفس المهمّة.
السؤال: كيف أدى ذلك بالغزالي إلى وحدانية مطلقة، فاعلة في الكون ولا وجود لفاعل غيرَها، بينما توصل هيوم إلى تهديم أسس الإيمان بشكلٍ كامل؟
يعتبر هيوم بأن هذا الإطراد الذي نلاحظه في ظواهر الطبيعة لا يمكن أن يبرهن على ضرورتها. فهي تبقى في دور الترجيح ليس إلا.
ولا هو مبدأ فطريٌّ في العقل (الذي يولد صفحةً بيضاء). ما يوجد في العقل ليس أكثر من عادة ذهنية ترسخت بفعل التكرار.. هو نوع من التوقّع.
لو أننا رمينا حجراً نحو الأعلى في المرة الأولى، فاستمر في الارتفاع دون أن يسقط؛ وفي المرة الثانية سقط على رأسنا؛ وفي المرة الثالثة اتخذ حركة دائريّة.. ثم أفقية.. ثم منحرفة.. دون أن تتشابه حركته في أيّ مرّة مع المرّة التي سبقتها، ما كان لنا أن نقول بحتمية سقوطه على الأرض حين نرميه إلى الأعلى..
هذه كلُّها أمورٌ معروفة. ما يهمنا هو المقارنة في توظيف ذلك ما بين الغزّالي وهيوم.
الفرق ببساطة هو التالي: إذا كان هيوم قد ألغى مبدأ السببية، فهو قد وصل بالتالي في مقولته إلى نهايتها، وهو إلغاء سلسلة الأسباب كاملةً، وصولاً إلى السبب الأول، أو بخاصةٍ السبب الأول، وهو ما أدى إلى تهديم أسس الإيمان بشكل كامل.
بينما ألغى الغزالي السلسلة بكاملها محتفظاً بالسبب الأول، وبالتالي ملغياً أيّ فعاليّة للتفكير العقلاني، مستبقياً على الإيمان فقط.


محمد الحجيري
5/7/2016

ليست هناك تعليقات: