الأربعاء، 27 يوليو 2016

في تاريخ الفلسفة؛ نيتشه (عن يوتيوب). (آر. سي. سبرول؛ 32)




 


محاضرة عن نيتشه (يوتيوب)

أر سي سبرول 32

 


 

نيتشه

أحد أكثر الأسئلة شيوعاً التي يطرحها الناس عليّ من حين لآخر هو السؤال الآتي: "ما هي الوجوديّة؟"، فأجيب دائماً على هذا السؤال بأن الوجوديّة هي فلسفة الوجود.

وحين أعطي هذا الجواب ينظر إليّ الناسُ كما لو أنهم يريدون القول: "شكراً جزيلاً! جوابٌ لا يساعد إطلاقاً!".

سنتطرّق في المحاضرات المقبلة إلى إحدى أهم خصائص الفلسفة الوجوديّة الحديثة، لأنه وبصرف النظر عن الماركسية، لم توجد أيّ فلسفة كان لها وقعٌ جذريّ على ثقافتنا كما كان لهذه الفلسفة خلال السنوات الخمسين الأخيرة.

الفلسفة المعروفة بالفلسفة الوجودية تعود جذورها في أقرن التاسع عشر إلى نوعين مختلفين من الفلسفة الوجوديّة: توجد من ناحية تلك الفلسفة الوجودية التي تدعى "الوجوديّة المتشائمة" أو "الوجوديّة الإلحاديّة" التي يتم تمييزها عن حركة وجوديّة سعت إلى إنشاء توليفة مع المسيحية التاريخيّة.

أهم شخص بالنسبة إلى الوجودية المسيحية في القرن التاسع عشر، والذي يعتبره كثيرون أب الفكر الوجودي، على الأقل في ما يتعلّق بتأثيره في اللاهوت، هو الفيلسوف الدانماركي سورين كيركغارد.. وسنتكلّم عنه على حده.

لكن اليوم أريد أن أتكلّم عن أب الوجوديّة الإلحاديّة في القرن التاسع عشر، وهو يدعى فريدريك نيتشه.

سمع الجميع بنيتشه، وهو اشتهر بقوله إن الله مات..

وُلِد نيتشه في منتصف القرن التاسع عشر في عام 1844 وتوفّي في مطلع القرن الجديد في العام 1900.

أمضى السنوات الإحدى عشرة الأخيرة من حياته مريضاً عقليّاً فتمّ وضعه في مصحّ عقليّ ليمضي تلك الرحلة الأخيرة من حياته.

درس نيتشه التاريخ كما درس ثقافة القرن التاسع عشر، وبدأ بالتذمّر من الخصائص الرئيسسيّة للثقافة الأوروبية للقرن التاسع عشر، التي وصفها بالمنحطّة.

والانحطاط يعني الخضوع لعمليّة الانحطاط الجذري أو الفساد.

رأى نيتشه أن هذا الفساد ناتج عن التأثير السلبي للكنيسة المسيحيّة، لأن الكنيسة المسيحيّة وضعت بعض القيم التي اقتنع نيتشه بأن من شأنها تقويض الروح البشريّة وتدميرها. فمثلاً أخلاقيات المسيحيّة تشدّد على: النعمة ـ والرحمة ـ والشفقة.

فوِفق نيتشه، هذه الفضائل المسيحيّة المزعومة تغرس ضعفاً داخل الناس وتجعلهم يعيشون بطريقة غافلة وغير مبدعة؛ هذه الطريقة تعيق نوعاً ما النمو الأساسي للروح البشريّة وتقضي على ما يسمّيه الوجوديون "الوجود البشري الأصيل" [الذي] لاحظ نيتشه أنـ[ـه] الترياق الضروريّ لبقاء الحضارة الغربية ولبلوغ الثقافة إمكاناتها القصوى.

ما كان يجب أن يحدث في المقام الأوّل هو أنه كان علينا التخلص من هذا الدين العاطفي الذي أعمى الناس عن واقع الوجود البشري كما نراه.

غالباً ما يُعتبر نيتشه الأبَ الحديث للعدميّة. وأسس العقيدة العدميّة تفيد بعدم وجود حقائق أبديّة .. لا يوجد هدف أبدي، ولا يوجد معنى أو مغزى مطلق للوجود البشري. وفي نهاية المطاف، ما نصادفه في الحياة هو ما أسماه نيتشه "داس نيختخ" أي التفاهة.. تفاهة اللامعنى.

لا يوجد أله، وبما أنه لا يوجد أله.. فلا يوجد معنى مطلق للحياة البشريّة. هذا هو المقصود بالعدميّة أو تفاهة الاختيار البشري.

لقد تكوّنت نظريات نيتشه في أيام دراسته الجامعيّة، وهو أيّد منهجاً للوجود يدعى (البطولة البيولوجيّة).

لقد ظهرت (البطولة البيولوجيّة) جزئياً في أبرز عملٍ له في اللغة الألمانيّة "هكذا تكلّم زرادشت"، الذي كان نبيّ ذلك العصر الذي أعلن موت الله.

في إعلانه لموت الله، وصف نيتشه كيفيّة حصول الأمر على مرحلتين. وقال بسخريةٍ نوعاً ما أنه أساساً كان يوجد "بانتيون" مليء بالآلهة، ذكوراً وإناثاً.. وكان لدى الحضارة الغربيّة رأي بالإيمان بعدّة آلهة، حيث يوجد إله لهذا الأمر وإله لذاك الأمر، وقال أن ما تسبّب بموت بقيّة الآلهة ومهّد الطريق للإيمان بإله واحد، كان وقوف هذا الإله اليهودي وسط جماعة الآلهة أجمعين وإعلانه للكون: "لا يكن لكم آلهة أخرى أمامي [بوجودي]".

قيل بأنه حين قام هذا الإله اليهودي بالإعلان الشنيع بتفرّده بالألوهيّة، انفجرت الآلهة الأخرى ضحكاً.. وظلّت تضحك حتى الموت.

إذاً، لم يبقَ سوى إلهٍ واحد هو "يهوه". وبالطبع استسلم هذا الإله لاحقاً لمرضه المميت، أي أن ما قتل الله على حدّ تعبير نيتشه هي الشفقة [على موت بقيّة الآلهة].

الله مات.. لقد مات لشدّة الشفقة.. مات جرّاء هذا الضفع نفسه الذي انتقل إلى الثقافة الغربيّة.

والردّ على ذلك يقضي بخلق بشريّة وجوديّة جديدة مبنيّة على أساس ما أسماه "البطولة البيولوجيّة".

بالمناسبة وبين هلالين، من المهمّ معرفة هذه المعلومة التاريخيّة، وهي أنه خلال صراعاته في السنوات الأولى، وقبل أن يبلغ أعلى مستوى من السلطة، فإن العريف البافاري أدولف هتلر أرسل نسخاً من أعمال نيتشه لجميع أصدقائه وأنصاره المقرّبين، لأنه كان مقتنعاً بأنه وجد لدى نيتشه مبرّراً لابتكار نظام جديد متفوّق، أو عرق بشريّ متفوّق.. الجنس الآري الذي سعى إلى إنشائه.

يختلف العلماء في الرأي بشأن ما إذا كان هتلر يتبنّى استنتاج نيتشه المنطقى، أو أنه ببساطة كان يحرّف كلام نيتشه في هذا الإطار.. لكن بأيّة حال.. كانت لديه نظرة البطولة البيولوجيّة، حيث أننا بحاجة إلى نوعٍ جديد من الوجود الأصيل، وهو وجود يشكّله ما أسماه "أوبر منتش" .. وترجمته "السوبرمان" أو الإنسان المتفوّق.

كما تُبيّن كلمة "سوبر" أو الكلمة الألمانيّة "أوبر، هذا المثال الجديد من البشرية السوبرمان سيكون أعلى وأسمى بكثير من المسار الطبيعي للبشريّة.

ولكيّ نفهم ذلك يجب أن نفهم أمراً متعلّقاً بالأنتروبولوجيا الأساسية الخصة بنيتشه.

رأينا أننا تاريخيّاً عرّفنا عن البشر على أنهم "هومو سابيان"، ورأينا كيفيّة الاعتراض على ذلك عبر استبدال ماركس لهذه العبارة بعبارة "هومو فابر"، لأن عملنا هو ما يميّز أساساً فرادتناً كشعب.

ونيتشه من ناحية أخرى كان متأثّراً بما يُعرف بالطوعيّة، حيث أن الإرادة والقدرة على اتخاذ القرارات هي التي تميّز البشر عن باقي الوحوش. وقال أن أبرز سمة لدى البشر تكمن في رغبتنا الطبيعيّ’ والفطريّة في الوصول إلى السلطة power.

ليس هذا مجرّد توق إلى تحقيق الأهمّية، حيث أن كل إنسان يتوق في قلبه إلى أن يجعل لحياته هدفاً ومعنىً، وقد يندفع إلى تحقيق النجاح. لكن الأمر يتخطّى ذلك.. إنها رغبة في السيطرة. إنها تلك الرغبة المتجلّية في البنية الهرميّة لعالم الشركات. إنها تلك الرغبة الظاهرة مثلاً في ألعاب الطفولة لدينا، وهي تنافسيّة إلى حدّ كبير ومصمّمة بشدّة بهدف السيطرة.

أذكر أني حين كنت بعدُ فتى، إحدى الألعال التي كنا نلعبها في الخارج، كان تُعرف بلعلة ملك التل.

كنا نجد كومة تراب، وكان أحدُنا يتسلّق إلى قمّة كومة التراب تلك. وكان التحدّي الموضوع أمام الآخرين يقضي بتسلّق الكومة وإنزاله عن قمّة الكومة والحلول محلّه.

بالطبع كان الواقف على القمّة يبذل كل ما في وسعه لمنع ركلِهِ وإنزاله عن قمة التل.. ومن يبقى واقفاً على التلّ في نهاية اللعبة كان يتمّ الإعلان أنه ملك التلّ.

هذا إظهار صبيانيّ للألعاب التي يلعبها الكبار في محاولة تحقيق السيطرة، وهذا ما يؤدي إلى شنّ حروبٍ وإلى التنافس الاقتصادي وما شابه..

لا يعتبر نيتشه الأمر سيّئاً. قال إن هذا هو ما نفعله جميعاً كبشر. لكن الأمر السيّئ هو أن [يؤدي ذلك بـ] المرء، وبسببٍ من شعوره بعدم الأمان وبسببٍ من ضعفه، إلى الفشل في الهجوم على التلّ.. لأن انحطاط الإنسان العصري يظهر في كونه جباناً يفتقر إلى فضيلة الشجاعة، لكن الأنسان المتفوّق هو ذاك الذي لا يخشى أن يمارس رغبته في بلوغ السلطة حى أعلى المستويات.

بالطبع، [فإن] أعظم أبطال التاريخ بالنسبة لنيتشه هم هؤلاْ الذين اشتُهروا بإخضاعهم الآخرين في العالم.

مقابل الرغبة في الوصول إلى السلطة، نرى التأثير السلبي للدين الذي يحاول سحق هذه الروح البشريّة الطبيعيّة. وليس هذا فحسب، فالتقاليد والأعراف المجتمعيّة [هي] التي تعمل ضد الفرد الوجودي الذي يسلك وفق إيقاعه الخاص.

إن أوروبا القرن التاسع عشر هي ثقافة ومجتمع يظهران ما أسماه [نيتشه] "أخلاقيّة القطيع".

الناس مستعبَدون عبر اتباعهم الأعراف والتقاليد الاجتماعيّة، ويخشَوْن الخروج عن المألوف. ومثل قطيع غنمٍ مغفّل يجولون ويفعلون أيَّ أمرٍ يتوقّعه منهم أقرانهم.. وهذا أيضاً يسحق الروح البشريّة [ويمنع] تعزيز العظمة البشريّة.

قد تتساءلون لماذا بذل مجهوداً كبيراً للتوصل إلى إنسانٍ متفوّق ينشِئ لنا نظاماً عالمياً جديداً وولادةً جديدة للبشريّة على ضوء اقتناعهه المسبَق بأن لا وجود للقيم ولا للمعنى ولا وجود للصواب والخطأ في نهاية المطاف.

إن كانت هذه هي الحال، فحتى ممارسة المرء إرادته للوصول إلى السلطة تكون في نهاية المطاف عملاً عقيماً وعديم الجدوى.

وافق نيتشه على هذا الأمر. قال "صحيح.. هذا تناقض، لكن ماذا إذاً؟ هذ هراء وهو منافٍ للمنطق.. لكن لا يهمّ".

 لقد قال إن الفضيلة الرئيسيّة أو الميزة الرئيسيّة للـ "أوبر منتش" هي الشجاعة، لكنه نوع خاص من الشجاعة. إنه ما أسماه نيتشه "الشجاعة الجدليّة".

هنا يظهر المصطلح "جدلي" مجدداً.. لقد رأيناه عند هيغل ورأيناه مع ماركس.. والآن نراه مع نيتشه.

يتكلّم نيتشه عن الجدليّة العاملة ضمن مشادّة بشريّة انفعاليّة حقيقيّة، ومشادّة هذه الجدليّة هي التالية: إنه يقول للناس "عليكم أن تسلكوا بشجاعة. لكن إن سلكتم بشجاعة، فإن نتائج وثمر عملكم الشجاع ستكون عديمة المعنى. لكن افعلوا الأمر بأي حال، لأن الأمر الوحيد الذي يبقى أمامكم هو ممارسة إرادتكم للوصول إلى السلطة [القوّة]. وهو وصف إنسانه المتفوّق كما يلي: البطل الوجودي هو ذاك الذي قال عنه نيتشه إنه يقود سفنه في بحارٍ مجهولة، ويبني بيته على منحدرات فيزوف. وما هو "فيزوف"؟ إنه بركان ناشط. ولكي يبني الإنسان بيته على منحدرات جبل فيزوف، فهذا يعني أنه يستخفّ بقوى الطبيعة المجهولة والعمياء وبما يمكن أن نسمّيه "القدر".

إنه الإنسان الذي يحمل مصيره بيده.

ووِفق نيتشه، هو ليس خاضعاً لقِيَمٍ أو أعرافٍ أو قوانينَ أُخَر. لكنه يملك الشجاعة ليخلق قيمه الخاصّة، وليعيش وِفق قواعده الخاصّة فيصبح نوعاً ما ضد البطل المضاد الذي غالباً ما يتمّ تمجيده في صناعة الأفلام الحديثة. إنه دنيس رودمان العالم الفلسفي الذي يتحدّى الأعراف كافّة ويفعل كل الأمور الشائنة في عيون الناس، لكنه يستمرّ في السيطرة كلاعب كرة سلّة.. بمعنى إنه تجسيد لبطل نيتشه.

إن آراء نيتشه بشأن هذا النوع من الأمور، كما ذكرت، كانت مصاغة إلى حدّ كبير فيما كان لا يزال في المرحلة التعليميّة التنمويّة. كتب أطروحة الدكتوراه الخاصة به حول ثقافة اليونان القديمة، وقام بمقارنة صورتين أو بطلين من النظام اليوناني القديم، رآهما واقعَين في مشادّة وصراع جذريّين في ما بينهما: الأول هو أبولو، ويمثل العصر الذهبي للثقافة اليونانيّة، هو المثال اليوناني، مثال الشكل الكامل والتناظر والاتساق والتطابق كما يظهر في فلسفة وفنون وموسيقى اليونان الكلاسيكيّة. تلك كان روح أبولو الذي أصبح الروح المثاليّة للحضارة الغربيّة.

مقابل أبولو في العالم القديم كان يوجد "ديونيسيوس".

لقد سمعتم بـ ديونيسيوس إله الخمر. لقد كان مرتبطاً بباخوس، وكانت توجد ديانات مكرّسة لعبادة ديونيسيوس.

وما كان يتمّ فعله هو أنه بغية التواصل مع الآلهة، [كان] على أحدهم تجاوز السيطرة المنظّمة للدماغ والعقل والوعي على الروح البشريّة، لنتحرّر من هذه القيود التي يكبّلنا بها الضمير إذاً، ضمن إطار الجنون الديونيسيوسي.

كانت النقطة الأساسيّة في الجنون تقضي بأن تثمل جداً بالخمر لكيّ تتحرّر وتشارك في طقوس عربدة جامحة، وتفقد السيطرة على نفسك لدرجة أنه في هذه الحالة من النشوة، يدخل المرء في شراكة صوفيّة مع الإله ديونيسيوس.

[لقد] أصبح ديونيسيوس الرمز المضاد لليونان القديمة. إنه ليس رمز الترتيب والهدف والتناغم، بل رمز الفوضى ورمز التمرّد المتعمّد على الأعراف.

وفي أطروحة الدكتوراه الخاصة به أشاد بصورة ديونيسيوس بدلاً من صورة أبولو، لأنه أصبح مقتنعاً بمثال يونانيّ قديم آخر وهو (النظرة الدوريّة للتاريخ).

ووصف نيتشه ذلك على أنه أسطورة التكرار الأبدي ..

ترى النظرة المسيحية التاريخ يتبع مساراً خطّياً تدريجياً يتحرّك دائماً نحو اكتمال ملكوت الله.

الفلسفات الأخرى في التاريخ في القرن التاسع عشر كان تطوّريّة في نطاقها، مفترضةً وجود نقطة اكتمال وتفاؤليّة. غير أن أسطورة التكرار الأبدي القديمة كان تفيد بأن التاريخ دوريٌّ، ليست لديه بداية محدّدة، وهو لا يتجه نحو مصيرٍ هادفٍ محدّد.. لكنه ببساطة يدور ويدور ويدور.. إلى الأبد، ضمن حلقة مفرغة تبدأ بالعدم وتنتهي بالعدم، وهي لا تتّجه إلى أي مكان.

إن أردتَ فهم فحوى هذا الأمر تذكّر فيلم.. "إنهم يصطادون الأحصنة أليس كذلك؟".

كانت جين فوندا بطلة ذلك الفيلم، بالاشتراك مع ريد بوتونز وآخرين، وتم تصويره خلال فترة الكساد العظيم، حيث الناس في تلك الفترة عاطلين عن العمل، يبيعون التفاح عند زاوية الشارع مقابل خمس سنتات.

 إحدى الطرق المفضّلة لتمضية الوقت في أمريكا كان ماراثوت الرقص، ما منح الناس فرصة جني مالٍ إضافيّ.

في هذا الفيلم، شارك الناس في هذا الماراثون، والرجل الذي هو رئيس الحفل، وبغية تسهيل الحدث وجعل الناس ينسحبون، كان يزيد سرعة افتتاح الحفلة الراقصة، ويجعل الناس يجولون في القاعة بحركةٍ دائريّةٍ سريعة. وبينما كان يفعل ذلك بطريقة شيطانيّة، كان يسخر منهم ويستهزئ بهم قائلاً: "ها هم يدورون ويدورن ويدورون.. ولا أحد يعلم أين سيتوقّفون".

وفي النهاية، وضمن إطار النتائج المأساويّة أعلنت جين فوندا هذه العبارة بينما كانوا يتفكّرون في الانتحار نظراً للتفاهة المطلقة لهذا الاختبار برمّته ولسخافته التامّة، فأثارت المسألة بشكلٍ بلاغي (الذي كان عنوان الفيلم): "إنهم يصطادون الأحصنة أليس كذلك؟

بتعبير آخر، إن لم تكن الحياة سوى ماراثون دائري لا يتّجه إلى أيّ مكان فتعلق في أسطورة التكرار الأبدي، فالمسألة المهمّة الوحيدة التي أثارها الوجوديّون اللاحقون، والتي بقيت لتتم دراستها، هي مسألة الانتحار.

كما ذكرت، في السنوات الأخيرة من حياته، تكلم نيتشه عن الأحصنة على أنها إخوته. وأخذت أختُه تبيع بطاقات دخولٍ إلى المصحّ العقلي حيث تمّ وضعُه، لأن أخاها كان مشهوراً.. وهي استغلّت شهرة أخيها وجنونَه ومارست إرادتها الخاصّة للوصول إلى السلطة.

 قام نيتشه في أواخر أيامه بتوقيع رسائله الخاصة بـ "المصلوب".. ففي جنونه، رأى نفسه تجسيداً جديداً للمسيح.

 

ليست هناك تعليقات: