الأربعاء، 10 أكتوبر 2018

سارتر والتعويض؛ (م. ح]




سارتر والتعويض
(م. ح)

كتبتُ مرةً منشوراً تساءلت فيه إن كان إحساس سارتر بالبشاعة، دفعه إلى التعويض عن إحساسه بهذا النقص بالفكر والأدب.

وتلقيت يومها انتقاداتٍ قاسيةً (ربما تكون محقةً) من أحد الأصدقاء. فتساءل باستغراب: هل يمكن أن نفسر فلسفة سارتر وفكرَه بمجرد بشاعته؟
في الواقع، هذا المنحى في التفسير يقدمه آدلر تلميذ فرويد ومدرسة التحليل النفسي.
هل من وجود وأهمية حقيقية لمفهوم التعويض؟
أظن نعم.
هل يكفي ذلك لتفسير العبقرية؟
لا أظن ذلك.
لكن الإحساس بالنقص، تدفع الأفراد لمحاولة التعويض بأشكال مختلفة، وبمقادير مختلفة مرتبطة بميول كل شخص وما تستطيع تلك الشخصية أن تقدمة في تحدٍ للذات وفي محاولة تجاوز الإحساس بالنقص.
هل كان سارتر بشعاً؟
يبدو الأمر كذلك. لكن ذلك ليس هو الأهم.
المهم هو ما يشعره الشخص ذاته نحو نفسه.
نشرت مجلة "سيانس أومين: العلوم الإنسانية" الفرنسية مقالة عن البشاعة منذ سنوات، ونقلت ما قاله سارتر عن نفسه في أحد أعماله (أظن في كتابٍ بعنوان "الكلمات")، فيقول بأنه حين كان طفلاً، أرسلته والدته إلى الحلاق. وحين عاد، اكتشفت بشاعته المفرطة، فهي قد أرسلته طفلاً جميلاً بشعره الأشقر المنسدل، ثم عاد طفلاً يشبه الضفدع ببشاعته وعينينه الحولاوين. فانفردت في غرفتها ثم استرسلت في البكاء.
.
هناك عبارة مشهورة لسارتر يقول فيها بأن "الآخرين هم الجحيم"
لماذا يكون الآخرون هم الجحيم؟
لأن الآخرين يجعلون مني موضوعاً، بعد أن كنت ذاتاً، والعالم بكامله كان موضوعاً لي.
نظرات الآخرين نحوي، تحولني إلى موضوع، في مقابل ذاتيتهم.
وفي مقابلة معه، يحاول فيلسوفنا أن يبرر ما ذهب إليه بقوله بأن الآخرين هم الجحيم، فيتحدث عن مسرحيته "الأبواب الموصَدة" بالقول: "ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮ ﻣﻠﺘﻮﻳﺔ ﻭﻓﺎﺳﺪﺓ، ﺇﺫﻥ ﻟﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻵﺧﺮ ﺇﻻ ﺍﻟﺠﺤﻴﻢ .
ﻟﻤﺎﺫﺍ؟ ﻷﻧّﻨﺎ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻗﻨﺎ ﻧﻌﺘﺒﺮ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﺃﻫﻢَّ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻟﻨﺘﻌﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺫﻭﺍﺗﻨﺎ. ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ، ﻭﻧﺤﺎﻭﻝ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ، ﻧﺴﺘﺨﺪﻡ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻗﻨﺎ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺍﻵﺧﺮﻭﻥ ﻋﻨّﺎ، ﻭﻧﺼﺪﺭ ﺃﺣﻜﺎﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺫﻭﺍﺗﻨﺎ ﺑﺎﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺖ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺆﻻﺀ ﺑﺤﻜﻤﻬﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ." (انتهى كلام سارتر)
هل لو كان سارتر يشعر بأنه جميل ووسيم، أو لو كان سيكتشف وسامته في نظرات الآخرين، هل كان حينها سيعتبر "الآخرين هم الجحيم"؟؟


9/10/2018 

تعليق1: كنتُ أعاني الكآبة بسبب قبحي، وهذا ما جعلني أتألَّم. كان عليَ أن أحرر نفسي تمامًا، لأن ذلك ضعف، ينبغي على أي شخص يعرف قوته أن يكون فرحًا، وأنا أدعو ذلك صحة معنوية؛ لأنه حين يكون أحدهم في صحة جسدية ممتازة، فهو يشعر بالقوة الكافية لثني أعمدة مصابيح الشارع بيدٍ واحدة. *جان بول سارتر (محمد مو)

تعليق2: ما تتفضّل به موجود ومعروف. فالتحليل النفسي، لا سيّما مع آدلر، قام بمثل هذه التحليلات وطبّقها على نيتشه وكنط وغيرهما. لكنّي أعتقد أنّ هذه التفسيرات أو التحليلات لتفسير العبقريّة الفلسفيّة غير كافية. فالسستام الفلسفي الذي يجعل من المتفلسف فيلسوفًا لا يمكن أن يفسَّر بعامل نفسي لا سيّما إذا انتبهنا إلى أنّ الفيلسوف، حتى لو انطلق من حالات خاصة، فإنّه يتوجّه إلى الجميع إذ لا بدّ من أن يكون سستامه يونيفرساليًّا. يبقى التحليل النّفسي طريفًا في تحليلاته، لكنّه لا يستطيع أن يحلّ المشكلة. ولا بد من الإشارة إلى أنّ هوسرل قضى معظم عمره وهو يحارب ضد النّزعات الوضعيّة والنّفسيّة. (د. جمال نعيم)

ليست هناك تعليقات: