الاثنين، 1 أكتوبر 2018

ﺍﻟﺘﺄﻣﻼﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻟﺪﻳﻜﺎﺭﺕ؛ عثمان أمين.




ﺍﻟﺘﺄﻣﻼﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻟﺪﻳﻜﺎﺭﺕ 
ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺃﻣﻴﻦ

__________
-1
ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺑﺎﻟﺘﺄﻣﻼﺕ :
ﺍﻟﺘﺄﻣﻼﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ” ﻣﻦ ﺭﻭﺍﺋﻊ ﺍﻟﻤﺆﻟﻔﺎﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻃﻼﻕ، ﻭﻫﻲ ﺑﻼ ﺭﻳﺐ ﺃﻫﻢ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺪﻳﻜﺎﺭﺗﻴﺔ ﻭﺃﺟﺪﺭﻫﺎ ﺑﺎﻻﻋﺘﺒﺎﺭ. ﻭﻧﻈﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎﻭﻟﺘﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻴﻨﺘﻬﺎ ﺗﻘﻨﻌﻨﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺃﻭﻓﻰ ﻣﺎ ﺃﻟﻒ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﺑﻮﺟﻪ ﻋﺎﻡ، ﻭﺃﺑﺪﻉ ﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻮﺟﻪ ﺧﺎﺹ، ﻛﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ”: ﺗﺄﻣﻼﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﻭﻓﻴﻬﺎ ﻳﺒﺮﻫﻦ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺧﻠﻮﺩ ﺍﻟﻨﻔﺲ .
ﻧﺸﺮ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ” ﺍﻟﺘﺄﻣﻼﺕ ” ﺳﻨﺔ 1641 ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ، ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ، [لكنها تُرجمت إلى الفرنسية، واطلع ديكارت على الترجمة ووافق عليها] ﻭﻛﺎﻥ ﻗﺼﺪﻩ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪﺛﻨﺎ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﺼﺮ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، ﺇﺫ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺍﻟﺘﺰﻡ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﺳﺒﻴﻼً ﻗﻞّ ﺳﺎﻟﻜﻮﻩ، ﻭﺑَﻌُﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﺄﻟﻮﻑ ﺑﻌﺪﺍً ﻛﺒﻴﺮﺍً .
ﻭﺭﺃﻯ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﺃﻥ ﻳﻘﺪﻡ ﻟﻠﺘﺄﻣﻼﺕ ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ ﺇﻫﺪﺍﺀ ”ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﺪﺍﺀ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺑﻜﻠﻴﺔ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺑﺒﺎﺭﻳﺲ” ﻳﺴﺄﻟﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻥ ﻳﺆﻳﺪﻭﺍ ﺁﺭﺍﺀﻩ، ﻭﻳﺒﻴّﻦ ﻟﻬﻢ ﺃﻥ ﻣﻨﻬﺠﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻤﺎ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﻣﻨﻬﺞ ”ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻴﻦ” ﻣﻦ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﻋﻤﻴﻖ، ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻥ ﻳﻨﺼﺮ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﻗﺎﻃﻌﺔ .
ﺃﻟﻒ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻫﺬﺍ ﻟﻴﻌﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﺬﻫﺒﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﻋﺮﺿﺎً ﻋﻠﻤﻴﺎً ﻣﻨﻈﻤﺎً، ﻭﻳﻼﺣﻆ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻛﺎﻥ ﻳﺤﻴﻞ ﻣﻦ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻠﺔ ﻧﻈﺮﺍﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺣﺪﻩ، ﺩﻭﻥ ﺳﺎﺋﺮ ﻛﺘﺒﻪ، ﺻﺤﻴﺢ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺃﻭﺭﺩ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ ”ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ” ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻋﺮﺿﻬﺎ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﺮﺿﺎً ﺳﺮﻳﻌﺎً ﻭﻣﺴﻬﺎ ﻣﺴﺎً ﺭﻓﻴﻘﺎً ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻘﺼﺪ ﻓﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﻤﻖ ﻭ ﺍﻻﺳﺘﻘﺼﺎﺀ. ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺮﺽ ﻧﻔﺴﻪ ﻻ ﻳﻔﻬﻢ ﺣﻖ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺮﺟﻮﻉ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺄﻣﻼﺕ. ﻭﺻﺤﻴﺢ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻳﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻫﻮ ﻟﻬﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﺃﺩﺧﻞ ﻓﻲ ﺑﺤﻮﺙ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺃﻳﻀﺎً ﻻ ﻳﺘﻴﺴﺮ ﻓﻬﻤﻪ ﺟﻴﺪﺍً ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﺘﺄﻣﻼﺕ ﺃﻣﺎ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ [بواسطة النور الطبيعي] ﻓﻬﻮ ﻣﺤﺎﻭﺭﺓ ﻧﻘﺪﻳﺔ ﺑﻴﻦ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﻣﺨﺘﻠﻔﻲ ﺍﻵﺭﺍﺀ، ﻭﻻ ﻧﺪﺭﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﺎ ﻗﺼﺪ ﺇﻟﻴﻪ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺘﻬﺎ، ﻭﺇﺫﻥ ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﺍﻟﺪﻳﻜﺎﺭﺗﻴﺔ ﺃﻥ ﻳﻠﺘﻤﺴﻬﺎ ﺃﻭﻻً ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﺘﺄﻣﻼﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﺍﻷﻭﻝ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺏ.

ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺃﻣﻴﻦ
_____________
2
ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ :
ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻋﻨﺪ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﺒﺪﺃ ﺑﺎﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ، ﺃﻱ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﺒﺼﺮ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻭﺣﺴﺐ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺼﻮﺹ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻧﻈﺮﺗﻪ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻟﺘﺪﺑﻴﺮ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﻭﺣﻔﻆ ﺻﺤﺘﻪ، ﻭﺍﺧﺘﺮﺍﻉ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻔﻨﻮﻥ، ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺪﻫﺎ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺪﻭﻥ ﺗﺄﻣﻞ، ﻭﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﻤﻜﺘﺴﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﺩﺛﺔ، ﻭﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﻠﻞ ﻭﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﻳُﺴﺘﻨﺒﻂ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﺎﻉ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ. ﻭﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﻋﻨﻬﺎ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﻫﻨﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﻋﻴﻨﻬﺎ: ﻓﺈﻧﻨﺎ ﺇﺫﺍ ﻭﺿﻌﻨﺎ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﺍﺳﺘﻄﻌﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻨﺒﻂ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﺎﺋﺮ ﻣﺎ ﻋﺪﺍﻫﺎ: ”ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻷﻭﻝ، ﻭﺍﺳﺘﻨﺒﻄﺖ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ: ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﺇﻟﻬﺎً ﻫﻮ ﺧﺎﻟﻖ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﻮ ﻣﺼﺪﺭ ﻛﻞ ﺣﻘﻴﻘﺔ، ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻖ ﺃﺫﻫﺎﻧﻨﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﺨﻄﺄ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻘﺮﺭ ﻣﻦ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺘﺼﻮﺭﻫﺎ ﺗﺼﻮﺭﺍً ﻭﺍﺿﺤﺎً ﺟﺪﺍً ﻭﻣﺘﻤﻴﺰﺍً ﺟﺪﺍً. ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺻﻄﻨﻌﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻼﻣﺎﺩﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺍﺳﺘﻨﺒﻄﺖ ﺑﺘﻤﺎﻡ ﺍﻟﻮﺿﻮﺡ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﻘﻴﺔ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﺟﺴﺎﻣﺎً ﻣﻤﺘﺪﺓ ﻃﻮﻻً ﻭﻋﺮﺿﺎً ﻭﺍﺭﺗﻔﺎﻋﺎً، ﻭﺃﻥ ﻟﻬﺎ ﺃﺷﻜﺎﻻً ﻭﺗﺘﺤﺮﻙ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ
ﻗﺪ ﻛﺎﻥ ”ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻮﻥ” ﻳﻌﺮّﻓﻮﻥ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﺑﻤﺎ ﻋﺮّﻓﻬﺎ ﺃﺭﺳﻄﻮ ﺣﻴﻦ ﻗﺎﻝ ﺇﻧﻬﺎ ”ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻮﺟﻮﺩ”، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﺨﺼﺎﺋﺺ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ ﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ ﻟﻠﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﻻ ﻳﻘﺒﻠﻪ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ، ﺇﺫ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻋﻨﺪﻩ ﻫﻲ ﺃﻥ ﻧﺘﺒﻴﻦ ﻣﺘﻰ ﻳﺴﻮﻍ ﻟﻨﺎ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﺑﻌﺒﺎﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﺍﻟﺪﻳﻜﺎﺭﺗﻴﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﻑ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺮﺭ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﺎﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﻌَﺮﻑ ﺃﻭ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍً .
ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺤﺪﺩ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﺎﻭﻟﻬﺎ، ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻤﻴﺰﻫﺎ ﺑﻌﻼﻣﺔ ﺫﺍﺗﻴﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﻃﺎﺑﻊ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻌﺎﺭﻓﺔ، ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﻋﻨﺪﻩ ﻫﻲ ﺃﺷﺪ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻳﻘﻴﻨﺎً، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻴﻘﻦ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻴﻘﻦ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻷﺧﺮﻯ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﻔﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﻳﻘﻴﻨﻬﺎ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﻬﺎ، ﺑﻞ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻠﻜﻪ ﺍﻟﺬﻫﻦ ﻓﻲ ﻃﻠﺒﻬﺎ، ﻭﻧﺤﻦ ﻧﻘﺮﺃ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ”ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ”: ”ﻟﻴﺲ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺠﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻃﺮﻕ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻴﻘﻴﻨﻴﺔ ﺳﻮﻯ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﺪْﺱ ﺍﻟﺒﺪﻳﻬﻲ ﻭﺍﻻﺳﺘﻨﺒﺎﻁ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ
ﻭﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺪﺩ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺑﻤﻼﺣﻈﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺬﻫﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎﺕ، ﻓﻘﺪ ﻻﺣﻆ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎﺕ ﺍﺳﺘﺪﻻﻻﺕ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻻ ﻧﺠﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻭﻗﺮﺭ ﺃﻥ ﻣﻦ ﻣﺮّﻥ ﺫﻫﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎﺕ ﺃﺻﺒﺢ ﺃﻫﻼً ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻷﺧﺮﻯ، ﻷﻥ ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﻣﻮﺭ .
ﻭﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ”ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ” ﻭ ”ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ” ﺑﻴﺎﻥ ﻟﻠﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﺪﻗﻴﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﺧﺎﻩ ﻃﺎﻟﺐ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ .
ﻭﺇﺫﻥ ﻓﺎﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﻋﻠﻢ ﺩﻗﻴﻖ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻗﻀﺎﻳﺎﻩ ﺑﻴﻘﻴﻦ ﺭﻳﺎﺿﻲ، ﻭﻗﺪ ﺻﺮﺡ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﻬﺎ ﻓﻲ 15 ﺇﺑﺮﻳﻞ ﺳﻨﺔ 1630 ﺃﻧﻪ ﺍﻫﺘﺪﻯ ﺇﻟﻰ ”ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺮﻫﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﺑﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﻫﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﺑﺪﺍﻫﺔ ﻣﻦ ﺑﺮﺍﻫﻴﻦ ﺍﻟﻬﻨﺪﺳﺔ”، ﻭﻫﻮ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺁﺧﺮ: ”ﺛِﻖْ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﺷﻲﺀ ﺇﻻ ﺍﻋﺘﻘﺪ ﺃﻧﻪ ﻭﺍﺿﺢ ﻛﻞ ﺍﻟﻮﺿﻮﺡ ﻟﻠﻨﻮﺭ ﺍﻟﻔﻄﺮﻱ ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺒﺮﻫﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺮﻫﻨﺔ ﺩﻗﻴﻘﺔ ”, ﻭﺇﺫﻥ ﻓﺎﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻢ ﻳﻌﺎﺩﻝ ﻓﻲ ﻳﻘﻴﻨﻪ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺰﺩ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻫﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻳﻘﻴﻨﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻨﺪﺳﺔ، ﻷﻥ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻛﺘﺸﺎﻓﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺮﻓﻊ ﺍﻟﺸﻚ ﻋﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎﺕ”. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻇﻦ ﺍﻟﺸﻜﺎﻙ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ﺃﻥ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻣﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﻤﻜﻦ، ﻭﻛﺜﺮﻭﻥ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﻳﻈﻨﻮﻧﻪ ﻣﺴﺘﺤﻴﻼً، ﻣﻊ ﺃﻥ ﺷﺄﻧﻪ ﻛﺸﺄﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ، ﺇﺛﺒﺎﺗﻪ ﻣﻴﺴﻮﺭ ﺟﺪﺍً، ﻭﻳﻘﻴﻨﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻳﻘﻴﻦ ﺑﺮﺍﻫﻴﻦ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎﺕ.. ”ﻭﺇّﺫﻥ ﻓﺎﻟﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻳﻘﻴﻨﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ .
ﻭﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﻋﻨﺪ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﻫﻲ ﻋﻠﻢ ﻣﻨﻬﺠﻪ ﻫﻮ ﻋﻴﻦ ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎﺕ، ﺑﻞ ﺇﻧﻬﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻳﻘﻴﻨﺎً، ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﺇﻣﻜﺎﻧﺎً ﻟﻠﺒﺮﻫﻨﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ، ﻓﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺬﻫﻦ، ﻭﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﺛﺒﺎﺗﻬﻤﺎ ﺑﺪﻗﺔ ﺭﻳﺎﺿﻴﺔ، ﺯﺩ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﻌﻘﻠﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﻳﻬﺘﻤﻮﻥ ﺑﺒﺮﺍﻫﻴﻨﻬﺎ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﺎً ﻛﺎﻓﻴﺎً ﻭﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﺃﺩﻟﺘﻬﺎ ”ﺑﺄﺫﻫﺎﻥ ﻗﺪ ﺗﺠﺮﺩﺕ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ”. ﻭﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﻟﻢ ﻳﺮ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﺩﺍﻋﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ”ﺍﻟﺘﺄﻣﻼﺕ” ﺃﻭ ﻣﺮﺍﺟﻌﺘﻬﺎ، ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺗﺤﺘﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻫﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﻓﻘﺪ ﺍﻧﺘﻬﻰ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺧﺎﺿﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ، ﻭﻗﺪ ﺍﻋﺘﻘﺪ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﺃﻥ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎﻩ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﻴﺔ، ﻭﺃﻧﻪ ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻴﺴﻮﺭ ﻟﻐﻴﺮﻩ ﺃﻥ ﻳﻬﺘﺪﻱ ﺇﻟﻰ ﺑﺮﺍﻫﻴﻨﻬﺎ، ﻭﻫﻮ ﻳﻘﻮﻝ: ”ﺃﺭﻯ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﺃﻧﻌﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻨﻌﻤﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻮﻩ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ؛ ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺗﻔﻘﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺟﻤﻬﺮﺓ ﺍﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻭﻓﻘﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺃﺑﻠﻎ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻳﺮﺿﻴﻨﻲ ﺗﻤﺎﻡ ﺍﻟﺮضى".
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﺍﻟﺪﻳﻜﺎﺭﺗﻴﺔ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ، ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﺤﺴﺐ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺇﻋﺪﺍﺩ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ، ﻭﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺨﺼﻮﺹ .
‏( ﺝ ‏) ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﺄﻣﻼﺕ :
ﻭﻟﻨﻠﻖ ﺍﻵﻥ ﻧﻈﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻠﻜﻪ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﻓﻲ ﺗﺄﻣﻼﺗﻪ .
ﺧﺼﺺ ﺗﺄﻣﻠﻪ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﻨﻈﺮ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ ﻣﺪﺍﺭﻩ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻀﻲ ﺑﺎﻧﺘﻬﺎﺝ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺸﻚ، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﺗﻤﻬﻴﺪﺍً ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ، ﻭﻟﻜﻲ ﻧﻔﻬﻢ ﻣﻨﻬﺠﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺘﺒﻴﻦ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻳﺪﻋﻮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻧﺼﻄﻨﻊ ﺍﻷﻧﺎﺓ، ﻭﻧﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻭﻧﺮﻓﺾ ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﻟﻤﺎ ﻳُﻠﻘَﻰ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﻗﻮﺍﻝ ﻭﺁﺭﺍﺀ ﺣﺘﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺪﻳﺪ ﺍﻟﺮﺟﺤﺎﻥ، ﻓﻼ ﻧﺴﻠﻢ ﺑﺄﻥ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻧﺘﺒﻴﻦ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﺃﻧﻪ ﻛﺬﻟﻚ: ﻷﻥ ﺑﺪﺍﻫﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻫﻲ ﻣﻌﻴﺎﺭ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺍﻟﻤﻤﻴﺰﺓ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﺍﻟﻤﺒﺮﺃﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻭﺍﻟﺰﻟﻞ .
ﻭﻳﻠﺨﺺ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺗﺄﻣﻼﺗﻪ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ”ﻗﺪﻣﺖُ، ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﺍﻷﺩﻟﺔ، ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺸﻚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡ ﻓﻲ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺼﻮﺹ ﻓﻲ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ﻣﺎ ﺩﻣﻨﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻴﺴﺮ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﺳﺲ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺳﻮﻯ ﻣﺎ ﺗﻴﺴﺮ ﻟﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ. ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺷﻜﺎً ﻋﺎﻣﺎً ﻛﻬﺬﺍ، ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻈﻬﺮ ﻧﻔﻌﻪ ﺃﻭﻝ ﺍﻷﻣﺮ، ﻟﻪ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻧﻔﻊ ﻋﻈﻴﻢ ﺟﺪﺍً، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ، ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺃﻥ ﻧﺸﻚ ﺃﺑﺪﺍً ﻓﻲ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻧﻬﺘﺪﻱ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﺻﺤﻴﺤﺔ ” .
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻧﺠﺪ ﺍﻟﺬﻫﻦ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﺣﺮﻳﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻓﻴﻔﺘﺮﺽ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﻊ ﻟﻪ ﻋﻦ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﺃﺩﻧﻰ ﺷﻚ ﻫﻲ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﻣﻌﺪﻭﻣﺔ، ﻟﻜﻦ ﻳﺘﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﻣﻦ الممتنع ﺇﻃﻼﻗﺎً ﺣﻴﻨﺌﺬ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻣﺮ ﻓﻴﻪ ﻛﺬﻟﻚ ﻧﻔﻊ ﻋﻈﻴﻢ، ﻓﺈﻧﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻳﺘﻴﺴﺮ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻤﻴﺰ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺼﻪ، ﺃﻱ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﺔ، ﻣﻦ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ ﺍﻟﺠﺴﻢ
ﻟﻜﻦ ﻗﺪ ﻳﺘﻮﻗﻊ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀ ﻣﻨﻲ ﺃﻥ ﺃﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﺿﻊ ﺃﺩﻟﺔ ﻹﺛﺒﺎﺕ ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﺲ، ﻭﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺫﻟﻚ ﺃﺭﻯ ﻟﺰﺍﻣﺎً ﻋﻠﻲّ ﻫﺎﻫﻨﺎ ﺃﻥ ﺃﻧﺒﻬﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻨﻲ ﺣﺎﻭﻟﺖ ﺃﻻ ﺃﻛﺘﺐ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎً ﺇﻻ ﻭﻟﺪﻱّ ﻋﻨﻪ ﺑﺮﺍﻫﻴﻦ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﺟﺪﺍً ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻭﺟﺪﺕ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻀﻄﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺷﺒﻴﻪ ﺑﺎﻟﺘﺮﺗﻴﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻄﻨﻌﻪ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻬﻨﺪﺳﺔ، ﻭﻫﻮ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﺳﺘﻨﺘﺎﺝ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻣﻨﻬﺎ . ”
ﻭﺃﻭﻝ ﻭﺃﻫﻢ ﻣﺎ ﻳُﻄﻠﺐ ﻟﻠﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺃﻥ ﻧﻜﻮّﻥ ﻋﻨﻬﺎ ﺗﺼﻮﺭﺍً ﻭﺍﺿﺤﺎً ﺻﺮﻳﺤﺎً ﻭﻣﺘﻤﻴﺰﺍً ﻛﻞ ﺍﻟﺘﻤﻴﺰ ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﺴﻢ: ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﺿﻊ، ﻭﻳﻄﻠﺐ ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻧﻌﺮﻑ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺘﺼﻮﺭﻫﺎ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﻭﺗﻤﻴﺰ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﻧﺘﺼﻮﺭﻫﺎ؛ ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺃﺳﺘﻄﻊ ﺇﺛﺒﺎﺗﻪ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻭﻳﻠﺰﻡ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺠﺴﻤﻴﺔ ﺗﺼﻮﺭ ﻣﺘﻤﻴﺰ، ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻌﻀﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ، ﻭﺑﻌﻀﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﻣﻠﻴﻦ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻭﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ” .
ﻭﻳﻠﺰﻡ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﺃﻥ ﻧﺴﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﺃﻥ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺘﺼﻮﺭ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﻭﻧﻤﻴﺰ ﺃﻧﻬﺎ ﺟﻮﺍﻫﺮ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻧﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﺬﻫﻦ ﻭﺍﻟﺠﺴﻢ، ﻫﻲ ﺣﻘﺎً ﺟﻮﺍﻫﺮ ﻣﺘﻤﻴﺰ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻷﻣﺮ؛ ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺍﻧﺘﻬﻴﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ، ﻭﻣﻤﺎ ﻳﺆﻳﺪﻩ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺘﺼﻮﺭﻫﺎ ﺇﻻ ﻏﻴﺮﻣﻨﻘﺴﻤﺔ، ﺫﻟﻚ ﺃﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﺘﺼﻮﺭ ﻧﺼﻒ ﺃﻱ ﻧﻔﺲ، ﻛﻤﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻨﺼﻒ ﻷﺻﻐﺮ ﺟﺴﻢ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺟﺴﺎﻡ، ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﻧﺘﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﻤﺎ ﻟﻴﺴﺘﺎ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺘﻴﻦ ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﻫﻤﺎ ﻣﺘﻀﺎﺩﺗﺎﻥ ﺑﻮﺟﻪ ﻣﺎ، ﻭﻟﻢ ﺃﺯِﺩْ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ: ﻷﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻹﻓﻬﺎﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺑﺪﺭﺟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺿﻮﺡ ﻻ ﺑﺄﺱ ﺑﻬﺎ، ﺃﻥ ﻓﺴﺎﺩ ﺍﻟﺠﺴﻢ [لا] ﻳﻘﺘﻀﻲ ﻓﻨﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﺲ، ﻭﻟﻤلء ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﺑﺎﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ؛ ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻷﻥ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻨﺘﺞ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﻘﺎ ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ: ﺃﻭﻻً ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡ، ﺃﻱ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻮﺟﺪ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺨﻠﻮﻗﺔ ﻟﻠﻪ، ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻔﺴﺎﺩ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻬﺎ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻨﻘﻄﻊ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺃﺑﺪﺍً، ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﻣﻨﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻮﻧﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﺄﺣﺎﻟﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ؛ [يشبه ابن رشد (نظريته بالحدوث والقِدم: لا قديم بالمطلق ولا حديث بالمطلق) وابن عربي] ﺛﻢ ﻟﻤﻼﺣﻈﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡ ﺟﻮﻫﺮ ﻭﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺫﻟﻚ ﺃﻳﻀﺎً ﻻ ﻳﻔﻨﻰ؛ ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺍﻷﺟﺴﺎﻡ ﺍﻷﺧﺮﻯ، ﻟﻴﺲ ﻣﺮﻛﺒﺎً ﺇﻻ ﻣﻦ ﺃﻋﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻭﻣﻦ ﺃﻋﺮﺍﺽ ﺃﺧﺮﻯ ﺗﺸﺎﺑﻬﻬﺎ .
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻠﻴﺴﺖ ﻛﺎﻟﺠﺴﻢ ﻣﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ ﺃﻋﺮﺍﺽ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺟﻮﻫﺮ ﻣﺤﺾ: ﻓﻤﻬﻤﺎ ﺗﺘﻐﻴﺮ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻋﺮﺍﺿﻬﺎ، ﻭﻣﻬﻤﺎ ﺗﻜﻦ ﻣﺜﻼً تﺘﺼﻮﺭ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﻭﺗﺮﻳﺪ ﻭﺗﺤﺲ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﺃﺧﺮﻯ .. ﺇﻟﺦ .. ﻓﻠﻦ ﺗﺼﻴﺮ ﺷﻴﺌﺎً ﺁﺧﺮ؛ ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻳﺼﻴﺮ ﺷﻴﺌﺎً ﺁﺧﺮ ﻣﺘﻰ ﺗﻐﻴﺮ ﺷﻜﻞ ﺑﻌﺾ ﺃﺟﺰﺍﺋﻪ، ﻭﻳﻠﺰﻡ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻓﻨﺎﺀ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺃﻣﺮ ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻴﺴﻮﺭ، ﺃﻣﺎ ﺫﻫﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻭ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺒﺎﻗﻴﺔ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻬﺎ ” .
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺑﻴﻨﺖُ ﺑﺒﻌﺾ ﺍﻹﺳﻬﺎﺏ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻠﻮﺡ ﻟﻲ ﺃﻫﻢ ﺩﻟﻴﻞ ﺍﺳﺘﺨﺪﻣﺘﻪ ﻹﺛﺒﺎﺕ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ ﺃﺭﺩ ﺃﻥ ﺍﺳﺘﺨﺪﻡ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻊ ﺗﺸﺒﻴﻬﺎﺕ ﻣﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺠﺴﻤﻴﺔ، ﻟﻜﻲ ﺃﺑﻌﺪ ﺃﺫﻫﺎﻥ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻭﺳﻌﻲ ﻋﻦ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﻭﺍﻻﺗﺼﺎﻝ ﺑﻬﺎ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺭﺑﻤﺎ ﺑﻘﻴﺖ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻏﺎﻣﻀﺔ ‏(ﺃﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﺃﻭﺿﺤﻬﺎ ﺗﻮﺿﺤﻴﺎً ﺗﺎﻣﺎً ﻓﻲ ﺭﺩﻭﺩﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺟﻬﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻣﻨﺬ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﺗﺤﺮﻳﺮﻩ)، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻭﺭﺩﻫﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻠﻲ: ﻛﻴﻒ ﺃﻥ ﻓﻜﺮﺓ ﻣﻮﺟﺪ ﻛﺎﻣﻞ ﺇﻃﻼﻗﺎً – ﻭﻫﻲ ﻓﻜﺮﺓ ﻧﺠﺪﻫﺎ ﻓﻴﻨﺎ – ﺗﺸﻤﻞ ﻗﺪﺭﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ، ﺃﻱ ﺗﺸﺎﺭﻙ ﺑﺎﻟﺘﺼﻮﺭ ﻓﻲ ﻗﺪﺭ ﻣﻦ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﻋﻠﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻃﻼﻕ؟ ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺃﻭﺿﺤﺘﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺩﻭﺩ ﺑﺈﻳﺮﺍﺩ ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﺑﺂﻟﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺒﺮﺍﻋﺔ ﻭﺍﻻﺗﻘﺎﻥ ﺗﺮِﺩُ ﻓﻜﺮﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺫﻫﻦ ﺻﺎﻧﻊ ﻣﺎ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻣﻦ ﺇﺗﻘﺎﻥ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻋﻠﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﻠﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺃﻭ ﻋﻠﻢ ﻭﺍﺣﺪ ﻏﻴﺮﻩ ﺗﻠﻘﻰ ﻫﻮ ﻋﻨﻪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ، ﻓﻜﺬﻟﻚ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻠﻪ، ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻴﻨﺎ، ﺃﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺫﺍﺗﻪ ﻋﻠﺔ ﻟﻬﺎ .“
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﺃﻗﻤﺖُ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺼﻮﺭﻫﺎ ﺗﺼﻮﺭﺍً ﻭﺍﺿﺤﺎً ﺟﺪﺍً ﻭﻣﺘﻤﻴﺰﺍً ﺟﺪﺍً ﻫﻲ ﻛﻠﻬﺎ ﺻﺤﻴﺤﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﻭﺿﺤﺖ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ، ﻣﻤﺎ ﺗﻠﺰﻡ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﺿﺮﻭﺭﺓً ﻟﺘﻮﻛﻴﺪ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ. ﻭﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻠﻮﻫﺎ ﻓﻬﻤﺎً ﺻﺤﻴﺤﺎً ﻟﻜﻦ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻼﺣﻆ ﺃﻧﻲ ﻻ ﺃﻧﻈﺮ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﺃﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻘّﺘﺮﻑ ﻓﻲ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮ. ﺑﻞ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻭﺗﻤﻴﻴﺰ ﺍﻟﺤﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻭﻟﻴﺲ ﻗﺼﺪﻱ ﺃﻥ ﺃﺗﻜﻠﻢ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺷﺄﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺃﻭ ﺳﻠﻮﻙ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺑﻞ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ ﺑﻤﻌﻮﻧﺔ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻭﺣﺪﻩ ” .
ﻭﻳﺘﺤﺪﺙ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﻦ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﺛﻢ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻭﺟﻮﺩﻩ ﻭﻫﻮ ﻳﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﻴﺎﺭ ﺍﻟﺒﺪﺍﻫﺔ، ﻓﻴﺮﻓﺾ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻥ ﻳﻀﻔﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻮﺍﺹ ﺇﻻ ﺍﻹﻣﺘﺪﺍﺩ، ﺃﻱ ﺧﺎﺻﺔ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻤﺘﺪﺍً، ﻭﻻ ﻳﻘﺒﻞ ﺇﻻ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ، ﻭﻳﻨﻜﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﺟﻤﻴﻊ ”ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ” ﻭ ”ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﺨﻔﻴﺔ” ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ”ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻮﻥ ” .
ﻭﻗﺪ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﻫﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻼﺣﻆ ﺃﻥ ”ﻧﻴﻮﺗﻦ” ﺣﻴﻦ ﻗﺎﻝ ﺑﻤﺒﺪﺃ ”ﺍﻟﺠﺎﺫﺑﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ” ﻗﺪ ﺃﺩﺧﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﺨﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻫﺐ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺍﻟﻮﺳﻄﻰ، ﻭﻗﺪ ﺧُﻴّﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻭﻝ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻨﻴﻮﺗﻮﻧﻲ ﻗﺪ ﻇﻔﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ ﺑﻨﺼﺮ ﺣﺎﺳﻢ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻨﺬ ﻇﻬﻮﺭ ”ﺃﻳﻨﺸﺘﻴﻦ” ﻗﺪ ﺻﺎﺭ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺩﻳﻜﺎﺭﺗﻴﺎً ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ .
ﻭﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻻ ﻧﻨﺴﻰ ﺃﻥ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﻋﺎﻟﻢ ﺭﻳﺎﺿﻲ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻷﻭﻟﻲ ﻟﻠﺒﺪﺍﻫﺔ ﻋﻨﺪﻩ ﻫﻮ ﺍﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ، ﻓﻬﻮ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻮﺍﺿﺤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﺫﻫﺎﻧﻨﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻴﺠﺪ ﺃﻥ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﻛﺸﺄﻥ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻤﺜﻠﺚ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺮﻫﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺎﻡ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻭﻳﻨﻘﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ، ﻣﻨﺘﻬﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻘﻀﻴﺘﻴﻦ: ”ﻣﺠﻤﻮﻉ ﺯﻭﺍﻳﺎ ﺍﻟﻤﺜﻠﺚ ﻳﺴﺎﻭﻱ ﻗﺎﺋﻤﺘﻴﻦ، ﻭ ”ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩ” ﻫﻤﺎ ﻗﻀﻴﺘﺎﻥ ﻣﺘﻌﺎﺩﻟﺘﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ .
ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ، ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ، ﺃﻥ ﻧﺘﺎﺑﻊ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﻓﻲ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻣﺬﻫﺒﻪ، ﻓﻬﻮ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﻫﻨﺎ ﺑﺒﺴﻂ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻟﻤﺎ ﺍﻧﺘﻬﻰ ﺇﻟﻴﻪ، ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻳﺒﻴّﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﺪﻥ، ﻗﺮﺭ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻣﺘﺤﺪﺓ ﺑﻪ ﺍﺗﺤﺎﺩﺍً ﻭﺛﻴﻘﺎً، ﻭﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ ﺃﻣﺮ ﻭﺍﻗﻊ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﻪ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ، ﻭﻛﻞ ﺍﻣﺮﺉ ﻻ ﺑﺪ ﻣﺘﻨﺒﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻪ ﻳﺠﻤﻊ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ ﺑﻴﻦ ﻃﺒﻴﻌﺘﻴﻦ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺘﻴﻦ، ﺟﺴﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﻧﻔﺴﺎﻧﻴﺔ: ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻣﺮ ﻭﺍﻗﻊ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻋﺔ ﻓﻴﻪ .
ﻭﻳﺨﺘﺘﻢ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺗﺄﻣﻼﺗﻪ ﻣﺒﻴﻨﺎً ﺃﻥ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺎدﺓ ﻭﺍﻷﺟﺴﺎﻡ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﺎﻧﺔ ﻭﺍﻟﻮﺿﻮﺡ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ .
ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﺨﻴﺺ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ ”ﻭأﻧﺘﻬﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﺑﺘﻤﻴﻴﺰ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻤﺨﻴﻠﺔ، ﻭﺃﺻﻒ ﻋﻼﻣﺎﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ، ﻭﻓﻴﻪ ﺃﺑﻴّﻦ ﺃﻥ ﻧﻔﺲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺘﻤﻴﺰﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺣﻘﺎً، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﻓﻴﻪ ﺃﺑﺴﻂُ ﺟﻤﻴﻊ ﺿﺮﻭﺏ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ، ﻣﺒﻴﻨﺎً ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻻﺟﺘﻨﺎﺑﻬﺎ، ﻭﺃﻭﺭﺩ ﺃﺧﻴﺮاً ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻨﺘﺞ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﻻ ﻷﻧﻨﻲ ﺃﺭﻯ ﻟﻬﺎ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻣﺎ ﺗﺜﺒﺘﻪ – ﺃﻋﻨﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢَ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻭﺃﻥ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺃﺟﺴﺎﻣﺎً، ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ ﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﺇﻣﻌﺎﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻳﻄﻠﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺒﻠﻎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﺎﻧﺔ ﻭﺍﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺻﻠﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ، ﻭﺑﻬﺬﺍ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺃﻭﺛﻖ ﻭﺃﺑﻴَﻦ، ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﻊ ﻟﻠﺬﻫﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ". ﻭﻫﺬﺍ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﺼﺪﺕُ ﺇﻟﻰ ﺇﺛﺒﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺄﻣﻼﺕ ﺍﻟﺴﺘﺔ، ﻭﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﺃﻏﻔﻠﺖ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺃﺧﺮﻯ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺗﻜﻠﻤﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﻋَﺮﺿﺎً ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ."
ﺇﻥ ﻟﺘﺄﻣﻼﺕ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﺁﺛﺎﺭﺍً ﺑﻌﻴﺪﺓ ﺍﻟﻤﺪﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﻛﺎﻧﺖ ﺁﺭﺍﺀ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺛﻮﺭﺓ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ، ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺤﻘﻖ ﺃﻛﺒﺮ ﺛﻮﺭﺓ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻋﺮﻓﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻨﺬ ﺃﻳﺎﻡ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ ”ﺳﻘﺮﺍﻁ” ﺣﺘﻰ ﻋﻬﺪ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ” ﻛﺎﻧﻂ ” ﻭﻗﺪ ﺟﺎﺀﺕ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺑﺪﻋﻬﺎ ” ﻛﺎﻧﻂ ”. ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ” ﺍﻟﻜﺎﻧﻄﻴﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ” ‏( ﻋﻨﺪ ” ﻓﺸﺘﻪ ” ﻭ ﺷﻮﺑﻨﻬﻮﺭ ” ﻣﻮﺍﻓﻘﺘﻴﻦ ﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺪﻳﻜﺎﺭﺗﻴﺔ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻗﺪ ﺍﺧﺘﻠﻔﺘﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻧﺘﻬﺖ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﻟﻘﺪ ﺭﺃﻯ ” ﺷِﻠْﻨﺞ ” ﺍﻥ ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻴﺰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ ”ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻲ” ﻭ”ﺍﻟﻼﻣﺘﻨﺎﻫﻲ” ﻭﺃﻥ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﻗﺪ ﻋﺒّﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺜﻨﺎﺋﻴﺔ ﺗﻌﺒﻴﺮﺍً ﻋﻠﻤﻴﺎً، ﻭﻣﺎ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺇﻻ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺪﺃﺕ ﺑﺪﻳﻜﺎﺭﺕ، ﻭﻳﺒﺪﻭ ﻣﻔﻜﺮﻭ ﺍﻷﻟﻤﺎﻥ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﻴﺎﻟﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﻗﺒﻮﻝ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ، ﻭﻫﻢ ﻳﺠﻠﻮﻥ ﺍﻟﻔﻴﺴﻠﻮﻑ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ، ﻭﻳﺮﻭﻥ ﻓﻴﻪ ﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ. ﻭﻣﻦ ﺃﺷﻬﺮ ﻣﻦ ﺗﺄﺛﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﻫﺬﺍ ﺑﻔﻠﺴﻔﺔ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ”ﺇﺩﻣﻮﻧﺪ ﻫﻮﺳّﺮْﻝ” ﻭﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﻌﺘﺮﻑ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻬﻞ ﻛﺘﺎﺑﻪ ”ﺗﺄﻣﻼﺕ ﺩﻳﻜﺎﺭﺗﻴﺔ” ﺑﺄﺛﺮ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺑﺼﺪﺩ ﻣﺬﻫﺒﻪ ﻓﻲ ”ﺍﻟﻔﻴﻨﻮﻣﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ”: ”ﺭﺑﻤﺎ ﺻﺢ ﺃﻥ ﻧﺴﻤﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ ﺩﻳﻜﺎﺭﺗﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺎ ﻗﺪ ﺍﺿﻄﺮﺭﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻧﻄﺮﺡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻘﺮﻳﺐ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻟﻠﺪﻳﻜﺎﺭﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﻓﺤﻮﻯ ﻣﻌﺮﻭﻑ، ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻧﻨﺎ ﺑﺴﻄﻨﺎ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺪﻳﻜﺎﺭﺗﻴﺔ ﺑﺴﻄﺎً ﻗﺎﺋﻤﺎً ﺑﺬﺍﺗﻪ”. ﻭﻻ ﻧﺰﺍﻉ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻓﻴﻠﺴﻮﻓﻨﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﺼﺪﺭ ﺇﻟﻬﺎﻡ ﻗﻮﻱ ﻟﻔﻠﺴﻔﺎﺕ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮﺕ ﺁﺛﺎﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﺟﻴﺎﻝ ﺍﻟﻼﺣﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﻭﺍﻟﺸﺮﻕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻮﺍﺀ.


ليست هناك تعليقات: