الجمعة، 2 ديسمبر 2016

من أول من ترجم كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطو إلى العربية؟ محمد الحجيري.



من أول من ترجم كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطو إلى العربية؟
ومن هو الراهب أسطاث؟؟

من المعروف بأن الترجمة إلى اللغة العربية قد بدأت خلال العهد الأموي. وتخبرنا المراجع التاريخيّة بأن أول ترجمة كانت لكتاب في الخيمياء، قام بها راهب روميّ اسمه ماريانوس بطلب من الأمير خالد بن يزيد بن معاوية.
إلا أن حركة الترجمة ازدهرت مع العصر العباسي، بدءاً من أبي جعفر المنصور لتصل إلى مرحلتها الذهبيّة في عهد المأمون (813 ـ 833م) وبتشجيع منه، أي بعد حوالي ثمانين سنة من بداية الدولة العباسيّة (750م)
مرحلة الترجمة التي سبقت عهد المأمون تسمّى بالمرحلة الأولى للترجمة.
من خلال تتبّعي لحركة الترجمة لاحظت أن الكتب التي تمّت ترجمتها قبل عهد المأمون تتضمّن أهم كتب الرياضيات والفلك التي كانت معروفة أيامها: "رسالة السند هند" عن السنسكريتية، وكتاب "الأصول" لإقليدس، وكتاب "المجسطي" لبطليموس.
في الفلسفة، من الملاحظ أن الكثير من كتب أفلاطون وأرسطو قد تمّت ترجمتها: محاورة "ثيماوس" لأفلاطون وكتاب "الحيوان" و "السماء والعالم" لأرسطو ..
إضافةً إلى ترجمة كتاب "أثولوجيا" أو علم الربوبيّة لأفلوطين، والذي نُسِبَ خطأً لأرسطو .. مما أحدث إرباكاً في فهم العرب لأرسطو بسبب هذا الكتاب.
لماذا تُرجم كتاب أثولوجيا إلى العربية؟
على الأرجح لأن هذا الكتاب يسمح بالمصالحة بين الفلسفة (الميتافيزيقا) وبين الإسلام، وبالتحديد في ما يتعلّق بخلق العالم.
السؤال: لماذا لم يُتَرجَم كتاب "ما بعد الطبيعة" لأرسطو، طالما أن العرب كانوا مهتمين بأرسطو بشكلٍ كبير؟
على الأرجح لأنه لا يمكن التوفيق بين ميتافيزيقا أرسطو والإسلام (بل لا يمكن التوفيق بين أرسطو وكل الديانات التي تقول بخلق الكون.. إلا إذا تأوّلنا كلمة "الخلق" على أنها انتقال المادة (الموجودة أصلاً) من شكلٍ إلى آخر، وهذا التأويل ممكن، لكن لا أظن أنه كان مطروحاً أو مقبولاً لدى غالبية الفقهاء، الذين كان على الفلاسفة مواجهتهم).
إذاً، كان الأمر محفوفاً بالمخاطر.
الحل كان بترجمة كتاب في الفلسفة يقول بنظريّة "الفيض" التي يمكن التوفيق بينها وبين فكرة الخلق من العدم التي تقول بها الأديان السائدة.
ثم نُسِبَ الكتابُ لأرسطو .. ربما لإعطائه (الكتاب) قيمةً إضافيّة.. أليس هو "المعلّم الأول" بالنسبة إلى العرب؟
يتوقّع المتابع للموضوع ألا يُترجَم كتابُ "ما بعد الطبيعة" لأرسطو إلى العربية قبل مجيء المأمون لأن لتلك الترجمة محاذير لنقلها نظريات تتعارض مع الاعتقاد بالخلق..
أما مع المأمون، فننتظر أن يكون أمر ترجمة الكتاب قد أصبح متاحاً بسبب الدفع الذي أعطاه لترجمة كتب الفلسفة..
ويبدو أن الأمر كذلك. فابن سينا يقول بأنه قرأ كتاب ما بعد الطبيعة أربعين مرّة ولم يتمكّن من فهمه.. ثم قرأ شروحات الفارابي عليه (كتاب ما بعد الطبيعة).. ففهمه.
هذا يعني أن الكتاب كان معروفاً أيام الفارابي (874 ـ 950م)..
وتذكر المراجع على أن متى بن يونس (أستاذ الفارابي، توفّي عام 939م) من الذين ترجموا أو أعادوا ترجمة وتصحيح ترجمة هذا الكتاب.
لكن الفارابي وأستاذَه جاءا بعد أكثر من قرن من المأمون.
السؤال هو: متى تمّت أول ترجمة لكتاب "ما بعد الطبيعة"؟ ومن هو مترجمه؟
أهمية السؤال تكمن في أن السماح بترجمة كتاب ما بعد الطبيعة يعكس مناخاً من الحريات في مجال معرفة الأفكار التي تتعارض مع المعتقدات الدينيّة.
يبدو أن الجواب ليس في متناولنا بسهولة.
كل المترجمين المعروفين، لم تذكر المراجع أنهم ترجموا هذا الكتاب.
حاولتُ البحثَ عن ذلك على غوغل، لكن البحث لم يؤدّ إلا إلى نتيجة وحيدة تفيد بما يلي:
"أسطاث رائد المترجمين لا بل أهمهم، لقب استحقه وبكل جدارة، فإليه يعود الفضل ولأول مرة في فتح الطريق لترجمة "ما بعد الطبيعة" لأرسطاطاليس إلى العربية، فآثار ترجمته شكلت كنوزاً ثمينة بالنسبة للكثيرين من الفلاسفة والعلماء، حتى أن ثمار ترجمته اجتازت حدود عصره، وقد شهدت الإنتاجات الفلسفيّة من بعده رواجاً لم تشهده من قبل بفضل هذه الترجمة.
ومع هذا الإسهام المنقطع النظير في تراث الفلسفة العربية لم يأتِ أحدٌ على ذكره، وحتى الكتب التاريخية تجاهلته بدورها ولم تشر إليه إلا بشكل غامض ووجيز وغير كافٍ.
وفي هذه الدراسة التي تصدر لأول مرة في العربية ترجمة تامة ومحقّقة لكامل مقالات ما بعد الطبيعة لأرسطوطاليس وفيها محاولة لتقييم عمل "أسطاث" مع التركيز وبشكلٍ أساسيّ على ترجمته لـ "ما بعد الطبيعة"."
.. وهي فقرة تعرّف بكتاب للدكتور محمد جم كوري اسمه: (الراهب اسطاث/ نقل كتاب "ما بعد الطبيعة" لأرسطو إلى العربية)، صادر عن دار البراق في مائة وثلاث عشرة صفحة، دون ذكر التاريخ.
ملاحظة وسؤال:
الملاحظة: إن مترجم كتاب ما بعدالطبيعة هو راهب ...
أما السؤال فهو: من هو هذا الراهب؟ ومتى تمّت هذه الترجمة؟ وهل هي الترجمة الأولى؟
سؤال يستحق البحث والتحرّي. هذا ما أعتقده على الأقل..

(محمد الحجيري 2014/12/10)

ليست هناك تعليقات: