الجمعة، 2 ديسمبر 2016

ثابت بن قرّة ودوره في التمدن الإسلامي.



ثابت بن قرة ودوره في التمدن الإسلامي

  دعوة الحق
65 العدد
    [ثابت بن قرّة من كبار العلماء في الحضارة العربية، توفّيَ عام 901 للميلاد، لم ينل من الشهرة ما ناله غيرُه من أمثال ابن سينا أو الخوارزمي وغيرهما، رغم أن المراجع تحدثنا عن تفوق ثابت في شتى مجالات المعرفة والعلوم: فهو أول من قال بالمدارات الإهليلجية للكواكب، وبأن سرعات الكواكب متغيرة، فهي بطيئة حين تكون في الأوج وسريعة حين تكون في الحضيض (أي حين تكون في أقرب نقطة من محور دورانها)، وهو أمر لم يعرفه الغرب إلا مع كبلر عالم الفلك الألماني بعد ثابت بسبعة قرون. واللافت هنا أنه حتى كوبرنيكوس الذي أحدث ثورته العلمية في القرن الخامس عشر لم يتوصل إلى ذلك، بل كان يرى بأن مدارات الكواكب دائرية، وبأن سرعاتها ثابتة (وهو أمر مرتبط بمسافاتها الثابتة عن المركز).
    أما في الطب فكان يُروى عنه ما يشبه المعجزات وبأنه كان يحيي الموتى..
    وفي الترجمة، يكفي القول بأن حنين بن إسحق وابنه إسحق بن حنين كانا يستعينا به في أمور الترجمة المستعصية، وحنين يعتبر أهم المترجمين في تاريخ الحضارة العربية، وكان ثابت يقوم بمراجعة الكثير من الترجمات التي قام بها حنين أو إسحق..
    وله أيضاً في الرياضيات ما له في الفلك.. فهو من أهم المترجمين ومن أهم العلماء ومن أهم الأطباء في الحضارة العربية. وجدت أن هذا البحث يلقي بعض الضوء على إنجازات ثابت، موثقاً بالمراجع.. وربما كان بحاجة إلى بعض المراجعة والتدقيق]

    اسمه كما جاء في فهرست ابن النديم(1) أبو الحسن الصابي ثابت بن قرة بن مروان(2) بن ثابت بن كرايا(3) ابن إبراهيم بن كرايا بن مارينوس بن سالامويوس(4) الحراني الصابي. كان مولده بحران سنة إحدى وعشرين ومائتين للهجرة، وتوفي يوم الخميس السادس والعشرين من صفر سنة ثمان وثمانين ومائتين(5).
    كان ثابت ضيرفيا بحران، كما يروي ابن النديم والقفطي وابن خلكان وغيرهم، غير أن بعض اجتهاداته الدينية جرت عليه استنكار أهل مذهبه من الصابئة الحرانيين، ومنعه من الدخول إلى الهيكل. فتاب مدة ثم عاد إلى مقالته، فمنعوه من الدخول إلى المجمع. واضطر بذلك إلى مغادرة حران، قاصدا كفر توثا : وهي قرية كبيرة بالجزيرة الفرائية، بالقرب من دارا. وأقام ثابت في كفرت توثا مدة إلى أن لقي فيها محمد بن موسى بن شاكر قافلا من بلاد الروم، فأعجب محمد بفضله، واستصحبه إلى بغداد، وأنزله في داره، ووصله بالخليفة المعتضد، وأدخله في جملة منجميه، فاتخذ بغداد دار قراره(6) وقد بلغ ثابت مع المعتضد أجل المراتب وأعلى المنازل حتى كان يجلس بحضرته في كل وقت ويحادثه طويلا، ويضاحكه ويقبل عليه دون وزرائه وخاصته، فرفع بذلك من أنسبائه، فثبتت أحوالهم، وعلت مراتبهم(7)، وتركوا في الأعم الأغلب على دينهم.
    بين الحرانيين والصابئة
    والصابئون الذين يهمنا أمرهم هنا والذين ينتمي إليهم ثابت، هم الحرانيون لا الصابئون المندائيون، والمندائيون فرقة موحدة عرفانية نشأت في فلسطين قبل الدين المسيحي. وهم من أتباع يوحنا المعمدان كما يقول المستشرق الألماني "خولسن" في كتابه عن الصائبة.
    وقد أطلق عليهم العرب اسم المغتسلة، لأنهم يسكنون على ضفاف الأنهر لتسهيل التعميد في الماء الجاري كما هي سنتهم. ولا تزال بقاياهم ماثلة حتى اليوم في مقاطعة خوزستان من إيران، وفي البصرة وكوت وسوق الشيوخ من العراق.
    وعندي أن الصائبين الذين ذكرهم القرآن الكريم هم هؤلاء لا الحرانيون المشركون، وذلك في سورة المائدة الآية 72، وفي سورة الحج الآية 26 حيث جاء : "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
    وكان المستشرق خولسن أول من فرق بين المندائيين والحرانيين، بعد أن جرى التقليد على الخلط بينهما خطأ مستندات في مقالته إلى فهرست ابن النديم.
    أما الحرانيون فإنهم من السريان والكلدان القدماء والأقوام القديمة التي سكنت ما بين النهرين، وكانوا يعبدون الكواكب ويخصصون يوما معينا لكل كوكب ويتبعون مراسم خاصة لتقديم الضحايا إلى آلهتهم..
    وكان الحرانيون جماعة مثقفة ورثت تراث اليونان والرومان وأقوام ما بينت النهرين، وتأثرت خاصة بالأفلاطونية الحديثة، مما جعلهم صلة الوصل بين تمدن اليونان والسريان وشعوب الخلافة الإسلامية، فنقلوا إلى العربية علوم الأوائل، وأسهموا بقسط لا يستهان به في رفع بناء الحضارة الإسلامية (من أراد التوسع في دين الحرانين وعلاقاتهم بالصابئة المندائيين، فليرجع إلى كتاب خولسن عن الصابئين، وأبحاث الدكتور "ماتسوخ" بالفارسية في مجلة فرهنك "إيرانزميس" المجلد الثامن 1339 هجرية، وبحثنا حول هذا الموضوع في مجلة كلية الآداب، بجامعة طهران شتاء 1962).
    ثابت ومؤلفاته واكتشافاته 
    كان ثابت كثير الذكاء، واسع المعرفة، يتقن السريانية واليونانية والعربية، متوفرا على علوم الأوائل، لم يترك علما إلا درسه وقرأ عنه وحقق فيه، فكانت له ترجمات وتآليف، وأحيانا اكتشافات في شتى فنون المعرفة من دين وفلسفة وحساب وموسيقى وهندسة وفلك وطب، مما يذهل الفكر ويدعو إلى العجب. والناظر إلى مصنفاته وتآليفه التي أثبتها القفطي، نقلا عن أوراق بخط أبي علي المحسن بن إبراهيم بن هلال الصابي(8)، يقف مبهوتا أمام كثرتها وتفرعها في شتى العلوم. فهي بمثابة دائرة معارف علمية.
    في الترجمة والتلخيص والشروح والتنقيح
    يقول القفطي(9) في ثابت :
    "وأما ما نقله من لغة إلى لغة فكثير" والواقع أن ثابت بن قرة كان بمثابة رئيس مدرسة للترجمة والإشراف على مترجمات سواه فقد نقل إلى العربية كتبا لابلونيوس، منها "رسالة في المخروطات" و"رسالة في الدوائر المتماسة". و"رسالة في قطع الخطوط" كما ترجم كتبا أخرى لاقليدوس وأرخميدس وأوطوقيوس وتيوذوسيوس وغيرهم. والجدير بالذكر أن بعض هذه الكتب وصلت إلينا بترجمتها العربية فقط، لأن الأصل اليوناني طمسته يد الزمن أو غاب عن ذاكرة الأيام. ومن هذا القبيل مقالة أقليدوس الضائعة عن كيفية (إنشاء المضلع السباعي) التي وصلت إلينا عن طريق ترجمة ثابت لها وهي في رأي مؤرخ العلوم الشهير جورج سارتن قد تكون أقدم مقالة منظمة في هذا الموضوع(10).
    أما من جهة الإشراف والتصحيح فقد ذكر أن ثابتا نظر في كتاب "الأصول" لأقليدوس الذي كان قد ترجمه حنين ابن اسحق، فتناوله بالتصحيح والتنقيح والتوضيح(11)، كما أنه صحح كتاب أرسطو في علم النبات وراجعه، وكان إسحاق ابن حنين نقله إلى العربية محتويا على مقالتين(12). وقد كان لهذا الكتاب تأثير مهم في العلوم العربية واللاتينية في القرون الوسطى، ومنه نسخة مخطوطة في مكتبه "بني جامع" بإسطمبول. ومما يذكر أن بعض الباحثين لسنين خلت عقدوا حوله الحديث والمباحث. ثم إن ثابتا أصلح كذلك ترجمة إسحاق بن حنين لكتاب المجطي إلى العربية إصلاحا قضى فيه حق من سأله ذلك واختصره اختصارا نافعا(13).
    في الدين والفلسفة
    لثابت تآليف دينية متعددة بالسريانية والعربية تتعلق بمذهب بني قومه من الصابئين الحرانيين من سنن ورسوم وفروض وصلوات واعتقادات، وما يصلح من الحيوان للضحايا وما لا يصلح، وكيفية تكفين الموتى ودفنهم، إلى ما هنالك من طقوس وأصول(14).
    ويبدو أن ثابتا كان شديد الشغف بالأمور الفلسفية، لأن الوزير جمال الدين القفطي يكتب مقررا : "وكان الغالب عليه الفلسفة"(15) وقد ذكر له القفطي كتبا ألفها في أمور فلسفية مثل مقالة "النظر في أمر النفس" وكتابه "في الطريق إلى اكتساب الفضيلة"(16) غير أن القفطي وغيره لم يفصلوا
    نظره الفلسفي، ولا وصلنا عنه شيء في الفلسفة، ويجب ألا ننسى هنا ما ذكرناه آنفا من أن ثابتا اضطر إلى ترك بلده حران بسبب اجتهاداته الفلسفية في مذهب بني قومه.
    في الحساب والموسيقى
    أضاف المصنفون القدامى لقب "الحاسب" على اسم ثابت بن قرة(17) ويفهم من ذلك أنه كان قويا في علم الحساب. ويذكر المستشرق الإيطالي الدوميلي في كتابه بالفرنسية عن العلم عند العرب، أن ثابتا بحث في الأشكال الشلجمية وأجاد في تحرياته18) ويذكر له ابن النديم كتاب رسالته في الأعداد(19).
    أما في الموسيقى فإن القفطي ينسب إليه مؤلفات متعددة منها كتاب في أبواب علم الموسيقى سأله فيه أبو الحسن علي ابن يحيى المنجم، ومقاله في الموسيقى، وكتابه في الموسيقى ويشتمل على نحو خمسمائة ورقة وكثير غيرها(20) ولا غرو فإن للموسيقى اتصالا وثيقا بالحساب، مما لا يخفى على أهل النظر.
    في الهندسة 
    يجب ذكر اسم ثابت في مقدمة العلماء الذين ساهموا في تقدم الهندسة بقسط وافر، فيسروا ازدهار العلوم، ودافعوا الحضارة الإسلامية في معارج التقدم والرقي.
    ويذكر له ابن النديم والقفطي، مؤلفات متعددة في هذا الموضوع منها :
    - كتاب رسالته في استخراج المسائل الهندسية(21).
    - كتابه في قطع المخروط المكافئ.
    - مقالته في الهندسة ألفها لإسماعيل بن بلبل.
    - كتابه في أن الخطين المستقيمين إذ خرجا على أقل من زاويتين قائمتين إلتقيا في جهة خروجهما.
    - كتابه في المربع وقطره.
    - كتابه في مساحة الأشكال المسطحة وسائر البسط والأشكال المجسمة.
    - مقالة في تصحيح مسائل الجبر بالبراهين الهندسية(22).
    - كتابه في آلات الساعات التي تسمى رخامات(23)، وقد نشر المستشرق كارل كربوس سنة 1936 هذا الكتاب مع ترجمة له(24).
    - كتابه في اعتدال الأجسام والقوى المحركة ونظرية الميزان.
    - كتابه في إقامة خطوط الظل في الساعات الشمسية الذي ترجمه فيدمن وفرنك إلى الألمانية ونشراه سنة 1922(25).
    - مدخل إلى كتاب أقليدوس (كتاب الأصول) وقد نعته ابن جلجل بأنه "عجيب"(26).
    في الفلك 
    لصابئة حران في علم النجوم تآليف واكتشافات مهمة وحسبهم فخرا أن البتاني محمد بن جابر هو منهم، وفي ذلك يقول بروكلمن(27) كان لأهل حران ميل شديد للرياضيات والنجوم،م لأن لذلك ارتباطا وثيقات بمذهبهم.
    ويقرر جرجي زيدان أن أساتذة العالم في علم النجوم هم الكلدان، وهم الذين وضعوا أسسه ورفعوا أعمدته، ساعدهم على ذلك صفاء سمائهم وجفاف هوائهم واستواء آفاقهم فرصدوا الكواكب وعينوا أماكنها ورسموا الأبراج ومنازل القمر والشمس، وحسبوا الخسوف والكسوف بآلات فلكية
     منذ بضعة وأربعين قرنا، وعنهم أخذ اليونان والهنود والمصريون وغيرهم من أهل التمدن القديم..(28) ولكن يقال بالإجمال أن العرب مديونون بعلم النجوم للكلدان وهم يسمونهم الصابئة- والصابئة إن لم يكونوا الكلدان أنفسهم فهم خلفاؤهم أو تلامذتهم (مختصر الدول 266) وكان الصابئة كثيرين في بلاد العرب ولهم مثل منزلة النصارى أو اليهود فأخذ العرب عنهم علم النجوم باصطلاحاته، وأسمائه وإن كان معظم أسماء السيارات لا يرد إلى أصله الكلداني فربما كان له أسماء عارضة ضاعت أخبارها. على أن بعضها لا يزال أصله الكلداني ظاهرا فيه، كالمريخ، مثلا فإنها تقابل "مرداخ" الكلدانية لفظا ومعنى.. أما الأبراج ومنازل القمر فلا تزال كما كانت عند الكلدان لفظا ومعنى. وإليك أسماء الأبراج عند كليهما : الثور (ثورا)، الجوزاء أو التوأمين (تامي)، السرطان "سرطان"، السنبلة (شبلتا)، العقرب (عقربا)، والجدي (كديا)..(29)
    فليس بدعا إذا أن يكون لثابت بن قرة كغيره من صابئة حران آثار باقية في علم النجوم. ومن كتبه:
    - كتابه فيما يظهر في القمر من آثار الكسوف وعلاماته.
    - كتاب في علة كسوف الشمس والقمر، عمل أكثره ومات، وهو من كتبه الموصوفة.
    - كتابه في إبطاء الحركة في فلك البروج وسرعتها وتوسطها، بحسب الموضوع الذي يكون فيه من الفلك الخارج المركز(30).
    - كتابه فيما أغفله ثاوءن في حساب كسوف الشمس والقمر.
    - عدة كتب له في الأرصاد، عربي وسرياني(31).
    - كتاب رسالته في سنة الشمس.
    - كتاب حساب الأهلة(32).
    غير أنت دور ثابت المهم في علم الفلك يقوم على ترويجه نظرية نوسان الاعتدالين التي تخالف النظرية السابقة في مبادرة الاعتدالين..
    ونظرية النوسان هذه تقول بأن ثمة تذبذبات "دورانيا" يحصل في الحركة التقهقرية لنقطة الاعتدال (نقطة الاعتدال الربيعي والخريفي هما نقطتا تقاطع فلك الأبراج وخط الاستواء السماوي، تعبر الشمس أولى النقطتين في بدء الربيع والثانية في بدء الخريف فيعتدل إذ ذاك الليل والنهار في جميع الأقطار).
    أما نظرية مبادرة الاعتدالين فهي تقدم أوان الاعتدالين عشرين دقيقة في السنة بسبب تحول نقطتي الاعتدال خمسين ثانية على فلك البروج. ومفاد ذلك أن "هيبارخوس" المتولد في نيقيا من الأناضول في القرن الثاني قبل الميلاد) كما يروي بطليموس (المتوفى سنة 167 قبل الميلاد قرب الإسكندرية)، عندما قابل أرصاده مع الأرصاد التي أجريت قبله بقرن في الإسكندرية على يد أريستولوس وتيموخاريس (القرن الثالث قبل الميلاد) تبين له أن النجوم انحازت قليلا لجهة المشرق وبهذا اكتشف تقدم الاعتدالين(33).
    وأما واضع نظرية نوسان الاعتدالين فهو ثيون الإسكندري "أواخر القرن الرابع قبل الميلاد" وعلى الرغم من أنها نظرية خاطئة فقد تقبلها أناس كثيرون ومع أنها تناقض نظرية تقدم الاعتدالين التي قال بها هيبارخوس وفسرها بطليموس، فإن بعض الفلكيين حاولوا التوفيق بين النظريتين. وقد تقبل نظرية نوسان الاعتدالين المنجم الهندي آريابهاطا "أواخر القرن الخامس" الذي يمكن اعتباره حلقة الاتصال بين ثيون وبروكلوس من جهة وبين ثابت بن قرة (أواخر القرن التاسع) أول كاتب في العهد الإسلامي تعرض لهذا البحث، من جهة أخرى(34).
    في الطب والصيدلة 
    كان ثابت طبيا ماهرا برع في الطب وطارت له في هذا العلم شهرة واسعة الأفياء، وله فيه نوادر رواها المصنفون كالقفطي وغيره.
    وقد ترك ثابت مؤلفات متعددة في هذا العلم، تنقل بعض أسمائها عن ابن النديم والقفطي، لتبيان المواضيع المختلفة التي خاضها عالمنا الفذ :
    - كتاب رسالته في الحصى المتولد في المثانة، وقد سماه القفطي كتابه في أوجاع الكلي والمثانة وأوجاع الحصى(35).
    - كتابه في وجع المفاصل والنقرس، مقالة(36).
    - كتاب رسالته في البياض الذي يظهر في البدن(37).
    - كتاب جوامعه لكتاب جالينوس في الأدوية المفردة(38).
    - كتاب رسالته في الجدري والحصبة(39).
    - كتابه في السكون بين حركتي الشريان(40) مقالتان، صنف هذا الكتاب سريانيا لأنه أومأ فيه إلى الرد على الكندي، ونقله إلى العربي تلميذ له يعرف بعيسى بن أسير النصراني.
    - كتابه في صفة كون الجنين.
    - كتابه في المولدين لسبعة أشهر.
    - كتاب في تشريح بعض الطيور وأظنه مالك الحزين.
    - كتابه في الصفار وأصنافه وعلاجه.
    - كتابه في أجناس ما تنقسم إليه الأدوية.
    - كتابه في أجناس ما توزن به الأدوية.(41)
    - كتاب الذخيرة في علم الطب وأكثره في المعالجة.
    هذا الكتاب الذي ألفه لابنه سنان طبعه في القاهرة ج. صبحي سنة 1928، وكتب تحليلا له في مجلة إيزيس ماكس ما يرهوف في مجموعة سنة 1930 ومنه نسخة خطية في مكتبة مالك بطهران تحت الرقم 4543 يعود تاريخها إلى القرن العاشر. وهذا الكتاب من نوع الكناشات أو الكناش، لفظة سريانية، عربيها "الحاوي".
    أما مهارة ثابت في فن التطبيب والمعالجة فشاهدها هذه الرواية التي نقلها القفطي في كتابه، قال القفطي(42).
    وحكى أبو الحسن بن سنان قال :
    يحكي أحد أجدادي عن جدنا ثابت بن قرة أنه اجتاز يوما ماضيا إلى دار الخليفة، فسمع صياحا وعويلا، فقال مات القصاب الذي كان في هذا الدكان ؟ فقالوا له أي والله يا سيدنا، البارحة فجأة. فقال ما مات خذوا بنا إليه، فعدل الناس معه، وحملوه إلى دار القصاب. فتقدم إلى النساء بالإمساك عن اللطم والصياح، وأمرهن بأن يعملن مزورة(43) وأومأ إلى بعض غلمانه بأن يضرب القصاب على كعبه بالعصا، وجعل يده في مجسه، ، وما زال ذلك يضرب كعبه إلى أن قال حسبك، واستدعى قدحا وأخرج من شستكة في كمه دواء، فدافه في القدح بقليل من الماء وفتح فم القصاب وسقاه إياه، فأساغه ووقعت الصيحة والزعقة في الدار والشارع بأن الطبيب قد أحيا الميت. فتقدم ثابت يغلق الباب، وفتح القصاب عينيه، وأطعمه مزورة وأجلسه وقعد عنده ساعة. فإذا بأصحاب الخليفة قد جاءوا يدعونه، فخرج معهم والدنيا قد انقلبت، والعامة حوله يتعادون إلى أن دخل دار الخلافة. ولما مثل بين يدي الخليفة قال له : يا ثابت ! ما هذه المسيحية التي بلغتنا عنك ؟ قال : يا مولاي كنت أجتاز هذا القصاب وألحظه يشرح الكبد ويطرح عليها الملح ويأكلها، فكنت أستقذر فعله هذا أولا، ثم قدرت أن سكتة ستلحقه، فصرت أراعيه، ولما علمت عاقبته انصرفت وركبت للسكتة دواء استصحبته معي في كل يوم فلما اجتزت اليوم وسمعت الصياح قلت مات القصاب، فقالوا نعم. مات فجأة البارحة، فعلمت أن السكتة قد لحقته. فدخلت إليه ولم أجد نبضا، فضربت كعبه إلى أن عادت حركة نبضه، وسقيته الدواء ففتح عينيه، وأطعمته مزورة والليلة يأكل رغيفا مدراج وفي غد يخرج من بيته.
    وقد شهد لثابت ببراعته في صناعة الطب جميع المصنفين الذين ذكروا اسمه ومما جاء في تاريخ الإسلام للذهبي(44) قوله : "لم يكن في زمان ثابت بن قرة الحكيم من يماثله في الطب ولا في جميع أنواع الفلسفة".
    كما أن الشاعر المعروف السري الرفاء مدح ثابت بمهارته في التطبيب بعد أن شفاه من مض كاد يؤدي به، قال :

    هل للعليل سوى بان قرة شافـي         بعد الإله، وهل له من كافــــــي ؟
    أحيا لنا رسم الفلاسفة الــــــذي         أودى وأوضح رسم طب عافــــي
    فكأنه عيسى بن مريم ناطقــــــا          يهب الحياة بأيسر الأوصــــاف !
    مثلت له قارورتي فرأى بهـــــا          ما اكتن بين جوانحي وشغافــــي
    يبدو له الداء الخفي كما بـــــدا           للعين رضراض الغدير الصافـي 
    وفي وفيات الأعيان(45) يزعم ابن خلكان أن السري الرفاء قال هذه الأبيات في إبراهيم بن ثابت لا في والده، كما يشير إلى أن بعضهم رغم أنه قالها في ثابت بن سنان ثابت. غير أننا نستبعد ذلك لأن هذين الأخيرين لم يعرف عنهما أنهما اشتغلا بالفلسفة، والبيت الثاني من مقطوعة السري الرفاء مدح بالبراعة في الطب والبراعة في الفلسفة، وقد مر بنا أن ثابتا عرف باشتغاله بالفلسفة، وكانت غالبة عليه، كما يقول القفطي وابن خلكان نفسه.
    هذا هو ثابت بن قرة مترجما، وشارحا، ومؤلفا في الدين والفلسفة والموسيقى، وحاسبا ومهندسا وعالما فلكيا، وطبيبا صيدليا. والحقيقة أن سعة علمه، وعمق معرفته بشتى العلوم والفنون تحير الناظر في ذلك، فضلا عن أن المصنفين القدامى جميعا شهدوا له بالبارعة والتفوق في تلك الفنون التي خاضها.
    وقد كان لثابت أثر مشكور في كل ذلك : إن في التأليف والممارسة، أو في التلامذة الذين أخذوا عنه وأشرف على تنشئتهم، وأشهرهم عيسى بن أسيد النصراني العراقي الذي كان بارعا في النقل من السريانية إلى العربية(46).
    وحسبنا دليلا على وفور علمه وتجليل أولي الأمر له ما ذكره البيهقي في "تتمة صوان الحكمة" ننهي به ما ليس له نهاية من حديثنا على ذلك النابغة الفذ الذي تفرعت منه دوحة عظيمة كثيرة الفروع، يأتي في طليعة فروعها ابناه : إبراهيم الطبيب، وسنان الرياضي والطبيب، وأبو الحسن بن سنان ابن ثابت الطبيب وإبراهيم بن سنان المهندس، وأبو الفرج ابن أبي الحسن بن سنان الطبيب، وأبو الحسن بن أبي الفرج ابن أبي الحسن بن سنان الطبيب وغيرهم.
    قال البيهقي(47) : وكان المعتضد يكرمه ومن إكرامه له أن المعتضد طاف معه في بستان له ويده على يد ثابت فانتزع بغتة يده من يد ثابت، ففزع من ذلك ثابت فقال له المعتضد : يا ثابت ! أخطأت حين وضعت يدي على يدك وسهوت، فإن العلم يعلو ولا يعلى. فهذه غاية إكرامه في بابه..
    (1)  الفهرست طبعة مصر، ص 394.
    (2)  وفيات الأعيان، مصر 1948 : ابن زهرون ويقال هرون، ص 278.
    (3)  أخبار العلماء بأخبار الحكماء مصر 1326 هجرية – بن كريا، ص 80.
    (4) أخبار : بن سالامانس. وفيات الأعيان ابن مالاجريوس.
    (5) يتفق في ذلك ابن النديم 394 والقفطي 81 و85، وابن خلكان ج 1 ص 278.
    (6)  راجع أخبار ص 81. وفيات 278، وفهرست 394.
    (7)  أخبار ص 81.
    (8)  أخبار 81.
    (9)  أخبار 84.
    (10)  تاريخ العلم الجزء الأول من الترجمة الفارسية ص 119.
    (11)  وفيات الأعيان، ج 1 ص 278.
    (12)  العلم عند العرب، بالفرنسية تأليف الدوميلي ص 86.
    (13)  أخبار العلماء، آخر الصفحة 38.
    (14)  أخبار العلماء، ص 84.
    (15)  أخبار العلماء ص 81 وكذلك ابن جلجل في طبقات الأطباء، القاهرة 1955- ص 75.
    (16)  أخبار ص 83.
    (17)  وفيات الأعيان ج 1 ص 278 (وتاريخ الإسلام للذهبي مجلده 15 232).
    18)  العلم عند العرب، ص 86.
    (19)  الفهرست 394.
    (20)  أخبار ص 82 و83 و84.
    (21)  الفهرست 394 وأخبار 81.
    (22)  أخبار العلماء ص 82 83 و81 و82.
    (23)  أخبار 83.
    (24)  أخبار 82.
    (25)  العلم عند العرب ص 86.
    (26)  طبقات الأطباء والعلماء ص 5.
    (27)  تاريخ الأدب العربي ج1 ص 201.
    (28)  تاريخ التمدن الإسلامي 3 ص 11.
    (29)  الفهرست 394.
    (30)  أخبار ص 82. 
    (31)  أخبار ص 83.
    (32)  الفهرست 394- وأخبار 82.
    (33)  جورج سارتن : تاريخ العلم، الترجمة الفارسية ج 1 ص 476 و477.
    (34)  تاريخ العلم ج 1 ص 478.
    (35)  الفهرست 394- وأخبار 83.
    (36)  الفهرست 394.
    (37)  أخبار 81.
    (38)  أخبار 83.
    (39)  أخبار 84.
    (40)  أخبار 84.
    (41)  
    (42)  
    (43)  مزورة، بوزن المفعول، مرقة يطعمها المريض، مولدة وقال الفقهاء في الإيمان هي ما يطبخ خاليا من الأدهان (خفاجي : شفاء الغليل، مصرت 1952 ص 241.
    (44)  
    (45)  تتمة الصوان ص 6 و7.
    (46)  أخبار 164 – والفهرست 394.
    (47)  

    ليست هناك تعليقات: