الثلاثاء، 7 فبراير 2017

بول ريكور بين هوسّرل وكارل بوبر؛ محمد الحجيري.



 محاولة التعرّف على بول ريكور
ريكور بين هوسّرل وكارل بوبر

خلال قراءتي مقابلةً مطوّلةً مع ريكور، في محاولة للتعرف عليه من خلال بعض الإجابات التي أطلقها رداً على أسئلةٍ طُرحت عليه.. وبما أن هذه الاجابات، وبخاصة تلك المتعلقة بفكره، ليست سهلة على الفهم، سيّما من قِبَل غير المتخصصين، رأيت أن ألخّص ما فهمته من أحد أجوبته.. (والإجابة منشورة بحرفيتها في مكان آخر من الصفحة تحت عنوان: "بول ريكور ينقد الظاهراتية")، وتمكن العودة إليها للمقارنة..
بول ريكور (1913 ـ 2005) هو فيلسوف ومثقف موسوعي فرنسي، لم يترك مجالاً أو نظرية إلا وكان له اطلاع عليها ورأي بها. سأحاول توضيح ما فهمت من إحدى إجاباته في مقابلةٍ نادرة معه، إن كان فهمي دقيقاً..
 في إجابته يعرج ريكور على الظاهراتية (التي أوجدها إدموند هوسّرل) لينقدها، انطلاقاً من تلاقيه مع آراء فرويد في قوله باللاوعي النفسي، وآراء كارل بوبر في تعريفه للمعرفة العلميّة.
 الظاهراتية هي فلسفة ومنهج ظهرت مع هوسرل في أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.
 حاولت الظاهراتية أن تجعل من الفلسفة علماً.. من خلال تطبيق المنهج الظاهراتي.. وبالتحديد في دراسة الظاهرات النفسية.
 أما كارل بوبر فيرى بأن من خصائص أي علم قابليته للتفنيد، أي أن يكون من الممكن في وقت ما إثبات خطئه.. كما حصل مع نظرية كوبرنك حين فنّد نظرية بطليموس في مركزية الأرض.. ونظرية كوبرنك قابلة للتفنيد بدورها..
 بينما هناك أمور لا يمكن تفنيدها علمياً، وبالتالي هي لا تنتمي إلى مجال العلم: مثل أصل الكون ومسائل ما بعد الطبيعة.. فهي منذ آلاف السنين تتضمن آراء متعارضة، ما زال لكل رأي من تلك الآراء مؤيّدون ومعارضون.. دون أن نستطيع إثبات ذلك أو نفيه علمياً، وبالتالي فهي لا تمتلك القابلية للتفنيد، ومن ثمّ فهي لا تنتمي إلى مجال العلم.
 يقول ريكور بأن دراسة الظاهرة (النفسية) ومعرفتها "علمياً" من خلال معايشتها والوعي بها لا يمكن أن يكون علماً، لأن ذلك غير قابل للتفنيد (وهو هنا يتبنّى وجهة نظر بوبر في تعريفه للعلم)، والسبب حسب ريكور هو ثلاثة عوائق:


الطبع (وهو فطري ويختلف بين شخصٍ وآخر). ما يعني أن معرفتنا مرتبطة بطبعنا ويجعل معرفتنا ومعايشتنا للظاهرة النفسية مسألة ذاتية، وبالتالي لا يمكن إثبات حقيقة أو خطأ ما أشعر به. وهي معرفة تقترب من المعرفة الصوفية حسب ما أظن.

 ثانيا، هناك عامل اللاوعي (الذي سلط الضوء عليه فرويد في نفس الفترة تقريباً)، والذي يجعل وعيي مرهوناً بدوافع وأسباب لاواعية: أي أن هناك أسباباً لاواعية تجعلني أعي الحالة النفسية على هذا الشكل بالذات.


 ثالثاً، الحياة.. وهذه النقطة ليست واضحة لديّ.. وإن كنت أظن أن ريكور يرى بأن الحياة التي تجعلنا نندرج في هذا العالم ونعيه.. هي مسألة لا تسمح لي بأن أكون محايداً في معرفتي..


 باختصار، يمكن القول بأن ريكور ينقد المنهج الظاهراتي من خلال تأثره بنقد كارل بوبر وتعريفه للعلم، وكذلك من خلال تأثره بفرويد وأهمية الدوافع اللاواعية التي تغلف وعينا وتطغى عليه.

محمد الحجيري
7/2/2016 

ليست هناك تعليقات: