الأحد، 18 نوفمبر 2018

التنويم المغناطيسي متى بدأ وكيف دخل مجال العلم؟ الدكتور فلاح الشمري





التنويم المغناطيسي
متى بدأ التنويم المغناطيسي وكيف دخل مجال العلم؟
 بقلم الدكتور فلاح الشمري –بغداد



في النصف الأخير للقرن الثامن عشر الميلادي أثار القس الفرنسي (لونوبل) انتباه العالم حين أعلن عن طريقه جديده ابتكرها في معالجته لبعض الأمراض، وحصل منها على نتائج شفائيه إيجابيه، وذلك بتدليك أجزاء الجسم المصابه بقطعة حديد مغناطيسيه، إذ تزول عنها الآلآم وتختفي العله المسببه لها، وقد اختبر الكثيرون من الأطباء هذه الطريقه العلاجيه وأيدوا صحة ما نسب اليها مكتشفها من نتائج ايجابيه، وزعم في ذلك الوقت أن للقوه المغناطيسيه قوه شافيه، كالقوه الكهربائيه التي شاع استعمالها في المعالجات الطبيه، ثم أعقب القس لونوبل الطبيب (مسمر Mesmer ) الذي أستعاض عن القطعه المعدنيه المغناطيسيه بأصابعه التي يمر بها فوق موضع الألم والعله؛ ويحصل على نفس النتائج الأيجابيه التي يحصل عليها من التدليك بالمغناطيس. ومن حق الطبيب (مسمر) علينا أن نتعرف اليه عن كثب، لأنه يعتبر بحق واضع أول لبنه علميه في صرح (التنويم المغناطيسي) وأسسه العلميه .
ولد مسمر في (ايزنانك Iznanc ) على ضفاف بحيرة (كونستان Constancee) في سنة (1734) ودرس في الجامعات علوم اللاهوت والفلسفه والطب، وكان من عائله ثريه ليس في حاجه لما يكسبه من مزاولته للطب لتأمين ضروريات الحياة، فكان ينتقي من (زبائنه) في العياده المرضى الذين تروق له معالجتهم، ويمتنع عن الكشف على الآخرين، وفي أحد الأيام تعرف مسمر بواسطة (راهب جزويتي) إلى طريقة المعالجه بالمغناطيس وأخذ يمارسها بنجاح. كان مسمر اثناء تدليك مرضاه بالمغناطيس، يسمعهم عزفاً على (أرغن- الة موسيقيه تستعمل في الكنائس) أخترعها بنفسه، فلاحظ أن نوعاً من (حالة النوم) تستولي على المرضى أثناء الجلسه العلاجيه، وعزا ذلك الى قوه مغناطيسيه تنتشر من جسمه، وتنتقل الى جسم المريض بواسطة أصابعه التي أستعاض بها عن المغناطيس، وهذا زعم باطل وغير صحيح، ولكنه أدى – كما يحدث أحياناً في العلم – الى اكتشاف حقائق علميه. انتقل مسمر في تجاربه الى ممارسة (المغنطه الجماعيه) حيث يكوَن من المرضى جماعه مترابطه بالأيدي، ينتقل من أحدهم الى الآخر يمسه بأصابعه، ويهمس بضع كلمات في أذنه. لقد أحدثت تجاربه ونتائجها العلاجيه دهشه عامه في الأوساط الباريسيه، حتى أصبح حضور جلسات مسمر ومشاهدتها، يعد من المتممات لشروط الانتماء الى المجتمعات (الباريسيه الراقيه)، وأخذ اهتمام مسمر لإثارة الدهشه عند هذه المجتمعات يطغى على رغبته للدراسه العلميه، حتى انزلق، وأشيعت عنه فضائح اجتماعيه، أجبرته على مغادرة باريس، والألتجاء الى قريه صغيره من قرى سويسرا، حيث بدل اسمه وأخذ يمارس الطب العام طيلة ثلاثين سنه بسكون وهدوء، بعد أن بدد ثروته الطائله، وخسر معها سمعته العلميه في باريس، على كل سيظل تاريخ الطب يحتفظ لمسمر بفضله في اكتشاف (التنويم المغناطيسي) وقد يكون مسمر أول من وضع هذه التسميه الخاطئه، والتي مازالت شائعه حتى وقتنا الحاضر، وقد أثبت الطبيب الأنكليزي (برايد) الذي جاء بعد (مسمر)، بما لايقبل الشك أن ماحصل عليه القس (لونوبل والطبيب مسمر) من نتائج، لم تكن نتيجة تأثير المغناطيس المعدني كما زعم لونوبل، أو المغناطيس الحيواني كما أدَعى (مسمر)، بل كان نتيجة لقوى تخيلات المرضى، هذا الإدراك [الذي] يسمى (بالنوم المغناطيسي) إن هو إلا نتيجه لتأثيرات نفسيه، كوّنت نقطة الانطلاق للطبيب (ليئوبولت) والأستاذ (بيرنهايم) في دراستهما العلميه (للتنويم المغناطيسي)، وهذان العالمان يعرفان في الأوساط الطبيه المختصه بأسم (المدرسه القديمه في نانسي = أسم مدينه فرنسيه)، ويؤكد هذان العالمان أن جميع تجارب التنويم المغناطيسي وتأثيراته الشافيه، تعود الى (قانون) كامل الوضوح والشفافيه، مازال ساري المفعول حتى وقتنا الحاضر، يسمى (القانون الأول للايحاء) مآله: أن كل فكره تكوّن قوه تسعى لإحداث تأثير في الجسم أو في النفس (الروح)، ومن (مدرسة نانسي القديمه) انبثقت الأساليب العلميه الحديثه للتداوي الأيحائي .
التنويم المغناطيسي
من المفروض أننا لانستعمل هذا التعبير الخاطئ، وأن نستبدله بتعبير آخر أقرب الى الحقيقه، كأن نسميه مثلاً: بالنوم الإيحائي لأنه في الواقع يحدث بفعل الإيحاء وليس فيه أثر لما كان يزعم من (المغناطيس الحيواني) الذي ليس له وجود، ولكن التسميه مازالت قائمه حتى اليوم، ولابد لنا من أستعمالها من قبيل المجاراة .

حقيقة التنويم المغناطيسي :

1. النوم المغناطيسي والنوم الطبيعي :
النوم المغناطيسي: هو حالة تبدل في الوعي (العقل الواعي)، وله شبَه كبير بالنوم الطبيعي، ويعتقد بعض العلماء أن النوم المغناطيسي إنْ هو إلا نوم عادي أيضاً، يجلب بصوره مصطنعه، ويدلَلون على صحة قولهم هذا بأن (الوعي) يكون (موصداَ) في كليهما مع الفارق الوحيد ببقاء الصله مع النائم نوماً مغناطيسياً (بين الطبيب والمريض المنوَم)، في حين أنه لا أثر لهذه الصله في النوم الطبيعي، ولكن نظرية التوحيد هذه بين النوم المغناطيسي والنوم الطبيعي يرفضها آخرون للأسباب التاليه :
أ‌- في النوم المغناطيسي يمكن التأثير على انفعالات النائم، وهذا غير ممكن في النوم الطبيعي الذي ينتهي حالاً الى اليقظه عندما يوجه أي حديث الى إنفعالاته .
 
ب‌- يمكن لمن يستيقظ من نوم طبيعي كامل أن ينوَم تنويماً مغناطيسياً عميقاً بعد أستيقاظه من النوم الطبيعي، في حين لايستطيع أن يعود ثانية الى النوم الطبيعي .
 ت‌- تكون العضلات في النوم الطبيعي مسترخيه، في حين انها قد تكون متوتره أو مسترخيه في النوم المغناطيسي .
ث‌- النوم الطبيعي يزيد من نشاط الجسم بعد اليقظه، في حين ان المستيقظ من النوم المغناطيسي يشعر بتعب وثقل في جسمه يستمر طويلاً أو قصيراَ إذا أهمل الطبيب إزالة تعب جسم المنوَم بواسطة الإيحاء قبل الإيقاظ، كما إن التعب والشعور بالثقل بعد الاستيقاظ من النوم المغناطيسي لايمكن إزالتهما بنوم طبيعي، ومما تقدم يتضح أنه من غير الجائز التوحيد بين النوم المغناطيسي والنوم الطبيعي .

2. النوم المغناطيسي والهستريا :
يريد بعض الباحثين أن يعرف النوم المغناطيسي بأنه نوع متحور من حالات الهستريا وذلك أستناداً الى الوقائع الآتيه :
 
أ‌- النوم المغناطيسي يشبه حالات الهستريا حيث إن المصاب بالهستريا فجأة يحس بالدوار (الدوخه) واختلال في الوعي، وهذا مايحدث في المرحله الأولى من النوم المغناطيسي والتي تدعى مرحلة الغسق وقد سميت كذلك لأن الوعي فيها يكون بين النوم واليقظه، كما أن الغسق واقع بين انقضاء النهار وبداية الليل، وهؤلاء المرضى يمكن نقلهم بسهوله أكثر من المعتاد الى النوم المغناطيسي سوى أكان ذلك في حالة اليقظه أو أثناء النوبه .
 
ب‌- الحالات الهيستيريه التي تظهر فيها تشنجات في العضلات، تظهر هذه التشنجات نفسها عند تنويمهم نوماً مغناطيسياً، فهذه الظواهر إذن مشتركه بين الهيستريا وبين النوم المغناطيسي .
ت‌- في بعض الحالات لاتختلف ظواهر النوم المغناطيسي بشئ عن الظواهر الهيستيريه الفجائيه .
 
ثم يتعرض آخرون ويؤكدون أنه ليس للنوم المغناطيسي أي علاقه بمرض الهستريا، حيث إن النوم المغناطيسي ليس ظاهره مرضيه بأي حال من الأحوال، بل هو ظاهره (فيزيولوجيه اصطناعيه) علاماتها المميزه الأساسيه ازدياد الاستعداد لتلقي الإيحاء وهو ما يوجد في حالة اليقظه أيضاً ولو بدرجه أخف .
 
لقد ايدت التجارب أنه ليس للنوم المغناطيسي علاقه بمرض الهستيريا، فكل إنسان يأخذ معه شخصيته الكامله (الأنا) الى النوم المغناطيسي، فلا غرابه أن يأخذ المريض في الهيستريا أعراضه الهيستيريه معه. وظهورها في النوم المغناطيسي أمر طبيعي ولذلك لايجوز اتخاذه دليلاً على وجود علاقه للنوم المغناطيسي بالهيستريا، ولهذا لايمكن التسليم بصحة الادعاء بأن النوم المغناطيسي نوع متحوّر من الهيستريا .
إذاً ماهو النوم المغناطيسي ؟
لانعرف سوى أنه حاله يكبت فيها وعي النائم (الأنا) مما يسبب تزايد قابليته (استعداده) لاستيعاب الإيحاء والتجاوب معه .

3. درجات النوم المغناطيسي :
للنوم المغناطيسي درجات متفاوته في العمق، تبدأ بالشعور بتعب عام مع الاحتفاظ بالذاكره تماماً وتمتد حتى نوم عميق تفقد فيه الذاكره، وتقسم درجات النوم المغناطيسي الى ثلاثة درجات كالآتي :
أ‌- مرحلة الإعياء (التعب) وفي هذه المرحله يشعر النائم بتعب في جسمه، وبحاجه إلى النوم ولكنه يستطيع أن يبقي عينيه مفتوحتين وإن كان يغمضهما عادة لشعوره بثقل في الأجفان وفي هذه الحاله يتوقف النائم عن الحركه.
 
ب‌- مرحلة (الغسق) أو العجز عن الحركه: وفيها يصعب على النائم فتح عينيه المغمضتين وتفقد إرادته (لدرجه كبيره أو صغيره) سلطتها على تحريك يديه أو رجليه، وفي بعض الأحيان يشعر النائم في هذه المرحله بدوار (دوخه)، وأما الوعي فهو موصد (بين بين) وفيه يشعر النائم أنه على وشك أن يقع في سبات أو نوم عميق .
 
ت‌- مرحلة السبات (النوم) العميق: وفيها يصل النائم الى أعمق درجات النوم ويفقد فيها الذاكره كما يفقد الوعي فقداناً تاماً .

تأثيرات النوم المغناطيسي
ماهي تأثيرات النوم المغناطيسي؟ للإجابه على هذا السؤال لا بد من إلقاء نظره عميقه على أصالة ظواهر النوم المغناطيسي على أن ننطلق في ذلك من صورها في مرحلة السبات، وسنذكر في ما بعد ما يمكن أن يحدث في هذه الصور من انحرافات في الحالات الشاذه من النوم المغناطيسي .

1. الحركه في العضلات :
يمكن التأثير على حركة عضلات النائم نوماً مغناطيسياً بثلاث اتجاهات كالآتي :
 أ‌- يمكن بالنوم المغناطيسي إثارة كل حركه إراديه، كما يمكن إيقافها أيضاً. كذلك يمكن إحداث ارتجافات وارتخاء، أو تشنج عضلي عند النائم، ومن التجارب المعروفه في هذا الصدد (تجربة الجسر)، وفيها يحدث الطبيب الذي يجري التجربه تشنجاً عاماً في عضلات جسم النائم فيصبح صلباً كقطعة خشبيه، فيرفع الجسم المتصلب ليضعه كجسر فوق كرسيين بحيث يستند الرأس فوق أحدهما والقدمان فوق ثانيهما، ويظل الجسم في الفراغ بين الكرسيين يتحمل الأثقال إذا ماوضعت فوقه دون أن ينثني تحت ثقلها، حتى ولو فاقت طاقة تحمله في حالة اليقظه، والتشنج الذي يحدث في إحدى العضلات أثناء النوم المغناطيسي صلب جداً، حتى يصعب التغلب عليه بالقوه، وهذا التشنج يمكن إحداثه في عضله واحده أو مجموعه كبيرة، أو صغيرة من العضلات في جانب واحد، أو في الجانبين معاً، تبعاً لما يأمر به الإيحاء المقدم للنائم، ويلاحظ في تعميم التشنج على بضع عضلات معاً أن تكون هذه مشتركه في أعمالها العاديه وليس بينها أي تناقض: وإلا فليس من الممكن مثلاً أن يحدث التشنج في آن واحد في العضلات الباسطه والعضلات القابضه لليد، فالإيحاء يجب أن لا يتعارض مع العمل الفيزيولوجي المعتاد. بعد إزالة التشنجات وإيقاظ النائم يظل هذا يشعر بالآلام أو بارتجاف في العضلات التي شملها التشنج إذا لم تزل هذه الأعراض بالإيحاء قبل الإيقاظ .
 
ب‌- ومن ظواهر النوم المغناطيسي ضمن حركات العضلات، ظاهره تسمى (الدولاب الأوتوماتيكي) وفيها يعطى للنائم إيحاء بأن ساعديه سيدوران حول بعضهما كحركة دولاب، وتظل هذه الحركه الدولابيه مستمره الى أن توقف بإيحاء معاكس، وفي بعض الحالات يعي النائم بأنه يقوم بأداء هذه الحركه قسراً دون أن يستطيع ايقافها، ويمكن تغير اتجاه (حركة الدولاب) وعكسها بالإيحاء أيضاً، كما يمكن استبدالها بحركات اكثر صعوبه كالرقص والضحك والتثاؤب والغناء وما إلى ذلك .
 
ت‌- الى جانب ما سبق ذكره يمكن أيضاً بالإيحاء للنائم نوماً مغناطيسياً شل حركة العضلات عنده، إما بإرخاء العضل، أو بتشنجه وفقاً للإيحاء ومن التجارب المألوفه في هذا الصدد إبقاء الفم أو العين مفتوحه فلا يمكن للنائم أن يغلقهما إلا بالإيحاء، أو عدم تمكنه من فتح المغلق من العينين إلا بإيحاء أيضاً .

2. الأحساس (الحواس الخمس)
 
شأنها في النوم المغناطيسي شأن الحركه في العضلات، إذ يمكن بالإيحاء تقويتها كما يمكن إضعافها وإزالتها، وهكذا يمكن التأثير وفقاً للإيحاء على الإحساس بالألم والحراره واللمس (زيادتها أو تخفيضها أو إزالتها).
 
ويمكن في النوم المغناطيسي أيضاً التأثير إلى حد بعيد على حاستي الشم والذوق كما يمكن إبطال حاسة السمع بالإيحاء، عند ذلك لا تسمع الأذن حتى أعلى الأصوات، وبالإيحاء يمكن أيضاً إحداث العمى الكلي أو العمى لبعض الألوان ولايزال هذا العمى إلا بالإيحاء المعاكس .

3. الأدراك والتخيل
بينما نرى أن مضمون الإيحاء في مجال حاستي الشم والذوق يتحقق بسهوله، نجد أنه من الصعب تحقيق بعض الظواهر في مجال حاسة البصر، كرؤية أشخاص وصور مجسمه لاوجود لها، ولكن يمكن عند بعض النائمين (خداع الحواس كلها) حتى مع إبقاء العينين مفتوحتين وذلك بصوره إيجابيه أو سلبيه، أي بأن تحس الحاسه بأشياء لاوجود لها (خداع إيجابي)، أو أنها لاتحس بأشياء موجوده فعلاً (خداع حواس سلبي) كأن لاترى العين مثلاً شخصاً معيناً بين أشخاص عديدين واقفين أمامها، أو إنها لا ترى قطعه معينه من أثاث الغرفه وما شبه ذلك.

4. الجهاز العصبي السمبثاوي والباراسمبثاوي
يمكن في النوم المغناطيسي التأثير ايضاً على أعمال الجهاز العصبي الحيوي، كإبطاء نبضات القلب وحركة التنفس، أو زيادة سرعتهما، كما يمكن إحداث تبدلات في حرارة الجسم، وكذلك في افرازات العرق والعصاره المعديه والسعال والقيء والعطاس والتثاؤب والطمث (الحيض) والوظائف الجنسيه واستحالة الغذاء (التغير الغذائي في الخلايا) وسعة الحدقه والتبول وأفراغ البراز، فكل هذه من أعمال الجهاز العصبي السمبثاوي والباراسمبثاوي والذي لايمكن للإراده أن تؤثر عليه لأنه يعمل بصوره (أوتوماتيكيه) بعيداً عن مجال سلطة الإراده .

5. العواطف
يمكن في النوم المغناطيسي تبديل (مزاج) النائم فوراً وبدون إبطاء، بالإيحاء يمكن أحداث جميع الأنفعالات العاطفيه كالسرور والغضب والبغض والأحتقار .
 
كل هذه الأنفعالات يمكن إحداثها وظهور انطباعاتها على الوجه وفقاً لمضمون الإيحاء، فإذا ما أُوحيَ للنائم مثلاً أن أحد الأعزاء عليه قد مات فبالحال يظهر الحزن على أسارير وجهه، وتغرورق عيناه بالدموع وبإيحاء معاكس تزول هذه الظواهر وتحل مكانها ظواهر السرور والانشراح، وإذا ما أوحي للنائم مثلاً أنه يشاهد تمثيليه هزليه ويسمع نكته ظريفه باشر فوراً بالقهقهه والضحك .

6. الذاكره
تصاب الذاكره بعد الإيقاظ من النوم المغناطيسي بثغرات وفجوات، فالنائم بعد إيقاظه من سباته لا يتذكر ماجرى أثناء النوم إلا بصعوبه وبأشكال متقطعه وصور ناقصة، وبالإيحاء يمكن أن يفقد الذاكره لكل ماجرى أثناء النوم فقداناً كلياً حتى لايستطيع أن يتذكر منه شيئاً، وقد يستطيع مع مرور الوقت أن يتذكر بعض ماجرى أثناء النوم المغناطيسي إذا لم يكن قد تلقى قبل إيقاظه إيحاءً بنسيانه بعد اليقظه، وفي هذه الحالات لايمكن أن يتذكر شيئاً مما جرى إلا بتنويمه مره ثانيه وإعادة الذكرى اليه بالإيحاء .
 
ومن توارد الخواطر أن نسأل هنا عما إذا كان من الممكن تقوية الذاكره بواسطة التنويم المغناطيسي ما دام بالإمكان إضعافها بل وإسكاتها أيضاً؟ إن بعض العلماء يجيبون على هذا السؤال بالإيجاب، وبعضهم الآخر بالنفي .

7. الرأي (الوصول الى قرار)
هل تبقى للنائم نوماً مغناطيسياً قوةُ الرأي أم إنه يفقدها؟ لقد اختلف العلماء في أجوبتهم على هذا السؤال، بعضهم يعتقد أن النائم مغناطيسياً يميل أثناء النوم الى الكذب وإلى إخفاء بعض الحقائق في ذاكرته، وبعضهم الآخر لايوافق على هذا الأدعاء. الاعتقاد الغالب في هذا المجال هو أن النائم لا يميل إلى الكذب أو إخفاء الحقيقه، شرط أن يُترك النائم وشأنه فلا يُطلب منه (بالإيحاء) الكذب أو إخفاء الحقائق .

8. الظواهر بعد الاستيقاظ من النوم المغناطيسي
كل ظاهره نفسيه أحدثت في أثناء النوم المغناطيسي يستمر مفعولها داخل اليقظه بعد انتهاء النوم، وعلى أساس هذه الحقيقه أُسست المعالجه بالتنويم المغناطيسي، ففي النوم يعطي الطبيب للنائم إيحائات شفائيه يتحقق مضمونها في اليقظه بعد النوم، ويستطيع الطبيب الموحي أن يُوقت تحقيق الإيحاء بأن يجعله فور الاستيقاظ مباشرة، أو بعد ذلك بساعات أو أيام أو أسابيع أو أشهر، ويسمى الإيحاء في الحالات الأخيره بالإيحاء المؤجل التنفيذ .

كيف تكون حالة المريض عند تنفيذ مضمون الإيحاء؟
بعضهم يعي إلى حد بأنه يقوم بإجراءات أوحي بها اليه أثناء النوم المغناطيسي فإذا ماسُئلوا مثلاً (لماذا تعملون هذا أو كذا وكذا) أجابوا على الفور (لأننا أمرنا به) .
 البعض الآخر لايعي مطلقاً أنه ينفذ أمر الإيحاء ويجيب عند سؤاله عن أسباب قيامه بهذه الأعمال بأجوبه يدلي فيها بمبررات مبتكره ومنطقيه بقدر الإمكان ... أحد الأشخاص الذين أوحي اليهم أثناء النوم المغناطيسي بأن يبكي بعد اليقظه مباشرة وبكى فعلاً، ولما سئل عن أسباب بكائه أجاب تذكرت حادثة قنبلة هيروشيما التي أفنت مدينه كبيره بسكانها.

9. الصله (وتعني علاقة النائم نوماً مغناطيسياً بالمحيط حوله)
دلت التجارب على أن النائم نوماً مغناطيسياً عميقاً يفقد صلته بمحيطه، ما عدا صلته مع الطبيب (المنوَم) فهو لا يتلقى الإيحاءات إلا منه وحده وكل تدخل من أي شخص آخر لايكون له أي تأثير على النائم، فالصله أثناء النوم المغناطيسي (صله معزوله) إذا صح لنا أن نستعمل هذا التعبير، ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن النائم يصبح كاللعبه في يد الطبيب يحركها كيفما يشاء وكما تُظهره بعض الأفلام السينمائيه أو القصص الروائيه .

10. شواذات في التنويم المغناطيسي
من خصائص النوم المغناطيسي الطبيعي عدم حدوث ظواهر مفاجئه أثناءه ثم ازدياد الاستعداد لاستيعاب الإيحاء وتقبله والاستيقاظ السريع بعد انقضائه مع انعدام كل شعور بالتعب أو الانزعاج بعد الاستيقاظ ولكن هناك حالات شاذه من النوم المغناطيسي تحدث فيها مضاعفات نجملها بالآتي :
أ‌- بعض النائمين لا يستجيبون للإيحاء، بل يقاومونه، وقد يعملون بعكسه/ كما قد تبدو منهم بوادر غير معهوده في النوم المغناطيسي، كمهاجمة الطبيب المنوَم مثلاً، أو التعدي عليه بالضرب، أو إنهم يبدلون أوضاعهم بالتقلب من جنب الى جنب، أو بالوقوف والتمشي في الغرفه دون إيحاء لهذا كله، وبعضهم يتحدث بصوت عال عن أحداث تشغل ذهنه، أو يخاطب أشخاصاً لا وجود لهم إلا في مخيلته، والبعض الآخر يرفض الاستيقاظ من نومه، وكل هؤلاء يشعرون بعد الاستيقاظ من النوم المغناطيسي بتعب وانحطاط في الجسم وبدوار أو دوخه .
 
ب‌- بعض النائمين تظهر على أجسامهم انتفاضات ويتحركون أثناء النوم باستمرار كما يرفضون الاستجابه للإيحاء، ويتخيلون صوراً وأحداثاً تشغل أنفسهم، ويصعب أحياناً إيقاظهم من النوم المغناطيسي ويستيقظون منه بعد مده طويله .
 
ت‌- يظهر عند بعض الأشخاص أعراض هيستيريه عوضاً عن النوم المرتقب ويزداد القلب عندهم خفقاناً فيبكون ويرتجفون ويشعرون بالخوف، وبالرغم من هذا كله يظل عندهم قدر من الاستجابه للإيحاء، إلا في الحالات الشديده إذ تنعدم فيها قابلية الاستجابه له. فهؤلاء يصرخون وينتفضون ويبكون بتشنج، وتستمر هذه الحاله عندهم مده غير قصيره، ولايتذكرون شيئاً بعد الأستيقاظ، ويشعرون بعده بانحطاط عام في أجسامهم .
 
ث‌- يتهيج بعض النائمين فجأةً أثناء النوم المغناطيسي وقد يستمر تهيجهم هذا لمده طويله، وكثيراً ما يعود ذلك لتحسسهم بأحداث سابقه مرت في حياتهم، ولكن حالة التهيج هذه تزول تدريجياً وتلقائياً، ولا يفقد المريض الاستجابه إلى الإيحاء حتى أثناء نوبة التهيج، وبعد الإيقاظ يشعر هؤلاء بانحطاط في الجسم وبصداع ودوار أو دوخه .

التنويم المغناطيسي الجنائي
يزعم الكثيرون من الناس، أو بتعبير أصح يزعم خصوم التنويم المغناطيسي أنه يمكن استعماله لأغراض جنائيه كما يستعمل لأغراض طبيه، وبعض الأفلام السينمائيه تمثل كيف ترتكب جنايات في التنويم المغناطيسي، كاغتصاب فتاة أو امرأة، أو كحمل النائم على ارتكاب جناية قتل أو سرقه، أو ما إلى ذلك من الأعمال الجنائيه، والواقع أن هذه المزاعم كلها باطله كل البطلان، إذ لا يمكن في التنويم المغناطيسي حمل النائم على ارتكاب جريمه إذا لم يكن مجرماً بطبيعته، فالمرأه التي تستسلم للاغتصاب في النوم المغناطيسي تكون بطبيعتها مستعده للاستسلام بدونه أيضاً، وهكذا القاتل والسارق، وكل إيحاء في النوم المغناطيسي يتعارض مع طبيعة النائم لا يبقى بدون استجابه فحسب بل إنه قد يؤدي الى استيقاظ النائم حالاً وزوال الصله بينه وبين الموحي.




ليست هناك تعليقات: