الجمعة، 18 مايو 2018

الأنا والآخر وإمكان العيش المشترك؛ موسى وهبه.



الأنا والآخر وإمكان العيش المشترك

موسى وهبه.

(عن صفحة الدكتور جمال نعيم)

إذا كان صحيحاً أن العلاقة القائمة بين الأنا والآخر، أو بين الهو هو وغيره، تحتل، بما تثير من أسئلة، حيّزاً في السجال الثقافي المعصر، وإذا كان صحيحاً أنه يمكن قراءة الحركة، (الحركات) الفكرية العربية المعاصرة بوصفها أجوبة مختلفة عن أسئلة واقعية تابعة لتصور العلاقة بين النحن والهم، وإذا كان صحيحاً أن معنى لبنان هو العيش المشترك بين جماعات روحية مختلفة في مساحة واحدة، وأن هذا المعنى يبدو فريداً في عالم اليوم الذي هو، في معنى من المعاني، عالم الفتن المعممة بين المختلف والمختلف عنه، فكيف يمكن تصور العلاقة بين الأنا والآخر استناداً إلى تجربة العيش المشترك في لبنان، وكيف يمكن تمتين إرادة العيش المشترك في ضوء تصورنا لعلاقة الأنا والآخر؛ فلا يظل هذا العيش المشترك مجرد حالة عابرة، وظرفاً تاريخياً لا يتكرر؟؟
وببعض تفصيل: هل يستند العيش المشترك إلى مجرد إرادة خارجية مستندة هي الأخرى إلى استراتيجيات إقليمية ودولية؟ وعلى افتراض أن لبنان المعنى ولد بفعل المصادفة، هل يمكن المصادفة أن تتحول واقعة ذات مستقبل؟
أم يكون العيش المشترك نابعاً من طبيعة لبنان وجوهره؟ وهما طبيعة وجوهر سابقان على وقائع التاريخ المعاصر، ومتصلان بوضعه الجغرافي وموقعه، أو عرقه (أعراقه). وإن لا هل يمكن نقد «الجوهر» اللبناني من دون نقد الجوهر بعامة؟
وهلي يصح القول، وضمن أية حدود، أن العيش المشترك نابع من إرادة اللبنانيين أنفسهم؟ وعلى افتراض أن إرادة العيش المشترك تستردف، من دون أن تلغي، الميل إلى الاقتتال والانقسام، ألا يصبح تغليب التعايش على الاقتتال والاتحاد على الانقسام المهمة الرئيسية لإرادة العيش المشترك؟
وهل يمكن تمتين هذه الإرادة من دون توضيح تصورها لعلاقة الذات بالغير والأنا بالآخر؟
وبالفعل، من هو الآخر بالنسبة إلى الأنا؟ هل هو الحليف المحتمل، أم العدو المرتقب، أم الغريب المُجتنب؟ وما النحن بالنظر إلى الأنا والغير؟ هل تكون مجرد تراكم للمتشابه، وتكرار للذات الواحدة، أم هي تحمل الاختلاف بوصفه عنصر قوة وغنى؟
وما طبيعة العلاقة بين النحن والغير؟ هل هي بالضرورة علاقة تنابذ متبادل، وهل العلاقة الوحيدة المحتملة بين مختلفين هي الحرب المتّصلة والصراع حتى الاسترداف والغلبة؟ أم تراها علاقة تكامل وتدامج في وحدة تعلو على القسمة؟ وأين تقع هذه الوحدة؟ في الوطن والاجتماع، أم في ما وراء الطبيعة؟ وبتعابير أكثر واقعية: إذا كانت تجربة العيش المشترك عرضة للاهتزاز، هل يكون تمكينها بإلغاء التمايز والاختلاف، وصولاً إلى التشابه والتماثل بسيرورة متدرجة، نحو العلمانية مثلاً؟ أم يفهم التمايز والاختلاف وقبوله كمعطى نهائي وغنى معنوي؟ لكن هل يضمر هذا القبول رهاناً على التغيّر الذات من جرّاء التجربة الطويل؟ هل يفترض العيش المشترك المتمكن، مسيحية مختلفة، وإسلاماً مختلفاً، عما عرف حتى الآن؟
وفي المطلق، هل يمكن المختلفين أن يتعايشا في مساحة واحدة، من دون غلبة الواحد على الآخر وهيمنته؟ وعلى افتراض أن الغلبة ستكون للدولة على المجتمع (على تناقضات المجتمع)، فمن أين تُستنْبت الدولة؟
وإذا افترضنا توازناً في التعايش أو مداورة في الغلبة، هل يكفي مجرد التنافس السلمي لإعطاء معنى لبنان زخم الحياة. هل يكفي ذلك لإذكاء الروح الوطنية، على سبيل المثال؟ أم يكون التنافس السلمي المتوازن مجرد حلّ عقلاني جامد وبارد لا يصلح إلا لترحيل المشكلات، ولا يناسب إلا في نهاية التاريخ؟
هل يمكن التفكير بعلاقة أخرى غير التكامل والإدماج؟ غير الإلغاء التدريج للفروق، والاسترداف الواقعي؟ علاقة بين مختلفين تقوم على احترام متبادل لغيريّة الغير. تقوم على احترام أصالة اختلاف المختلف عن الهو هو. علاقة تُبقي، وتصرّ على إبقاء المسافة بين المختلفين، وتلك المسافة التي هي بالضبط مسافة الحرية اللازمة للأنا والآخر معاً.
مسافة الحرية هذه ألا تعني أصلاً احترام الواحد لحدود الآخر، واحترام الجماعية المجتمعة لحدود الفرد المفرد؟ ألا تعني أيضاً واصلاً الخروج من زمن الدعوة والتبشير المتبادلين للدخول في زمن آخر؟
أليست مسافة الحرية هذه هي ما يجعل الحوار ممكناً أصلاً؟ والحوار، ما الحوار أصلاً؟ أليس حواراً لا من أجل أن تتوحد القناعات بل، من أجل أن يكون التواصل ممكناً، وأن يكون التخاطب نفسه ممكناً؟
من أجل تدارك الخطر على الحرية، من أجل تفادي أوان البربرية في الوقت المناسب، من أجل أن، على السياسة، تتقدم الأخلاق...


د. موسى وهبه

 

ليست هناك تعليقات: