الجمعة، 21 أكتوبر 2016

فراس السواح.. من أجل تحرير العقل.


فراس السوّاح يكتب .. من أجل تحرير العقل.
كان هذا هو دافع مبدعِ (مغامرة العقل الأولى) ليكتب وليكون بذلك من أول المغامرين المشرقيين الذين أبحروا في غياهب منتجات العقل الإنساني في مجالات الحكمة والدين والميثولوجيا وليحفز بكتاباته تلك عقول كل من رافقه في رحلاته الروحية و المعرفية الممتعة في تاريخ الدين والاسطورة والآثار للبحث عن إجابات للأسئلة المفتوحة التي لم تتوقف أبحاثه الحرة عن طرحها ((كما هو شأني في مؤلَّفاتي كلِّها، لا جواب! فأنا أكتفي إذا أفلحت في تحريض العقل على التفكير))
أما عن دافع فراس السواح الشخصي للانطلاق في هذه الرحلات فيقول :
- كان الله هاجسي منذ الطفولة ، عندما اختبرت وجوده في أعماق نفسي ، ولكن عقلي لم يجده. ولذلك فقد رفضت العقائد الجاهزة التي تقدمها الثقافة التي أنتمي إليها ، ورحتُ أبحث عن الله وتجلياته في ثقافات العالم الأخرى. وليست مؤلفاتي سوى مذكراتْ تصف هذه الرحلة في تاريخ أديان الإنسان.
ما عنَّى السوّاح في أبحاثه هو طغيان الفكر الغيبيّ على العقل العربي لكنه في المقابل، عوّل على المنهج العلمي في تقليص هيمنة سلطة هذه الأفكار، من خلال استنطاق النصوص القديمة المبعثرة بمنهجية صارمة قد تضع العالم العربي على عتبة أخرى في التفكير لذلك سعى إلى هدم «سلطة النص» وتحريره من قدسيته التاريخية: (( أقرأ هذه النصوص بوصفها متناً أدبياً، متجاوزاً طغيانها المقدّس من خلال تفكيكها وإعادة تركيبها، ووضعها في مقامٍ آخر)) لهذا لم يقف السوّاح عند باب اليقين مرّة واحدة في رحلة تشوبها الريبة من الإيديولوجيات الجاهزة إذ كان يصف الظاهرة من دون الحكم عليها، على عكس ما تتكفل به الدراسات التي تنتمي إلى نقد الفكر الديني. ذلك أن الأساطير، حسبما يقول : ((هي حكايات مقدّسة، أبطالها من الآلهة، وتالياً فهي المنبت الأول للنصّ الديني))
كتاباته:
بدأ فارس السواح رحلته الشيقة مع (مغامرة العقل الأولى 1978) إذ أبحر لجمع النصوص الكاملة لأهم الأساطير المعروفة في سوريا القديمة و بلاد الرافدين و قدمها للقارئ بشكل فني رائع دون تدخل أو تعديل ، و قارن نصوص هذه الأساطير مع كتاب التوراة العبرانية ، و أظهر مدى اعتماد الثقافة اليهودية على الثقافة السورية و البابلية في صياغته , و تتبع علاقة الأساطير السورية و البابلية بأساطير الشعوب المجاورة كالمصريين و الإغريق.
ثم عاد في عام 1985ليتابع رحلته مع ( لغز عشتار, الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة ) فسافر بنا عبر التاريخ الإنساني بغاية تقديم بحث واف عن شخصية الآلهة الأم الكبرى "عشتار" وأغنانا بما توصل إليه من وحدة التجربة الروحية للإنسان عبر الزمان واختلاف المكان.
وفي عام 1987 غاص السواح بحثاً عن الكنوز الخفية في كتابه (كنوز الأعماق. قراءة في ملحمة جلجامش ) فقام بترجمة نص الملحمة البابلية الشهيرة، و قدم لنا مدخلاً واسعاً لفهم خلفيات الملحمة الادبية والاسطورية والتاريخية، ثم أتبع النص بدراسة تحليلية شيقة ألقت أضواءً على المعاني الخفية للملحمة ومقاصدها، وآثار هذه الملحمة في ثقافات العالم القديم.
و في محطةٍ سجاليةٍ شيقة ناقش فراس السواح في كتابه (الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم 1989) أفكار المؤرخ الدكتور كمال الصليبي في كتابه المثير للجدل (التوراة جاءت من جزيرة العرب) وعبر عن خلافه الرئيسي معه حول تحديد موقع ومسرح الأحداث التوراتية من جهة، و مدى مصداقية الحدث التوراتي برمته من جهة ثانية.
وقادنا في عام 1994 من خلال كتابه ( دين الإنسان ) للبحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني و سعى إلى وصف الظاهرة الدينية بدقة بهدف التعرف على حقيقتها ، وعزلها عن بقية ظواهر الثقافة الإنسانية المتعددة.
ثم انطلق فراس السواح بكتابه ( آرام دمشق وإسرائيل. في التاريخ والتاريخ التوراتي 1995) في محاولة جادة لاكتشاف صورة إسرائيل في التوراة وفي التاريخ والبحث عن التقاطعات الممكنة بينهما، من أجل معرفة حقيقة ما جرى في فلسطين منذ حوالي عام 1200 ق.م.
أما في (الأسطورة والمعنى 1997) فقد قدم لنا دراسات شيقة في الميثولوجيا والديانات المشرقية وركز على وظيفة الأسطورة ودورها في حياة الفرد والجماعة و صلتها بالدين والمعتقدات الدينية وعلاقتها بالطقس والتاريخ.
وعاد في 1998 ليغني مكتبتنا العربية بترجمته لكتاب (التاو وإنجيل الحكمة التاوية في الصين ) الذي ألَّفه الحكيم الصيني لاو- تسو الذي عاش في الألف الرابع قبل الميلاد .
و في كتابه (الرحمن والشيطان الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية 2000) أخذنا فراس السواح في الرحلة الأخطر والأكثر حساسية في الفكر الديني و هي مسالة وجود الشر في العالم وفي النفس الإنسانية ومراحل ظهور الشيطان في الفكر الديني الذي تَرافَق مع اتصال الأخلاق بالدين ، والكيفية التي عولجت بها هذه المسألة من قبل معتقدات التوحيد التي يجمع وجهُ الإله الواحد فيها كلَّ الفضائل وهو الخير المحض فكان لا بدَّ من تفسيرٍ لوجود الشرِّ في العالم من خلال تركيزها على مفهوم جديد في الفكر الديني هو مفهوم "الشيطان الكوني " .
في العام 2004 حقق السواح من خلال (موسوعة تاريخ الأديان تتألف من خمسة أجزاء ) حلمٍاً طالما راوَدَه عن موسوعة عربية في تاريخ الدين وأديان الثقافات الإنسانية المتعاقبة، تتوجَّه إلى أوسع شريحة ممكنة، تبدأ من القارئ غير المتخصِّص انتهاءً بأساتذة الدراسات العليا , وحاول من خلال أن يضبط إيقاع معارفنا الضئيلة في علم الأديان المقارن بانتقائه أفضل الأبحاث وعرضها بتراتبية اشتغالها على العصور.
وفي رحلة أدبية ممتعة قدم لنا في كتابه (مدخل إلى نصوص الشرق القديم 2006 ) أهم النصوص الأدبية لثقافات الشرق القديم، من أساطير وملاحم وحكم وأمثال وتراتيل وصلوات.
خاض فراس السواح تحدياً مختلفاً في عام 2007 من خلال (الوجه الآخر للمسيح مدخل إلى الغنوصية المسيحية ) فرسم في كتابه صورةً أخرى للمسيح بعيدة كل البعد عن صورته التقليدية المرتبطة روحياً بالتركة التوراتية فهو المسيح الجليلي الكنعاني الذي نادى برسالة إنسانية شمولية، جاءت منذ البداية في استقلال تام عن اليهودية وعن الوثنية التقليدية للمنطقة كما بحث أيضاً في المسيحية الغنوصية، التي أسست لكنيسة واسعة الانتشار طرحت نفسها بديلاً عن كنيسة روما، وأحدثت قطيعة تامة مع التاريخ الديني اليهودي، وطابقت بين إله اليهود والشيطان.
أما في كتابه (إخوان الصفاء، مدخل إلى الغنوصية الإسلامية 2009) كان السواح أول باحث عربي تنبه إلى المعنى الذي تذهب إليه رسائل اخوان الصفا، فقام بدراستها وتحليلها للبحث في مذهبهم القائم على التوفيق بين الأديان والابتعاد عن التعصب الذي اعتبروه "آفة العقول يعميها عن رؤية الحقائق" ليجد بأنهم كالغنوصيين يقولون بأن موت الجسد هو ولادة الروح، ويشبهون ملاك الموت بقابلة الأرواح لأنه يستولد النفس (الروح) من الجسد كما تستولد القابلة الجنين من الرحم.
في عمل مختلف ٍعلى غاية من الاهمية قارب فراس السواح بين أهم نصين دينيين في العالم (الإنجيل برواية القرآن 2011 ) حيث ناقش الكتاب القضايا الخلافية بين الإنجيل والقرآن، بموضوعية بعيدة عن الانغلاق والتعصب ليعرض ما يؤمن به المسيحيون والمسلمون فيما يخص ( المسيح / عيسى ) ويسلط الضوء على القواسم المشتركة بينهما ليظهر بأنها أكثر بكثير مما يتوقعه الطرفان.
أما في (ألغاز الإنجيل 2012) ناقش السواح السمة الإشكالية التي تجمع الإنجيل مع بقية الكتب المقدسة للديانات الكبرى ، الناتجة عن كونهِ نصٌ قديم تفصلنا عنه عشرات القرون، و نتاج ثقافة مغايرة لعقليتنا الحديثة، وطرائق في التعبير لم تكن قد استقلت بعد عبر التركة الميثولوجية للعصور القديمة، كما أن الكتب المقدسة وصلت إلينا مدونة بلغات قديمة أو حتى بائدة في بعض الأحيان، وهذا يعني أننا نقرأ ترجمات قد لا تكون بدورها نقلاً عن نصوص أصلية، ونتعامل مع مفردات لغوية قد لا نكون في كثير من الأحيان متأكدين من مدلولاتها، كما أن مؤلفو هذه النصوص غالباً ما كانوا ينتجونها تحت وطأة حالة من الإلهام النابع من اللاشعور الفردي أو الجمعي يشعرون معها بالتواصل مع العوالم القدسية.
تابع السواح في دراسته (القصص القرآني ومتوازياته التوراتية )ما بدأه في كتابه السابق الإنجيل برواية القرآن ولم ينطلق في دراسته من موقف مسبق من مسألة التشابه بين القصص القرآني و القصص التوراتي, وإنما من موقف باحث يعتمد منهج علم الأديان المقارن.
حياته :
ولد عام 1941 م في مدينة حمص / سوريا وفيها درس ونال الشهادة الثانوية
انتقل بعدها للدراسة في دمشق ونال شهادة البكالوريوس في الاقتصاد عام 1965 م من جامعة دمشق
استهوته الميثولوجيا وتاريخ الأديان باكرا فكتب في الصحف والمجلات منذ عام 1958م
نشر ابحاثه الاولى في مجلة الآداب اللبنانية عام 1960م
عمل في مركز تطوير الادارة التابع لمنظمة العمل الدولية في دمشق بين عامي 1969- 1978م
عمل في شركة نفط في ابو ظبي بين عامي 1979-1986م
تفرغ لدراسة التاريخ والميثولوجيا وتاريخ الأديان بشكل مستقل
ساهم بكتابين باللغة الإنكليزية صدرا في بريطانيا اولهما
اورشليم بين التوراة والتاريخ حرره الباحث الامريكي في جامعة كوبنهاكن توماس تامسون
جدليات تاريخ إسرائيل القديمة وبناء الدولة في فسطين حرره الباحث الإنكليزي ويبكن
يعمل حاليا في تاريخ اديان الشرق الأوسط بجامعة بكين للدراسات الاجنبية
كرمه الحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي السوري و الجمعية التاريخية السورية وامانة عمان
وهو حاليا في طور تأليف كتابين (حفريات في التوراة) (عبادة الأحجار عند الساميين و اصل حجر مكة)
اضافة إلى فكرة مشروع كتابين (تاريخ فكرة الله) (احاجي القرآن)
من أقواله :
-في هذه الفترة القاتمة من زمن الإنسان آن يبدو الشيطانُ وقد أمسك بزمام العالم، وآن ينمو الشر مثل الفطر في كل تربةٍ وأرض، نحن أحوَجَ ما نكون إلى تقصّي طبيعة الشر على كل مستوى. ولعل الابتداء بالرمزية الدينية (وهي اختصاصي
على كل حال) تكون فاتحةً لمثل هذا التقصي الضروري في أعماق النفس وفي الآفاق. علّنا نمسك ببعض الخيوط التي تتحكم بمستقبلٍ مجهول، الذي تلوح لنا سنواته القريبة المقبلة وكأنها تلفُّ فوق هاوية الجحيم.
-يجب على الإنسان أن يكون قادرًا على التفكير في كلِّ شيء، مستعدًا دائمًا للتفكير. أنا مستعدٌ لأن أخوض غمار كلِّ شيء. ليس لديَّ خوف. ويشجِّعني على ذلك أنني لم أعتنق إيديولوجيا يومًا في حياتي. الإيديولوجيا، سواء كانت إيديولوجيا دينية أم إيديولوجيا سياسية، تكبِّل العقل، تكبِّل الروح، تكبِّل الإنسان، تمنع الإنسان....
-وجدتَ أن الإنسان، منذ أن وُجِدَ، أفلح في اختراع أمرين اثنين لا ثالث لهما: الدين والأدوات ....(كتاب دين الإنسان)
-إن الديانات السماوية الباقية الآن هي نتاج لإبانة القدرة الإلهية عن مقاصدها. ولكن، هل نَسِمُ بالزيف كلَّ تجربة دينية لثقافة كَدَحَتْ للتعرف على مقاصد القدرة الإلهية دون عونٍ من وحي؟ إن أكثر الملتزمين بحرفية النصوص المقدسة لا يقدر على الإجابة بنعمٍ مطمئنةٍ عن هذا السؤال .."
-فإن أردتُ أن أحلِّل الدين إلى مكوِّناته الرئيسية لقلتُ إنه يتكون من معتقد، ومن أسطورة، ومن طقس. فإذا غاب أحد هذه العناصر الثلاثة صرنا في شك: هل هذه الظاهرة التي ندرسها هي دين أم لا؟..
-لكلِّ دين أساطيرُه. الدين يفرز الأسطورة، والأسطورة تساعد الدين وتسنده بأن تزوِّده بظلال وتعطيه حيوية، ترسم شخصيات الآلهة، ترسم سيرة حياتهم : متى ولد هذا الإله، وكيف عاش، وما علاقته ببقية الآلهة.
-الاسطورة المقدسة هي سيرة ذاتية للآلهة وللكون وللإنسانية أيضًا.
- لكلِّ رسالة من الرسالات السماوية خصوصيتُها؛ ولكنها، كظاهرة ثقافية، لا يمكن لها إلا أن تتأثر بما سَبَقَها حتى في حال افترضْنا وآمننا بأن هناك وحيًا سماويًّا.
-كلُّ رسالة دينية تبدأ رسالة روحية، شاملة، محرِّرة؛ ثم تدريجيًّا تتقوقع عندما يسيطر عليها الفقهاءُ والمشرِّعون.
-أن إيمان القلب دون تصديق العقل يبقى إيماناً هشاً وناقصاً. فالإنسان مزيج متكافئ من قلب ومن عقل، والحياة السوية تتأتى عندما لا يبغي أحدهما على الآخر.
- الفلسفة هي حكمة شخص بعينه، أما الدين فهو حكمة شعب بأكمله .
-المؤمن ليس إنسانا قد اضاف إلى معارفه مجموعة من الأفكار الجديدة ,بل هو إنسان يسلك ويعمل بتوجيه من هذه الأفكار.
-إن الشيطان هو رمز لحرية الإنسان. لولا الشيطان لما كان الإنسان حرًّا. عندما خُلِقَ الإنسانُ أُعطِيَ الحرية. إن ما يميِّز الكائن الإنساني عن بقية أشكال الحياة على الأرض، وعن بقية الموجودات في الكون، هو الحرية. وما يعطي للحرية معناها هو الشيطان. إذا لم يكن بمقدورك أن تختار بين هذا السلوك أو ذاك، بين هذا الفعل أو ذاك، بين هذه الفكرة أو تلك، لن تكون حرًّا.
المراجع:
-ويكيبيديا
- مكتبة فراس السواح
- مجموعة من مقابلات فراس السواح الصحفية والتلفزيونية

ليست هناك تعليقات: