الاثنين، 19 مارس 2018



برغسون والوعي المفارق
محمد الحجيري

لا يعتبر برغسون بأن الدماغَ منتِجٌ للفكر وللوعي، إنما هو نقطة الاتصال بين الفكر والحياة، فهو "يستخرج من حياة الفكر كل ما هو قابل للتحوّل إلى حركة وكل ما يمكن تجسيده مادّياً".
إنه (أي الدماغ) "يؤمّن في كلِّ لحظةٍ توافقَ الفكرِ مع الظروف، ويجعل الفكرَ على اتصال دائم بالوقائع.. إذاً لي
س هو .. عضو التفكير ولا أداةَ الشعور ولا أداة الوعي؛ ولكنه يعمل على جعل الوعي والشعور والتفكير ممتدّة لتغطي الحياة الواقعية، وبالتالي لتكون قادرة على العمل الفعّال."
لكن، هل من علاقة سببيّة بين هذا التواقت أو "الاقتران" في عمل الدماغ وبين الوعي. أم هي تشبه علاقة "الحاصل عنده" التي يتحدّث عنها الغزالي، الذي يعتبر بأن النار ليس هي من يتسبب بإحراق القطن: فقط عند حصول اقتراب القطن من النار يحترق القطن؟؟
هل نشاط الدماغ سببٌ لحصول الوعي، أم أنه نتيجة له؟ أم مجرد تواقت؟؟
لا يبدو أن نشاط الدماغ نتيجةٌ للوعي، لأن برغسون يعتبر بأن الدماغ يساعد على تنظيم عمليات الوعي. "فالنشاط الدماغي يشكّل بالنسبة للنشاط الفكري ما تشكّله حركات العصا بيد رئس الأوركسترا، بالنسبة إلى السمفونيّة."
لكنّ "السمفونيّة تتجاوز من كلّ الجوانب الحركات التي توجّهها وتضبطها، وحياة الفكر تتجاوز كذلك الحياة الدماغيّة".
الدماغُ إذاً، منظم لعمليات الوعي، لكنه ليس منتجاً لها، ولا هو نتيجةً لها أيضاً!!
وهذا يطرح إشكالياتٍ إضافيّة: من المسؤول عن إنتاج الوعي؟ وكيف؟
وكيف بإمكان الدماغ أن يتحكم في تنظيم عمليات الوعي الغامضة هذه؟؟
ما طبيعة العلاقة بين المادّة وبين هذا الوعي المفارق؟..
هذا الوعي الذي سيبقى بعد أن يفنى الدماغ أو المادة.
كل ما في الأمر أننا لن نستطيع بعد ذلك التحكم في تنظيم عمليات الوعي الغامض الذي يتحدث عنه برغسون..

وعي لم تنتجه المادة، وسيبقى بعد فناء المادة.. ما علاقته بحياتنا المادّية إذاً؟؟
للتفكر ومحاولة الفهم ليس إلا.

19/ 3/ 2015 

ليست هناك تعليقات: