الأحد، 18 مارس 2018

أفلاطون والمدينة الفاضلة؛ محمد الحجيري.




أفلاطون والمدينة الفاضلة
محمد الحجيري

من المعروف بأن أفلاطون، كما سقراط، كان من أشرس المهاجمين للنظام الديموقراطي، أو من أوائل الذين أبرزوا نقطة الضعف في النظام الديموقراطي، الذي يسمح للعامة بالتحكم في سياسة المدينة/الدولة، التي هي من أخطر المهام.
فإذا كنا نذهب إلى النجار ليصنع باباً لمنزلنا، وإلى الحائك ليصنع لنا نسيجاً، فمن غير المنطقي أن نعهد للدهماء غير المتخصصين في شؤون إدارة المدينة بإدارة شؤون الناس.
وقد عبّر عن هذه الآراء في كتاب "الجمهورية".
وإذا كانت مواقفه هذه متأثرةً بالمصير الذي لقيه أستاذُه سقراط على يد النظام الديموقراطي، فإنه، وبدلاً من أن يكون الفلاسفة الحكماء ضحايا لغوغاء الديموقراطية، فقد اقترح أن يكون هؤلاء الفلاسفة أنفسُهم هم الحكّام.
يبدأ اختيار الحاكم/ الفيلسوف، حسب أفلاطون، في المدرسة.
تتولى الدولة وحدها تربية النشء: جسدياً من خلال الرياضة، وعقلياً من خلال الرياضيات، وذوقياً من خلال الموسيقى.. ثم تبدأ عملية الغربلة من خلال مباريات تسمح باختيار النخبة من الأطفال تتم كل عدة سنوات.. ثم يخضع المتفوقون لمناهج تعليميّة خاصة بهم كما هو معروف في طروحات أفلاطون.. حتى تصل نخبة النخبة إلى التصفيات الأخيرة، ويكون من وصل إلى تلك المرحلة قد بلغ الخمسين من العمر، ثم ينخرطون لخمس سنوات في الحياة العادية لاكتساب الخبرة العملية.. يتولّوْن أمور الحكم بعد ذلك.
هذه أمور معروفة لكل مهتم بتاريخ الفلسفة.
إصلاح قوانين المدينة:
لكن أفلاطون تخلّى لاحقاً عن هذه الطروحات (مع أنها هي التي بقيت شائعة ومعروفة عنه)، ثم في كتابه الأخير، والذي يجب أن يكون متضمّناً لأنضج أفكاره، يقدم لنا أفلاطون رؤيته الجديدة في كتاب "القوانين" أو "النواميس"، والذي يرى فيه بأن المدخل الحقيقي والواقعي نحو المدينة الفاضلة يكون من خلال إصلاح قوانين المدينة.
ماذا يعني ذلك في مصطلحاتنا اليوم؟
أظن أن أول ما يعنيه هو قيام دولة المؤسسات، وقطع الطريق على التفرّد والاستبداد.
أياً يكن الحاكم، فلا يحق له أن يتجاوز القانون. والسلطة تسهر على تطبيق القوانين بشكل جيد.
نحن هنا لن نكون أمام فروقات كبيرة في ما لو كان الحكم ملكياً دستورياً أو ديموقراطياً. إذ ستكون السلطة الأولى للقوانين التي على الجميع احترامها وتطبيقها.
يبدو أن ذلك جيد، وقد يكون كذلك..
لكن السؤال التطبيقي هو: كيف نصل إلى هذه القوانين؟ وكيف نعرف أفضل القوانين؟ ومن هو الذي يحق له أن يحكم عليها بأنها كذلك؟ وإذا عرفناها، كيف لنا أن نقنع الجميع (حكاماً وجمهور) بصلاحيتها، ثم نفرض عليهم القبول بها؟
هل نحن ندور في حلقة مفرغة؟
أم أنها دورة حلزونية تتخلص من المشكلة لتطرحها من جديد بشكلٍ أرقى من الأولى وأكثر تركيباً.. وهكذا إلى ما لا نهاية؟ ويكون هو التاريخ .. الذي هو بلا نهاية عكس ما توقع له فوكوياما في كتابه: "الإنسان الأخير"؟

محمد الحجيري.
18/3/2016

ليست هناك تعليقات: