السبت، 10 مارس 2018

بمناسبة يوم المعلّم؛ محمد الحجيري.





بمناسبة يوم المعلم
محمد الحجيري

يحلُّ عيدُ المعلم هذا العام في لبنان في ظل انتظام معقول للعام الدراسي قياساً بالأعوام الماضية، إذ جاء العيدُ العامَ الماضي والأساتذةُ يملأون الشوارع مطالبين بتطبيق سلسلة الرتب والرواتب، وذلك بعد حراك وإضرابات استمرت لسنوات، ابتداءً من عام 2011، مروراً بعام 2014 حين لجأ وزير التربية آنذاك الياس بو صعب إلى  منح إفادات مدرسية لطلاب الشهادات الرسمية؛ فهل باتت أمور المعلم والتربية في لبنان على ما يرام؟
بدايةً لا بد من التذكير بأن الحلَّ الذي تم التوصل إليه قبل شهور قد تم بعد مخاضٍ عسير استمرت فيه التحركات لأعوامٍ متتالية، كان الأساتذة والمعلمون رأس حربةٍ فيه، ثم جاءت السلسلة مجحفةً بحق هؤلاء الأساتذة والمعلمين تحديداً، إذ بينما جاءت الزيادات في القطاع الثانوي في حدود الستين أو السبعين في المائة، جاءت تلك الزيادات في القطاع الإداري بنسبٍ تفاوتت بين المائة والعشرين والمائة والستين في المائة، وقبِل الأساتذةُ تلك السلسلة كمحطةٍ في الحراك وكربط للنزاع بينهم وبين السلطة.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن أطراف السلطة مجتمعةً، بكل تناقضاتها، قد وضعت يدها على رابط أساتذة التعليم الثانوي التي كانت الأداة النقابية الأكثر ريادةً وفعالية، قاطعةً الطريق على أطرافٍ ومناضلين لهم تاريخُهم وخبرتُهم في العمل المطلبي، وتمهيداً لإلحاق الرابطة بمصيرٍ يشبه مصير الاتحاد العمالي العام الذي أفرغته أيضاً أطراف السلطة من كل فاعلية واستتبعته بالكامل لها.
إضافةً إلى ذلك، فإن الحديث عن التعليم والمعلم ذو شجون كثيرة، منه ما له علاقةٌ بحقوق الأساتذة والمعلمين، ومنه ما له علاقة بالأساتذة المتعاقدين، الذين تبدأ قضيتهم ببضع مئات، لتصبح بالآلاف بعد سنواتٍ قليلة، مما يخلق حالاتٍ إنسانيةً لأكثرَ من عشرة آلاف أسرة تعيش قلق التهديد بلقمة العيش. فهذه السلطة أو السلطات المتعاقبة ما تعودت إلا مراكمة المشاكل فوق بعضها دون أن تجد حلاً حقيقياً لأيٍّ منها. وذلك ناتج عن تخبط وارتجال في الأداء في أحسن الأحوال، وعن هدرٍ وفساد مقصودَين في الغالب، ليبقى أرباب هذه السلطة متحكمين في مصائر الناس واستتباعهم سياسياً، لأن التوظيف من خلال القنوات القانونية تعطي الموظف حصانةً وتحرره من الحاجة إلى دق أبواب أصحاب النفوذ.
سلطات متعاقبة تتشارك الفساد وتتقاسم مراكز الدولة كمناطق نفوذ، ترتجل الحلول وتراكم المشاكل، تقفل أبواب مجلس الخدمة المدنية وتستعيض عنه بالتعاقد فتتراكم الأعداد بالآلاف الكثيرة. بعد ذلك إن هي لجأت إلى توظيف المتعاقدين والفائض من السنوات الماضية، حرمت الخريجين الجدد من فرص العمل. وإن هي فتحت أبواب مجلس الخدمة المدنية بعد أوانه، خلقت مشكلة كبيرة لآلاف المتعاقدين الذين أمضوا سنوات طويلة من عمرهم في خدمة المؤسسات التي يعملون فيها، ومنهم من أمضى فيها ما يزيد عن عشرين عاماً، ليجدوا أنفسهم بين ليلةٍ وضحاها مرميّين في الشارع بغير عمل.
المشكلة الأساسية أن آخر هموم هذه السلطة البحثُ عن إيجاد فرصِ عملٍ حقيقية للشباب، بينما المسؤولون يتلهون بالفساد ووضع اليد على مؤسسات الدولة بالحصص، ولم تسلم من ذلك حتى المؤسسات الأمنية، بينما الدَّين العام يتراكم ليصل إلى حدود الكارثة الوطنية.
ومن مظاهر الأزمة الكثيرة في قطاع التعليم، إلحاق ما يقارب ربع أساتذة الملاك في التعليم الثانوي في جهاز الإرشاد والتوجيه، وتتساءل جريدة النهار في مقال لها نُشر عام 2015 عن "الذي حصل حتى باتت الحاجة ملحةً الى هذه الأعداد في الإرشاد والتوجيه؟ علماً ان الأوضاع القانونية لهذا الجهاز لم تكتمل في تحديد مهماته الدقيقة، فكيف يتم إفراغ مدارس من أساتذة اختصاص لإلحاقهم بـ"مملكة" الإرشاد والتوجيه؟" خارج الأطر القانونية "رغم دعوة التفتيش التربوي الى تطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بالإرشاد التربوي، أو وضع تشريعات جديدة" (جريدة النهار)
بينما يتم إهمال أجهزة الرقابة عن قصد، مثل التفتيش التربوي الذي يعاني من شغور شبه كامل، ويتم كف يده عن المحاسبة بسبب "الغطاء السياسي" للمخالفين، وقد لجأت السلطة هذا العام لقبول خمسين مفتشاً تربوياً في كل الاختصاصات بعد أن صار من تبقى في هذا الجهاز على وشك التقاعد.
إن استهداف القطاعات التربوية الرسمية المنتِجة والناجحة لا يتم فقط بسبب الإهمال أو الارتجال، بل تعزيزاً لدكاكين التعليم الخاصة التابعة لأطراف السلطة وللقوى الطائفية: فكل طائفة وكل جماعة أصبح لديها مؤسساتُها التربوية وتربّي "أبناءها" على هواها، بدءاً من مؤسساتها الجامعية ومدارسها ومؤسساتها الطبية وغيرها، وفي هذا الإطار يأتي التخريب الممنهج للجامعة اللبنانية التي أصبحت مكاناً لتوظيف المحسوبين على من هب ودب من أطراف السلطة، على حساب المقاييس الأكاديمية وأصحاب الكفاءات الذين تمنعهم كرامتهم من التذلل على أبواب المسؤولين.
تربط بعض الأبحاث بين التقدم الذي أحرزته اليابان وبين الاعتبار المادي والمعنوي للمعلم، بحيث أن يكون راتب الأستاذ أعلى من راتب الوزير أمراً عادياً، فضلاً عن التقدير والاحترام الكبيرين له في تلك الدولة.
حين أرادت الدولة العباسية أن تؤسس لنهوضٍ حضاري، أنشأ المأمون بيت الحكمة في بغداد في النصف الأول من القرن التاسع الميلادي، وجاء بخيرة العلماء والمترجمين، مع خطين تحت عبارة "خيرة العلماء والمترجمين" وبالخط العريض، بعيداً عن أي مقياسٍ آخر، وفي سرعةٍ قياسية أصبحت بغداد عاصمة العالم وظلت تشع علماً وحضارة على مدى أربعة قرون.
كل نهضةٍ تبدأ كمشروع، والمشروع يجب أن تُهيّأ له أدواتُه، وأدوات المشروع الحضاري هم العلماء، وبناء العلماء يتم في المؤسسات التعليمية، باستقطاب نخبة الكفاءات إلى المؤسسات التعليمية، وبالإعداد الكافي لهم، ثم ببناء الصروح والمختبرات وأن تتحول الجامعات إلى مؤسساتٍ بحثية. ليس في الأمر معجزة. على السلطات السياسية أن تتخذ قراراً، ونتحدث هنا عن كل الدول العربية بلا استثناء، وتخصيص خمسة في المائة مما يذهب إلى التسلح سيكون كافياً لكل لذلك، بدلاً من أسلحة مصيرها إما الصدأ أو إلقاء قنابلها على الشعب.

9 آذار 2018


ليست هناك تعليقات: