الثلاثاء، 18 يوليو 2017

بين الإفهوم والمفهوم: نقاش حول مصطلح "الأفهوم"





بين الأفهوم والمفهوم.

(إعادة نشر منشور سابق عن الموضوع مع تعليقات توضيحية عليه من قِبَل الدكتور جمال نعيم الذي كان قريباً من الدكتور موسى وهبه، وباحثاً في فلسفة جيل دولوز الذي يعتبر بأن الفلسفة ما هي إلا عملية إنتاج للأفاهيم)
 ما هي الحدود بين "الأفهوم" و"المفهوم"؟
مع الإشارة إلى أنه في اللغة الفرنسية (وربما غيرها) لا توجد إلا كلمة واحدة. ويعود الفضل في اشتقاق كلمة "أفهوم" لموسى وهبه خلال ترجمته "نقد العقل المحض" لـكنط.. وهذا ما يعطي العربية ميزة الدقة في التعبير عن الموضوع.
هل يقتصر استخدام كلمة "أفهوم" على مَلَكات الفاهمة (الملكات الذهنية) التي تقوم بفهم العالم الخارجي أو إدراكه. فهي بالتالي أدوات معرفية أو هي شرط إمكان المعرفة. هي من تقوم بالفهم، بينما كلمة "مفهوم" هي اسم مفعول أو هي صفة للموضوع الذي نفهمه.
هل كلمة "أحمر" هي مفهوم أم أفهوم؟ أم أنها يمكن لها أن تكون "مفهوماً" حين نتحدث عن "الأحمر" بذاته. بينما هي تصير "أفهوماً" حين نتحدث عن الحصان الأحمر؟
هل "الخير" هو مفهوم أم أفهوم؟ والجدار.. إلخ.


التعليقات

في الفرنسية هناك لفظnotion ولفظ concept والعلاقة بينهما بقدر ماهي دقيقة فهي ملتبسة وغامضة .ربما التمييز بين المحسوس والنجود،بين الشيء وما يحيل اليه ابتدأت مع سقراط ،اي بين الشيء ومفهومه ،بين الخير كواقع وسلوك إنساني وبين مفهوم الخير او الفضيلة ،بين العدد أربعة ومفهوم أربعة .جيل دولوزعرف الفلسفة بأنها فن ابداع المفاهيم :الفلسفة تفكير مفاهيمي

مفهوم،،،،اسم مفعول،،،اي الذي وضع نظريته غير محدد،،،يشتق من الفعل المضارع للمجهول،،،وهو صفة متحركة،،اي قد تتبدل حسب الظروف،،،اما اذا كان صفة ثابتة فهو صفة مشبهة باسم المفعول،،،،،،اما : أفهوم ،،فهي صيغة مبتكره،،أشتقها من الفعل المزيد : أفهم،،،أي أن المتلقي كان غائبا عن الفهم فقام الآخر وعمل على إفهامه،،،ان استبدال الميم بالألف،،،للدلالة على ما اعتقد أن الإفهام متحرك،، مستمر،،،فالأههوم بهذا غير ثابت انما يحتاج دائما الى تطور ونمو،،،



المفهوم، بالعربية، يُوضع في مقابل الماصدق. فنقول الانسان حيوانٌ عاقل.( مفهوم الانسان عند أرسطو)، وزيدٌ هو إنسان ( مصداق للإنسان). اذًا، لكل أفهوم مفهومٌ ومصداق. الفلسفة هي فن إبداع الأفاهيم. والأفهوم الفلسفي، بحصر المعنى يشير الى فعل التفكير وليس الى حصيلة التفكير، مثلًا الكوجيتو عند ديكارت والجوهر عند أرسطو والديمومة عند برغسون...الخ. والأفهوم ليس كلمةً جديدة نشتقها أو نولّدها، فهذا هو القشرة الخارجيّة للأفهوم. فالأفهوم يتمّ إبداعه بالضرورة بناءً على ابتداع مشكلة فلسفية جديدة، وبالاستناد الى مسطح محايثة معيّن أو لنقل على خلفية صورة جديدة للفكر، والشخصية الأفهومية هي من يقوم بإبداع الأفاهيم. هذا المعنى الذي أضافه دولوز للأفهوم، فقال إنّ الأفهوم كثرة، أي له مكونان على الأقل، وهو في صيرورة دائمة، وله بالتالي تاريخٌ خاصٌ به. وهو موقّع من الفيلسوف أو بالأحرى من الشخصية الأفهومية الرئيسة في فلسفة الفيلسوف. في مقابل المفهوم تضع الفرنسية
Compréhension
وفي مقابل الأفهوم تضع
Concept
وفي مقابل الماصدق، تضع
Extension
هذا باختصار الأفهوم الفلسفي. لذا، فإنّ الأفاهيم الفلسفية نادرة وقليلة، اذ يمتاز كل فيلسوف بعدد محدّد من الأفاهيم( ديكارت مثلًا، خمسة أو ستة أفاهيم). أمّا الأفاهيم العادية، فكل كلمة، بإمكانها أن تكون أفهومًا عاديًّا كالكرسي والحائط...لكنّ هذه ليست أفاهيم فلسفية.
 · 
. ولنستمع الى وهبه يتحدث عن الأفهوم:
3- ما الأفهوم
​ولعل الأكثر لفتًا وغموضًا في آن هو ما يحاوله دولوز في تجديد القول في الأفهوم، انطلاقًا من تعريفه الشهير للفلسفة بأنها "إبداع للأفاهيم" (وحسنًا فعل نعيم بترجمة Création بإبداع وليس بخلق. فالفرنسية لا تميِّز المعنيين القائمين بالعربية التي تحصر الخلق بالفعل الإلهي أي الخلق من عدم.
​فإذا كانت الفلسفة إبداعا للأفاهيم يتوجب تمييز الأفهوم عن سواه من الأنشطة القريبة. والأنشطة القريبة، في رأي دولوز، تتفرّع من أصل واحد هو التفكير (أو الفكر، حيث يصعب التمييز دائمًا في الفرنسية بين اللفظين). فهو يحسب أن التفكير ليس حكرًا على الفيلسوف بل إنّ العالم يفكّر والمنطقي يفكّر والفنان يفكّر، ولكن لكل طريقته أو بالأحرى أفعوله.
​التفكير يتم إذن بأفاعيل. والأفاعيل ليست كلمة مولدة الآن بالعربية، فالنحاة يطلقونها على الحال والتمييز والاستثناء، ولم ترد إلا نادرًا بالمفرد الذي قد يصح أن يكون أفعولا وأفعولة، وإن وردت بكثرة كوزن قياسي في مثل قولنا: أسلوب وأخدود وأركوب، وأنشودة وأطروحة وأرجوحة... إلخ.
​فإذا ما تأملنا الفرق بين صيغة المذكر وصيغة المؤنث يتبين أن صيغة المذكر تشير غالبا إلى الفعل (والمصدر النوعي) وان صيغة المؤنث تشير دائما إلى حصيلة الفعل (ومصدر المرة).
​هذا التمييز بين الصيغتين هو الذي حدا بي إلى اختيار وزن أفعول في توليد لفظ أفهوم بإزاء Begriff وConcept في قراءتي لنقد العقل المحض لعمانوئيل كنط.
​كنت إذًا ولّدت أُفهوم لتسمية فعل التفكير الذي تقوم به الفاهمة في محاولة معرفتها لموضوعات المعرفة التجربية. وعدت فولّدت أمثول على الوزن عينه لتسمية فعل العاقلة Idee في محاولتها لتقليد الفاهمة في النظر إلى الموضوع بعامة الذي يحسبه كنط وهمًا مجاوزًا وكان كنط أطلق لفظ الأفاهيم المحض على لوحة المقولات الأرسطية بعد تعديلها وإخراج المكان والزمان منها، وبعد استبعاد الكليات أو الأحاميل على غرار ما فعل أرسطو هذه المرة.
​وكان أرسطو حسِبَ المقولات وجهات مختلفة يرى بها العقل إلى الكون (أو الكائنات)، من هنا عبقرية الترجمة العربية للقاطيغوريا بالمقولة، اشتقاقًا من القول أو اللوغس، أي العقل ناطقًا، أو قائلًا لمعرفته بموضوعه.
​ويستفاد من التدقيق الكنطي لإرث أرسطو أن المقولات أو الأفاهيم المحض (وعددها 12 موزعة على اربع لوحات وقسمين: مقولات رياضية تقول كم الموضوع وكيفه، وإضافته( = علاقته بموضوع آخر)، ومقولات دينامية هي الإمكان والوجود والضرورة وأضدادها، تقول جهة المعرفة بالموضوع أي جهة كونها احتمالية أم إخبارية أم يقينيّة.
​يستفاد أن هذه المقولات لا تقول الكون فِيّاه (في ذاته) بل تعبر عن معرفة الفاهمة بموضوعها وعن جهة هذه المعرفة، وتشكل في الوقت نفسه موضوعها من معطيات التجربة والحواس. ويستفاد أن هذه المقولات أفاعيل أو أفاهيم تشكل بنية الفاهمة الذاتية أي بنية ملكة التفكير البشرية. وأن الأفاهيم المشتقة (أسماء الجنس، والمصطلحات العملية) تندرج تحت الأفاهيم المحض.
​وحين يكتب كنط أن الأفهوم فارغ والحدس أعمى وأن باجتماعهما إنما تتقوم المعرفة، لا يعني أن الأفهوم نوع من قالب تصب فيه معطيات الحدس لتتخذ شكلاً، بل يعني أنه هو ما يشكل، ونوع من الصورة الأرسطية الواردة من الذات فاعل المعرفة.
​ويعني أن اجتماع الأفهوم العام إلى الحدث المشتت والجزئي هو نوع من إدارج الحدس تحت الأفهوم بتوسط شَيْم الحاكمة (التي قد تُشبَّه بالصانع الأفلاطوني (الدُميورْجْ) إنما ينبغي الحذر دوما من التشبيه).
​والقول عن الأفهوم، إنه عام لا يعني أنه تجريد معمّم أو معنى أو محمول، بل أنه موحِّد وفعل توحيد المتنوع في حامل ما (مبتدأ ما، مسند إليه ما)؛ وكنط يحرص على التمييز بين موقع الحامل وموقع المحمول عليه.
​إلى هذا ينبغي أن أضيف: كان كنط أول من أعطي هذا الرسم للأفهوم. وأن اللفظ الدال عليه لم يكتسب هذا المفهوم (المضمون) إلا معه. و"كونسبت" أو "بيغرف" كانا يعنيان مجرد الاستيعاب والفهم؛ وعند ديكارت والعقلانية الديكارتية كان الكلام يجري على فكرة وأفكار، مثلما كان يجري عند لُكْ والتّجربيّين على فكرة وأفكار إنما بدلالة المعنى العام المجرد وحسب. وعن كنط إنما يرث اللاحقون رسم الأفهوم ليحتفظوا به كما فعل هوسرل وبعض هيدغر، أو ليوسعوا به كما فعل هيغل ودولوز، أو ليعودوا به إلى المعنى السابق للفكرة وإلى القالب كما سيفعل التجربيون وسائر الوضعيين، وأيضًا برغسون.انتهى كلام وهبه.

Jamal Naim على كل الأحوال، إنّ الاجابة الدقيقة عن الفرق بين الأفهوم والمفهوم يتطلب مني العودة الى كتابي جيل دولوز وتجديد الفلسفة وقراءة أجزاء كبيرة منه لأبين ما يتميّز به دولوز في هذا المجال. بالامكان العودة الى الفصل الأخير منه.

Jamal Naim المهم أن نعرف أنّه لا بد من التمييز بين الconcept والcompréhension، حتى لو لم نتفق على لفظ أفهوم، فإنّ ترجمتهما معًا بالكلمة ذاتها يوقع القارىء في التباس شديد، لا سيما عندما يميز بينهما الفيلسوف على غرار دولوز. ربما قبل كنط لا مشكلة. لكن معه وبعده، هناك مشكلة في ذلك.

لقد حذفت من كلام وهبه لأني لم أستطع إرساله كتعليق. اهتممت بما يخص الأفهوم حصرًا.

في مقابل المفهوم تضع الفرنسية concept وليس compréhension التي تعني الفهم او التعقل وهي مشتقة من الفعل comprendre اعتقد ان لفظ "الافهوم" صيغ ونحت بطريقة متعسفة واللفظ المناسب هو لفظ"المفهوم" الذي يمتلك في كل نسق فلسفي طبيعة نواتية من حيث انه المفهوم المركزي الذي تدور في فلكه مجموعة من المفاهيم تتشابك وتتعالق معه

ارجع الى المنطق. هناك :
En compréhension
أي مفهوميا. مثلًا تعريف انسان أو مجموعة مفهوميًّا
وهناك
En extension
أي التعريف مصداقيًّا
والأفهوم على وزن أفعول ويدل على الفعل وليس على وزن مفعول ويدل على ما يُفهم. على كل الأحوال، أهل مصر يترجمونه بتصور.
والترجمة من لدن الدكتور موسى لم تأت عن الفرنسية، بل عن الألمانية. فكانت ترجمة لBegriff

 المفهوم والماصدق مصطلحان متداولان والعلاقة بينهما علاقة عكسية، فكلما كان المفهوم أكثر تحديداً كان عدد الأفراد الذين ينطبق عليهم هذا المفهوم أقل.. وهو الماصدق.
فمفهوم "إنسان" أكثر تحديداً من مفهوم حيوان، وماصَدَقه أي عدد الأفراد الذين ينطبق عليهم تعريف إنسان يكون أقل من ماصدق الحيوان.
لا مشكلة في ما تقول

صديقي سأعود للتدقيق في الامر ربما نحت المفاهيم احيانا تتحكم فيه الخلفية الثقافية واللغة المترجم عنها

جاء في الصفحة (٤١٢) من كتابي ( جيل دولوز وتجديد الفلسفة) ما يلي:" ليس الأفهوم مجرّد كلمة نختارها من بين الكلمات المتداولة، أو نشتقّها، أو نحييها. وهذا ما يشكّل القشرة الخارجيّة للأفهوم. وعلى الأفهوم أن يُعبِّر عن فعل التفكير في الفكر، أن يُعبِّر عن مسألةٍ جديدةٍ، تستدعي بالضرورة إبداع أفاهيم جديدة. إذًا، الأفهوم هو فعلٌ فكريٌّ محص. وهذا ما لم تنتبه إليه فنون التواصل المعاصرة، أمثال فنون الدعاية والتسويف والتصميم، لأنّها اكتفت بالقشرة الخارجيّة للأفهوم، متناسيةً أنّ الأفهوم يعبّر عن مسألة فلسفية جديدة، تعود الى الفكر بما هو كذلك".

وجاء في الصفحة نفسها ما يلي:" ليس الأفهوم اختراع كلمةٍ جديدة تماشيًا مع متطلبات الموضة والسوق. على الأفهوم أن يغيِّر في صورة الفكر لدينا، في إحداثيّات الفكر. لذا، نقول عن الأفاهيم، إنّها نادرة جدًّا. والفلاسفة الكبار هم نادرون أيضًا. إنّنا نتحدث عن الأفاهيم الفلسفيّة بحصر المعنى، وليس عن الأفاهيم العاديّة. الأسد، القلم، الطاولة، هي أفاهيم عاديّة".


ليست هناك تعليقات: