الثلاثاء، 11 سبتمبر 2018

المجتمع المفتوح والمجتمع المغلق؛ كارل بوبر. (نصوص)




المجتمع المفتوح والمجتمع المغلق.

هناك بعض الخواص التي يمكن أن توجَد في معظم، إن لم يكن في كلّ المجتمعات القبليّة. وأعني اتجاهها السحري واللاعقلاني نحو عاداتِ الحياة الاجتماعية والصرامة المناظرة لهذه العادات.
..
وعندما أتحدث عن صرامة العصبية القَبَلية، فإنني لا أعني بأنه ليس ثمّة تغيّر يمكن أن يحدث في الطرق القَبَلية للحياة. وإنما أعني بالأحرى، أن التغيّرات النادرة نسبياً لها خاصّية التحولات أو التغيرات الدينية المفاجئة، أو إدخال محرّمات سحرية جديدة. إنها غير مستندة إلى محاولة عقلانية لتحسين الأحوال الاجتماعية.
..
وفيما يلي، سيطلق أيضاً على المجتمع السحري أو القبلي أو الجمعي اسم المجتمع المغلق، وعلى المجتمع الذي يجابَه فيه الأفراد بقرارات شخصية، المجتمع المفتوح.
ويمكن مقارنة المجتمع المغلق بحق بمجتمع عضوي. ويمكن أن ينطبق عليه إلى حدٍّ كبير ما يسَمّى بالنظرية العضوية أو البيولوجية للدولة. فالمجتمع المغلَق يشبه القطيع أو القبيلة في أنه وحدةٌ شبه عضوية يرتبط أعضاؤها بعضهم ببعض بروابط شبه بيولوجية كالنسب، والحياة المشتركة، والمشاركة في المجهودات المشتركة، والأخطار المشتركة، والأفراح المشتركة، والأتراح المشتركة. إنها لا تزال جماعة متعيّنة من أفرادٍ متعينين، يرتبط كل منهم بالآخر ليس عن طريق علاقات اجتماعية مجردة فحسب، كتقسيم العمل وتبادل السلع، وإنما عن طريق علاقات فيزيقية متعيّنة كاللمس والشم والرؤية. وعلى الرغم من أن مجتمعاً مثل هذا قد يكون قائماً على العبودية، إلا أن وجود العبيد لا يحدث بالضرورة مشكلة تختلف في الأساس عن تلك التي تحدثها حيواناتٌ مروّضة. ومع ذلك فثمّة مظاهر منقوصة تجعل من المستحيل تطبيق النظرية العضوية بنجاح على مجتمع مفتوح.
والمظاهر التي أعنيها ترتبط بحقيقة أنه في مجتمع مفتوح، يكافح أعضاءٌ كثيرون من أجل الصعود الاجتماعي، واحتلال أمكنة أعضاءٍ آخرين. وقد يؤدي هذا، على سبيل المثال، إلى ظاهرة اجتماعية هامة كالصراع الطبقي. ولا يمكننا أن نعثر على أي شيء شبيه بالصراع الطبقي في مجتمع عضوي. إذ إن خلايا أو أنسجة الكائن الحيّ التي يقال أحياناً إنها تنطبق على أعضاء الدولة قد تتنافس على طعام؛ بيد أنه ليس ثمّة ميلٌ متأصّل في عضو الساق يسعى إلى أن يصبح الدماغَ، .. ولأن لا شيء في الكائن العضوي يناظر واحدةً من أكثر الخصائص أهمّية للمجتمع المفتوح، المنافسة على المكانة بين أعضائه، فما يسمّى بالنظرية العضوية للدولة يستند إلى مماثلة باطلة.. أما المجتمع المغلق، من ناحيةٍ أخرى، فلا يعرف الكثير عن هذه الميول.. فمؤسساته، بما في ذلك طوائفُه، لا تُمَسّ، إنها محرّمات. والنظرية العضوية هنا تجد مكاناً.. لذلك فليس من المستغرَب أن نجد أن معظم محاولات تطبيق النظرية العضوية على مجتمعنا ليست سوى أشكال مقنّعة من الدعاية للعودة إلى العصبية القَبَلية.

(المتمع المفتوح وأعداؤه؛ ص 283، 284، 285)

ليست هناك تعليقات: