السبت، 28 يوليو 2018

"البحث عن يسوع": عرض ونقاش أوّلي. محمد الحجيري.



"البحث عن يسوع": عرض ونقاش أوّلي.


تشكل قراءة فرضيات جديدة فرصةً للتأمل فيها، كما تشكل فرصةً لمراجعة الفرضيات السابقة المألوفة.

وكتابات المؤرّخ كمال الصليبي من هذا النوع من الكتابات بدايةً من حديثه عن أن التوراة قد جاءت من جزيرة العرب.
وكتاب "البحث عن يسوع" ينسجم مع فرضيته تلك، فيعتبر بأن يسوع أيضاً جاء إلى فلسطين من الطائف في الحجاز، التي كانت عاصمة بني إسرائيل في ما مضى.
يميّز كمال الصليبي بين اليهود والإسرائيليين. فالأسر الإسرائيلية التي عادت إلى أرض يهوذا بعد السبي البابلي كانت تتألف من ثلاثة عناصر: سبط يهوذا، وسبط بنيامين، وسبط لاوي.
مؤسس مملكة يهوذا هو داود. وزرُبّابل هو حفيده الذي عاد من السبي لإعادة إحياء مملكة يهوذا في الحجاز (بحسب الصليبي). ويسوع هو حفيد هذه السلالة من يوسف النجار، ذهب من الطائف في الحجاز إلى فلسطين بناءً لطلبٍ من أخوته ليعلن نفسه ملكاً على إسرائيل.

لماذا إلى فلسطين؟


يذهب الصليبي إلى أن فلسطين ازدهرت بشكل كبير بعد مرحلة الإسكندر ومع مجيء خلفائه البطالمة في إسكندرية مصر، حيث ازدهرت التجارة بين الإسكندرية ومناطق بلاد الشام، وبخاصة فلسطين، فأصبحت القرى الصغيرةُ مدناً مزدهرة، ثم انتقل الكثير من يهوذا (الحجاز) إلى فلسطين وأنشأوا قرىً في فلسطين تحت مسميات قراهم أو مدنهم الأساسية التي أتَوْا منها.
أما اليهود، وهي التسمية التي يقول عنها الصليبي بأن بولس الرسول هو أول من استخدمها، فهم مرتبطون بطبقةٍ من رجال الدين اليهود، الذين ليس لهم علاقة في الأساس بنسل داود، ثم زاد نفوذهم لاحقاً.
هذا السياق يفسّر من خلاله الصليبي لماذا يأتي يسوع من الطائف ليعلن نفسه ملكاً على إسرائيل في فلسطين وليس في المكان الأصلي لمملكة يهوذا في الطائف، وهو ازدهار هذه المنطقة مع مجيء البطالمة، ووجود جالية كبيرة من اليهود والإسرائيليين في فلسطين، حتى أنهم أقاموا مملكةً (المملكة المكّابية أو الحشمونيّة) استمرت لحوالي قرن ونصف القرن حتى مجيء الرومان عام 63 ق م. والحشمونيون ليسوا من أبناء داود، بل ينتمون إلى طبقة الكهنة أي من اليهود.
عيّن الرومان والياً على "اليهودية" رجلاً ثريّاً وبارزاً "من عرب "إيدوميا" الحديثي العهد باليهوديّة اسمه أنتيباتر، الذي ما لبث أن تم اغتياله فتم تعيين ابنه هيرودُس، يقول الصليبي عنه بأن "لعل اسمه بالعربيّة "حرد"  أو "حيرود""
يقول الصليبي: "وبعد وفاة هيرودُس عام 4 ق م. تقسّمت مملكتُه إلى أربعة "أرباع" ثلاثة منها توزّعت بين ثلاثة من أبنائه، والرابعة ـ وهي ربع "اليهودية" ـ أُوكِل حُكْمُها إلى ولاة رومانيين. ومن هؤلاء الولاة الرومانيين على "اليهودية" بيلاطُس المعروف بالبُنطي الذي عيّنه طيباريوس قيصر لهذا المصب. (ص 39)
"في حين كان هيرودس أنتيباس، وهو ابن الملك هيرودس الكبير، حاكماً بلقب "رئيس رُبع" على منطقة "الجليل" وجوارها بشمال البلاد: الأول [= بيلاطس] يحاول النيل من استقلال الثاني [= هيرودس] وعرقلة مساعيه من دو التعرض لشخصه مباشرةً، والثاني يحاول إثبات استقلاله عن الأول قدر الإمكان من دون أن يقطع معه." (ص 63)

الملاحظة الأولى على ما أورده الصليبي هو حديثه عن أخوة يسوع، حيث يقول: "ولا بدّ أن يوسف كان على جانبٍ من الثراء، نظراً لرفعة مكانته. وُلِد له بعد يسوع أربعة بنين هم يعقوب، وسمعان، ويوسي، ويهوذا، عدا البنات." (ص 61)

لا يناقش الصليبي (ربما يناقشها في الصفحات اللاحقة) التأويلات الرسمية للكنيسة التي تنكر وجود أخوة ليسوع، وتجد للعبارات اللافتة التي وردت في بعض الأناجيل عن أخوة يسوع (حين جاء من يقول له، وكان في أحد البيوت، بأن أمه وإخوته في الخارج، فقال لهم: أنتم أمي وأخوتي.)، يجد منظّرو الكنيسة تأويلات لهذه العبارة بما ينفي عنها بوجود أبناء لمريم غيره.

النقطة الثانية التي يمكن أن تثير تساؤلاً، لماذا يكون هيرودس أنتيباس (نجل الملك هيرودس) تابعاً للوالي الروماني بيلاطس البنطي، بينما كان أخوته حكاماً على المقاطعات الثلاث الأخرى؟

ما يحسَب لكمال الصليبي أنه يقارب موضوعات لها طابع القداسة بفرضيات ناتجة عن مبضع مؤرّخ. بالطبع لن تكون فرضياته حقائق ملسّماً بها كما أنها لن تكون الفرضيات الوحيدة. لكن أن يكون في إمكان المؤرخ أن يتناول كل الموضوعات بالبحث والاجتهاد، فتلك خطوةٌ إلى الأمام، نأمل أن تطال كل موضوعات التاريخ عند الجميع. فالتاريخ تاريخ، وحين يتحول إلى مقدس ستحل الظلامية وتصبح الخرافةُ تاريخاً، وهو ما نراه حولنا كيفما نظرنا.




                                          





ليست هناك تعليقات: