الجمعة، 5 يوليو 2019

عن جون لوك: الدين والتسامح؛ محمد الحجيري.




جون لوك: الدين والتسامح
لوك: الإيمان والعقل.
يحاول جون لوك المصالحة بين العقل والدين، وهو بذلك يذكرنا بموقف ابن رشد في كتابه "فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من اتصال" الذي يرى فيه بأن أيّ تعارض بين العقل والنص الديني يستدعي إعادة قراءة النص الديني بما يتلاءم مع العقل.
يرى لوك بأن "ليس ثمة قضية يمكن تقبلها على أنها وحي إلهي، إذا كانت تناقض معرفتنا الأكيدة البديهية". كما يقول بأن "ليس هناك شيء يناقض أوامر العقل الواضحة البديهية أو لا يتلاءم معها" ويحق له الادعاء بأنه من العقيدة الصحيحة. و"ينبغي أن يكون العقل أول حكم ومرشد لنا في كل شيء".
. وفي ما يتعلق بوجود الله، فقد شعر لوك "بأن أعمال الطبيعة بكل دقائقها أوفى دليل على وجود الله" وحاول لوك من وجوده هو نفسه أن يبرهن على "سبب أول"، وانتهى إلى أن مثل هذه الخصائص لا بد أن تنسب أيضاً إلى الله، والله "عقل سرمدي خالد" وحينما شكا نقاد لوك من أنه أغفل بعض التعاليم الحيوية مثل خلود النفس والعذاب المقيم والنعيم المقيم، أجاب بأنه في الاعتراف بالمسيح ارتضى تعاليمه التي شملت تلك الآراء والتعاليم. ومن ثم خرج لوك من الباب الذي دخل منه.
وأنا أظن بأن موقف لوك من الإيمان لا يرقى إلى البرهان الفلسفي، ولربما كان ذلك مستحيلاً كما أثبت ذلك لاحقاً إيمانويل كنط في كتابه "نقد العقل الخالص"، لكنه في كل حال يدعو إلى نبذ ما ينسب إلى الوحي ولا يلتقي مع العقل السليم.. ولا أدري حقيقة ما سيبقى من النصوص الدينية إذا طبقنا عليها هذا المبدأ بشكلٍ صارم..
حدود التسامح عند لوك:
لقد ألحّ لوك على أن تتمتع كل المذاهب المسيحية بالحرية الكاملة في إنجلترا فيما خلا الكثلكة.[؟]
لكن رغم ما يمكن أن يُعتبر اليوم مأخذا على لوك في ما يخص بعض الاستثناءات، فإن قانون التسامح الذي صدر في 1689 لم يحقق من مقترحات لوك إلا القليل جداً، ذلك أن القانون استبعد الكاثوليك والتوحيديين واليهود والوثنيين وحظر تولي الشؤون العامة على المخالفين. 
إن لوك أيضاً أتى باستثناءات فلم يكن ليتسامح مع الملحدين حيث رأى أنهم غير أهل للثقة ما داموا لا يخشَوْن إلهاً ولا ديانة توقع عذاباً مادياً، ولم يتسامح مع مذهب يتطلب الولاء لسلطة أجنبية، ومفهوم أنه كان يعني الكثلكة.
ولحظ لوك أن معظم الديانات تنادي بالتسامح خلال ضعفها، ولكنها تأباه في أيام قوتها.. ورأى أن الاضطهاد مصدره شهوة السلطان والسيطرة، والحقد المقنع في ثياب الغيرة الدينية. والاضطهاد يصنع المنافقين، أما التسامح فإنه يشجع المعرفة والحق، وكيف يعمد المسيحي إلى الاضطهاد والتعذيب والإساءة، وقد أخذ على نفسه عهداً بالبر والإحسان ومحبة الناس؟
23/9/2015

2 تشرين الأول 2015-10-02
في الفلسفة السياسية: لوك (تابع)
يرى جون لوك بأن الإنسان في حالة الطبيعة كان يعيش في حال نموذجيّة، وكان يتمتّع بحقوق ثلاثة أساسيّة، هي: الحرّية، والملكيّة الطبيعيّة والمساواة الطبيعيّة.
وأنه ما انتقل إلى حال التعاقد، إلا بسبب خوفه من التعسّف في تطبيق العدالة، لأن "رغبة الفرد في الثأر لنفسه من عدوان الغير عليه فيطبّق العدلَ بمقتضى هواه؛ أي بطريقة تحكمية وغير منصفة. فلما كان الجُرم يصغر في عين فاعله، ويكبر في عين ضحيته اختل الوزن والميزان بسبب اجتماع الخصم والحكم في شخص من ينفذ الاقتصاص لنفسه بنفسه. يتبع ذلك باللزوم أنه تحاشيا لهذه النزعة الغاشمة التي تردّ على العدوان بالعدوان والمنذرة بالحرب وبانخرام الوضع الطبيعي ينبغي على الإنسان الخروج من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية لوجوب التقاضي لدى قوة عليا ثالثة"
لكن هذه القوّة العليا الثالثة لا تملك إلا صلاحيّةً مقيَّدةً كتلك التي يتمتّع بها الحَكَم ليس إلا، على العكس من الصلاحيات المطلقة التي يعطيها هوبز للحكومة التي لا يسع أحدٌ محاسبتَها، طالما حفظت حياة الأفراد.
الأسئلة التي يمكن أن تُطرح في هذا السياق هي:
1
ـ ما هي خصائص الامتيازات التي كان يحضى بها الأفراد في حال الطبيعة؟
2
ـ لماذا تختلف الصلاحيات المعطاة للحكومة بين هوبز ولوك؟ وما علاقة ذلك بالحالة الافتراضيّة للأفراد في حال الطبيعة؟
3
ـ ما هي الطبيعة الحقيقيّة للأفراد في حال الطبيعة؟ أو على الأقل ما هي حقيقة الفطرة البشرية قبل أن تتأثر بعوامل التربية والبيئة الاجتماعيّة؟
الإجابة في ما يتعلّق بالسؤال الأول عن الامتيازات التي كان يحظى بها الأفراد في حال الطبيعة موجودة في كتابات لوك ذاتها بشكلٍ واضح.
تقتضي الحرّية -كما يقول- "ألاّ يكون الإنسان خاضعا لأية قوة عليا على الأرض، وألا يقع تحت إرادة إنسان أو سلطته التشريعية، وألا يكون لديه سوى قانون الطبيعة قاعدة يعمل بها". وأما الثانية -وهي الحرية المدنية- فتقتضي "ألا يخضع الإنسان لأية سلطة تشريعية سوى تلك التي تقوم على الرضا بين الجماعة، وألا يقع تحت سيطرة أية إرادة أو أي قيد قانوني سوى ما يضعه المشرّع طبقا للأمانة التي عُهد بها إليه"
أما في ما يتعلق بالمِلْكيّة الطبيعيّة، فهي " ملكية الإنسان لشخصه ولبدنه ولحريته ولحقه في استخدام قواه كما يروق له"، فإذا كانت كل الأرض مِلْكا مشاعا بين البشرية جمعاء فإنّ العمل وحده هو ما يعطي للأرض قيمة مضافة تحّول قطعة منها من حيازة مؤقتة إلى ملكية قارّة مشروعة ومحدودة بحدود العمل. لا يملك الإنسان إلا ما يمكنه أن يستثمره استثمارا مباشرا، سواء كان هو بنفسه أو بالتعاون مع أسرته. لذلك اشترط لوك تعميمَ الملكية الخاصة، وليس إلغاءها لتكوين مجتمع من الأحرار والمتساوين بإباحتها من ناحية، وبالحدّ منها من ناحية أخرى.
أما المساواة الطبيعية فتتضمّن التكافؤ بين البشر من حيث الحقوق الطبيعية التي جاء ذكرها سابقا، ومن حيث واجب طاعة القانون الطبيعي، ومن أهم موضوعات المساواة الطبيعية هي: الناطقية (العقل) والحرية والحق في الحيازة والملكية وحق استخدام الفرد لقواه البدنية والذهنية؛ ليست قوى الأفراد الطبيعية متساوية، كالفرق بين من يولد بصيرا ومن يولد كفيفا. ولما كانت الملكية مرهونة بالعمل وكان العمل مرهونا بقوى الفرد، كانت الملكية متفاوتة. ولذلك يرى لوك أن المساواة بين البشر هي الصفة الطبيعية الوحيدة التي من الجائز أن تزول بإنشاء المجتمعات المدنية القائمة على التنافس، بل وحتى في بعض "التجمعات" الطبيعية. ولقد احتاط لوك من المجتمع التنافسي والقائم على التفاوتات فحَدَّ الملكية بحدود وشروط، من أهمها تلبية الحاجة المعيشية والتحوّز بالعمل وبما يضيفه من قيمة للأصل الطبيعي.
هذه أهم ميزات الحقوق التي كانت تميّز حال الطبيعة حسب لوك.
لكن لماذا هذه الفروقات الكبيرة بين صلاحيات الحكومة بين هوبز الذي يجعلها مطلقةً، ولوك الذي يجعلها في حدودها الدنيا للحفاظ على حال هي أقرب إلى حال الطبيعة الأولى؟
أظن أن الجواب واضحٌ هنا. فالإنسان في حال الطبيعة هو كائن عدائيّ عند هوبز. إنه ذئب تجاه الآخرين، وحال الطبيعة هي حال من "صراع الذئاب". لذلك على السلطة أن تكون مطلقة الصلاحيات للجم هذا النزوع العدائي الفطري عند الإنسان، لأن أيّ تساهل سيستفيد منه الأفراد لتجسيد ذاك النزوع وتحويل المجتمع إلى حالة من الفوضى والتدمير.. وهو يحذّر من ذلك صراحةً، إذ يقول بأن أيّ استنكاف للسلطة عن القام بمهماتها تجاه الجميع، ستلجأ كل جماعة إلى الحلول محل تلك السلطة لتنال حقها بيدها، وما ينطبق على الجماعات ينطبق أيضاً على الأفراد.
وأنا أظن أن ملاحظة هوبز في مكانها، لكن ما هو موضع نقاش وموضع شبهةٍ ربما، هو أن ننسب حالةَ الفوضى الناتجة عن فساد السلطة أو عن تقاعسها عن القيام بمهماتها إلى حال الطبيعة أو الفطرة العدائية بطبيعتها.
ما الذي يؤكّد بأن حال النزاع التي ستنشأ بسبب خللٍ في أداء السلطة لا يعود إلى ما اكتسبه الإنسان في الحياة المدينيّة؟ من تنافس وقيَم أنتجتها المدنيّة نفسُها، أو ربما بسبب من الإحساس بالتعرّض للظلم وما إلى ذلك من الأسباب التي قد لا تعود إلى الفطرة الأولى للإنسان؟
وكذلك سيكون من الواضح أيضاً فهم موقف لوك من الصلاحيات الضعيفة المعطاة للحكومة، لأن ضعف هذه الصلاحيات لا يرتّب أخطاراً تُذكَر، وما على السلطات إلا مراقبة حسن سير الأمور في المجتمعات، والمقاضاة العادلة حتى لا يتم تطبيق العدالة بشكلٍ تعسّفي. ولا خطر من ضعف هذه الصلاحيات، لأن الأفراد في حالة ما قبل العقد الاجتماعي كانوا يعيشون رقيّاً ناتجاً عن هذه الحقوق الطبيعية التي كانوا يقدرونها حق قدرها بفطرتهم الإنسانية: الحرّية وحق المِلْكيّة وحق المساواة.
ـ نلاحظ هنا الأهمّية النظرية للفرضيّات المختلفة حول الطبيعة الأولى للبشر في حال الطبيعة!
وهذا بدوره يطرح سؤالاً قديماً جديداً: هل الإنسان بطبيعته طيّبٌ أم شرّير؟
وهل نحن نمتلك اليوم أجوبة أكثر علميّة عن الفطرة الإنسانيّة أكثر مما كان يمتلكها مفكّرو القرن السابع عشر والثامن عشر؟
أم أننا نمتلك فرضيّات إضافيّة ليس إلا؟ ليست أكثر أو أقل "علميّةً" من الفرضيات القديمة؟
ثم ماذا سيترتّب على هذه الفرضيّات الجديدة من تغيير في طبيعة نظرتنا المعاصرة لطبيعة السلطة ومدى صلاحيّاتها؟
في الحقيقة، فإني لا أملك جواباً عن السؤال الأخير الذي ربما نستعين بالإجابة عنه من خلال ما قدمته العلوم السياسية.. التي أعترف بمحدوديّة متابعتي ومعرفتي في هذا المجال؟
أما حول السؤال عن الطبيعة الإنسانية أو الفطرة الإنسانيّة، هل الإنسان مفطور على الغيريّة ومحبة الآخرين؟ أم هو مفطور على العدوانيّة والأذى؟
من الأجوبة المقدّمة في هذا المجال هو الجواب الذي قدّمه الفيلسوف الفرنسي (1613 – 1680) دو لاروشفوكو، وهو يعتبر بأن الإنسان بفطرته أنانيّ ولا يسعى إلا إلى ما يحقّق مصلحته حتى لو كان على حساب الجميع. وكل مظاهر التفاني ما هي إلا أقنعة خادعة تخفي حقيقة الأنانية لدى الإنسان.. وهو رأي شائع ومعروف.
والبعض يرى بأن الأمر أسوأ من ذلك، فالإنسان يسعى للأذى المجّاني حتى لو كان ذلك لا يقدّم له أية منفعة.
واختصاراً لهذا الموضوع، لأنه معروف كما سبقت الإشارة، فإني أرى أن الأنانية عند الأفراد حقيقة لا يمكن نكرانها، وبأنه أيضاً من الصحيح بأن الكثير من مظاهر الأنانيّة تتخفّى بأقنعة خادعة توحي بغير ذلك. لكن السؤال هو: هل الأنانيّة وحب الذات هي عدوانيّة بطبيعتها؟
لا أظن ذلك.
فالكثير من مظاهر الأنانية قد تكون في مصلحة طرفيّ العلاقة، وليست لصالح طرفٍ على حساب الطرف الآخر. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك هي علاقة الصداقة، التي قد لا تخلو من مصلحة ما، نفسيّة أو مادّية.. لكنها ليست على حساب الطرف الآخر. فإذا كنتُ أقف إلى جانب صديقٍ لي الآن لأنه يمر في محنةٍ ما، لأني بطريقة واعية أو غير واعية، أنتظر أن أستفيد من وقوف الآخرين إلى جانبي في وقتٍ آخر.. فليس في ذلك أيُّ ضيرٍ أو إساءةٍ إلى الآخرين.
وما ينطبق على الصداقة، ينطبق على العلاقة بين الأهل والأبناء، وعلى العلاقة بين الزوج والزوجة.. إلخ.
السؤال الآخر: ألا يوجد لدى الإنسان ميولٌ فطريّة غيريّة لا تبغي أيّ شكلٍ من أشكال المنفعة أو الأنانيّة؟
أنا أظن أن مثل تلك الميول موجودة. فإذا كان الأب يتفانى تجاه أبنائه لأنهم سيحملون اسمه لاحقاً، وسيحقق ما عجز عن تحقيقه من خلال إنجازاتهم.. فهذا لا يمنع شعور الأهل بالعطف على ابن معوّق لن يحقق لهم إلا المكابدة..
الرأي الأخير الذي يجب التوقف عنده في هذا المجال هو رأي فرويد في أوائل القرن العشرين، الذي يرى بأن النزعة العدائية عند الإنسان ليست فطريّة، بل هي ناتجة عن الكوابح التي يتعرّض لها الأفراد في بيئتهم: المنع والإلزام والقمع.. والذي لا يمكن للتربية أن تستغني عن بعض أشكالها.. فتنشأ العدوانيّة كردّ فعل على ذلك القمع.
ألا نلاحظ بأن الطفل حين يُمنَع من الحصول على ما يريد، كيف يتحوّل إلى العنف الممارَس على الأشياء من حوله، فإذا مُنع من ذلك قد يمارس عنفاً على جسده ذاته.
وللحديث بقيّة.. من خلال التعرّف على الضلع الثالث في نظريّة العقد الاجتماعي: جان جاك روسّو .. ثم ما جاء به مفكرون لاحقون في مجال الفلسفة السياسيّة.
محمد الحجيري
2 تشرين الأول 2015


28 أيلول
في الفلسفة السياسية
جون لوك والعقد الاجتماعي

على العكس من هوبز، الذي كان يرى أن الإنسان في حالة الطبيعة كان يعيش في صراع ذئاب دائم، فإن جون لوك على العكس من ذلك تماماً.. فهو يرى بأن حالة الطبيعة كانت حالةً مثلى: "ففيها يحيا الفرد من البشر حياة لها كل مقومات الوجود المستقل والمنظم بمقتضى القانون الطبيعي الساري نفوذه على جميع أفراد النوع البشري".
والقانون الطبيعي عند لوك هو سنّةٌ إلهيّة، أو قانونٌ فطريٌ كليٌّ "يُقام به العدل بين البشر في الحالة الطبيعية، ويظل بعد ذلك قاعدة تُسَنّ عليها قوانينهم ومؤسساتهم السياسية في الحالة المدنية متى انتقلوا إليها"
وهذا القانون الفطري يتمثّل بالضمير الفردي وبالعقل الذي له الطابع الكلّي..
"
ولذلك فإن وضع الإنسان "الطبيعي" وضع هانئ، بل ويكاد يكون كاملا، لما يسود الحالة الطبيعية من وئام وسلم بين هذه الذوات البشرية من غير أن يكبحها كابح أو يزعها وازع أو تحكمها مؤسسة سياسية. وفيها أيضا يكون الفرد مستقلا ومكتسبا لقدراته الجسمانية والمعنوية ولحقوق مقدسة" هي: 
ـ الحرّية 
ـ الملكيّة الطبيعيّة
ـ المساواة الطبيعيّة
وقبل توضيح هذه المفاهيم الثلاثة عند لوك، أودّ التوقّف عند سؤال يطرح نفسه بداهةً هنا، وهو: 
إذا كانت الحالة الطبيعيّة بحسب هوبز عبارةً عن "صراع ذئاب" فسيكون من المفهوم والمبرّر، بل من المطلوب البحث عن عقدٍ وتفويضٍ للصلاحيات المطلقة لسلطة تضمن الحفاظ على الحياة وتجعل الحياة الاجتماعية ممكنة.
لكن إذا كانت الحالة الطبيعيّة حسب لوك تتمتّع بكل هذه الحالة من الطوباوية والنموذجيّة، فلماذا إذاً هذا السعي نحو العقد الاجتماعي؟؟
" يجيب لوك على السؤال محاججا بأن مخاطر الاقتصاص الشخصي -وخصوصا في حالات النزاع حول الخيرات والأملاك، وقصور الطبيعة البشرية عن إجراء العدل بميزان واحد منصف- هي ما يحوّل الشعور بالظلم إلى منطلق تنطلق منه رغبة الفرد في الثأر لنفسه من عدوان الغير عليه فيطبّق العدلَ بمقتضى هواه؛ أي بطريقة تحكمية وغير منصفة. فلما كان الجرم يصغر في عين فاعله، ويكبر في عين ضحيته اختل الوزن والميزان بسبب اجتماع الخصم والحكم في شخص من ينفذ الاقتصاص لنفسه بنفسه. يتبع ذلك باللزوم أنه تحاشيا لهذه النزعة الغاشمة التي تردّ على العدوان بالعدوان والمنذرة بالحرب وبانخرام الوضع الطبيعي ينبغي على الإنسان الخروج من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية لوجوب التقاضي لدى قوة عليا ثالثة، هي السلطة المؤسسة التي غايتها صيانة الحق الطبيعي، أو قُلْ: هي الدولة الناشئة في أصلها الأصيل لأجل رفع المظالم عن المظلومين.."
28 أيلول 2015 
تمّ الاعتماد في إعداد هذا المنشور على بحث (عبد العزيز لبيب: نظرية العقد الاجتماعي من هوبز إلى روسو)

في الفلسفة السياسية
جون لوك (1632ـ 1704)
ملاحظة: يشكل لوك الحلقة الوسيطة لفلاسفة العقد الاجتماعي من الناحية الزمنية بين هوبز (1588ـ 1679)
.
لوك (1632ـ 1704)
وروسّو (1712ـ 1788)
حذا لوك حذو هوبز في افتراض "حالة طبيعية" بدائية. قبل نشوء الدول. وشكل- مثل هوبز - التاريخ وفقاً لأغراضه ولكنه على عكس هوبز، تصور أن الأفراد في "الحالة الطبيعية" كانوا أحراراً متساوين، واستخدم هذه اللفظة، لتعني أنه ليس لأحد بالطبيعة "حقوق" أكثر مما لسواه، وهو يبيح للإنسان في "الحالة الطبيعية" غرائز معينة بمثابة إعداد سايكولوجي للمجتمع، ويأتي لوك أحياناً بافتراضات لطيفة "من حيث أن كل إنسان حر بالطبيعة، فليس في إمكان أي شيء أن يخضعه لأية سلطة دنيوية إلا برضاه وموافقته..." ولم يكن "الطور الطبيعي" في هذه النظرية- كما صوره هوبز- حرباً بين الناس بعضهم بعضاً، لأن "سنة أو قانون الطبيعة" أيد حقوقهم بوصفهم حيوانات عاقلة. 
وذهب لوك إلى أنه بمقتضى العقل توصل الناس إلى اتفاق "عقد اجتماعي"، الواحد منهم مع الآخر تنازلوا فيه عن حقوقهم الفردية في القضاء والعقاب، لا لملك، بل للجماعة ككل. 
وعلى هذا تكون الجماعة هي السيد أو الحاكم الحقيقي، وهي تختار بأغلبية الأصوات رئيساً أعلى ينفذ مشيئتها. ويمكن أن يسمى ملكاً، ولكنه مثل أي مواطن آخر ملتزم بطاعة القوانين التي تسنها الجماعة. فإذا سعى إلى خرقها أو المراوغة في تطبيقها، كان للجماعة الحق في سحب السلطة التي منحاه إياه. 
إن أعلى سلطة في الدولة ينبغي أن تكون السلطة التشريعية، التي يجب أن تختارها الأصوات الحرة غير المشتراة.
ويقول لوك "ليس للحكومة من هدف إلا صيانة الملكية (حق التملك)" لقد كانت هناك شيوعية بدائية، حين نما الطعام دون زراعة، واستطاع الإنسان أن يعيش دون كد ولا كدح، ولكن عندما بدأ العمل انتهت الشيوعية، لأن الإنسان أخذ لنفسه، ملكاً خاصاً به، أي شيء ذا قيمة أضفاها عليه جهده هو. 
فالعمل إذن هو مصدر "99%" من كل القيم المادية. (وهنا قدم لوك للاشتراكية الحديثة على غير قصد منه إطلاقاً، أحد مبادئها الأساسية).
إن المدنية تنمو عن طريق العمل، ومن ثم عن طريق نظم الملكية بوصفها نتاجَ العمل. ومن الناحية النظرية ليس لإنسان لأن يمتلك أكثر مما يستطيع استخدامه. ولكن اختراع النقود مكّنه من بيع فائض نتاج عمله، مما لم يستطع الانتفاع به، وعن هذا الطريق ساد التفاوت الكبير أو عدم المساواة في الملكية بين الناس- وربما كنا نتوقع، عند هذه النقطة، من لوك أن ينتقد تركيز الثروة، ولكنه بدلاً من ذلك نظر إلى الملكية مهما كان سوء توزيعها، على أنها أمر طبيعي مقدس، فاستمرار النظام الاجتماعي والمدنية يستلزم أن تكون حماية الملكية أسمى غرض للدولة. "وليس في مقدور السلطة العليا أن تستولي على أي جزء من أملاك الإنسان إلا بموافقته ورضاه".
وعلى حين أجاز بعض الهيجونوت والفلاسفة اليسوعيين الثورة لحماية الدين الحق الواحد، نجد لوك لا يقرها إلا لحماية الممتلكات. إن النزعة الدنيوية كانت تغير من مركز القداسة وتعريفها.
23/9/2015
(منقول عن مقالة طويلة)





ليست هناك تعليقات: