الجمعة، 8 مارس 2019

اللاوعي وحرية الإرادة.



حرية الإرادة أشكالية على الأرجح أنها ستبقى مطروحة للاجتهاد ووجهات النظر. 
هنا مقاربتان لهذه الإشكالية.


هل تتناقض فكرة الحرية مع اللاوعي؟

مقاربة أولى


يتعلق الجواب على السؤال بالمعنى الذي نقصده بمعنى الحرّية. فإذا كان المقصود بالحرّية، الحرية الاعتباطية arbitrary غير المقيّدة بأسباب وعلل، أي، بتعبير آخر، إذا كان المقصود بكلمة "حرية"، حرية المرء أن يفعل ما يشاء [إمكانية قيام المرء بأي فعل] بحيث يكون الفعل وعدمُه سيّان، وأنه بالتالي غير خاضع لنظام الأسباب الطبيعية.. إذا كان الأمر كذلك فإنه لا بدّ أن نستنتج أن فكرة اللاوعي تتنافى مع فكرة الحرية. وآية ذلك، أن فكرة اللاوعي تفترض وجود أسباب أوجبت ما نقوم به من تصرفات عن غير وعيٍ منا. وعليه فإن ما يبدو لنا من أننا أحرار، إنما هو وهمٌ من أوهام وعينا. ألم يقل اسبينوزا أن الحجر، لو كان مزوّداً بالوعي، لظنّ أنه يسقط بحرّية؟!
على أننا إذا فهمنا بمصطلح الحرية معنى التحرّر liberation، أي إذا فهمنا الحرية، لا على أنها قدرة المرء أن يفعل ما يشاء، وإنما قدرة المرء أن يفعل طبقاً لطبيعته، فإن التناقض بين الحرية واللاوعي يرتفع ويزول. ذلك أن اللاوعي ليس قدراً يتحكم بنا من خارجنا. إنما هو الحقيقة المجهولة لذاتنا. وبقدر م ينفتح وعيُنا على اللاوعي، وبقدر ما يكشف نقاب الكبت عن تلك الحقيقة المجهولة، بقدر ما نكون أحراراً. فالحرية بهذا المعنى ليست فعل المرء ما يشاء وإنما هي التحرر من العقد وآليات الكبت التي تمنع المرء أن يتصرّف طبقاً لميوله وطبيعته. إن الفتاة الموسوسة بوسواس غسل الأيدي لا تملك زمام نفسها، بل تشعر بأنها مستلبةُ الإرادة مجبرةٌ على القيام بذلك الفعل. ولا يمكنها أن تتخلص من عقدتها إلا إذا أدركت الدوالفع المكبوتة واء هذا السلوك الغريب.
مرةً أخرى نضيف، ليست الحرية هي القدرة على أن يفعل المرء ما يشاء، وإنما هي التحرر من آليات الكبت التي تمنعنا من أن نعيش تبعاً لحقيقتنا الطبيعية. وبهذا ليس اللاوعي نفياً للحرية. فالحرية كما قال هيغل: "تقوم على معرفة الضرورة". (والضرورة هنا هي اللاوعي).

(الأستاذ م. ف؛ 28 كانون الثاني 2019)



هل تتناقض فكرة الحرية مع اللاوعي؟

مقاربة ثانية


موضوع الحرية ما زال وربما سيبقى إشكاليةً فلسفية لن تجد حلاً يلقى إجماعاً حوله.
في ظني أن الحرية (إن وُجِدت) يجب أن تقترن بقرارٍ واعٍ (بعد مداولةٍ ذاتية)، ثم بإرادةٍ كشرطٍ لتنفيذ ما قررناه.
إذا كان الاختيار ناجماً عن الوعي (والمداولة الذاتية) سيكون اختياراً حراً.
أما إذا كان الاختيار ناجماً عن دوافع لاواعية، فيكون الوعي قناعاً لوهم الحرية.
إذا كان الوعي هو الذي يختار، يمكن أن نسمي ذلك "حرية" إرادة.
أما إذا كان اللاوعي أو الدوافع اللاواعية هي التي تدفعنا إلى ذلك "الاختيار"، فسيظن الوعي أنه يختار، بينما يكون هذا الاختيار خالياً من المضمون، لأن السيد الحقيقي الذي اختار موجودٌ في مكان آخر.
لو أني اتخذت قراراً واعياً أن أكون مهندساً، بعد أن تأكدت من قدرتي الذهنية على النجاح في دراسة الهندسة، وبعد أن درست خيارات وفرص العمل لهذا الاختصاص، وبعد دراسة عوامل أخرى.. يكون ذلك اختياراً حراً توصل إليه الوعي أو توصلتُ إليه بوعيي، وقررتُ بناءً على معطياتٍ واضحة وواعية.
أما إذا كان السبب الحقيقي هي دوافع لاواعية، كأن أُعجَب في طفولتي بشخصٍ ما، ثم نسيت ذلك، لكن بقي أثر ذلك الإعجاب في اللاوعي، وهو ما دفعني إلى اختيار اختصاص الهندسة، فلن يكون الوعي في هذه الحالة إلا مبرّراً، ولن يكون هو صاحب القرار الحقيقي. ويكون ما أظنه قراراً إرادياً محضَ وهم. وبالتالي فإن الكشف عن الدوافع اللاواعية يكون مدخلاً للوعي من أجل التخلص من تأثير تلك الدوافع وتأهيلاً له (للوعي) ليكون سيد نفسه وصاحب القرار الحقيقي.

(م.ح) 


ليست هناك تعليقات: