الأربعاء، 13 سبتمبر 2017

الخيال


الخيال




الصفحة
مقدّمة



3
المدرسة التجريبية



3
سارتر
ـ هوسّرل
ـ آلان
ـ نظرية سارتر


5
نقد


7

التخيّل المبدع
ـ الجهد
ـ الإلهام


8
عوامل الإبداع
ـ ذاتيّة
ـ موضوعيّة


9
قيمة الخيال



10

























المخيّلة الاستعاديّة


المخيلة المبدِعة
























درجات الوعي









الصور الذهنيّة


إشكاليّات



الإدراك الحسّي
كأساسٍ للتخيّل




















نقد








هوسّرل












آلان
















سارتر





















المماثل



















المماثل كجسر عبور للتخيّل







الأحلام










تلخيص



















نقد




































































أهميّة الجهد








الإلهام







الجهد +الإلهام




























العوامل الذاتيّة

ذكاء





حدس






تعويض











الحالة الإنفعاليّة











حاجة المجتمع











ثقافة العصر



















سلبيّات






تشويه الإدراك
الحسّي


تشويه الذاكرة




هروب من مواجهة الواقع


مصدر للقلق




إيجابيات







في الفن






الفرضيّة العلميّة









معرفة الذات والإفادة من الخيال

























الخيال
ـ مقدّمة:
العجوز التي تحوك الصوف، تحلم بمستقبل هانئٍ لأحفادها، والعامل الذي يشتري ورقة اليانصيب، يتصوّر حياة اليُسر التي سيحياها بعد أن تربح ورقتُه الجائزة الكبرى، والرسّام والمؤلّف الموسيقي والمخرج السينمائي يتصوّرون إبداعهم الجديد قبل تدوينه على الورق، وكذلك العالم الطبيعي الذي يبحث عن فرضيّة تستطيع تفسير الظاهرة التي يراقبها..
جميع هؤلاء يقومون بنشاطات تخيّليّة. فماذا نقصد بهذه الكلمة: التخيّل أو المخيّلة؟
لقد تعدّدت التعريفات للمخيّلة، فهي "ملَكة تشكيل الصور، انطلاقاً مما تمّ إدراكه سابقاً"، أو هي "وظيفة نفسيّة إبداعيّة يقوم الفكر من خلالها بتصوّر علاقاتٍ جديدة"  بين الأشياء. أو هي "ملَكَة تشكيل صوَرٍ تتجاوز الواقع" كما يرى "باشلار".
وهي قوّة نفسيّة قادرة على تمثّل صوَرٍ في الوعي تخالف الواقع قليلاً أو كثيراً.
ويميّز "لالاند" بين نوعين من المخيّلة:
          ـ المخيّلة الاستعاديّة أو الذاكرة المتخيّلة: وهي القدرة على تشكيل الصور البصريّة أو السمعيّة أو الحركيّة.. أو الصور المركّبة، مثلاً بصريّة وسمعيّة معاً. وهي أقرب إلى التذكّر.
          ـ المخيّلة المبدعة: وهي القدرة على تركيب لوحات من الصوَر: يمكن لهذا النوع من الخيال أن يكون تقليداً لوقائع الطبيعة، لكن لا يمكن له أن يمثّل شيئاً حقيقيّاً أو موجوداً، ويقترح "لالاند" تسميه بـ "الخيال المجدّد" لتحاشي كلمة "الخلاّق" أو المبدع، لأن كل تخيّل هو تركيب جديد لمجموعة من الصور.. (القديمة).
إن النشاط التخيّلي يشمل حالات شديدة التنوّع في حياة الإنسان: من الحالات البسيطة التي يستسهل فيها الفردُ الحلولَ التعويضيّة هروباً من مواجهة الواقع ومن العمل على إيجاد حلولٍ واقعيّة. إنها نوع من الهروب إلى الأمام: كأن يتخيّل العاطل عن العمل بلوغ الثروة، والضعيفُ أن يصبح ذا سطوَةٍ فينال حقوقه التي سُلِبت منه، وصولاً إلى أغنى أشكال التخيّل، تلك المرتبطة بالاختراعات والاكتشافات العلميّة، مروراً بالأشكال الأدبيّة والفنّية حيث يشكّل الخيالُ الطاقةَ الأساسيّة المؤدّية إلى تطوّر العلوم والفنون والآداب..
لذلك يمكن الموافقة على الرأي القائل بأن "أهميّة أي فرد توازي أهميّة تخيّلاته".
أما في مرحلة الطفولة، فإن الخيال يشكّل جزءاً هاماً من وعي الطفل، لدرجة أنه لا يميّز بشكلٍ واضح ما بين الخيال والواقع: فهو يبني حبكاته القصصيّة ويتعامل مع ألعابه كأنّها كائناتٌ حقيقيّة، مازجاً ما بين الواقعي واللاواقعي. لذلك نرى علماء النفس ينصحون بعدم اتهام الأطفال بالكذب، لعدم التمييز الواضح في هذه السنّ ما بين الواقع والخيال…
لكن كيف تتمّ هذه الحالة من الوعي الملازمة لكل مراحل حياتنا؟
وما نوع العلاقة بين التخيّل وبين أشكال الوعي الأخرى؟ كالتذكّر أو الإدراك الحسّي؟

من أشهر المحاولات للإجابة عن هذه الأسئلة نجد الإجابة التي قدّمتها المدرسة التجريبيّة، ثم الإجابة التي قدّمها الفيلسوف الفرنسي "جان بول سارتر".

المدرسة التجريبيّة:
إن النظريّة التجريبيّة في الخيال تشبه إلى حدٍّ كبير وتكمل نظريّتهم في الذاكرة.
لقد فسّر التجريبيون وجود الذكريات على أنها الآثار المادّية التي تركتها خبراتنا السابقة في الدماغ.
فكلّ شيءٍ يبدأ مع الإدراك الحسّي… ثم ما يبقى من أثر هذا الإدراك الحسّي في الدماغ.
ويوضح "ديفيد هيوم" هذه النظريّة بالقول بأن الإدراك الحسّي والتذكّر والتخيّل كلَّها أشكالٌ للوعي تختلف من حيث الشدّة والوضوح فقط.
هناك درجات مختلفة للوعي تبدأ بالإدراك الحسّي الذي هو وعي قويّ وواضح، تليه الأفكار (ومنها الذكريات والخيال)، وهي عبارة عن الآثار الضعيفة الباهتة المتبقّية من الإدراك الحسّي؛ فأنا حين أنظر الطاولة الموجودة أمامي في الصفّ أمتلك وعياً قويّاً وواضحاً بها: (لونها ـ شكلها ـ حجمها..)، وحين أغمض عينيّ، ماذا يبقى لديّ من هذه الطاولة؟ لا شيء ـ يقول هيوم ـ سوى أفكار|ذكريات، وهي بقايا باهتة لوعيي الأوّل بها: الفروقات بين أشكال الوعي إذاً هي فروقات كمّية.
تأتي الانطباعات أو الإدراك الحسّي أولاً، أما التخيّل فليس أكثر من الأثر الباقي من الانطباعات في الدماغ.
ويسمي التجريبيون هذه الآثار في الدماغ بـ"الصور الذهنية"
لكن هذه النظرية التتجريبيّة تثير عدداً من الأسئلة يتوجّب على التجريبيين الإجابة عنها. من هذه الأسئلة:
          ـ أولاً: إذا كان التخيّل يتم من خلال "الصور الذهنينة" المتبقّية في الدماغ من الانطباعات أو الإدراكات الحسّية، فكيف يمكن لنا أن نتخيّل أشياء لا تزودنا بها هذه الإدراكات؟ كحوريّة البحر مثلاً؟
كيف لنا أن نتخيّل حوريّة البحر مع أنه لا وجود لهذا الكائن في الواقع؟
يردّ التجريبيون بأن هناك نوعين من التخيّل: التخيّل المستعيد (يشبه الذاكرة)، والتخيّل المبدع، والذي يمكن إرجاعه إلى التخيّل المستعيد.
فإذا كان الشاعر قد قدّم لنا كائناً إسمه حوريّة البحر، فإن الطبيعة قد قدّمت لنا البحر وقدّمت لنا الفتاة والسمكة، وبالتالي فإن التخيّل هو عبارة عن إعادة تركيب الصوَر الذهنية (التي هي بقايا الإدراك الحسي)، بطريقة جديدة.
أما بدون الإدراك الحسي فلا وجود لصوَرٍ ذهنية ولا لتخيّل، لذلك فمن غير الممكن لمن يولد أعمى أن يكوِّن أيَّ صورة عن الألوان، وبالتالي فإن الإدراك الحسّي هو المدخل الضروري لكل أشكال الوعي.
                   ـ ثانياً: إذا كانت الفروقات بين أشكال الوعي هي فروقات كمّية، وإذا كان الإدراك الحسّي هو وعي قويّ بينما التخيّل والتذكّر هما وعي ضعيف، فهل هذا يعني أن كل إدراك ضعيف هو تخيّل (أو تذكّر)؟ وكل تخيّل قويّ هو إدراك حسّي؟
وكمثال على ذلك، هل التخيّل الواضح لمهندس معماري لبناءٍ ينوي تنفيذه، أو تخيّل العاشق لحبيبته هو إدراك حسّي؟
وهل سماع الصوت الضعيف لهطول المطر في الخارج، أو سماع دقّات ساعة الحائط البعيدة الضعيف أيضاً، هل هذه الأصوات ـ لأنها ضعيفة ـ هي تخيّل؟ (أو حين نرى بصعوبة جسماً بعيداً (لأنه بعيد)؟) كرؤية الأسلاك الكهربائيّة البعيدة.
يردّ التجريبيون بأننا سنواجه صعوبة فعليّة في التمييز بين التخيّل والإدراك الحسّي في هذه الحالات.
يقول أحد التجريبيين "إنني أتخيّل مبنى "البانتيون" بوضوح كما لو أني أراه أمامي".
أي أن وضوح التخيّل يجعله شبيهاً بالإدراك الحسّي!
أما صوت المطر الضعيف في الخارج فمن الصعوبة بمكان ـ كما يرى التجريبيون ـ أن نميّز بين الإدراك الحسّي والخيال (الوهم) في هذه الحالة.
علينا أن نتحقّق من الوجود الفعلي للمطر في الخارج: أن نخرج إلى الشرفة ونتأكّد من: وجود الغيوم ـ الأرض المبلّلة ـ حبّات المطر....
          ـ لكن هذه النظريّة واجهت اعتراضاتٍ كبيرةً من مدارس فلسفية ترى بأن التمييز بين الإدراك والتخيّل يتمّ بشكل سهل وتلقائي. فنحن حين نخرج إلى الشرفة للتحقّق، فليس لأننا لم نميّز بين الإدراك الحسّي والخيال، نحن نعرف تماماً وبشكلٍ تلقائي بأننا سمعنا صوتاً ما على الشرفة. إننا نريد فقط التحقّق من مصدر هذا الصوت: أهو مطر أم شيء آخر، لكننا نعرف تماماً أننا لا نتخيّل هذه الأصوات.

          ـ سارتر:
إن أبرز من انتقد المدرسة التجريبية هو الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر.
وتعود أسس نظرية سارتر في الخيال إلى مصدرين اثنين قام سارتر بالاستناد إليهما لصياغة نظريته في الخيال: هما هوسّرل وآلان (إميل شارتييه).
هوسّرل:
يرى هوسّرل والمدرسة الظاهراتية بأن "كل وعي هو وعي لشيء ما". وهذا ما يسمّى بقصديّة الوعي، أي أن الوعي يتوجّه دائماً نحو موضوعٍ خارجي؛ ليس هناك وعي بدون موضوع.
وتتعدّد حالات الوعي: فالإدراك الحسّي هو إحدى حالات الوعي، كذلك الخيال هو حالة وعي.
وفعل الوعي خلال الإدراك الحسّي يختلف عن فعل الوعي خلال التخيّل. إنهما فعلان للوعي مختلفان نوعيّاً، أو هما حالتان يتوجّه فيهما الوعي نحو موضوعه بطريقة مختلفة نوعياً، وليس كما يقول التجريبيون بأن التخيّل هو الأثر الضعيف الباقي من الإدراك الحسّي.
إنهما فعاليتان مختلفتان نوعياً.
إذا كان التجريبيون يرَون بين أشكال الوعي فروقات كمّية، فإن هوسّرل يرى بينهما فروقات نوعيّة. وتسمّي المدرسة الظاهراتية فعل التخيّل بـ "الوعي التخيّلي"، أي طريقة في الوعي مختلفة وخاصة بالخيال.
آلان:
          ـ المصدر الثاني لنظرية سارتر نجدها عند آلان.
يرد آلان على صديقه التجريبي الذي يدّعي أنه يتخيّل مبنى البانتيون في باريس بوضوح كما لو أنه يراه أمامه: إنه يتخيل بوضوح يشبه الإدراك الحسّي...
يردّ عليه آلان: عدَّ لي أعمدته إن كان صحيحاً ما تقول!
ومن البديهي أن يعجز صديقه التجريبي عن ذلك. فالمعطيات الغنيّة التي يقدّمها لنا الإدراك الحسي لا يمكن للخيال أن يقدّمها لنا.
يرفض آلان وجود الخيال: "إننا نتخيّل أننا نتخيّل". ويُرجِع آلان التخيّل إلى معرفة سابقة مضاف إليها حركات الجسم، أو هي معرفة مجسّدة في حركات.
إنه يرى في صديقه الذي يظن أنه يتخيّل البانتيون كما لو أنه يراه، بأن معرفته سرت في مسالك جسده، فرأى نفسه وكأنه يتحرك من سمال إلى يمين، ومن أسفل إلى فوق، وبين الأعمدة، فتساوت الصورة الذهنية المتخيَّلة مع حركات جسده.
فالصورة إذاً هي معرفة مرسومة في حركات الجسد.

سارتر:
          ـ بالنسبة لسارتر إذاً، هناك فرق نوعي بين الوعي الناجم عن فعل الإدراك، والوعي الناجم عن فعل التخيّل، ويسمي النوع الأخير من الوعي بـ "الوعي المتخيِّل". والتمييز بين النوعين من الوعي أمر بديهي وتلقائي.
التخيّل ببساطة هو التفكير في شيء ما باعتباره غير موجود: أن أتخيّل شقيقي أو صديقاً لي يعني أن أفكّر به حين يكون غائباً، لأن وعي الشيء في حال وجوده هو إدراك حسّي.
لكن ماذا يفرّق الخيال إذاً عن أشكال المعرفة الأخرى؟
ما الفرق بين شخص يتخيّل مبنى البانتيون بعد زياراته المتكرّرة له وبين شخص آخر حصل على معلومات عنه من خلال القراءة مثلاً؟
هل من يعرف أن عدد ضحايا زلزال آسيا وصل إلى حدود المائتين وخمسين ألف ضحيّة كمن يحاول تخيّل الكارثة مثلاً؟
لم يغفل سارتر هذا الإعتراض، وأجاب عنه بأنّ التخيّل ليس معرفة بسيطة بالشيء، إنه يتطلب مادّة ما يعْبر الفكر من خلالها إلى الموضوع الغائب الذي يتم تخيّله.
وهنا التشابه مع آلان واضح جداً: فإذا كان التخيل عند آلان يتم من خلال التفكير إضافة إلى عامل مساعد هو الحركة الجسدية المرافقة لفعل التفكير، فإن العامل المساعد عند سارتر أكثر شموليّة ويتضمّن أشكالاً عديدةً أحدها هو الحركة كما سنرى لاحقاً.
فالعاشق الذي يفكّر في حبيبته أثناء غيابها فإنه يستند إلى مادّة تؤدي دور المحرّض أو المساعد على التخيّل، وهذه المادّة قد تكون صورة لها أو رائحة عطرٍ أو أيّ شيءٍ آخر يقوم بدور الحاث أو المحرّض على التخيّل، وهذا ما يسمّيه سارتر "الشبيه" أو "المماثل". (كترجمة للمصطلح الذي يستخدمه سارتر وهو:   Analogon ).
وهذا المماثل المساعد على التخيّل قد يكون أيضاً عبارة عن حركات يقوم بها الشخص المتخيِّل: كحركات الترحاب التي نقوم بها حين نتخيّل حضور عزيز علينا.... (هنا يبدو التطابق واضحاً مع آلان..)
ويمكن لنا أن نستحضر بعض الأمثلة من الأدب أو من الحياة اليوميّة لتوضيح ذلك: فالطفل الذي يدحرج علبة فارغة على الطريق بقدميه متخيّلاً مباراة حماسيّة لكرة القدم يكون هو بطلها، متقمّصاً شخصيّة أحد اللاعبين المشهورين: .. ها هو يتصوّر نفسه .. يتخطّى اللاعب الأول.. والثاني .. ويناور ثم يسجّل هدفه الأوّل .. والثاني ..والثالث..
وبينما هو يسجّل أهدافه المتتالية، تسقط العلبة الفارغة في خندق على جانب الطريق.
يتابع بطلُنا سيره، لكنه فجأة يوقف مباراته الشيّقة: لأنه فقد "المماثل" الشبيه والمساعد على عمليّة التخيّل.
ويُشترَط في "المماثل"، كالصورة مثلاً أن تكون جسراً نعبُر من خلاله نحو فعل التخيّل.
إن التدقيق في الصورة بذاتها: ألوانها، حجمها، تفاصيل الخطوط والأشياء الموجودة، تشكّل عاملاً معوّقاً للتخيّل أكثر منها عاملاً مساعداً.
في هذه الحالة تكون حالة الوعي الطاغية هي الإدراك الحسّي، بينما العبور نحو التخيّل يؤدي تلقائياً إلى ضعف هذا الوعي ليحلّ محلّه وعي آخر هو: "الوعي التخيّلي"
الأحلام:
ويلعب المماثل دوراً في الأحلام كما يرى سارتر.
وقد يكون المماثل على شكل شرارات ضوئيّة أو مثيرات حسّية (لمسيّة) أو صوتيّة...
فالنائم ـ وبسبب من صوت منبّه الساعة صباحاً ـ قد يحلم أنه يمضي عطلة نهاية الأسبوع قرب شلاّل النهر في الطبيعة: المروج الخضراء حوله، الأصدقاء أو العائلة، إعداد الطعام.. (صوت منبّه الساعة هنا يلعب دور المماثل).
أو الطفل الذي يسمع صوت أبيه الذي حضر من السفر ليلاً.. فيحلم حلماً له علاقة بالوالد...
تلخيص:
بالمقابلة بين النظرية التجريبيّة ونظريّة سارتر في الخيال، نرى أن المدرسة التجريبية قد اعتبرت في أساس التخيّل "صوراً ذهنيّة" هي من بقايا وآثار الإدراك الحسّي في الدماغ.
إنها إدراك حسّي باهت، وما الفرق بينها وبين الإدراك الحسّي إلا من حيث الشدّة والوضوح. (فرق كمّي).
والتخيّل الخلاّق يتم من خلال تركيب هذه "الصوَر الذهنيّة" في تركيبات جديدة مبتكرة.
وبما أن الإدراك الحسّي والتخيّل من طبيعة واحدة، فإننا نجد صعوبة في التمييز بين الإدراك الحسّي الضعيف والخيال.
بينما نجد سارتر ينطلق من منطلقات نظريّة مخالفة تماماً: فالفروقات بين الإدراك الحسّي والخيال هي فروقات نوعيّة: إن وعينا لموضوعٍ ما خلال الإدراك الحسّي يختلف بشكلٍ نوعيٍّ عن وعينا لهذا الموضوع من خلال التخيّل، والذي يسمّيه سارتر بـ "الوعي المتخيّل".
إن فعل الوعي المتخيّل هذا يتمّ من خلال المعرفة السابقة يُضاف إليها عاملٌ مساعد على عمليّة التخيّل: هو "المماثل".
ومن خلال هذا المماثل يفسّر سارتر أيضاً ظاهرة الأحلام..
نقد:
إن قول التجريبيين بالطبيعة الواحدة لأشكال الوعي (الإدراك الحسّي والخيال)، لا يصمد كثيراً أمام النقد. فالمعطيات التي يقدّمها لنا الشيء من خلال الإدراك الحسي بالغة الغنى ومباشرة نستطيع أن نستقرئها متى شئنا للحصول على معلومات جديدة كاللون والطول والوزن..والكثير من التفاصيل.
وهذه المعطيات تعبّر بشكل موضوعيّ عن الشيء المدرَك، على عكس المعطيات الناتجة عن التخيّل، والتي تتضمّن الكثير من التحويرات، وغير قادرة على استقراء التفاصيل الواقعيّة للأشياء.
في هذه النقطة تبدو النظريّة السارتريّة والظاهراتيّة أكثر إقناعاً وتماسكاً حين تقولان بأشكالٍ مختلفة نوعيّاً للوعي.
إن التخيّل ليس إدراكاً ضعيفاً.
أما نظريّة سارتر في "المماثل" فإنه لَمِن الواضح ما لهذا المماثل من أهميّة في عمليّة التخيّل كعاملٍ مساعد.  ونحن نعيش في حياتنا اليوميّة الكثير من الحالات المشابهة لحالة التخيّل انطلاقاً من صورة شخصٍ ما، أو المشابهة لحالة الطفل الذي يلهو بالعلبة الفارغة متخيلاً مباراةً لكرة القدم..
لكن من حقّنا أن نسأل سارتر: أليس من الممكن أن تتم عمليّة التخيّل بدون هذا الشبيه أو المماثل؟
ألا يمكن لمهندس معماري أن يتخيّل تصميماً لبناء إذا كان هذا المهندس موجوداً في غرفة مظلمة
ولا يقوم بأيّ حركة (إلا التفكير)أي دون وجود أي مماثل؟
إن وجود المماثل هو عامل مساعد على التخيّل، هذا أمر واضح. أما إن كانت عمليّة ا لتخيّل ممكنة أم لا بدون المماثل، فمن الصعب الإجابة على ذلك بشكل قاطع.
كذلك الأمر بالنسبة للأحلام، فإذا كان صحيحاً ما قاله سارتر حول تأثير المثيرات الخارجيّة في تشكيل الأحلام، فإن مدرسة التحليل النفسي تكمِل الصورة لتفسّر لنا لماذا كان الحلم على هذا الشكل وليس على شكل آخر: أي مضمون الحلم.
فالذي يحلم أنه يمضي عطلة نهاية الأسبوع على حافة النهر (بسبب من صوت المنبّه)، هو موظّف لا يرغب في الذهاب إلى عمله لسببٍ من الأسباب.
الحلم هنا أدّى وظيفةً في الحفاظ على النوم وتعدم الاستيقاظ على صوت منبّه الساعة.
إضافة إلى أن سارتر لا يبدو مقنِعاً إذا كان يعتبر أن الحلم هو نوع من التخيّل.
وإذا أمكن لنا أن نعتبر أن الأحلام هي نوع من التخيّل فإن نظرية سارتر ستواجه صعوبة أخرى: هي كيفيّة التوفيق بين قوله بسهولة وتلقائيّة التمييز بين الإدراك الحسّي والتخيّل، وبين صعوبة التمييز بين الإثنين في الحلم، لأن الذي يحلم يظنّ ما يعيشه في الحلم بأنه حقيقة واقعيّة.. أي أنه يظنّ حلمه (تخيّله) إدراكاً حسّياً، وبالتالي فإن هناك صعوبة في التمييز بين الإدراك الحسّي والتخيّل، وهذا يعيدنا إلى ما قال به التجريبيون، والذي انتقده سارتر بشدّة...

التخيّل المبدع:
مهما اختلفت تفسيرات المدرسة التجريبيّة عن تفسيرات سارتر لعمليّة التخيّل، فإنهما يلتقيان في أن التخيّل يشكّل إضافة إلى الواقع، أو إلى الإدراك الحسّي.
التجريبيون يرَوْن في التخيّل المبدع إعادة تنظيمٍ لمعطيات التخيّل المستعيد، وهذا التنظيم الجديد يبدع أشياء جديدة غير موجودة أصلاً في الطبيعة: كحوريّة البحر مثلاً.
كذلك سارتر الذي يرى في أصل التخيّل معرفة سابقة مضافة إلى "مماثل" تتعدّد أشكاله، فهي قد تكون صورة فوتوغرافيّة، وقد تكون حركة أو مثيراً صوتيّاً أو ضوئياً..
وفي كل الحالات، هناك إضافة أو إبداع ما، يقوم به "الوعي المتخيّل": فصورة الحبيبة تنقل العاشق نحو أحداث مستقبليّة لم تحدث بعد، وربا سوف لن تحدث، كتخيّله لأحداث اللقاء المرتقب أو الزواج...
وبنفس المظور، يمكننا تفسير سلوك العالِم الذي يتخيّل فرَضيّةً يحاول من خلالها تفسير ظاهرةٍ طبيعيّةٍ معيّنة، والمماثل هنا هو الظاهرة الطبيعيّة نفسها: أي أن الظاهرة نفسها هي التي حفّزته على التخيّل أو التفكير.
من المتّفق عليه إذاً أن في التخيّل إضافة وخلقاً من قِبَل المتخيِّل ذاته. وهذه الإضافة قد تصل حدّ العبقريّة كما نجدها عند كبار العلماء والفنّانين: أمثال نيوتن ودافنشي وغيرهما...
والسؤال هو: لماذا هذا الشخص بالذات استطاع أن يجد حلاً عبقريّاً أو أن ينتج عملاً فنّّياً خالداً؟
الجهد:
أهي جهوده الحبّارة ومواظبته على البحث أم هو تفوّق بالفطرة أم بسبب إلهام ما، يأتي من مكان ما، فوق المستوى البشري؟ أم هي الصدفة ليس إلا؟
البعض يرى أن المثابرة هي طريق الإبداع، ولكيّ يمكن لعالم أو فنّان أن يكون مبدعاً، عليه أن يبدأ بالتعلّم ودراسة النظريّات السابقة فيستوعبها بعمق أوّلاً، ثم، ومن خلال متابعته أبحاثه وجهوده يتوصّل إلى أن يضيف أفكاراً من عنده، أي أن يبدع في مجالٍ من المجالات، ولا يمكن لمن لم يتعلّم أن يضيف شيئاً جديداً في الموسيقى أو في الفيزياء أو أيّ مجالٍ آخر.
الإلهام:
بينما يعارض البعض الآخر هذا الرأي، معتبرين أن في الإبداع إلهاماً ما..
ليس كل الذين يثابرون يتوصّلون إلى إبداعات مهمّة. العبقريّ فقط هو من يبدع. ولا علاقة لذلك بالجهد المبذول، فكثيراً ما يحدث أن تأتي الفكرة الخلاّقة خلال النوم أو خلال رحلة في القطار حين يكون صاحبها في حالة استرخاء.
إن القدرة على الإبداع إذاً هي موهبة وإلهام يمتاز بهما أفراد قلائل..
الجهد + الإلهام:
بالعودة إلى هذين الرأيين يمكن القول بأن الفروقات  الفرديّة واضحة بين الناس، وبأن الجهد وحده لا يمكن أن يفسّر العبقريّة، فهي إلى جانب عوامل أخرى، تتطلّب مستوىً عالياً من الذكاء.
لكن هذا الاستعداد الفطري لدى الشخص (الذكاء)، بحاجة إلى تطوير من خلال التعلّم والمثابرة والقيام بالأبحاث. وكما قيل فإن "الذي يكتشف دون أن يبحث، فلأنه كان قد بحث سابقاً دون أن يجد الجواب".
لقد أثبتت التجارب التي يقوم بها العلماء على الدماغ من خلال مراقبة نشاطه الكهربائي، بأن المنطقة الناشطة في الدماغ ـ بسبب انشغالها بمسألة معيّنة ـ تحافظ على نسبة من نشاطها حتى خلال النوم. وبالتالي فإننا في حالات النوم أو الاسترخاء، فإن دماغنا يحافظ على انشغاله بالمسألة المطروحة بنسبةٍ معيّنة.
وبالتالي فإن ما نظنّ أننا قد وجدناه بفضل الإلهام المفارق، هو في الحقيقة مرتبط بدرجةٍ كبيرةٍ بالجهد الفكري الذي نقوم به خلال يقظتنا، والذي يتابع دماغنا الاهتمام به حتى دون وعي منّا...
لذلك نجد الفيلسوف البريطاني "برتراند راسل" ينصحنا بأن نفكّر في المسائل الشائكة لفترة محدّدة: (يوماً أو يومين)، ثم نتركها، لنعود إليها بعد شهور، ونفكّر فيها من جديد، فنجد أننا قد أصبحنا قادرين على إيجاد الحلول لها بسهولة.
السبب في ذلك ليس الإلهام الغامض، إنما في كون الدماغ يعمل على هذه المسألة بطريقة لاواعية خلال الفترة التي انقضت.
الموهبة إذاً، والعمل، كلاهما يؤثّران في الحالات الإبداعيّة.
لكن ألا توجد عوامل أخرى ، تؤثّر في عمليّة الإبداع؟
وإن وُجِدَت فما هي؟
عوامل الإبداع:
يمكن لنا القول بوجود عوامل ذاتيّة، وأخرى موضوعيّة تؤثّر في عمليّة التخيّل الإبداعي.
العوامل الذاتيّة:
                   ـ الذكاء: من خلال الذكاء وحده نستطيع أن نرى علاقاتٍ بين أشياءَ تبدو في الظاهر أن لا شيء يجمعها، كالعلاقة بين الجاذبيّة وبين السقوط الحرّ للأجسام وبين حركة الكواكب وحركتيّ المدّ والجزر التي اكتشفها نيوتن.
وهذا النوع من الذكاء يرتبط بنوعين من الممارسة العقليّة هما: العقل الحدسي أو الحدس، والتفكير التحليلي.
فالحدس هو تلك القدرة التي تجعل الفكرة الجديدة أو الفرضيّة تنبجس (تظهر) فجأة إلى الوجود، إنها أمُّ الإبداع، والعامل الأوّل والأهمّ، لكن تبقى الحاجة إلى رقيب يمنعها من الشطط ويتحقّق من صحّتها. وهذا الرقيب هو القدرة على التحليل والتحقّق والبرهان.
إنهما فعاليّتان ذهنيّتان مختلفتان: إحداهما تتضمّن القدرة على إيجاد الفكرة الجديدة المبدَعة، والثانية تتحقّق من صحّة هذه الفكرة الجديدة وتبرهن عليها أو تكتشف خطأها ليتمّ البحث عن بديلٍ آخر.
من العوامل الذاتيّة أيضاً التعويض:
                   ـ لقد أوضحت مدرسة التحليل النفسي هذا العامل بشكلٍ جيّد (وبخاصة آدلر)، وهي تعيده إلى دوافع لاواعية لدى الفرد: فالرسام المقعد مسكون بفكرة الرشاقة التي تظهر في رسوماته على شكل راقصات الباليه والألعاب البهلوانيّة..
وغالباً ما يلجأ الذين يعانون من مشاكل جسديّة إلى تحقيق أنفسهم بأشكالٍ مختلفة من التعويض، فالعاشق المحبَط قد يلجأ إلى التعويض على شكل حبٍّ صوفيّ.
إن برغسون يعتبر الكثير من الأفكار الدينيّة مثل الحياة بعد الموت والعدالة في الآخرة كنوعٍ من التعويض عن واقع الظلم والموت الذي ينتظر كلّ فردٍ، والتي لا يستطيع التغلّب عليها في حياته.
الحالة الإنفعاليّة:
                   ـ إن حالة القلق وعدم الرضا التي يعيشها المبدع هي المدخل الضروري للبحث والابداع الذي يؤمّن نوعاً من التوازن النفسي.
إن عدم الاكتراث واللامبالاة لا تتعايش مع الإبداع. يقول الموسيقي الألماني "فاغنر": "لا أفهم كيف أن السعيد يمكن أن يكون فنّاناً".
ألا نلاحظ أن أجمل القصائد يكتبها الشاعر قبل حصوله على حبيبته أو بعد فراقها؟ (كما يروي الشاعر شوقي بزيع)، أي في حالات المشاعر المتأجّجة.

العوامل الموضوعيّة:
يمكن الحديث عن أهم العوامل الموضوعيّة في الخيال المبدع ومنها:
          أ ـ حاجة المجتمع:
إن المشاكل التي تواجه المجتمع تدفع مبدعيه لاجتراح الحلول:
لقد ساهمت المشاكل الناجمة عن فيضان النيل في مصر القديمة إلى تطوير علم الهندسة، كما ساهم إيمان المصريين بحياة بعد الموت وببعث الأجساد إلى تطوير التحنيط لديهم.
وحاجة الفينيقيين إلى أداة سهلة للتواصل في معاملاتهم التجاريّة دفعتهم إلى تطوير اللغة وإيجاد الأحرف الأبجديّة.
إن المشاكل التي تواجهها المجتمعات كثيرة ومتباينة: كندرة الموادّ الأوليّة، أو الحروب أو الأوبئة والزلازل، أو زيادة عدد السكان، وهذه الحالات تستفزّ المبدعين للبحث عن وسائل يواجهون بها مشاكل مجتمعاتهم.
          ب ـ ثقافة العصر:
إن ثقافة زمنٍ معيّن هي التي تحدّد ما هو ممكن. فالتطوّر الذي بلغه علم الفيزياء في معرفة مكوّنات الذرّة هو الذي جعل الإبداعات ممكنة في مجالات الأدوات الكهربائيّة والألكترونيّة.
إن التطوّر الذي بلغه علم الرياضيّات في القرن التاسع عشر سمح لنيوتن ولـ لايبنز أن يوجدا علم التفاضل، وبشكل مستقلٍّ ومتزامن تقريباً.
كما أن اكتشاف الرياضيات اللاإقليديّة (هندسة ريمان ولوباتشفسكي في المكان المحدّب أو المقعّر) جعلت فيزياء أينشتاين ممكنة.
وما يلفت الانتباه هو سيادة فكرة في عصرٍ ما، فتطبع بطابعها أكثر من مجال في ذلك العصر: لقد سيطرت فكرة الصراع خلال القرن التاسع عشر، فتمظهرت في العديد من المجالات، من الفلسفة (هيغل وماركس) إلى الإقتصاد (مالتوس وآدم سميث)، إلى التاريخ الطبيعي (لامارك وداروِن)...

قيمة الخيال:
هذه أهم العوامل الذاتيّة والموضوعيّة المؤثّرة في الإبداع، وبداية الإبداع فكرة أو تخيّل.
فهل كل أشكال التخيّل تؤدّي إلى الإبداع أم أن له أشكالاً أخرى قد تكون ضارّة؟
سلبيات:
لقد اعتبر الفلاسفة التعقليّون: ديكارت ومالبرانش وباسكال أن الخيالَ عائقٌ أمام العقل وسببٌ للوقوع في الخطأ والضلال.
إن في رأي "باسكال" شيئاً من الصِحّة، فالخيال يبعدنا عن الواقع وبالتالي عن الحقيقة.
المعرفة الموضوعيّة التي تستند إلى العقل والتحليل المنطقي تقرّبنا من حقيقة الأشياء، أما الخيال فيقدّم لنا "حقائق" ذاتية ويخترعها بعيداً عن الواقع والحقيقة.
كما أنه مصدر تشويهٍ للإدراك الحسّي، لأنه إسقاط من الذات على العالم، فعالم النبات لا يدرك في الغابة ما يدركه الصياد أو الرسّام أو الموسيقي، فبسبب الخيال يدرك كلّ واحدٍ حقيقته الخاصة به..
كذلك فالخيال مصدر تشويه للذاكرة. مع الوقت تختلط خبراتنا الماضية برغباتنا وتخيّلاتنا، فلو نحن روينا قصة أمام عددٍ من الأشخاص، ثم بعد مدّة طلبنا من كلّ واحدٍ أن يعيدها علينا للاحظنا حالات الحذف والإضافة إلى تلك القصّة بشكلٍ مختلفٍ عند كلّ منهم..
الخيال أيضاً طريقة للهروب من الواقع وصعوباته من خلال تعويضٍ نفسيّ كاذب، لا يغيّر شيئاً من حقيقة الواقع. إنه حلّ سهل ولكنّه وهميّ، بينما يتطلّب الحلّ الحقيقيّ الجهد والتعب. (إعطاء أمثلة)
إنه أيضاً مصدرٌ للقلق غير مبرّر، فنحن من خلال الخيال نستحضر هموم المستقبل في الحاضر، كالخوف من الموت والمرض والفقر، وقد نتخيّل أشياء غير حقيقيّةٍ مثل وفاة قريبٍ أو خيانة صديقٍ أو حصول حادث سيارة....
وكل هذا مبعثٌ للهمّ والقلق دون أن يقدّم أيّة فائدة.
فهل هذا يعني أنه ليس للخيال أيّة إيجابيات؟
إيجابيات:
إذا كان في التخيّل ابتعاد عن الواقع والحقيقة أحياناً، فإنه يوجِد حقائقه الجديدة وواقعه الجديد.
إن المشروع الذي ننوي القيام به يبدأ كفكرة سابقة على تحقيقه، أي على شكل تخيّل.
كل مشروع يبدأ إذاً على شكل فكرةٍ ـ إذا استبعدنا السلوك العشوائي والصدفة..
إذاً، ليس كل تخيّل لا يجسّد الواقع الموجود هو هروب من الواقع:
في الفنون: من الرسم إلى النحت والموسيقى والمسرح والرواية.. ألخيال هو مصدر الخلْق...
وحتى نستطيع أن نحكم بشكلٍ صحيح على أهمّية الخيال في سَيْر تطوّر البشريّة، فلنحاول أن نحذف من تاريخ الحضارة كل الإنجازات التي حقّقتها البشريّة بفضل الخيال.. ماذا يبقى بعد ذلك؟
أيكون الإنسان "إنساناً" حقاً؟
أليست الفرضيّة في العلوم هي النظريّة المقترحة أو المحتملة؟
صحيح أن ليس كل الفرضيّات تصبح نظرياتٍ، لأن عليها قبل ذلك أن تخضع إلى التحليل العقلي والتحقّق من قدرتها على تفسير الواقعة. لكن كل نظريّة كانت في الأصل فرضيّة. والفرضيّة من بنات المخيّلة.
إذاً ليس هناك نظريات ولا علمٌ ولا فنّ ولا حضارة بدون المخيّلة!
إذا فهم الإنسان نفسه ـ كما كان يطالب سقراط في العصر الإغريقي، وإذا فهم مَلَكاتِه النفسيّة ومنها المخيّلة، وأصبح يعرف كيف يستخدم هذه الملَكة بشكلٍ خلاّق ونافع، ويعرف كيف يتحفّظ على "الحقائق" التي تدخّلت المخيّلة فشوّهت فيها..
وإذا عرف كيف يتحفّظ، بل يبتعد عن "الحلول" التعويضيّة التي تقدّمها على شكل هروب من الواقع....
إذا عرف الإنسان كل ذلك، فمن المؤكّد أن المخيّلة هي المصدر الذي لا غنى عنه في عمليّة الخلق والإبداع.
علينا أن نعرف المخيّلة بشكلٍ كافٍ لنعلم متى نركن إليها ونعتمد عليها في عمليّة الخلق، ومتى يجب أن نتحفّظ على دورها في عمليّة الوعي..














L'imagination, manifestation de la liberté ?
«Poser une image c'est constituer un objet en marge de la totalité du réel, c'est donc tenir le réel à distance, s'en affranchir en un mot le nier. Ou, si l'on préfère, nier d'un objet qu'il appartienne au réel, c'est nier le réel en tant qu'on pose líobjet ; les deux négations sont complémentaires et celle-ci est condition de celle-là. Nous savons, par ailleurs, que la totalité du réel, en tant qu'elle est saisie par la conscience comme une situation synthétique pour cette conscience, c'est le monde. La condition pour qu'une conscience puisse imaginer est donc double : il faut à la fois qu'elle puisse poser le monde dans sa totalité synthétique et, à la fois, qu'elle puisse poser l'objet imaginé comme hors d'atteinte par rapport à cet ensemble synthétique, c'est-à-dire poser le monde comme un néant par rapport à l'image. Il suit de là clairement que toute création d'imaginaire serait totalement impossible à une conscience dont la nature serait précisément d'être «au-milieu-du-monde». Si nous supposons en effet une conscience placée au sein du monde comme un existant parmi d'autres, nous devons la concevoir, par hypothèse, comme soumise sans recours à l'action des diverses réalités - sans qu'elle puisse par ailleurs dépasser le détail de ces réalités par une intuition qui embrasserait leur totalité. Cette conscience ne pourrait donc contenir que des modifications réelles provoquées par des actions réelles et toute imagination lui serait interdite, précisément dans la mesure où elle serait enlisée dans le réel. Cette conception d'une conscience embourbée dans le monde ne nous est pas inconnue car cíest précisément celle du déterminisme psychologique. Nous pouvons affirmer sans crainte que, si la conscience est une succession de faits psychiques déterminés, il est totalement impossible qu'elle produise jamais autre chose que du réel. Pour qu'une conscience puisse imaginer il faut qu'elle échappe au monde par sa nature même, il faut qu'elle puisse tirer d'elle-même une position de recul par rapport au monde. En un mot il faut qu'elle soit libre. Ainsi la thèse d'irréalité nous a livré la possibilité de négation comme sa condition, or, celle-ci n'est possible que par la «néantisation>> du monde comme totalité et cette néantisation s'est révélée à nous comme étant l'envers de la liberté même de la conscience>>.
SARTRE, L'imaginaire, Paris, Gallimard, 1940, pp. 352-353. 

ليست هناك تعليقات: