الثلاثاء، 21 يونيو 2016

دفاتر الماضي: قصتي مع الفلسفة؛ محمد الحجيري.


قصتي مع الفلسفة.
بدأت قصتي مع الفلسفة حين كنت في الثلاثين من عمري.
كان ذلك عام 1989.
وما فكرت يوماً بدراسة الفلسفة.
كان لديّ عشقٌ لمادتيّ الفيزياء والرياضيات. وصادفت في حياتي الدراسية تألقاً حتى ما قبل إنهاء المرحلة الثانوية، تلتها مرحلة من الإحباطات.
في عام 1982 كنت ما زلت حياً.
تركت مقاعد الدراسة في العام 1979، ثم عدت إليها، بتعثّر، عام 1984.
سافرت إلى فرنسا لمتابعة دراستي الجامعية، وصادفت فيها سنواتٍ من التعثّر، وما أطال بقائي في فرنسا لسنوات صديقٌ، هو الآن أستاذٌ جامعيّ، كنا ندرسُ معاً. وحين قررت العودة إلى لبنان، رفض صديقي خلدون ذلك بقوّة.
هو كان يتدبّر أمور دراسته، من خلال منحةٍ دراسية كان يحصل عليها شقيقه في كندا، فكان يحصل على نصف تلك المنحة.
ولما قررت العودة إلى لبنان، جُنّ جنونه وقال: إما أن نبقى معاً، أو أن نرجع معاً.
وبقينا.
تقاسمنا دريهماتِه معاً لعام كامل.
لن أطيل الحديث عن ذلك. باختصار، هربت من ذلك الصديق. غادرت إلى لبنان، بعد أن أمضيت أشهراً عند صديق قديمٍ لي في باريس، وبعثت إليه برسالة من المطار لحظة مغادرتي، لأنه لم يكن يقبل فكرة أن يعود أحدُنا بينما يبقى الآخر.
.. اعتدْتُ منذ سني مراهقتي على المطالعة وجمع الكتب.
في المرحلة المتوسطة قرأت مجموعة جبران. ولما طلب منا أستاذ اللغة العربية أن نكتب موضوعاً بشكل اختياري، ثم نقرأه في الصف على مسمع الآخرين، قرأت موضوعاً متخيَّلاً عن شابٍ وفتاة، أحبا بعضهما، ولما لم يوافق الأهل على ذلك الحب، ألقيا بنفسيهما في النهر.
لاقى الموضوع استحسان الجميع، وعلّق الأستاذ على الموضوع بالقول: أنت تقرأ جبران..؟
قلت نعم.
وما زلت إلى اليوم أمقت جبران و"أجنحته المتكسّرة" وأغلبَ ما كتَب ولا أنصح أحداً بقراءته.
إنه صاحب الحلول "الخنفشارية".
كنت أقرأ كتباً لا أفهمها، وأجمع كتباً لا أعرف عنها شيئاً.
ما زلت أذكر أني قرأت كتاباً عن علم النفس الاجتماعي، في وقت لم أكن قد سمعت بعلم الاجتماع أو بعلم النفس.
وأذكر أيضاً أني قرأت "هكذا تلكلم زرادشت" لـ نيتشه.
ربما هو نوعٌ من الادعاء بالتميّز. في كل الأحوال هو نوعٌ من الادعاء الفارغ.
عام 1989، تناولت من "مكتبتي" كتاباً من "سلسلة عالم المعرفة" الكويتية، التي كنت أحرص على جمع أعدادها، كتاباً اسمه "حكمة الغرب".
لم أكن أعرف ماذا تعني "حكمة" ولا ما هو موضوع الكتاب.
وجدتُني أكتشف متعةً غريبةً في ذلك الكتاب، إنه كتابٌ في تاريخ الفلسفة للفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل.
بعد قراءة الكتاب، قصدت مباشرة الجامعة اللبنانية في زحلة وتسجلت في قسم الفلسفة.
بدأت أصبحُ شخصاً آخر. وإن كانت بدايات التحول قد حدثت خلال وجودي في فرنسا، وكان لحواراتي مع صديقي خلدون تأثيرٌ كبيرٌ في ذلك.
لم نكن ننتمي إلى نفس الخلفية الفكرية.
هو كان شيوعياً، وأنا لم أكن كذلك. كنت أقرب إلى "المحافَظة".
لكن تلك الحوارات كانت البذرة التي أبعدت كلينا عن مسلّمات كانت تبدو لنا من اليقينيات.
لا عاد هو هوَ، ولا عدتُ أنا أنا.
أكملت دراستي الجامعية في صيدا.
وما زلت أشعر أني ما زلت على ضفاف الفلسفة.
ما غيَّرَتْهُ الفلسفةُ فيَّ ليس المعلومات التي أضافتها، بل في طريقة مقاربتي للأمور.
أصبحت حين أدخل في نقاش مع الغير، أشعر بالمتاريس الدوغمائية التي يتمترسون خلفها.
الوحيد الذي كان يجلعني أشعر بتخلفي في التفكير، وبدوغمائيتي، هو أستاذي جورج زيناتي، أستاذ الفلسفة المعاصرة في الجامعة.
والآن؟
هل ما زلت أعتبر أن الأفضل لي كان دراستي للفيزياء؟
لا.
كان من حسن المصادفات أني تعرفت إلى سفينة الفلسفة.
نعم، هي سفينة للإبحار، ليس إلا.
ما يزعجني هو تعليمُ مادةِ الفلسفة، وليس تعلّمُها.
أودُّ لو يمكنني أن أعلِّم الرياضيات، وأقرأ الفلسفة والتاريخ.
معاناة أن تعلّم مادة تجهد نفسك لإقناع الآخرين بجدواها.
قد يصلون إلى هذه القناعة بعد سنوات..
لكننا الآن..
21/6/2016

ليست هناك تعليقات: