الأربعاء، 3 يناير 2018

نصوص لكانط ولمحمود فهمي زيدان ونصوص أخرى.


نصوص لكانط ومحمود فهمي زيدان ونصوص أخرى.


عن محمود زيدان + نقد العقل المحض لكانط
كانط: المعرفة بين التصورات القبلية والانطباعات الحسّية
قرر ليبنتز أن وظيفة التصورات [القبليّة] إنما هي تمكيننا من معرفة عالمٍ معقول.
قرر هيوم أن ليس لدينا تصورات قبلية، وأن ليس لدينا سبيل لمعرفة ما إذا كان هناك عالم معقول؛ لدينا انطباعات حسّية وما ينشأ عنها من تصورات تجريبية، وأن هذه الانطباعات والتصورات كافيةٌ لكي نعرف العالم المحسوس.
رأى كانط أنه قد أصاب كلٌّ من ليبنتز وهيوم في جانبٍ من نظريته، لكنه رأى أيضاً أن كلاً منهما قد أخطأ في جانبٍ آخر.
أصاب لايبنتز في أن لدينا تصورات قبلية لكنه أخطأ في أن وظيفتها تمكيننا من معرفة عالمٍ معقول.
أصاب هيوم في أن ليس لدينا معرفةٌ بعالم معقول وفي أن معرفتنا محدودة بالعالم المحسوس، لكنه أخطأ في تقرير أن الانطباعات الحسية والتصورات التجريبية كافيةٌ لتمكيننا من معرفة العالم المحسوس.
رأى كانط أن ليس لدينا معرفةٌ بالعالم المعقول وأن معرفتنا محدودةٌ بعالم الظواهر، ولكن لكي نعرف هذا العالم يلزم أن تتعاون الانطباعات الحسّية والتصورات القبلية وأن المجال الوحيد لهذه التصورات هو عالم الظاهرات.

(محمود فهمي زيدان؛ كانط وفلسفته النقدية؛ ص 53)

هل هنالك من فرقٍ بين القضيّة التحليلية والقضيّة القبليّة؟
ظن بعض الفلاسفة أن كلَّ قضيّةٍ تحليليّة إنما هي قبلية، وكل قضيّة قبلية إنما هي تحليلية. لك العبارتين ليستا دائماً مترادفتين.
 للقضية التحليليّة معنيان متمايزان:
1ـ لا تعطي معرفةً جديدةً أكثر من تحليل الموضوع.
2ـ لا يمكن إنكارُها دون وقوعٍ في التناقض.
للقضيّة القبليّة معنيان متمايزان:
1ـ ما ليست مستمَدّة من الخبرة الحسّية.
2ـ ما تكون ضروريّة كلّية ومن ثمّ يترتّب على إنكارها صعوباتٌ أبستمولوجية في نظر كانط والفلاسفة العقليين. لكن لا يترتّب على إنارها وقوعٌ في التناقض.
نرى من التعريفات السابقة أن بين القضيّة التحليليّة والقبليّة رابطةً هي عدم الالتجاء إلى الخبرة الحسّية، لكنهما مختلفان من حيثُ أن التحليليّة ضرورتَها منطقيّة، بينما ضرورةُ القبليّة أبستمولوجية.
ينتج عن ذلك أن "كل جسمٍ ممتدٌّ" قضيّةٌ تحليليّة بالمعنى الأول والثاني، وقبليّة بالمعنى الأول، لكنها ليست قبليّة بالمعنى الثاني، ومن ثمّ نقول بيقين أن كل جسمٍ ممتدٌّ قضيةً تحليليّةً لكنا نخطئ إذا قلنا أنها أيضاً قبلية إلا بمعنى أنها مستقلّةٌ عن الخبرة الحسّية.
رأى بعض الفلاسفةِ مثل أرسطو وديكارت أن "لكل حادثةٍ علّةً" قضيةٌ تحليليّة، ولكن يتبيّن مما سبق أنها ليست تحليليّةً بالمعنى الأول أو المعنى الثاني [لا بالمعنى الأول ولا بالمعنى الثاني]: تصوّر المعلول ليس متضمَّناً في تصوّر العلّة، كما أن إنكار العلّية ممكن من الناحية المنطقيّة، ومن ثم ليست هذه القضيّة قبلية بالمعنى الثاني. هل هي قبليّة بالمعنى الأول، أي ليست مستمدّة من الخبرة؟ يجيب بعض الفلاسفة بالإيجاب مثل أرسطو وديكارت وليبنتز ولوك وكانط، ويجيب بعض الفلاسفة بالنفي مثل هيوم. ومن ثم الاضطراب والخلط بين معاني التحليليّة والقبليّة. يتبيّن هذا الاضطراب بصورةٍ واضحةٍ في فلسفة ليبنتز؛ يرى هذا أن براهينه على وجود الله وعلى وجود المونادات وما يعطيها من خصائص تتضمّن قضايا تحليليّة قبليّة. لكنها ليست كذلك، ليست براهينُه تحليليّةً بالمعنى الأول لأنها تضيف جديداً إلى معاني الكلمات وليست تحليلية بالعنى الثاني لنه يمكن إنكارها دون وقوعٍ في التناقض، ومن ثم قبلية بالمعنى الثاني وهي أيضاً قبلية بالمعنى الأول، لأنها ليست مستمدّة من الخبرة الحسّية. نقول بيقين أن براهين ليبنتز قبليّة لكنها ليست تحليليّة.
الأحكام التركيبيّة القبليّة:
من تمييز الأحكام إلى قبليّة وبعديّة، من جهة الاستقلال عن الخبرة الحسّية، أو الاعتماد عليها؛ ومن تمييز الأحكام إلى تحليليّة وتركيبيّة، من جهة تضمّن المحمول في الموضوع أو خروجه عنه، يصل كانط إلى تقسيم رباعي للأحكا:
أحكام تحليليّة قبليّة، وتحليليّة بعديّة، وتركيبيّة بعديّة، وتركيبيّة قبليّة.
هنالك قضايا تحليليّة قبليّة (قبليّة بالمعنى الأول فقط)، مثل كل جسمٍ ممتدّ، لا توجد أحكام تحليليّة بعديّة، لأن في عبارة تحليلي بعدي تناقضاً، حيث أن ما نصل إليه من مجرد تحليل الموضوع لا يصدر عن خبرةٍ حسّية.
قد توجد أحكامٌ تركيبيّة بعديّة أي تنطوي على كسب معارف جديدة من الخبرة وحدها، لكن لا يرى كانط وجود مثل هذا النوع من الأحكام. الحكم التركيبي القبلي نوعٌ جديد من الأحكام يضيفُه كانط، لم يسبقه إليه أحد، ويُعتبر أساساً لبحثه الميتافيزيقي كلِّه. نقول عن قضيّةٍ أنها تركيبيّة قبليّة إذا كان محمولُها يضيف جديداً إلى تصوّر موضوعِها، لكنها في نفس الوقت مستقلةٌ استقلالاً منطقياً عن الخبرة الحسيّة. الحكم التركيبي القبلي بكلماتٍ أخرى في ضوء نظرية المعرفة الكانطية ـ حكم يضمّ عنصرين: عنصراً تجريبياً هو الحدوس الحسّية، وعنصراً يضيفُه العقل الفعّال وهو التصوّر [الأفهوم بحسب ترجمة موسى وهبه] القبلي.
يعلن كانط أن كل قضايا الرياضيّات وكل المبادئ التي تقوم عليها النظريات الفيزيائية التجريبية إنما هي قضايا تركيبيّة قبليّة. سنفصّل شرح كانط لمبادئ علم الفيزياء في ما بعد، نقول هنا كلمةً عن موقفِه من قضايا الرياضيات.
يخالف كانط جمهور علماء الرياضيات في قوله أن القضايا الرياضية تركيبيّة قبلية وليست تحليليّة قبليّة. لا خلاف على أن القضيّة الرياضيّة قبليّة بمعنى أنها ليست مشتقة من الخبرة، وأنها ضروريّة ضرورةً منطقيّة. لكن ينكر كانط أن القضيّة الرياضيّة تحليليّة بمعنى أن محمولَها متضمَّنٌ في تصوّر موضوعِهاأو أن ليس محمولُها سوى تلحيلٍ لتصوّر الموضوع. يرى هو أنها قضيّةٌ تركيبيّة، ويمكن إيجاز رأيِه في العنصر التركيبي في القضيّة الرياضيّة في ما يلي: في القضيّة 7+5=12 نلاحظ أن 7+5 ليس محتوى في 12، وإنما ينطوي فقط على ربط العددين في عدد واحد دون أن نحدد في هذا الربط ما هو حاصل الجمع؛ لكي نحدد هذا العدد يجب أن نخرج من مجال التصوّرات إلى مجال الحدس [الحسّي]، كأن نقول خمس أصابع أو خمس نقط مضافاً إليها سبع أصابع أو نقط. يلاحظ كانط أيضاً أن الجمع والإضافة عملية تتم في زمن. ففكرة العدّ وفكرة الزمن يؤلفان العنصر التأليفي في قضايا الحساب. ينبغي أن نلاحظ هنا أن حديث كانط بلغة العدّ بالأصابع أو النقط ليس إلا حديثاً تبسيطياً توضيحياً؛ والعنصر التركيبي في القضيّة الحسابيّة عنده هو ما يسمّيه الحدس الخالص. يضرب كانط أمثلة من الهندسة للتدليل على أن قضاياها ليست تحليلية فيقول إن "الخط المستقيم الواصل بين نقطيتين أقصر الخطوط بينهما" قضيةٌ تركيبيّة، ذلك لأن تصوّر المستقيم يتضمّن كيفاً لا كمّاً، وتصوّر المحمول يتضمّن كمّاً لا كيفاً، ومن ثم فالمحمول ليس مجرد تحليل لتصوّر الموضوع وإنما أضاف إليه شيئاً لم يكن به، والفضل في ذلك للحدس الخالص. (الحدس الخالص هنا هو المكان لا الزمن).
يلاحظ كانط أخيراص أن هنالك بعض قضايا أساسيّة يفترضها علم الهندسة، هي تحليليّة حقاً وتعتمد على مبدإ عدم التناقض، مثل "أ = أ"، الكل مساوٍ لنفسه، (أ + ب) أكبر من أ، لكن يضيف كانط أن هذه القضايا ليست مبادئ وإنما روابط منهجية ـ ومن حيث هي روابط، هي تبدو لنا في الحدس.
(محمود فهمي زيدان؛ كانط وفلسفته النظرية؛ ص 67، 68، 69).

يرى كانط بأننا إذا افترضنا بأن ما في عقلنا ناتج عما تقدمه التجربة الحسية، فلا يمكن تفسير وجود أحكام كلية وضرورية، لأن التجربة الحسية بطبيعتها جزئية.
فللنطلق إذاً من فرضية أن الأحكام الكلية الضرورية هي من عمل العقل، وأن هذا العقل يفهم ظاهرات العالم من خلال إسباغه هذه الأحكام القبلية على تلك الظاهرات.
ظاهرات العالم تحفّز أو تنشط هذه الملكة الذهنية الفطرية في العقل، فيقوم (العقل) بتنظيم تلك الظاهرات بناءً على قواعده هو في الفهم، ويسبغ عليها صفات الضرورة والكلية التي هي من إبداعه أو من طبيعة نشاطه كعقل.
(محمد الحجيري؛ 10 ك1 2017)

إن التأليف هو، على العكس من التحليل، ربطٌ لمختلفين إما بعدِيّاً أي مستفادٌ من التجربة، وإما قبلياً على نحوٍ ضروريّ (عكسه متناقض) وكلّيّ (يؤيده كل ذي عقل).
ومثلاً الحكم: "زوايا المثلث تساوي 180 درجة" يربط بين زوايا المثلث وأمرٍ آخر: 180 درجة.
والحكم: "المعادن تتمدد بالحرارة" يربط بين المعادن وأمرٍ آخر: التمدد بالحرارة، ربطاً ضرورياً وكليّاً يصدق في التجربة إنما لا يُستَمدُّ من التجربة لأنّ هذه تظلُّ جزئية، ولا يطلع الكلّي من الجزئي.
(موسى وهبه؛ مقدمة موسى وهبه لترجمة نقد العقل المحض؛ ص 6)
لقد ظنَّ كانط في البداية أنّ ثمة نوعين فقط من الصلة [بين تصور الذهن للموضوع والموضوع نفسه]
1
ـ الصلة بين التصوّر والموضوع لجهة المطابقة بينهما القائمة فعلاً، كما في علميّ الراياضة والفيزياء، أو المرجوّة كما في ميل العقل الطبيعي إلى تجاوز المعطى [فهم جوهر الأشياء]. وفي ذلك يكون الذهن ملَكةً معرفيّةً، ويسمّى عقلاً نظرياً، ومجال القول فيه: نقد العقل المحض.
2
ـ والصلة بين التصوّر كعلّة والموضوع كمعلول، وفيها يكون الذهن ملَكةَ رغبةٍ ويسمّى عقلاً عملياً، ومجال القول فيه: نقد العقل العملي.
لكن، بدا لاحقاً أن هاتين الصلتين فرعان من نوعٍ واحد هو فاعليةّ الذهن؛ أما النوع الثاني الذ يتمّم القسمة ويُكمِل السستام، فهو الصلة بين التصور والذهن نفسه لجهة انفعاله بالتصوّر، فيكون الشعورد باللذة والألم، ويفتح مجال القول في: ملَكة الحاكمة.
(موسى وهبه؛ تقديم موسى وهبه لترجمة نقد العقل المحض؛ ص 7)


#كانط يستلهم المنطق في نقده.
لقد بدا لي أن عمل كانط "التأسيسي" يستلهم المنطق وليس الرياضة أو الطبيعيات اللذين ينشغل النصُّ بهما في الظاهر.
..
فالبحث الذي يشبه المنطق من حيث اهتمامُه بشروط المعرفة وقوانينها الصورية، يختلف عنه لجهة الاهتمام بمضمون المعرفة، إنما قبلياً. ويختلف عنه مرّةً أخرى من حيث تقسيمُه الثنائي لا من حيث الشكل بل من حيث المضمون أصلاً؛ وهذا التقسيم يريد لنفسه أن يكون ضرورياً، وعلامةُ ضرورتِه تمامُه واكتمال السستام.
(موسى وهبه؛ مقدمة لترجمة نقد العقل المحض؛ التنوير؛ ص 9)
** يفهم من الفقرات السابقة بأن وهبه يقصد بالتقسيم الثنائي: نقد العقل المحض ونقد العقل العملي من ناحية، ونقد ملكة الحكم من ناحية ثانية.


يقول الأب تيراسون بحق: لو قِسنا حجمَ الكتابِ لا بعدد صفحاته بل بالوقت اللازم لفهمه، لأمكننا القول عن كثيرٍ من الكتب: كانت لتكونَ أقصرَ لو أنها لم تقصَّر إلى هذا الحدّ.
لكن، من جهةٍ أخرى، عندما نصبو إلى استيعاب مجموعةٍ واسعةٍ من المعرفة النظرية تتعلق مع ذلك بمبدإٍ واحدٍ، يمكن أن نقول أيضاً بحق: إن كثيراً من الكتب كانت لتكون أوضحَ لو لم توضَّح إلى هذا الحدّ. لأن الإيضاحات تساعد في الأجزاء، لكنها تشتِّتُ غالباً في المجموع، لأنها لا توصِلُ القارئ بسرعةٍ كافيةٍ إلى نظرةٍ شاملةٍ للمجموع.
(كانط؛ المقدمة الأولى لـ"نقد العقل المحض"، ص 33)
[الميتافيزيقا التي تحاول أن تكون علماً]
هل تسلك معالجة المعارف الخاصّة بالأمور العقليّة دربَ العلم الآمنة أم لا؟
يسهل الحكم على ذلك بناءً على النتيجة؛ فإذا ما تعرقلت المعالجة، عندما تدنو من الغاية، وبعد القيام بتحضيراتٍ وإعداداتٍ كثيرة، وإذا ما اضطرت إلى التقهقر مراراً، وإلى انتهاج طرقٍ أخرى في سبيل بلوغ هذه الغاية؛ وكذلك إذا استحال جعل مختلف العاملين فيها يتفقون على كيفيّة اتّباع المقصد المشترك، فعندئذٍ يمكن الاقتناع بأن مثل هذه الدراسة لا تزال بعيدةً كل البعد عن انتهاج درب العلم الآمنة، بل بأنها مجرد خبط عشواء.
(كانط؛ نقد العقل المحض، ص 36)


لقد سلكت الرياضة دربَ العلم الآمنة، منذ عصورٍ موغلةٍ في القدم بقدر ما يمتد تاريخ العقل البشري؛ وذلك عند شعب اليونان الجدير بالإعجاب. لكن، علينا ألا نظن أنه كان من السهل على الرياضة أن تعثر على تلك الدرب الملكية، أو أن تشقها لنفسها، مثلما سهُل الأمرُ على المنطق حيث لا عمل للعقل إلا مع ذاته؛ بل إني أعتقد أنها ظلت مدةً طويلة في خبط عشواء (وبخاصةٍ عند المصريين)، وأن ذاك التحول قد أحدثته ثورةٌ أنجزها رجلٌ واحد، خطتب على باله فكرةٌ موفقة من خلال محاولةٍ قام بها. ومنذ ذلك الحين أصبح السبيلُ الذي يجب أن يُتبَع واضحاً ولم يعد يمكن إخطاؤه، وغدت دربُ العلمِ الآمنة مرسومةً لكل العصور وإلى أبعاد لامتناهية. ولم تصل إلينا لا قصّة تلك الثورة في نمط التفكير التي تفوق أهمية اكتشاف الطريق حول الرأس المشهور [= رأس الرجاء الصالح]، ولا قصة ذلك السعيد الذي أنجزها؛ لكن الأسطورة التي نقلها إلينا ديوجين اللايريسي والتي يذكر فيها اسم المخترع المتوهّم لأدق عناصر البراهين الهندسية والتي، بحسب الحكم العامي، ليس بها حاجة حتى إلى دليل، تدل على أن ذكرى التغيّر الناتج عن اكتشاف الأثر الأول لهذه الطريق الجديد، كان لها في نظر الرياضيين من عِظم الأهمية ما جعلها ذكرى لا تُنسى.
فأول من برهن المثلث المتساوي الساقين (سواءٌ كان يسمى طاليس أم أياً كان) قد لمعت في رأسه فكرة، إذ وجد أنه ينبغي عليه لا أن يقتفي أثر ما يلاحظه في شكل المثلث أو في مجرد أفهومه كما لو أن عليه أن يتعلم، مما يلاحظه، خصائص الشكل، بل أن يولّد هذه بوساطة م يتصوره هو فيه قبلياً وفقاً لأفاهيم، وما يبرهنه (بوساطة الرسم)؛ وأن عليه، إذا أراد أن يعلم، بالمؤكد، شيئاً ما قبلياً، ألا يضيف إلى الغرض [= المطلب أو المُراد/ م.و] سورى ما يترتّب بالضرورة على ما وضعه هو فيه وفقاً لأفهومه.
أما علم الطبيعة، فقد أبطأ في عثوره على طريق جحافل العلم. إذ لم يمض بعدُ سوى قرنٍ ونصف القرن على اقتراح فرنسيس بيكُن الألمعي الذي أطلق هذا الاكتشاف جزئياً، أو بالأحرى حفّزه، حيث إنه كان قد عُثر على أثر هذا الاكتشاف الذي لا يمكن تفسيره، هو الآخر، إلا من خلال ثورة فجائيّة في طريقة التفكير. وأقصد هنا علم الطبيعة، وحسب، بما هو قائم على مبادئ أمبيريّة.
فحين دحرج غاليليه كراتِه التي اختار وزنَها بنفسه، على سطحٍ مائل، أو حن حمّل تورتشللي الهواء ثقلاً كان قد حسبه مساوياً لوزن عمودٍ مائيٍّ معروف لديه، أو حين حوّل شتال في وقت لاحق، المعادن إلى كلس، نازعاً منها شيئاً ما، ثم عاد فحوّله إلى معدن معيداً إليه الشيء نفسه، حينئذٍ لمعت في رؤوس علماء الطبيعة بأسرهم فكرة؛ لقد فهموا أن العقل لا يرى يرى إلا ما يولّده هو وفقاً لخطته، وأن على العقل أن يتقدم بمبادئ أحكامِه وفقاً لقوانين ثابتة، ويرغم الطبيعة على الإجابة عن أسئلته، ولا يدع نفسه ينقاد بحبال الطبيعة وحدَها. إذ من دون ذلك لن تترابط المشاهدات، الحاصلة مصادفةً من دون خطة مسبقة، وفق أيّ قانون ضروري. وهو ما عنه يبحث العقل وبه إليه حاجة. وأن على العقل، حاملاً بيدْ مبادئه التي بموجبها يمكن أن تعدّ الظاهرات المتطابقة وحدها قوانين، وبيد أخرى التجريب الذي صممه وفقاً لهذه المبادئ، أنْ يواجه الطبيعة لكي يتعلّم منها، إنما ليس بصفة تلميذٍ يتقبّل كل ما يريده المعلّم، بل بصفة قاضٍ منصّبٍ يحث الشهود على الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها عليهم.
وهكذا تدين الفيزياء بثورتها المُجْدية لطريقة التفكير، فقط لتلك الفكرة القائلة: إن على العقل (لا أن يختلق بل) أن يبحث، وفقاً لما أودعه هو نفسه في الطبيعة، عما يجب أن يتعلمه منها وعما لا يعلمه من تلقاء نفسه.
... أما الميتافيزيقا ـ وهي معرفةٌ عقليةٌ اعتبارية على حدة بالكامل، فتترفّع كلياً عن دروس التجربة استناداً إلى مجرد أفاهيم (لا إلى تطبيق الأفاهيم على الحدس كما في الرياضة)، ومعرفةٌ، [يجب] على العقل أن يكون فيها تلميذَ نفسه ـ فلم يحالفها الحظ، حتى الآن، كي تتمكن من انتهاج درب العلم الآمنة، مع أنه أقدم من أيّ معرفةٍ أخرى..
(كانط؛ نقد العقل المحض؛ ص 37،38،39)

أن لا يمكن أن يكون لنا معرفةٌ بأي موضوعٍ كشيءٍ فيّاه [في ذاته]، بل من حيث هو "موضوعٌ" للحدس الحسّي وحسب، أي من حيث هو ظاهرة، فهذا ما سندلّل عليه في القسم التحليلي من النقد.
..
إلا إنه يجب أن ننتبه إلى التحفظ الآتي: إذا كان لا يمكننا أن نعرف هذه المواضيع بوصفها أشياءَ فيّاها [في ذاتها]، فينبغي أن يكون بإمكاننا على الأقل أن نفكّرها بما هي كذلك.
*هامش: كي أعرف موضوعاً ما عليّ أن أستطيع إثباتَ إمكانِه (سواءٌ بوساطة شهادةِ التجربة على تحققه أم قبلياً بوساطة العقل). غير أنني أستطيع أن أفكر ما أشاء شرط ألا أناقض نفسي، أي شرط أن يكون أفهومي مجرد فكرةٍ ممكنة، وإن لم يكن بإمكاني أن أضمن ما إذا كان أم لم يكن، ضمن جملة الإمكانات كلِّها، "موضوعٌ" متناسبٌ معها. ولكن من أجل إضفاء صدقيّةٍ موضوعية (أي إمكانٍ واقعيّ، لأن الإمكان الأول كان منطقياً وحسب) على أفهوم كهذا يلزمني شيءٌ ما إضافيّ، إنما ليس من الضروري أن نبحث عن هذا الإضافي في مصادرَ معرفيةٍ نظريّة، بل قد نقع عليه أيضاً في المصادر العملية.
(نقد العقل المحض؛ ص 44)

كان عليّ أن أنسخ العِلمان كي أفسح في المجال للإيمان.
...
"إن ذلك [= كتاب نقد العقل المحض] سيكون هديّةً لا يستهان بها. [.. إذا] "نظرنا إلى تضييع الوقت الذي وفّرناه على الشبيبة التي تتوق إلى المعرفة، والتي تلقى من الدغمائيّة العادية تشجيعاً بالغاً منذ الصغر على أن تماحك حول أشياءَ لا تفهمها، ولن يفهمها يوماً أيُّ إنسانٍ في العالم، أو [تشجيعاً] على السعي وراء اختلاقِ أفكارٍ وآراءٍ جديدة، فتهملَ اكتسابَ العلومِ المتعمّقة."
(نقد العقل المحض؛ ص 46)

"العقل الاعتباري"
يستخدم كانط عبارة "العقل الاعتباري" كثيراً في كتابه "نقد العقل المحض".
لست متأكداً تماماً ما يقصده كانط بذلك، لكن أرجح أن يكون المقصود به: العقل مستقلاً عن كل تجربة.
والعقل كذلك هو مجرد افتراض منهجي، لأن العقل أو التعقل لا يكون إلا من حيث هو نشاط يتجه نحو موضوع ما (أو بما هو قصديّ، كما سيقول ذلك هوسرل لاحقاً)، أو لنقل بأن العقل الاعتباري بما هو كذلك هو عقل بالقوّة (بحسب مصطلحات أرسطو)، هو استعداد لأن يعقل، لكن لا يمكن أن يعقل ما لم يكن هناك معقول أو موضوع للتعقل.
(محمد الحجيري)

العقل الاعتباري هي ترجمة الدكتور موسى ل
Raison spéculative
وقد يصح فيه العقل التأمّلي، وذلك عندما يتناول العقل موضوعاتٍ خارج التجربة معتمدًا على نجاحه في موضوعات التجربة. فنجاحه في هذه الأخيرة حفّزه وشجّعه على تناول موضوعات الميتافيزيقا الكلاسيكيّة التي هي خارج كل تجربة.
(د. جمال نعيم)
يقول موسى وهبه: خصصت الاعتبار (من اعتبر: استدل على الشيء بالشيء أو حكم عليه بحكم نظيره) بطريقة العقل في النظر إلى موضوع لا يقع في التجربة، بإزاء spéculation  مميّزاً المعرفة النظرية الخاصة بالعلوم القائلة: إن كذا هو ... من الاعتبارية القائلة: كما لو أن كذا ...
.
إن النقد "يعارض الدغمائية، أعني الدعوى القائلة بإمكان إحراز التقدم بمعرفة محضة مستمدة من أفاهيم (المعرفة الفلسفية) وفقاً لمبادئ كتلك التي يستعملها العقل من زمنٍ بعيد، من دون أن نستعلم كيف وبأيِّ حقٍّ توصلنا إلى ذلك. فالدغمائية هي إذاً الأسلوب الدغمائي للعقل المحض من دون نقد مسبقٍ لقدرته الخاصة.
لذا فإن على تلك المعارضة ألا تدافع عن السطحية الثرثارة بأن تدّعي لها اسم الشعبية، ولالا، بأي حال، عن الريبيّة التي تنوي القضاء على الميتافيزيقا كلها؛ بل إن النقد هو التمهيد الضروي المؤقت من أجل تأسيس الميتافيزيقا كعلم يجب أن يُنفَّذ بالضرورة دُغمائياً وسستاميّاً وفق أكثر المطالب صرامة، أعني وفق الأسلوب المدرسي (وليس الشعبي).
(نقد.. ص 48)

مهما بدت المثالية بريئة (الأمر الذي لا يطبق عليها بالفعل) بالنظر إلى غايات الميتافيزيقا الأساسيّة، فإنها لفضيحةٌ دائمة للفلسفة وللعقل البشري بعامة أن يكون علينا أن نسلّم بوجود الأشياء الخارجة عنّا (والتي إنما نستمد منها مادة المعارف كلها حتى لحسّنا الباطن) معتمدين على مجرّد الاعتقاد، وأن لا نستطيع، إذا ما خطر على بال أحدهم أن يشكك فيه، أن نعارضه بدليلٍ شافٍ.
"إن هذا الدائم لا يمكن أن يكون حدساً فيّ لأن كل أسس تعيين وجودي التي يمكن أن تصادف فيّ، هي تصورات وبها حاجة، بما هي كذلك بالذات، إلى دائمٍ مختلف عنها، يكون بالإمكان أن نعيّن بالصلة معه تبدلها [=التصورات]، وبالتالي وجودي في الزمان حيث تتبدل"
(النقد ص 49، 50)


تساءلت في أحد المنشورات عن السبب الذي جعل كانط ينطلق من اعتبار وجود العالم الخارجي كمسلمة، بينما يجهد ديكارت نفسه بطريقة قابلة للكثير من النقد حول محاولته إثبات وجود هذا العلم، فلم يوَفّق إلى ذلك إلا بعد أن صعد إلى السماء فبرهن على وجود الله، ثم اتخذه متكأً وضمانةً لإثبات وجود العالم.
وربما يعني ذلك في ما يعنيه أن من لم يقتنع ببرهان ديكارت على وجود الله، سيجد نفسه وقد قُطِعت أمامه السكة إلى إثبات وجود العالم ولن يستطيع الوصول.
بينما يعتبر كانط بأن البرهان على وجود الله ليس في متناول العقل البشري، وبالتالي فإن اشتراط ديكارت البرهان على وجود الله وصولاً إلى البرهان على وجود العالم، سيجعل الوصول إلى ذلك مستحيلاً بإطلاق.
لكن وجدت اليوم خلال قراءتي كتاب "نقد العقل المحض، لكانط، وفي نهاية تصديره للطبعة الثانية للكتاب، وفي هامش مطوّل يستغرق صفحةً بكاملها، أنه يتعرض إلى تلك المسألة: إثبات وجود العالم.
أشعر أني بحاجة إلى قراءة ثانية لهذا الهامش الذي أظنه مهماً. وآمل من الأصدقاء أصحاب الاختصاص قراءة هذا النص والتعليق عليه بالإضاءة والتوضيح وإبداء الرأي.
(عن الفيسبوك)

"لا يسعني أن أسمي توسيعاً حقيقياً، وحصراً في طريقة التدليل، سوى ما قمت به من نقضٍ جديد للمثالية السيكولوجية، ومن تدليل قاطع (الوحيد الممكن على ما أعتقد) على الواقعية الموضوعية للحدس الخارجي. فمهما بدت المثالية بريئة (الأمر الذي لا يطبق عليها بالفعل) بالنظر إلى غايات الميتافيزيقا الأساسيّة، فإنها لفضيحةٌ دائمة للفلسفة وللعقل البشري بعامة أن يكون علينا أن نسلّم بوجود الأشياء الخارجة عنّا (والتي إنما نستمد منها مادة المعارف كلها حتى لحسّنا الباطن) معتمدين على مجرّد الاعتقاد، وأن لا نستطيع، إذا ما خطر على بال أحدهم أن يشكك فيه، أن نعارضه بدليلٍ شافٍ.
وبما أنه يوجد في مصطلحات الدليل من السطر الثالث إلى السادس بعض الغموض، أرجو تبديل المقطع على النحو الآتي:
"إن هذا الدائم لا يمكن أن يكون حدساً فيّ لأن كل أسس تعيين وجودي التي يمكن أن تصادف فيّ، هي تصورات وبها حاجة، بما هي كذلك بالذات، إلى دائمٍ مختلف عنها، يكون بالإمكان أن نعيّن بالصلة معه تبدلها [=التصورات]، وبالتالي وجودي في الزمان حيث تتبدل".
وسيُعترَض، على الأرجح، على هذا الدليل بالقول: إني لا أعي باشرةً إلا ما في داخلي، أي تصوّري للأشياء الخارجة عني، وسيبقى، من ثم، من غير المحسوم ما إذا كان ثمة شيءٌ متناسب معه خارجاً عنّي أم لا. غير أني أعي وجودي في الزمان (وقابليته للتعيّن فيه من ثم) من خلال التجربة الباطنة، وهذا أكثر من مجرد وعي بتصوّري، إلا أنه يساوي، مع ذلك، وعيي الأمبيريّ بوجودي الذي لا يتعيّن إلا من خلال الصلة مع ما هو مربوط بوجودي وخارجٌ عني. فوعيي بوجودي في الزمان هو إذاً مربوطٌ هُويّاً بوعي العلاقة بما هو خارج عني. فالتجربة إذاً لا الاختلاق، والحس لا المخيّلة هما اللذان يربطان بين الخارج وحسي الباطن ربطاً لا ينفصم، ذلك أن الحس الخارجي هو فيّاه [= في ذاته] صلةٌ بين الحدس وشيءٍ ما متحقق خارجاً عي، وواقعيته بخلاف التخيل، ليست قائمة إلا على أنه ينبغي أن يرتبط بالتجربة الباطنة عينها كشرطٍ لإمكانها، ارتباطاً لا ينفصم، الأمر الذي إنما يحصل هنا. ولو كان بإمكاني أن أربط بين الوعي الذهني بوجودي في تصوّر "أكون" الذي يواكب كل أحكامي وكل أفعال فاهمتي، وبين تعيين وجودي بوساطة الحدس العقليّ، لما كان وعي العلاقة بشيءٍ خارجٍ عني متعلقاً بالضرورة بهذا التعيين. والحال إن ذلك الوعي العقلي متقدم إلا أن الحدس الباطن، الذي فيه وحدَه يمكن أن يتعيّن وجودي، هو حسّي ومرتبط بالشرط الزماني؛ وبما أن هذا التغيير، وبالتالي التجربة الباطنة عينها، يتوقف على دائمٍ ما غير موجودٍ فيّ ولا يوجد بالتالي إلا في شيءٍ خارجٍ عني عليّ أن أنظر إلى نفسي بالغلاقة معه، فإن واقعيّة الحس الخارجي ترتبط إذاً بالضرورة بواقعيّة الحس الباطن من أجل إمكان التجربة بعامة. ومعناه: بقدر ما أعي وجود أشياءَ خارجةٍ عني متعلقة بحسي، أعي أيضاً وجودي الذاتي المتعيّن في الزمان. ولكن مسألة مع أية حدوسٍ معطاةٍ تتناسب فعلاً مواضيعُ خارجةٌ عني وتكون، من ثم، تابعة للحس الخارجي ومنتسبة إليه لا إلى المخيلة، فمسألة يجب أن تحسم بموجب القواعد التي يُميَّز بناء عليها بين التجربة بعامّة (بما فيها التجربة الباطنة) والتخيل، وذلك في كل حالة خاصة على حدة، على أن تكون القاعدة القائلة: إنه توجد فعلاً تجربة خارجية، هي المبدأ دائماً. ويمكننا أن نضيف هنا الملاحظة الآتية: إن تصور دائمٍ ما في الوجود ليس هو التصوّر الدائم، لأن هذا الأخير يمكن أن يكون كثير التحوّل والتبدّل ككل تصوراتنا بما فيها تصوّرات المادة ويكون على صلةٍ مع ذلك، بدائمٍ ينبغي له هو أن يكون، تبعاً لذلك، شيئاً خارجاً عني ومختلفاً عن كل تصوراتي، شيئاً يكون وجوده متضمّناً في تعيين وجودي الخاص بالضرورة، فلا يشكل معه سوى تجربةٍ واحدة لم تكن لتحصل باطناً لو لم تكن في الوقت نفسه خارجيةً (جزئياً). أما كيف ذلك، فلا يمكن أن نفسّره هنا أكثر مما يمكن أن نفسّر كيف نفهم بعامّةٍ ما هو ثابتٌ في الزمان وما تزامُنُه مع المتبدل يولّد أفهوم التغيّر."
(كانط: نقد العقل المحض؛ ص 49، 50، هامش)

تعليق للدكتور جمال نعيم
سبق لنا أن تحدثنا عن هذا الأمر عندما تناولنا الفرق بين الكوجيتو الديكارتي والكوجيتو الكنطي، وقلنا إنّ كنط أدخل مكوِّن الزمان بعد أن كان ديكارت قد حذفه. إنّ هذه النّقلة من الأنا أفكر الى الأنا أكون، أو بالأحرى الى ( أنا أكون شيئًا مفكّرًا)، ليست متيسّرة الا في الزمان. إنّ الكوجيتو بحاجة الى عنصر جديد وهو القابل للتعيّن. وهذا لا يتحقق الا في الزمان.
ورد في الصفحة (٢٣٠)، من كتابي:" جيل دولوز وتجديد الفلسفة"، ما يلي:" يبدأ النّقد الكنطيّ بالإعتراض على ديكارت؛ لأنّه انتقل من وجود غير متعيِّن الى وجود متعيِّن من دون أن يبرِّرَ ذلك. لذا، فإنّ كنط يضيف قيمة منطقيّة ثالثة، وهي القابل للتعيين. وهذه القيمة المنطقيّة الثالثة " تشكِّل اكتشاف الفرق [الاختلاف]، لا كفرقٍ أمبيريٍّ بين تعيُّنيْن، بل كفرقٍ مجاوز بين التعيين وما يُعيِّنه-لا كفرقٍ خارجيٍّ يفصل، بل كفرقٍ داخليٍّ، وينسب قبليًّا الكون والفكر، الواحد الى الآخر. وجواب كنط مشهور: إنّ الشّكل الذي تحته يكون الوجود غير المتعيِّن قابلًا للتعيُّن عبر الأنا أفكر، هو شكل الزمان...ونتائج ذلك في منتهى الأهميّة: فلا يمكن لوجودي غير المتعيِّن أن يكون متعيِّنًا الا في الزّمان، كوجود ظاهرة، كذات ظاهراتيّة، منفعلة أو متلقية تظهر في الزّمان" [الفرق والتّكرار ص ١١٦]". 
وفي الصفحة التالية، نجد:" استبعد ديكارت الزّمان، وتمسّك بالله كضامن وحيد لهوية الأنا. فالله يبقى ما دامت هويّة الأنا وبساطتها مصانة. لكنّ موت الله يعني حتمًا تفكك هوّيّة الأنا.
يقول دولوز:" إذا كانت المبادرة الكبرى للفلسفة المجاوزة تقوم على إدخال شكل الزّمان في الفكر بما هو كذلك، فإنّ هذا الشكل بدوره، بوصفه شكلًا محضًا وفارغًا، يعني بشكلٍ لا ينفصم الله الميْت و"الأنا" المشروخ والأنا المنفعلة"[الفرق والتكرار ص ١١٧]. لكنّ كنط لا يمشي الى النّهاية في هذه الثورة الكوبرنيقيّة . فمن المعروف أنّ الله والأنا يشهدان عنده انبعاثًا جديدًا في العقل العملي".
Jamal Naim
Deleuze dit :"C'est le cas du cogito kantien. Sans doute Kant construit-il un plan "transcendantal" qui rend le doute inutile et change encore la nature des présupposés. Mais c'est en vertu de ce plan même qu'il peut déclarer que, si "je pense" est une détermination qui implique à ce titre une existence indéterminée ("je suis"), on ne sait pas pour autant comment cet indéterminé se trouve déterminable, ni dès lord sous quelle forme il apparaît comme déterminé. Kant "critique" donc Descartes d'avoir dit: je suis une substance pensante, puisque rien ne fonde une telle prétention du Je. Kant réclame l'introduction d'une nouvelle composante dans le cogito, celle que Descartes avait repoussée: précisement le temps, car c'est seulement dans le temps que mon existence indéterminée se trouve déterminable. Mais je ne suis déterminé dans le temps que comme moi passif et phénoménal, toujours affectable, modifiable, variable". Qu'est-ce que la philosophie? p. 35

في الفرق بين المعرفة المحضة والمعرفة الأمبيريّة
تبدأ معرفتُنا كلُّها مع التجربة، لا ريب في ذلك البتّة؛ إذ كيف ستستيقظُ قدرتُنا المعرفية إلى العمل إن لم يتمَّ ذلك من خلال مواضيعَ تصدمُ حواسَّنا، فتسبب من جهةٍ، حدوثَ التصوّرات من تلقائها، وتحرّك من جهةٍ أخرى، نشاط الفهم عندنا إلى مقارنتها، وربطها أو فصلها، وبالتالي إلى تحويل خامِ الانطباعات الحسّية إلى معرفةٍ بالمواضيع تسمّى التجربة؟
زمنياً، لا تتقدّم، إذاً، أيّ معرفةٍ عندنا على التجربة، بل معها تبدأ جميعاً.
لكن، على الرغم من أن معرفتَنا كلّها تبدأ مع التجربة، فإنها مع ذلك لا تنبثق بأسرها من التجربة. لأنه من الجائز أن تكون معرفتُنا التجرُبيّة هي الأخرى مركّبة مما نتلقّاه من الانطباعات الحسّية، وما عن قدرتِنا المعرفيّة (المحَفَّزة وحسْب بالانطباعات الحسّية) يصدر تلقائيّاً ويُشكِّل إضافةً لا نفرّقها عن المادة الأوليّة قبل أن يكون طول التمرّن قد نبّهنا وجعلنا ماهرين في تمييزها منها.
(كانط؛ نقد العقل المحض؛ ص 53)
ـ أقترح لو كانت العبارة الأخيرة على الشكل التالي:
لأنه من الجائز أن تكون معرفتُنا التجرُبيّة هي الأخرى مركّبة مما نتلقّاه من الانطباعات الحسّية، [ومما يصدر تلقائياً عن قدرتنا المعرفية  (المحَفَّزة وحسْب بالانطباعات الحسّية)] ويُشكِّل إضافةً لا نفرّقها عن المادة الأوليّة قبل أن يكون طول التمرّن قد نبّهنا وجعلنا ماهرين في تمييزها منها.
.
قد تتخيّل اليمامةُ الخفيفةُ، وهي تشقّ الهواء الذي تشعر بمقاومته في طيرانها الحرّ أنها ستنجح على نحوٍ أفضلَ في الخلاء.
هكذا غادر أفلاطون العالم الحسّي لأنه يضع أمام الفاهمة حدوداً بالغة الضيق، فجازف خارج هذا العالم على أجنحة المُثُل في خلاء العقل المحض. ولم يلاحظ أنّ جهودَه لم تجعله يتقدّم في الطريق لأنه لم يكن لديه أيُّ موضِعٍ يرتكز إليه لاستعمالِ قواهُ كي يحقّق نقلةً لعقله. لكن القدرالمألوف للعقل البشري في الاعتبار هو: أن ينتهي بناءَه بأسرعَ ما يمكن وأن لا يفحصَ إلا لاحقاً ما إذا كانت الأسسُ قد وُضِعَت جيداً. إلا أنه سينتحل عندها جميع أصناف الذرائع كي يتعزّى بصلابة الأسس، أو بالأحرى كي يرفض تماماً مثل ذلك الفحص المتأخر والخطِر.
(كانط؛ نقد العقل المحض؛ ص 56، 57)

لقد اعتقد هيوم الذي كان من بين جميع الفلاسفة أكثرَ من اقترب من حلّ هذه المشكلة [المقصود هي مشكلة الإجابة عن سؤال: كيف يمكن للأحكام التأليفية القبلية أن تكون]، والذي ظلّ مع ذلك بعيداً عن تعيينها [تحديدها] تعييناً وافياً، وعن التفكير فيها بعموميتها، بل الذي توقّف فقط عند القضية التأليفيّة: ارتباط المسبَّب بأسبابه (مبدأ السببيّة)، واعتقد أن بإمكانه أن يبيِّن أن مثل هذا المبدأ القبلي هو ممتنع تماماً؛ وأن كلّ ما نسمّيه ميتافيزيقا لا يؤدي بنا، وبموجب استدلاله هو، إلا إلى مجرّد توهّم لرؤيةٍ عقلية مزعومة لما استُعير في الواقع من التجربة فقط، وصار له بفعل العادة، ظاهرة الضرورة. ولم يكن هيوم ليزعم زعماً كهذا يهدم كل الفلسفة المحضة، لو كانت مشكلتنا بعموميّتها أمام ناظريه. لنه كان سيرى عندها أنه لن يمكن، بموجب حجّته، أن يكون ثمذة رياضةٌ محضة، لأن هذه تتضمّن بالتأكيد قضايا تأليفية قبليّة؛ ولكانت سلامةُ عقله وفّرت عليه ذلك الزعم.
(كانط؛ نقد العقل المحض؛ ص 62)


أسمّي مجاوِزاً [= ترانسندانتالياً] كلَّ معرفةٍ لا تهتم بعامّةٍ بالمواضيع بقدر ما تهتم بطريقتنا في معرفة المواضيع من حيث يجب أن تكون ممكنةً قبليّاً. وسيسمّى سستام تلك الأفاهيم فلسفةً مجاوزة.
(نقد العقل المحض؛ ص 64)

بوساطة الحساسيّة إنما تُعطى لنا المواضيع، وهي وحدُها تمدّنا بالحدوس. لكن الفاهمة هي التي تفكر هذه المواضيع وعنها تصدر الأفاهيم.
(ص 71)

بوساطة الحسّ الخارجي (وهو إحدى خواص ذهننا) نتصوّر المواضيع بوصفها في الخارج منّا وبوصفها جميعها في المكان..
والحسّ الباطن الذي بوساطته يحدس الذهن نفسه أو حالته الباطنة، لا يعطي حدساً بالنفس إيّاها بوصفها "موضوعاً"، إلا أنه صورةٌ متعيّنة بموجبها فقط يصير حدس حالتِها الباطنة ممكناً، بحيث يُتصوّر كلّ ما ينتمي إلى التعينات الباطنة بموجب علاقات الزمان. وكما أن المكان لا يمكنه أن يُحدَس بوصفه شيئاً ما فينا، كذلك فإن الزمان لا يمكنه أن يُحدَس خارجاً.
...
المكان ليس أفهوماً أمبيرياً استُمِدّ من تجارب خارجية. ذلك أنه حتى يمكن لبعض الإحساسات أن تُنسب إلى شيءٍ ما في الخارج مني... يجب أن يُطرح تصوّر المكان سلفاً كأساس. ومن ثم فإن تصوّر المكان لا يمكن أن يُستمَدّ بالتجربة من علاقات الظاهرات الخارجية. بل إن التجربة الخارجية عينها ليست ممكنة إلا بوساطة ذلك التصوّر.
(ص 73)
إننا ننظر حقاً إلى الألوان والطعوم مثلاً، لا بوصفها خصائصَ للأشياء، بل فقط بوصفها تغيّراتٍ في ذاتنا، يمكن أن تكون متنوّعة بتنوّع الأفراد، إلا أن ما هو في هذه الحالة مجرّد ظاهرةٍ أصلاً، كالوردة مثلاً، تحسبه الفاهمة الإمبيريّة شيئاً بعينه، مع أنه من وجهة نظر اللون قد يبدو مختلفاً لكل عين.
..
إن ما نسمّيه مواضيعَ خارجية ليس سوى مجرد تصورات لحساسيتنا التي صورَتُها المكان ومتضايفُها الحقيقي، الشيء فيّاه [في ذاته]، لا يُعرَف بذلك ولن يعرَف.
(ص 77)

لو نحّينا جانباً طريقتنا في حدس أنفسنا باطناً، وفي ضمّ جميع الحدوس الخارجية بوساطة ذلك الحدس في المتصوّرة [المتخيّلة]، ولو أخذنا من ثَمّ المواضيع كما قد تكون فيّاها [في ذاتها]، لن يكون ثمّة زمان عندئذٍ؛ 
فهو [ = الزمان] لا يتمتّع بأي صدقيّة موضوعيّة إلا بالنظر إلى الظاهرات من حيث هي أشياءُ قد نُظِر إليها بوصفها مواضيعَ حواسِّنا.
(كانط؛ نقد الحض؛ ص 80)

إن الزمان والمكان مصدران معرفيّان، يمكن أن نستمّد منهما قبليّاً معارف تأليفيّة متنوّعة كتلك التي تعطِي عنها الرياضة المحضة مثلاً ساطعاً بالنسبة إلى معرفة المكان وعلاقاته. ذلك أنهما معاً يُعَدّان صورتين محضتين لكلّ حدسٍ حسيّ، وأنهما يجعلان بذلك القضايا التأليفية القبلية ممكنة. لكنّ هذين المصدرين المعرفيّين يعيّنان بذلك حدودهما (كمجرّد شروطٍ للحساسيّة)، ذلك أنهما لا يتعلقان بالمواضيع إلا من حيث يُنظر إليها بوصفها ظاهراتٍ وليس من حيث تُعَدّ أشياء فيّاها [في ذاتها]. والظاهرات تشكل وحدها حقل صدقيتهما، فإذا ما خرجنا منه، فلن نجد لهما أيَّ استعمالٍ موضوعيّ.
وفيما عدا ذلك تُبقي واقعيّة المكان ولازمان الثقة كاملةً بالمعرفة التجرُبيّة، لأننا دائماً على يقين بذلك سواءٌ كانت تَيْنِك الصورتان ملازمتين بالضرورة للأشياء فيّاها، أم لمجرّدحدسنا بالأشياء. وعلى العكس، فإن أولئك الذين يزعمون واقعيّةً مطلقةً للمكان وللزمان، سواءٌ حسبوهما من المقوّمات أم من الملازمات، سيناقضون مبادئ التجربة نفسِها. لأنهم إن اتخذوا الرأي الأول (كما يفعل حزب الفيزيائيين الرياضيين بعامّة) وجب عليهم أن يسلّموا بلَيْسَين [بعدمَيْن] ([أيّ] المكان والزمان) [لا يكونان أو لا يمكن أن يكونا إلا إذا انطويا]* على كلّ ما هو متحقّق، ـ (من دون أن يكون ذلك الشيء متحققاً) ـ بوصفهما سرمديّيْن ولامتناهييْن وقائميْن بالذات. وإن تبنَّوْا الرأي الثاني (الذي هو رأي بعض الفيزيائيين الميتافيزيقيين) [يقصد هيوم]، وإذا كان الزمان والمكان عندهم علاقات للظاهرات مستمَدّة من التجربة،  إنما بالطبع متصوّرة بشكلٍ مبهم في ذلك التجريد عن التجربة (علاقات تجاور أو تعاقب) فيجب عليهم أن يُنكروا على التعاليم الرياضية القبليّة المتعلّقة بالأشياء المتحقّقة (في المكان مثلاً) صدقيّتها، أو على الأقل يقينها الضروري، لأن مثل ذلك اليقين لا يمكن أن يكون بعدِيّاً، ولأن أفاهيم المكان والزمان والقبليّة لن تكون، تبعاً لذلك الرأي، سوى اختلاقاتٍ للمخيّلة يجب أن نبحث عن مصدرها الحقيقي في التجربة التي ، من علاقاتها المجرّدة، شكّلت المخيلة شيئاً ما يتضمّن ما فيها من كلّي حقاً، إنما ما لا يمكنه أن يقوم خالاج الحدود التي تحدّه بها الطبيعة.
وصحيحٌ أن الرأي الأول يترك حقل الظاهرات مفتوحاً للمزاعم الرياضيّة، إلا أن الشروط عينها بالمقابل تعيقهم بصورةٍ خاصّة عندما تريد الفاهمة أن تغادر ذلك الحقل.
وصحيحٌ أنّ الآخرين يمتازون في هذه النقطة بأن تصوّرات المكان والزمان لا تعيق طريقهم عندما يريدون أن يحاكموا المواضيع لا بوصفها ظاهرات، بل فقط في علاقتها مع الفاهمة، إلا أنه لا يمكنهم لا أن يؤسِّسوا إمكان المعارف الرياضيّة القبليّة (حيث ينقصهم حدسٌ قبليّ حقيقي وذو صدقيّة موضوعيّة) ولا أن يقيموا توافقاً ضرورياً بين قضايا التجربة وتلك المزاعم. أما نظريّيتُنا حول القِوام الحقيقي لتيْنِك الصورتين الأصليّتين للحساسيّة، فإنها تتغلّب على الصعوبتين معاً.
لا يمكن للأستطيقا المُجاوِزة أن تتضمّن إلا عنصرين اثنين، أعني المكان والزمان. ذاك ما يتحصّل بوضوح من أن جميع الأفاهيم الأخرى المنتمية إلى الحساسية، تشترط شيئاً أمبيرياً، بما في ذلك أفهوم الحركة الذي يجمع العنصرين. لأن هذا الخير يشترط إدراك شيءٍ يتحرّك. وليس في المكان، منظوراً إليه فيّاه، من متحرّك؛ يجب إذاً أن يكون المتحرّك شيئاً يُصادَف في المكان فقط من خلال التجربة، وأن يكون بالتالي معطىً أمبيرياً. وليس بوسع الأستطيقا المجاوِزة من ثَمَّ أن تَعُدَّ من بينمعطياتِها القبليّة، أفهوم التغيّر، لأن الزمان لس هو نفسه الذي يتغيّر بل شيئٌ ما في الزمان. المطلوب إذاً إدراك موجودٍ ما مع توالي تعيّناته، والمطلوب بالتالي التجربة.
(كانط؛ نقد العقل المحض؛ ص 82، 83)



(*) لقد وردت العبارة في نصها الأصلي على الشكل التالي:
"فإن أولئك الذين يزعمون واقعيّة مطلقة للمكان وللزمان، سواءٌ حسبوهما من المقوّمات أم من الملازمات، سيناقضون مبادئ التجربة نفسِها. لأنهم إن اتخذوا الرأي الأول (كما يفعل حزب الفيزيائيين الرياضيين بعامّة) وجب عليهم أن يسلّموا بلَيْسَين (المكان والزمان) لا يكونان إلا لينطويا (من دون أن يكون ذلك شيئاً متحققاً) على كلّ ما هو متحقّق، بوصفهما سرمديّيْن ولا متاهييْن وقائميْن بالذات."
قد يكون المقصود بـ "لا يكونان إلا لينطويا": لا يكونان إلا من أجل أن ينطويا. أو لا يكونان إلا إذا انطويا. وفي غياب نصٍ آخر للمقارنة نضع النص كما ورد في كتاب وهبه هنا ليقرر القارئ ما يراه الأنسب في السياق.



ليست هناك تعليقات: