الخميس، 25 يناير 2018

[المنطق العام والأورغانون؛ التعسف في الاستخدام.]؛ كانط؛ نقد العقل المحض.




 [المنطق العام والأورغانون؛ التعسف في الاستخدام.]
(كانط؛ نقد العقل المحض)

الأسئلة الخرقاء..

إذا كان السؤال فيّاه [في ذاته] أخرقَ ويستدعي أجوبةً غير ملزمة، فإنه بالإضافة إلى الإحراج اللاحق بمن يطرحُه، يحمل هذه السّيئة: إنه يدفع السامعَ العجولَ إلى أجوبةٍ خرقاءَ، ويضعنا بالتالي أمام مشهد مضحك لرجلين: أحدهما يحلب التيس (كما يقول القدماء)، والآخر يحمل غربالاً.
...
...

أما في ما يخص المعرفة من حيث مجرّدُ الصورة (بصرف النظر عن أيِّ مضمون) فمن الواضح أيضاً: أن المنطق، في تقديمه لقواعد الفاهمة العامّة والضروريّة، يجب أن يعرض، في هذه القواعد، معاييرَ الحقيقة. فما يناققضها سيكون خطأ، لأن الفاهمة ستكون عندها في تناقض مع القوانين العامّة للتفكير؛ وبالتالي مع ذاتها. لكنّ هذه المعايير تتعلّق فقط بصورة الحقيقة، أعني بصورة التفكير بعامّة؛ وهي صحيحة على هذا الصعيد إلا أنها غير كافية. لأن المعرفة قد تكون مطابقةً تماماً للصورة المنطقيّة، أعني قد لا تتناقض ذاتياً، وتبقى مع ذلك في تناقض مع الموضوع. فمعيار الحقيقة المنطقي وحسب، أي تطابق المعرفة مع قوانين الفاهمة والعقل العامّة والصوريّة، هو إذاً الشرط الذي لا بدّ منه، وبالتالي الشرط السلبي [غير المرتبط بمضمونٍ محدَّد] لكل حقيقة؛ إلا أن المنطق لا يمكن أن يذهب أبعد من ذلك، وليس ثمّة من محكٍّ يسمح له بأن يكشف الخطأ الذي يطاول مضمونه لا صورتَه.
يحلُّ المنطق العام إذاً كلّ العمل الصوري للفاهمة والعقل إلى اسطقساته [عناصره]، ويقدّم هذه الأسطقسات بوصفها مبادئ لكلّ محاكمة منطقيّة لمعرفتنا فيمكن إذاً أن يُسمّى هذا القسم من المنطق تحليلات، وأن يكون بذلك محك الحقيقة السلبي [الصوري] على الأقل، حيث ينبغي أولاً فحص كلّ معرفةٍ ومقاضاتها من حيث صورتُها بموجب تلك القواعد قبل بحثها من حيث مضمونُها، لتقرير ما إذا كانت تتضمّن حقيقة إيجابية بالنسبة إلى الموضوع. لكن حيث إن مجرّد صورة المعرفة مهما بلغ تطابقُها مع القوانين المنطقيّة، تظل أقصر من أن تكفي لتقرير الحقيقة الماديّة (الموضوعيّة) للمعرفة، فإنه لا يمكن لأحد أن يجازف، استناداً إلى المنطق وحدَه، بالحكم على المواضيع وبزعم أيّ شيء قبل أن يقوم سلفاً بدراستها دراسةً معمّقة خارج المنطق، ليبحث فيما بعد فقط عن استعمالها وربطها في كلٍّ مترابط بموجب القوانين المنطقية، وبالأحرى ليفحصها بموجب تلك القوانين وحسب. ومع ذلك، فإن حيازة مثل هذا الفنّ المُوهم بإضفاء صورة الفاهمة على جميع معارفنا مهما كان مضمونُها فارغاً وفقيراً، تغري باستعمال المنطق العام الذي هو مجرّد "قانون" للحكم، بمثابة أورغانون [منطق علمٍ من العلوم] لإنتاج متحقق، أو على الأقل لتوهّم مزاعم موضوعيّة. وباستعماله، من ثَمّ، استعمالاً فاسداً بالفعل. والمنطق العام المحسوب أورغانوناً يسمَّى الجدليات.
وأياً كان المعنى الذي يعطيه القدماء لهذا اللفظ ليدلّوا به إلى علمٍ أو فنّ، فإنه يمكننا أن نستنتج بثقةٍ من الاستعمال الفعلي، أنه لم يكن بالنسبة إليهم سوى منطقٍ للترائي [الترائي: حين يبدو الشيء على غير حقيقته]: الفن السّفسطي الذي يلوّن الجهل، بل حتى الأوهام المصمَّمة، بلون الحقيقة بتقليده منهج التعمّق الذي يمليه عليه المنطق العام وباستخدام طوبيقا ذلك العلم لتزيين الدعاوى الفارغة. ويمكننا الآن أن نلحظ تنبيهاً موثوقاً ومفيداً: حين يُعَدُّ المنطق العام بمثابة أورغانون [منطق علم من العلوم] يكون دائماً منطقاً للترائي، أعني جدلياً. ذلك أنه لا يعلّمنا شيئاً حول مضمون المعرفة بل يعلّمنا فقط الشروط الصوريّة للتوافق مع الفاهمة، وهي شروط حياديّة تماماً بالنسبة إلى المواضيع. ولذا، فإن مطلب استعماله كأداة (أورغانون) نوسّع بها بحسب ما ندّعي على الأقل، معارفنا ونزيدها، لا يمكن أن يوصل إلى أكثر من لغوٍ نثبت به أو نُنكر، بتراءٍ واضح وبحسب مزاجنا، كل ما نريد.


(كانط؛ نقد العقل المحض؛ ص 97، 98)




*ملاحظة: يقول موسى وهبه في تقديمه لكتاب "نقد العقل المحض"، في الصفحة 14 ما يلي حول المنطق العام والأورغانون:
"ويطلق كانط على المنطق الصوري أو العام اسم "قانون" العقل في مقابل المنطق المجاوز بوصفه أورغانون علمٍ من العلوم".


ليست هناك تعليقات: