الأحد، 17 ديسمبر 2017

وجود العالم؛ إيمانويل كانط (نقد العقل المحض)



وجود العالم الخارجي
إيمانويل كانط

تساءلت في أحد المنشورات عن السبب الذي جعل كانط ينطلق من اعتبار وجود العالم الخارجي كمسلمة، بينما يجهد ديكارت نفسه بطريقة قابلة للكثير من النقد حول محاولته إثبات وجود هذا العلم، فلم يوَفّق إلى ذلك إلا بعد أن صعد إلى السماء فبرهن على وجود الله، ثم اتخذه متكأً وضمانةً لإثبات وجود العالم.
وربما يعني ذلك في ما يعنيه أن من لم يقتنع ببرهان ديكارت على وجود الله، سيجد نفسه وقد قُطِعت أمامه السكة إلى إثبات وجود العالم ولن يستطيع الوصول.
بينما يعتبر كانط بأن البرهان على وجود الله ليس في متناول العقل البشري، وبالتالي فإن اشتراط ديكارت البرهان على وجود الله وصولاً إلى البرهان على وجود العالم، سيجعل الوصول إلى ذلك مستحيلاً بإطلاق.
لكن وجدت اليوم خلال قراءتي كتاب "نقد العقل المحض، لكانط، وفي نهاية تصديره للطبعة الثانية للكتاب، وفي هامش مطوّل يستغرق صفحةً بكاملها، أنه يتعرض إلى تلك المسألة: إثبات وجود العالم.
أشعر أني بحاجة إلى قراءة ثانية لهذا الهامش الذي أظنه مهماً. وآمل من الأصدقاء أصحاب الاختصاص قراءة هذا النص والتعليق عليه بالإضاءة والتوضيح وإبداء الرأي.

(عن الفيسبوك)

يقول كانط في هامش إحدى صفحات كتاب "نقد العقل المحض" ما يلي: 
"لا يسعني أن أسمي توسيعاً حقيقياً، وحصراً في طريقة التدليل، سوى ما قمت به من نقضٍ جديد للمثالية السيكولوجية، ومن تدليل قاطع (الوحيد الممكن على ما أعتقد) على الواقعية الموضوعية للحدس الخارجي. فمهما بدت المثالية بريئة (الأمر الذي لا يطبق عليها بالفعل) بالنظر إلى غايات الميتافيزيقا الأساسيّة، فإنها لفضيحةٌ دائمة للفلسفة وللعقل البشري بعامة أن يكون علينا أن نسلّم بوجود الأشياء الخارجة عنّا (والتي إنما نستمد منها مادة المعارف كلها حتى لحسّنا الباطن) معتمدين على مجرّد الاعتقاد، وأن لا نستطيع، إذا ما خطر على بال أحدهم أن يشكك فيه، أن نعارضه بدليلٍ شافٍ.
وبما أنه يوجد في مصطلحات الدليل من السطر الثالث إلى السادس بعض الغموض، أرجو تبديل المقطع على النحو الآتي:
"إن هذا الدائم لا يمكن أن يكون حدساً فيّ لأن كل أسس تعيين وجودي التي يمكن أن تصادف فيّ، هي تصورات وبها حاجة، بما هي كذلك بالذات، إلى دائمٍ مختلف عنها، يكون بالإمكان أن نعيّن بالصلة معه تبدلها [=التصورات]، وبالتالي وجودي في الزمان حيث تتبدل".
وسيُعترَض، على الأرجح، على هذا الدليل بالقول: إني لا أعي باشرةً إلا ما في داخلي، أي تصوّري للأشياء الخارجة عني، وسيبقى، من ثم، من غير المحسوم ما إذا كان ثمة شيءٌ متناسب معه خارجاً عنّي أم لا. غير أني أعي وجودي في الزمان (وقابليته للتعيّن فيه من ثم) من خلال التجربة الباطنة، وهذا أكثر من مجرد وعي بتصوّري، إلا أنه يساوي، مع ذلك، وعيي الأمبيريّ بوجودي الذي لا يتعيّن إلا من خلال الصلة مع ما هو مربوط بوجودي وخارجٌ عني. فوعيي بوجودي في الزمان هو إذاً مربوطٌ هُويّاً بوعي العلاقة بما هو خارج عني. فالتجربة إذاً لا الاختلاق، والحس لا المخيّلة هما اللذان يربطان بين الخارج وحسي الباطن ربطاً لا ينفصم، ذلك أن الحس الخارجي هو فيّاه [= في ذاته] صلةٌ بين الحدس وشيءٍ ما متحقق خارجاً عي، وواقعيته بخلاف التخيل، ليست قائمة إلا على أنه ينبغي أن يرتبط بالتجربة الباطنة عينها كشرطٍ لإمكانها، ارتباطاً لا ينفصم، الأمر الذي إنما يحصل هنا. ولو كان بإمكاني أن أربط بين الوعي الذهني بوجودي في تصوّر "أكون" الذي يواكب كل أحكامي وكل أفعال فاهمتي، وبين تعيين وجودي بوساطة الحدس العقليّ، لما كان وعي العلاقة بشيءٍ خارجٍ عني متعلقاً بالضرورة بهذا التعيين. والحال إن ذلك الوعي العقلي متقدم إلا أن الحدس الباطن، الذي فيه وحدَه يمكن أن يتعيّن وجودي، هو حسّي ومرتبط بالشرط الزماني؛ وبما أن هذا التغيير، وبالتالي التجربة الباطنة عينها، يتوقف على دائمٍ ما غير موجودٍ فيّ ولا يوجد بالتالي إلا في شيءٍ خارجٍ عني عليّ أن أنظر إلى نفسي بالغلاقة معه، فإن واقعيّة الحس الخارجي ترتبط إذاً بالضرورة بواقعيّة الحس الباطن من أجل إمكان التجربة بعامة. ومعناه: بقدر ما أعي وجود أشياءَ خارجةٍ عني متعلقة بحسي، أعي أيضاً وجودي الذاتي المتعيّن في الزمان. ولكن مسألة مع أية حدوسٍ معطاةٍ تتناسب فعلاً مواضيعُ خارجةٌ عني وتكون، من ثم، تابعة للحس الخارجي ومنتسبة إليه لا إلى المخيلة، فمسألة يجب أن تحسم بموجب القواعد التي يُميَّز بناء عليها بين التجربة بعامّة (بما فيها التجربة الباطنة) والتخيل، وذلك في كل حالة خاصة على حدة، على أن تكون القاعدة القائلة: إنه توجد فعلاً تجربة خارجية، هي المبدأ دائماً. ويمكننا أن نضيف هنا الملاحظة الآتية: إن تصور دائمٍ ما في الوجود ليس هو التصوّر الدائم، لأن هذا الأخير يمكن أن يكون كثير التحوّل والتبدّل ككل تصوراتنا بما فيها تصوّرات المادة ويكون على صلةٍ مع ذلك، بدائمٍ ينبغي له هو أن يكون، تبعاً لذلك، شيئاً خارجاً عني ومختلفاً عن كل تصوراتي، شيئاً يكون وجوده متضمّناً في تعيين وجودي الخاص بالضرورة، فلا يشكل معه سوى تجربةٍ واحدة لم تكن لتحصل باطناً لو لم تكن في الوقت نفسه خارجيةً (جزئياً). أما كيف ذلك، فلا يمكن أن نفسّره هنا أكثر مما يمكن أن نفسّر كيف نفهم بعامّةٍ ما هو ثابتٌ في الزمان وما تزامُنُه مع المتبدل يولّد أفهوم التغيّر."

(كانط: نقد العقل المحض؛ ص 49، 50، هامش)



يعلق الدكتور جمال نعيم على النص بالقول بأن كانط قد "أدخل مكوِّن الزمان بعد أن كان ديكارت قد حذفه. إنّ هذه النّقلة من الأنا أفكر الى الأنا أكون، أو بالأحرى الى ( أنا أكون شيئًا مفكّرًا)، ليست متيسّرة الا في الزمان. إنّ الكوجيتو بحاجة الى عنصر جديد وهو القابل للتعيّن. وهذا لا يتحقق الا في الزمان."
ويضيف: لقد "ورد في الصفحة (٢٣٠)، من كتابي:" جيل دولوز وتجديد الفلسفة"، ما يلي:" يبدأ النّقد الكنطيّ بالإعتراض على ديكارت؛ لأنّه انتقل من وجود غير متعيِّن الى وجود متعيِّن من دون أن يبرِّرَ ذلك. لذا، فإنّ كنط يضيف قيمة منطقيّة ثالثة، وهي القابل للتعيين. وهذه القيمة المنطقيّة الثالثة " تشكِّل اكتشاف الفرق [الاختلاف]، لا كفرقٍ أمبيريٍّ بين تعيُّنيْن، بل كفرقٍ مجاوز بين التعيين وما يُعيِّنه-لا كفرقٍ خارجيٍّ يفصل، بل كفرقٍ داخليٍّ، وينسب قبليًّا الكون والفكر، الواحد الى الآخر. وجواب كنط مشهور: إنّ الشّكل الذي تحته يكون الوجود غير المتعيِّن قابلًا للتعيُّن عبر الأنا أفكر، هو شكل الزمان...ونتائج ذلك في منتهى الأهميّة: فلا يمكن لوجودي غير المتعيِّن أن يكون متعيِّنًا الا في الزّمان، كوجود ظاهرة، كذات ظاهراتيّة، منفعلة أو متلقية تظهر في الزّمان" [الفرق والتّكرار ص 116].
وفي الصفحة التالية، نجد:" استبعد ديكارت الزّمان، وتمسّك بالله كضامن وحيد لهوية الأنا. فالله يبقى ما دامت هويّة الأنا وبساطتها مصانة. لكنّ موت الله يعني حتمًا تفكك هوّيّة الأنا.
يقول دولوز:" إذا كانت المبادرة الكبرى للفلسفة المجاوزة تقوم على إدخال شكل الزّمان في الفكر بما هو كذلك، فإنّ هذا الشكل بدوره، بوصفه شكلًا محضًا وفارغًا، يعني بشكلٍ لا ينفصم الله الميْت و"الأنا" المشروخ والأنا المنفعلة"[الفرق والتكرار ص ١١٧]. لكنّ كنط لا يمشي الى النّهاية في هذه الثورة الكوبرنيقيّة . فمن المعروف أنّ الله والأنا يشهدان عنده انبعاثًا جديدًا في العقل العملي"."

ثم يقتبس نصاً لجيل دولوز من كتاب "ما الفلسفة"

Deleuze dit :"C'est le cas du cogito kantien. Sans doute Kant construit-il un plan "transcendantal" qui rend le doute inutile et change encore la nature des présupposés. Mais c'est en vertu de ce plan même qu'il peut déclarer que, si "je pense" est une détermination qui implique à ce titre une existence indéterminée ("je suis"), on ne sait pas pour autant comment cet indéterminé se trouve déterminable, ni dès lord sous quelle forme il apparaît comme déterminé. Kant "critique" donc Descartes d'avoir dit: je suis une substance pensante, puisque rien ne fonde une telle prétention du Je. Kant réclame l'introduction d'une nouvelle composante dans le cogito, celle que Descartes avait repoussée: précisement le temps, car c'est seulement dans le temps que mon existence indéterminée se trouve déterminable. Mais je ne suis déterminé dans le temps que comme moi passif et phénoménal, toujours affectable, modifiable, variable". Qu'est-ce que la philosophie? p. 35




ليست هناك تعليقات: