الجمعة، 17 مارس 2017

"استئناف": إعاة محاكمة بعد الموت؛ هشام. م (عن فيسبوك)



" استئناف "

 إعادة محاكمة بعد الموت
"هلال مصلوب" نال اجازة في الحقوق وبدأ يتدرج عند احد المحامين ولسوء حظّه انتهى كل شيء عندما وافته المنيّة وحكم عليه بدخول النار، ولكن هلال لم يستسلم لهذا الحكم بل قدّم طلب استئناف امام المحكمة معتبرا أنّ الحكم جائر ومطالبا بإعادة المحاكمة، وبالفعل إعيدت المحاكمة وقرر هلال ان يترافع هو عن نفسه، وبدأت جلسة الاستئناف.

 محامي الإدعاء: سيدي القاضي، ارجو في بداية الجلسة تسجيل اعتراضي على السبب الذي تقدم به السيد هلال لإعادة المحاكمة ألا وهو "إمّا الكل في الجنّة وإما الكل في النار" ، لما يتضمنه هذا السبب من سخرية وتطاول على السلطة والقوانين القضائية.
 القاضي: حقيقةً، هذا العذر الذي تقدّم به السيد هلال هو الذي استفزّني ودفعني إلى قبول طلب الإستئناف، لأرى ما المقصود من ذلك، وإذا تبين انه التطاول او السخرية كما تقول ايها المدعي فليحضّر السيد هلال نفسه لحكم اقسى من الذي سبق.


 هلال مصلوب: سيدي القاضي، حاشا ان يكون القصد كذلك، ولكن المدعي حكم عليّ سلفاً قبل ان يسمع ايَّ تفسير للموضوع.


القاضي: إذا أسمِعنا


هلال مصلوب: سيدي لِم خلقنا الله في الدنيا، ولم يخلقنا مباشرة في الجنة او في النار؟
 القاضي: ليرى اللهُ أيَّكم أحسنَ عملا، فالدنيا دارُ امتحان واختبار وابتلاء، ومن أحسنَ فله الجنة، ومن أساء فله النار، والقاعدة واضحة: "من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرّاً يره".


هلال مصلوب: ألا يعلم الله كل شيء ؟


القاضي: طبعا


هلال مصلوب: ألا يعرف مصير الإنسان قبل أن يخلق إذا كان للجنة ام للنار؟


القاضي: نعم يعلم.


هلال: إذا طالما انه يعلم، لِمَ الدنيا؟، فليرسلنا مباشرة إلى الجنة او النار.


 القاضي: هذا ليس عدلا يا بنيّ، فالله رغم علمه بخواتم الامور، لا يمكنه أن يحرم الناس الاختبار، فالحكم عليهم دون ذلك سيكون جائراً، وتخيّل معي مدرِّسا لديه تلاميذ، وهو على علم بمستوى كل واحد فيهم ويعرف امكانياتهم وكذلك من سيرسب ومن سينجح منهم، لكنه رغم ذلك يجب ان يجري اختبارات وامتحانات لهم لكي يوثّق حقيقة وضعهم ولا يُبقي حجة لأحد منهم، لأنه في حال لم يُجرِ تلك الاختبارات لجاء أحد التلاميذ وقال أنا أستحق أن أنجح. لم حكمت عليّ بالرسوب؟


هلال: هذا تماما ما أريد أن أسمعه أيها القاضي، أرجو من المحكمة استدعاء الشاهد 

الاول: طير الجنة.
وتم استدعاء الشاهد


القاضي: اسمك، وسنّك عند موتك وشهادتك.


 الشاهد: اسمي طيرُ الجنة، عمري لحظة موتي ست سنوات، وقد أُدخِلت الجنةَ نظراً لصغر سني وعدم تكليفي بعد.


 هلال: إسمح لي سيدي القاضي أن أسأل: "أين الاختبار هنا، فقد أُدخل طيرُ الجنة للجنة دون اي مشقة أو امتحان". بينما كان عليّ أن أخضع أنا وغيري للاختبار، فأيُّ عدلٍ هذا؟
 لِمَ لَمْ يمتني الله في سنِّه، حينها سيكون مصيري الجنة بدلا من النار أو لمَ لمْ يبقه الله ليصبح في مثل سني ولْنرَ حينها هل سيبقى مصيره الجنة حين يخضع للاختبار؟
وأضاف: إذاً سيدي نلاحظ في هذه الحالة عدم وجود اختبار اصلا.
أرجو من المحكمة استدعاء الشاهد الثاني


القاضي: اسمك وسنك عند موتك وشهادتك


 الشاهد الثاني: محظوظ فقط، عمري ستون عاما، انا صديق هلال منذ الطفولة، وكنا نسير على نفس النهج، فلم نكن نصلي او نصوم ولم نكن نؤمن بالدين واليوم الآخر حتى. وبعد وفاة هلال استمريت على ذلك الحال خمسا وعشرين عاما حتى تاب الله عليّ وأنا في سنّ الخمسين فكانت توبتي نصوحة وكفّرت عن ذنوبي والحمد الله أُدخِلتُ الجنّة.


 هلال: إذاً سيدي القاضي لقد عاش صديقي محظوظ حياةً مليئة بالمعاصي توازي ضعفي ما عشت، ثم تاب بعد ذلك، وانا أسأل" لم لم تتسنّ لي نفس الفرصة، ألا يجب أن تكون مدة الاختبار متساوية؟ ألم يكن من المحتمل أن يحدث معي نفس الشيء لو أنني مكانه في حين نرى من المؤكد دخوله النار لو كان هو مكاني؟
 ويمكننا أيضا أن نأتي بمثلٍ متعاكسٍ. ماذا لو كنا إما اثنين مؤمنين توفي الأول فأُدخِل الجنة في حين بقي الثاني وبعد مدة جرفه تيار المعاصي وفسق ثم توفي وأدخل النار، ألا يأتي السؤال هنا ماذا لو كان الثاني محل الأول والعكس صحيح؟
 هل يمكن للمدرس أن لا يكون عادلا في مدة الاختبار فيعطي أحدهم نصف ساعة والآخر ساعتين مثلا، إذا نلاحظ في الحالة الثانية ان مدة الاختبار ليست متساوية بالنسبة للجميع..
 والآن فلندخل إلى مضمون الإختبار، لنأخذ مثلا الملك وفرداً من المملكة، ولنقل أن مصير الاول كان النار والثاني الجنة، ألا يمكن للملك أن يعترض ويقول: "لقد وُضِعتُ أمام اختبار صعب، فالسلطة تغري بالمعاصي وتجعل المرء عرضة للشيطان بشكل دائم ولو كنت انسانا عادياً لما تمكنت من أن أرتكب كل تلك الذنوب. ولو كان أيُّ فرد من المملكة مكاني لفعل نفس الشيء".
ويمكننا أن نقول نفس الكلام عن الغني والفقير، والصحيح والمريض، والمتعلم والجاهل إلخ....
ولكي أؤكد حقيقة كلامي أطلب من المحكمة استدعاء الشاهد الثالث
ويحضر الشاهد الثالث.


القاضي: اسمك وسنك عند موتك وشهادتك


 الشاهد: اسمي مجنون مجنون، توفيت في الخمسين من العمر وقد قضيت كامل حياتي مجنونا ثم توفيت وأُدخِلت الجنة بعد أن أعاد الله الي نعمة العقل.


 هلال: سيدي ألا يمكن لكل منا أن يتساءل: "كم هو الفرق شاسع ما بين عاقل تنهش المعاصي والغرائزُ وعيَه ومجنونٍ لا يدري ما يجري في هذه الدنيا؟ " وعلى هذا أنا أعترض لمَ لم يجعلني الله مجنونا لأضمن جواز العبور للجنة سلفا أم إن الجنون للمحظيين فقط؟
إذاً نلاحظ هنا أن مضمون الاختبار ليس متكافئا بالنسبة للجميع ايضا، ولو تبدل المضمون لربما تغير المصير
لإختصار وقت المحكمة اطلب إحضار الشهود الثلاثة المتبقين سويا


القاضي: أحضروا الشهود


 شاهد من بني اسرائيل: أنا اسمي مؤمن العصا، لقد كنت كافراً ولكن حين رأيت معجزات موسى وكيف أن عصاه تصبح أفعى آمنت برب العالمين.


 شاهد ثمود: انا اسمي مؤمن الناقة، لقد كنت عدواً لله حتى أخرج لنا صالح من الصخرة ناقة فسلمت لرب السماء والارض.
شاهد من فلسطين: انا اسمي مؤمن الناصري، لقد أحيى عيسى أخي بعد موته فآمنت حينها بالله واليوم الآخر.


 هلال: وانا اقسم لو تسنّى لي أن أرى إحدى هذه المعجزات لآمنت مثلما آمن هؤلاء الثلاثة، ولكن اين العدل؟ فانا لم يتيسر لي نفس الظرف، ففي زمني لا أنبياء ولا معجزات.


 المدعي: سيدي القاضي أنا أعترض على شهادة هؤلاء إذ لا ينقصنا بعد إلا ان يأتينا السيد هلال بشاهد من قوم لوط!


 هلال: سيدي القاضي انا لن أخيّب ظن المدعي لذا أرجو من المحكمة استدعاء لولو المقطّع وهو شاهد من قوم لوط.


القاضي: الاعتراض مرفوض وليحضر الشاهد


الشاهد: اسمي لولو المقطع، من قوم لوط، الذين قضى الله عليهم لارتكابهم فاحشة اللواط.


 هلال: أيعرف سيادة القاضي عدد الدول التي شرعت زواج المثليين في الوقت الحاضر؟ فرنسا، بلجيكا، إسبانيا، البرتغال، جنوب إفريقيا واللائحة تطول، والسؤال هنا لمَ لمْ ينزل الله عذابه على هؤلاء مثلما فعل مع قوم لوط؟ فلو إنه فعل لكنت تيقنت وقلت "فعلا ان قصة لوط وقومه ليست خرافة وهذه الحقيقة أمامي ولكنت آمنت حينها" ثم ألا يحق للولو ان يعترض ويقول: "لو أن الله أمهلني كما أمهلهم لعلني كنت تراجعت عن تلك الفعلة الشنيعة ولكنّه عذبني وقضى عليّ باكراً بينما تركهم وشأنهم يسرحون في امان..
 وهناك أسئلة أخرى سيدي القاضي تدور في نفس الفلك: "أيغضب الله على فعل اللواط فيقضي على قوم لوط بينما قتل الاطفال والابرياء المستمر من قبل الطغاة والمستعمرين هو امر يستحق ان يمهل مرتكبيه ليوم الدين؟؟ لمَ لمْ ارَ الله يقضي على جورج بوش وجيشه بعد أن أمعنوا في قتل النساء والاطفال وكذلك بني صهيون ومن لفّ لفّهم؟
 لو أن الله قضى على ترومان ومن عاونه في إلقاء القنابل النووّية على هيروشيما وناكازاكي والتي قضت على ما يتجاوز المائتين والعشرين ألف إنسان دفعةً واحدة، لكنتُ قلتُ حينها إن الله حق، ولَمَا شتّت إيماني السؤال المحير: "كيف يُنظر هؤلاء المجرمون إلى يوم الدين ولا تأخذهم الصاعقة على الفور بينما يحل غضب الله على لولو وامثاله..
 سيدي القاضي فكما ترى، حتى ظروف الاختبار ليست متكافئة أيضاً، فمن عاصر الأنبياء ورأى المعجزات ليس كمن لم ير شيئاً. ولا يمكن أن يكون الاختبار عادلا إذا أُجري للبعض تحت المطر وللبعض الآخر في الشمس الحارقة ولكلا الفريقين حق الاعتراض حينها..
 هذا غيض من فيض، وليس كل ما لديّ بل ما سمح به الوقت المتاح لي من قبل المحكمة الكريمة، اشكركم على سعة الصدر واتمنى أن يكون الحكم عادلا


القاضي: ترفع القضية على ان يصدر الحكم بعد شهر.


 ومر شهر وسنة وقرن وقضية هلال عالقة لم يصدر فيها اي حكم بعد.
(عن صفحة هشام. م)

ليست هناك تعليقات: