الخجل من نيتشه.
إن قراءة نيتشه تضعنا أمام لحظة الخيار الذي نهرب منه، أو لحظة
الحسم التي نتحاشاها بسببٍ من الكسل أو الجبن..
لطالما
كنا نحن عاشقي الفلسفة، معجبين بتاريخها منذ سقراط وحتى ديكارت وكنط وهيغل. إلى أن
جاء نيتشه بشاربيه العملاقين ومطرقته التي راحت تطيح بالأصنام.. فلم تستثنِ أحداً:
من سقراط إلى يسوع المسيح.
لا
يمكن لنا إلا أن نعجب بنيتشه. لكن هل يسامحنا صاحب المطرقة الفلسفية على أن نجلسه
على كرسيّ في حلقة الأعداء الذين حاربهم بغير هوادة؟
هذا
النيتشه الذي أعاد الاعتبار للجسد ولديونيسوس إله الخمرة والنشوة، وللبطولة التي
هي أشبه بلعب الأطفال. وهو الذي وحّد بين ما كان يعتبر من المتناقضات: المثالية
والتجريبيّة، فجعل صديقيه أفعواناً ونسراً يوم كان زرادشتاً مضاداً. (والأفعوان
والنسر هما رمزا التجريبية والمثالية).
وهو
يضعنا في مواجهةٍ مع تفاؤلنا بتاريخانية تعتبر أن تاريخ البشرية مسارٌ إلى الأمام
أو إلى الأعلى والأرقى، مع ماركس وهيغل وسواهما. فجاءنا نيتشه بنظريته في العود
الأبدي واللامعنى والعبث..
لا
مجال عند نيتشه للكسل والجبن وأنصاف المواقف.. ونحن لما نحسم خيارنا بعد، وربما لن
يتاح لنا الوقت لذلك، أو قل لن تتاح لنا الجرأةُ أو اليقين..
لكنه
في كل الأحوال قد هزّنا بشكل عميق، وجعلنا نشيح بوجهنا خجلاً كلما سمعنا صوته
ينادي بأن كونوا أنتم.. كونوا أنتم.. كونوا...
محمد الحجيري
16/12/2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق