مقدمة المترجم
تحولت ما بعد الحداثة Postmodernisme على مدى ثلاثة
عقود ماضية إلى مفهوم إشكالي حاضر
باستمرار، وإلى ساحة صراع للأفكار المتناقضة والقوى المختلفة لا
يمكن تجاهلها. وبحسب ناشري مجلة
بريسي Précis ، فإنّ “ثقافة المجتمع الرأسمالي المتقدم قد خضعت لنقلة حاسمة من حيث
بنيةُ المشاعر
فيها” 1، وهذه النقلة لزمتها بطبيعة الحال
نقلة أخرى على الصعيد الثقافي يلخصها هويسنز Hyssens قائلاً:
“إنّ ما يظهر الآن ]على الساحة
الثقافية[ إنما هو في الحقيقة نتاج تحول ثقافي تراكم ببطء في المجتمعات
الغربية” 2، وهو تحول نجح مصطلح «ما بعد الحداثة
» في إضفاء صيغة مفهومية عليه. هذه التحولات
ومدى عمقها هما بالتأكيد موضع نقاش، إلا أنّ التحولات نفسها هي أمر
واقع فعلاً، يشهد عليها تغير الوقائع
والمناهج والنظريات. وكما يقول جيمسون F. Jameson “ما بعد
الحداثة ليست مجرد كلمة أخرى لوصف
أسلوب معين، وإنما - على الأقل- مفهوم له وظيفة زمنية يربط بين
ظهور نوع جديد من الحياة الاجتماعية
ونظام اقتصادي جديد” 3.
بدأت إرهاصات ثقافة ما بعد الحداثة في العالم الغربي كانعكاس
مجتمعي من نقطة الوعي بمشكلات
الحداثة، وعدم مقدرتها على مسايرة الواقع بشروطه الجديدة،
اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. والحال أننا لا
بد أن نقرأ ما بعد الحداثة في ضوء مبررات ولادتها في أرضها الأم
بوصفها انعكاساً لهذه الشروط الجديدة
)الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية( في المجتمعات الغربية، وهو
ما يكرّس خصوصية الظاهرة بحكم
نشأتها في الغرب تحديداً. ومن ثمّ لا ينبغي بالضرورة خضوع
المجتمعات الأخرى التي لم تمر بتحولات
مشابهة لهذا النمط من الفكر الجديد. يجب إذن النظر إلى تلك الثقافة
باعتبارها نتيجة طبيعية لما مرّ به الغرب
من تناقضات وانقسامات في الأيديولوجيات الحداثية، لاسيما في علاقة
المركز بالهامش، وما نشأ عنها
من قيم الاستغلال والاستعمار، وغياب المساواة، وسيطرة
النخبة...إلخ؛ ومن الطبيعي أن تنشأ، كنوع من
ردة الفعل، اتجاهات مضادة تنادي بسقوط الأيديولوجيات والسرديات
الكبرى ونهاية الميتافيزيقا، وتطالب
بالخروج عن كل قياس معياري، وترسيخ مبدأ الانتماء الفردي، وربما تشيع أيضاً ملمح الثقافة
السلعية
الاستهلاكية، ورفض مقولات وفرضيات عصر التنوير، وخطاب الحداثة
المتمثل في الإيمان المطلق
بالعقلانية الشمولية.
وعلى الرغم من خصوصية الظاهرة ما بعد الحداثية، انطلاقاً من أنّ كل
مجتمع يفرز شكله وقيمه الأكثر
ملاءمة له، عبر احتياجاته وشروط وجوده وتحولاته الراهنة؛ إلا أنّ
هذه الخصوصية تتلاشى أمام سطوة
ونفوذ «وسائل الإعلام » وثورة الاتصالات بالإضافة إلى التأثير الذي
تمارسه الفنون المختلفة، لا سيما
السينما، بحيث بات التأثر بمظاهر ونتاجات «ثقافة ما بعد الحداثة »،
من قبل المجتمعات «ما قبل الحداثية ،»
أمراً واضحاً ومستشرياً على كافة المستويات. هذا فضلاً عن أنّ المقارنة واردة
أصلاً بين قيم المجتمع «ما
بعد الحداثي » وقيم المجتمعات «ما قبل الحداثية »، يقول
چياني فاتيمو G. Vattimo “إنّ الثقافة الغربية مع
نهاية الحداثة يسودها خطاب ميتافيزيقي )خطاب التكنولوجيا(، وهي
بذلك ليست أفضل من الثقافات ما قبل
الحداثية التي يسودها خطاب الأسطورة، وهي بهذا المعنى تهمش الإنسان
وتقهره تماماً كما تفعل مجتمعات
الجنوب بإنسانها المهمش” 4.
على كل، فإنّ مراجعة سبل التحول من الحداثة إلى ما بعد الحداثة،
وهو موضوع ربما نوقش كثيراً في
الغرب، أمر ضروري لفهم كيف يشكل توجه بعينه إلى المستقبل مواقفنا
واختياراتنا في المرحلة التاريخية
الحالية. وربما هذا الفهم يتطلب أيضاً التوقف عند مفاهيم التحديث،
وما يخص التقدم والتطور التاريخي من
أفكار.
في عام 1971 كتب إريك هينش E.
Henche
مقالاً حملته مجلة “الفن في أمريكا” Art in America
عنوانه تحطيم كل القواعد Breaking All the Rules ، وكان ممّا
جاء فيه “على الرغم من أنّ ما بعد
الحداثة تشخيص لكل ما يحدث حولنا فإننا لم نُعطها حتى الآن تعريفاً
واضحاً” 5. على النقيض من ذلك وفي
ربيع 1995 أصدرت مجموعة من المفكرين ونجوم المجتمع الأمريكي بياناً
تحت عنوان انتفاضة ضد طبقة
الإعلام Revolt Against the Media Class وصفه أصحابه
بأنه صرخة احتجاج ضد استشراء القيم ما
بعد الحداثية في المجتمع الأمريكي 6- 7. ولعل هذا الاختلاف بين المواقف يدفعنا
للتساؤل عن معنى مصطلح
"ما بعد الحداثة".
الواقع أنّ منظري ما بعد الحداثة لم يتفقوا حتى على تعبير "ما
بعد الحداثة"، فالبعض مثل ليوتار Lyotard يفضل صيغة أكثر
تحديداً ك “حالة ما بعد الحداثة” La condition postmoderne فيما يراها آخرون
كجيمسون “منطقاً ثقافياً للرأسمالية المتأخرة” أو “عصراً ثقافياً أخيراً في الغرب” 8، وهو يرى أنّ المصطلح «متضارب
ومتناقض داخلياً...، فما بعد الحداثة ليست شيئاً يمكن أن نثبته في مكانه مرّة
واحدة لكي
نعاود استعماله لاحقاً »، أمّا أمبرتو إيكو Umberto
Eco
على الرغم من أنّ أعماله ما بعد حداثية بامتياز-
فهو يرفض التسمية ويقترح بدلاً منها ما يطلق عليه “تعدد
اللغات المعمم لزمننا” il multilinguismo
della
nostra generalizzate ، كذلك هو الحال أيضاً مع فوكو ودولوز
اللذين اعتبرا أعمالهما تشكل
انقطاعاً وتواصلاً مع الحداثة 9.
محاولات للتعريف
كل هذه الآراء تدعونا للتساؤل: هل يمكن تعريف ما بعد الحداثة؟
وفقاً لمنظري الحركة، فإنّ لفظة
«تعريف definition » هي لفظة حداثية موروثة من نماذج الوضعية
المنطقية، ولا تنسجم مع الإطار
العام المفتوح لما بعد الحداثة، والذي لا يحوي ضمن مفرداته مقولة
التحديد. فالتعريف يوحي بالثبات كما
أنه يفترض مقدماً أنّ كل من سيقرأه سيفهمه كما حدده كاتبه، وكما
سيفهمه جميع القراء، وهذا ما يرفضه
منظرو ما بعد الحداثة الذين لا يؤمنون بوجود حقيقة موضوعية. ويذهب إيهاب حسن إلى “أنّ المصطلح،
فضلاً عن المفهوم، ينتمي إلى ما يطلق عليه الفلاسفة الفئة المتنازع
عليها جوهرياً، وبلغة أبسط- يقول
حسن- إذا وضعنا أهم المفكرين الذين ناقشوا المفهوم في غرفة واحدة،
ثم أضفنا الإرباك الملازم للمفهوم،
وأغلقنا الغرفة، وألقينا بالمفتاح بعيداً، فلن يحدث اتفاق بين
المناقشين، بل سنجد خيطاً من الدماء يبدو أدنى
عتبة الغرفة”.
على أننا سنحاول الاقتراب من المصطلح بتحديد بعض الملامح العامة
له:
ينبغي أن نفرق بداية بين ما بعد الحداثة Post-modernisme كمصطلح يشير
إلى نوع من الثقافة
المعاصرة، وما بعد التحديث Post-modernité كحقبة زمنية
مرّ بها الغرب، أو يمرّ بها، نتيجة لبعض
المتغيرات التي لحقت بعملية التصنيع والإنتاج وارتباط ذلك بتنامي
وتضخم المنظمات الرأسمالية العالمية.
ما بعد التحديث يشير إلى الفترة التاريخية أو المدة الزمنية؛ أمّا
ما بعد الحداثة فيشير إلى أسلوب أو
طريقة التفكير أو الحركة الفكرية والثقافية التي انبثقت من هذا
الوضع التاريخي الذي يطلق عليه “ما بعد
التحديث” 10 .
تشير البادئة Post في مصطلح Postmodernisme في الإنجليزية
والفرنسية إلى ما يأتي “بعد”
كلازمة تعبر عن الزمان، كأن نقول “ما بعد الكلاسيكية، ما بعد
الرومانسية، ما بعد البنيوية، ... إلخ”،
غير أنها لا تتوقف عند العلاقة الزمنية ولكن تتجاوزها إلى العلاقة
الفكرية، إذ تشير إلى ترك الإطار أو
النموذج Paradigme السابق عليها. ويعود استخدام المصطلح أول مرة- بحسب إيهاب حسن- إلى الأسباني
فيدريكو دي أونيس F. De Onis وذلك في كتابه
مختارات من الشعر الأسباني والأسباني الأمريكي
الصادر عام 1934 ، ثم التقطه دودلي فيتس D. Fitts في كتابه
مختارات من الشعر الأمريكي اللاتيني المعاصر Anthology
of Contemporary
Latin- American Poetry عام 1942 ، وكان كلاهما يشير إلى رد فعل ثانوي على الحداثة قائم في داخلها. يرى حسن إذن أنّ المصطلح نشأ في حقل النقد الأدبي، ثم وظف في حقول
معرفية أخرى كالفلسفة والاجتماع والسياسة والتحليل النفسي واللغويات والدين... إلخ. لكن المؤكد أيضاً -وهو ما يشير إليه حسن- أنّ المصطلح اكتسب مدلولاً لأول مرّة في كتاب فيلسوف التاريخ الإنجليزي
أرنولد توينبي A.Toynbee “دراسة التاريخ” A Study
of History
، عندما استخدمه ليشير إلى ثلاث خصائص رآها تميز الفكر والمجتمع الغربيين منتصف القرن العشرين، وهي
اللاعقلانية والفوضوية واللامعيارية، بسبب أفول البورجوازية في التحكم بتطور الرأسمالية الغربية منذ
نهاية القرن التاسع عشر، وحلول الطبقة العاملة الصناعية محلها، وهو ما رآه
انقلاباً، بل انحطاطاً، للقيم البورجوازية التقليدية 11 .
في بداية الستينيات استخدم المفهوم على نطاق أوسع، إذ استخدمه
ليونارد ماير L. Mayer في دراسته
نهاية عصر النهضة The End of the
Renaissance1963
ليشير به إلى التغير المعماري الذي
طرأ على المدينة الغربية. وفي الاتجاه نفسه نشر المعماري الشهير
روبرت فنيتوري Robert Venturi
مقالته مبررات عمارة البوب 1965 قدم خلالها مبررات وحتمية ولادة
مفهوم جديد للعمارة، عوضاً عن
المفاهيم الجامدة البليدة المضجرة التي تبنتها الحداثة. ثم اتبع
هذه المقالة بكتاب التعقيد والتناقض في العمارة
Complexity and Contradiction in Architecture
1966 وضع فيه تصوره لخصائص العمارة
ما بعد الحداثية قائلاً “نحن نطالب بعمارة تعلي الثراء، بمعنى
الوفرة والكثرة والزخم في التفاصيل والاقتباس
والغموض، فوق الوحدة والنقاء، وتقدم التناقض والتعقيد على
التناغم والبساطة” 12 .
ومع أنّ الجدل بشأن مفهوم ما بعد الحداثة بدأ في عقد الستينيات،
العقد الذي يصفه هويسنز 13 بالخط
الفاصل العظيم، في النقدين الأدبي والثقافي في أمريكا، فقد امتد
هذا الجدل إلى حقول معرفية أخرى، وقد
أعلن تشارلز جينكس C. Jencks ، وهو أحد
المنظرين الأساسيين لما بعد الحداثة في فن العمارة، أنّ المصدر
الأساسي الذي استقى منه فهمه النظري لمفهوم ما بعد الحداثة هو
النقد الأدبي، وحسب جينكس فإنّ “إيهاب
حسن كان هو بالفعل من عمد مفهوم ما بعد الحداثة وجعله أكثر
استقرارًا” 14 . ويصادق على رأي جينكس
ما ذكره جان فرانسوا ليوتار
في كتابة «الوضع ما بعد الحداثي 1979( » ( من أنّ عمل إيهاب حسن «أدب
الصمت The Literature of Silence » هو المصدر الذي نبهه إلى أهلية مفهوم ما
بعد الحداثة 15 .
بدأت ثقافة ما بعد الحداثة في سبعينيات القرن العشرين - بعد
التغيرات التي طرأت على الساحة الفكرية
الفرنسية نتيجة انتفاضة الطلبة في مايو - 1968 تتلاقى مع
المشروع الفرنسي ما بعد البنيوي. وبمعنى أدق
تجد المناخ النظري الملائم لها من خلال أعمال رولان بارت R.
Barthes
وفوكو وجيل دولوز وجاك دريدا
وجاك لاكان J. Lacan . وسيكون هذا
التلاقي هو البداية الحقيقية لما عرف بحركة ما بعد الحداثة الفلسفية.
وفي العام 1979 يصدر كتاب جان فرانسوا ليوتار “الوضع ما بعد
الحداثي” الذي يعتبره البعض البيان
النظري الأول للحركة التي لا يجمعها اتجاه واحد. وإن كان يجمعها بعض الخصائص المشتركة، التي حاول
ليوتار تكثيفها في كتابه.
وفي الثمانينات يستمر الإنتاج الفكري لمنظري التيار )فوكو، دولوز،
ليوتار، دريدا، إيهاب حسن( غير
أنّ المصطلح سيظهر بقوة أكثر في ميدان علم الاجتماع: في فرنسا مع
جان بودريار، وفي بريطانيا لدى
سكوت لاش S. Lash في “علم اجتماع
ما بعد الحداثة” Postmodern Sociology ، ولدى أنتوني جيدنز A.
Giddens
في “نتاجات الحداثة” The Consequences of Modernity الذي يقترح فيه
مفهوم “الحداثة الجذرية” Radical Modernity بديلاً ل “ما
بعد الحداثة”.
وفي ظل تنامي المفهوم وتشعبه وتداخله مع مصطلحات أخرى عديدة- كما
بعد التصنيع Post- industre
وما بعد الاستعمار Post- colonialisme ، ظهر تيار مناهض بقوة لتيار ما بعد الحداثة يستند في بنيته
المضادة على الإرث العقلاني الحداثي، داعياً إلى تصحيح مسار الحداثة بوصفها
“مشروعاً لم يكتمل بعد”، وأنّ هذا التصحيح لا يستدعي أبداً تقويض المشروع الحداثي المبني
على الأسس العقلانية. يتزعم هذا التيار الفيلسوف
الألماني يورجن هابرماس المنتمي إلى مدرسة فرانكفورت Frankfurt
School . وبالإضافة إلى هابرماس
هناك مجموعة من النقاد الماركسيين الذين وجهوا كل طاقاتهم وإنتاجهم
الفكري لمناهضة تيار ما بعد الحداثة ك
“تيري إيجلتون، ديفيد هارفي، فريدريك جيمسون” ومازالت إنتاجاتهم
الفكرية حتى الآن تدور في هذا السياق.
في عام 1995 يذهب فالتر أندرسون W.
Anderson
إلى أنّ “ما بعد الحداثة سوف تأتي وتذهب،
مثل باقي تيارات الفكر، أمّا ما بعد التحديث- أي الظرف ما بعد
الحداثي- فسيظل قائماً” 16 . وفي السياق نفسه
والعام نفسه يقول ديفيد هارفي: «ثمة علامات، في هذه الأيام، تشير
إلى أنّ هيمنة ثقافة ما بعد الحداثة هي
في عملية ضعف مستمر في الغرب 17» . في حين يذهب إيهاب حسن في مقالته من
الحداثة إلى ما بعد الحداثة
إلى أنّ «ما بعد الحداثة صارت الآن شبحاً ...، وكلما نظن أننا قد
تخلصنا منها، ينهض شبحها مرة أخرى »
ويستطرد قائلاً: «ما زالت أفكار ما بعد الحداثة تتردد في خطاب
الهندسة المعمارية، والفنون المختلفة،
والعلوم الإنسانية، وأحياناً الفيزياء، كما أنها لم تقتصر على
المؤسسات الأكاديمية، بل نجدها أيضاً في
الخطاب الشعبي، وعوالم السياسة والاقتصاد، والميديا، وصناعات
الترفيه، كذلك شاعت في لغة الأساليب
الشخصية للحياة، مثل طريقة طهو ما بعد حداثية، ومطبخ ما بعد
حداثي... إلخ 18» .
محاولات للتصنيف
يصنف ليمرت المفكرين ما بعد الحداثيين إلى ثلاث فئات:
الراديكاليون: ليوتار، بودريار، إيهاب حسن، الذين يعتبرون الحداثة
شيئاً ينتمي إلى الماضي، وأنّ
الوضع الثقافي الراهن لا يحتمل مقولاتها.
الاستراتيجيون: ميشال فوكو، دريدا، دولوز الذين يتخذون من اللغة أو
الخطاب أساساً لتحليلاتهم، ويرفضون أية صياغة لمفهوم الجوهر الشامل، والكليّة أو
القيم الشمولية.
الحداثيون المتأخرون: مثل هابرماس وجيمسون، الذين يتخذون موقفاً
نقدياً من الأنساق الشمولية الكبرى، ولكنهم لا يرفضون مفاهيم الحداثة 19 .
وتفرق باتريشيا ووه بين صيغتين قادمتين من أسس فلسفية
منفصلة: صيغة عفية، وأخرى هشة، ولكل
منهما ميلها التفكيكي ونزعتها القائمة على إعادة التركيب: لقد جاءت
الصيغة القوية من قراءة ما بعد البنيوية
لنتيشه. أمّا الصيغة الهشة، فقد خرجت من القراءة التأويلية لهيدجر.
وعادة ما ينصب الميل التفكيكي على نقد
نظرية المعرفة الخاصة بحركة التنوير، بينما ترتكز إعادة
التركيب على محاولة بناء نسق بديل للقيم 20 .
ما يمكن أن نخلص إليه إذن أنّ هناك ما بعد حداثات عديدة، قد
يصعب حصرها أو تصنيفها، والسؤال هو ما القاسم المشترك بين هذه الاتجاهات العديدة؟
هل يمكن الحديث عن قيم أو مبادئ عامة تشترك فيها هذه التوجهات؟
في كتابه «المنعطف ما بعد الحداثي Postmodern
Turn The
» يرسم إيهاب حسن سلسلة من
التعارضات النمطية بين الحداثة وما بعد الحداثة، تبدو من خلالها
الثانية كرد فعل على الأولى، فيجعل حسن
على سبيل المثال الفوضى anarchy ما بعد
الحداثية مقابل مفهوم التراتبية hierarchy الحداثي،
والشمولية
totalization مقابل التفكيك deconstruction ، الحضور presence مقابل الغياب absence ، الجذر
root مقابل الجذمور rhizome ......إلخ 21 . والواقع أنّ المصطلحات التي
استخدمها حسن في جدولته هذه
ليست خاصة بالحداثة أو ما بعد الحداثة، بقدر ما هي أمثلة على
تواترات ثقافية وفكرية، كانت وما تزال شائعة في كلتيهما وغير مميزة لأيهما على
حدة. وربما يكون الأكثر جدوى ودقة من ذلك هو القول إنّه في مراحل معينة من ثقافة
الحداثة سادت بدرجة أو بأخرى توجهات ما بعد حداثية، وفي مرحلة ما بعد الحداثة ما
زالت هناك جذور حداثية. وباختصار، إنّ الثنائيات التي أوردها حسن في جدولته تنقصها
الدقة والإحكام ويمكن النظر إليها على أنها تعطينا مؤشرات على التوجه العام لتيار
ما بعد الحداثة، ولا تكشف بدقة عن طبيعة هذا التوجه.
غير أنّ حسن في موضع آخر، يحدد بطريقة أكثر دقة، وإن كانت بالسلب،
بعض الأسس المشتركة في
تيارات ما بعد الحداثة وهي كالآتي:
1 رفض النظريات الشمولية، لاسيما النظريات الكبرى مثل:
نظريات كارل ماركس، وهيجل، ووضعية كونت،
والتحليل النفسي، مع التركيز على الجزئيات والرؤى المجهرية للكون والوجود.
2 - رفض اليقين المعرفي المطلق ورفض المنطق التقليدي الذي
يقوم على تطابق الدال والمدلول، أي تطابق الأشياء
والكلمات.
3 - رفض الحتمية الطبيعية والتاريخية التي كانت سائدة في
مرحلة الحداثة ولاسيما مفهوم التطور الخطي.
4 مناهضة كل أشكال السلطة سواء في الخطاب أو في السياسة أو
في الفن 22 .
وقد حاول كينيث آلن تقنين بعض المقولات النظرية لتيار ما بعد
الحداثة ليضعها في شكل )السبب/
النتيجة( أو )المتغير المستقل/المتغير التابع(، متخذاً من
الرأسمالية المتأخرة أو رأسمالية العولمة موضوعاً
لدراسته، وعلى سبيل المثال رأى آلن أنّ إعادة توطين رأس المال وسرعة حركته، هو سبب نتيجته
زعزعة
الرموز الثقافية وافتقادها القدرة على تقديم المعنى، كما ذهب إلى
أنّ هيمنة التكنولوجيا في عملية الإنتاج،
وهو متغير مستقل، يؤثر على متغير تابع هو )عدم ثبات الذات
وتشظيها وتفككها( 23 . والواقع أنه يصعب
حصر المسألة في مجرد سبب ونتيجة، إذ النتيجة تتحول إلى سبب، والسبب
يتحول بدوره إلى نتيجة، وهكذا.
كما أنّ عبارات مثل «فقدان المعنى » و »تشظي الذات وتفككها » هي
عبارات شديدة التركيب والتجريد
يصعب ردها إلى سبب واحد.
ويذهب كريستوفر نوريس C.
Noriss
إلى أنّ ما تشترك فيه اتجاهات ما بعد البنيوية، رغم ما بينها من اختلاف في المنهج والاهتمامات، هو التزامها بشكل أو بآخر
بالتحول إلى اللغة والخطاب والنص.
وهو تحول يشكل سمة بارزة في مجالات عديدة لا تقتصر على الفلسفة
والتاريخ. أمّا موضع الخلاف بينها
فهو القدر الذي يسمح به كل منها بحيز لفكرة الحقيقة التاريخية، وسط
انهماكها في النصوص والدلالات
اللانهائية المتولدة عنها، وهي تختلف كذلك في مدى تقبلها لمقولة
فريدريك جيمسون إنّ التاريخ “أفق لا
يمكن تجاوزه” 24 .
الترجمة
إنّها مسألة متعدد الجوانب، ولعل هذه الأسئلة تلقي بعضاً من الضوء
عليها: هل ثمّة ظاهرة جديدة في الثقافة المعاصرة عموماً، وفي الأدب المعاصر بشكل
خاص، تستدعي أن نطلق عليها اسماً جديداً؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يفيدنا
هنا اسم مؤقت من قبيل «ما بعد الحداثة Post Modernism » ؟ وكيف يمكن
لهذه الظاهرة، دعونا نتوافق على تسميتها الآن بما بعد الحداثة، أن
تتواصل مع مفاهيم أخرى، مثل الحداثة أو الطليعة avant-garde ؟ وهل ثمة
إشكاليات نظرية وتاريخية تخفيها تلك الظاهرة؟
لقد جاءت معظم الاجتهادات التي سعت لتعريف ما بعد الحداثة مضطربة؛
وتبدو في أحسن الأحوال نوعاً من التكرار الذي لا يفيد، فيخبرنا بما نحن واثقون من
معرفته بالفعل. فما الذي سنجنيه إذن من هذا المسار الاستفهامي الذي بدأناه؟ إذا لم
يكن ثمّة ما نجنيه سوى إلقاء بعض الضوء على هذا الالتباس المعقد فربما يساهم هذا
في فهم بعض من جوانب اللحظة الثقافية التي نمرّ بها الآن.
إذن دعونا نبدأ.
تاريخ المصطلح
لست متأكداً أين ومتى كانت المرة الأولى التي تمّ فيها استحداث هذا
المصطلح، خاصة إذا سلمنا أنّ المصطلحات تتوالد تاريخياً عن بعضها بعضاً. ولكن فيما
يأتي محاولة لعرض جلّ ما نعرفه عنه:
استخدم فيديريكو دي أونيس Federico De Onis كلمة postmodernismo في كتابه
مختارات من
الشعر الأسباني والأسباني الأمريكي Antologia
de la poesia espanola e hispanoamericana
1932 - 1882 )(، والذي نشر في مدريد عام 1934 ، وأعاد ددلي فتس Dudley
Fitts
استخدامه من
جديد في “مختارات من شعر أمريكا اللاتينية المعاصر للعام Anthology
of Contemporary ”1942
25.Latin-American
Poetry of 1942
وقد أراد كلاهما الإشارة إلى رد فعل تجاه الحداثة كان كامناً
داخلها، لكنه كان ثانوياً أو محدود الأثر. كما ظهر المصطلح في موجز
سمورفيل Somervell لكتاب
أرنولد توينبي دراسة التاريخ A Study
of History as early as D.C . في العام 1947 . فقد اعتبر
توينبي أنّ “ما بعد الحداثة” مصطلح يصف دورة تاريخية جديدة تمر بها
الحضارة الغربية، بدأت حوالي
العام 1875 . وأننا بدأنا
بالكاد نستطلع ملامحها. وبعد ذلك بقليل، خلال الخمسينيات، يحدثنا تشارلز أولسون
Charles
Olson
عن ما بعد الحداثة بوصفها ثقافة غدت طاغية أكثر منها تعريفاً له ملامح محددة.
لكنّ المنظرين الأدبيين ليسوا مثل الأنبياء والشعراء في إحساسهم
بوفرة الوقت 26 . ففي عامي 1959
و 1960 ، كتب إيرفينج هوي Irving Howe وهاري ليفين Harry
Levin
عن ما بعد الحداثة بوصفها
نكوصاً عن الحركة الحداثية العظيمة. وخلال عقد الستينيات تمّ
استخدام المصطلح من قبل ليزلي فيدلر
Leslie
Fiedler
ومن قبلي أنا، ومن قبل آخرين أيضاً، باندفاع لا يتسم بالنضج، بل وكذلك بلمسة من
التهور. فقد أرادت فيدلر من خلال البوب Pop الطعن في
نخبوية التقاليد الحداثية العالية. وأردت أنا
استكشاف الدافع وراء التفكك الذاتي self-unmaking الذي هو جزء من
تقاليد الصمت الأدبية 27 . فالبوب
والصمت، أو الثقافة
الجماهيرية والتفكيك، أو - كما سأقول لاحقاً المحايثة واللا تعين، قد تكون جميعها مظاهر
لثقافة ما بعد الحداثة. ولكن يتوجب عليها انتظار القيام بتحليل متأنٍ لكل هذا.
إنني إدرك أنّ تلك الملاحظات لا يمكن أن تعطي تاريخ هذا الموضوع
حقه. لكنني آمل أن تكون قد قامت بمهمتها بغير تحريف أو تشويه. ثمّة شيء واحد مؤكد
بالنسبة إليّ: إنّ مُسمى «ما بعد الحداثة » قد اكتسب الآن استخداماً واسع النطاق،
إن لم يكن استخداماً مضطرباً. فقد ارتبط بالفن والموسيقى والأدب والرقص والعمارة
والتخطيط العمراني والاتجاهات الثقافية من كل نوع، بل إنّ أحد الأشخاص، ممّن حضروا
محاضرة لي في اليابان عن ما بعد الحداثة، استخدم المصطلح بصورة مبدعة لوصف نوع
جديد من السياسة.
الإشكاليات المفاهيمية لما بعد الحداثة
بالإضافة إلى ما سبق، أجد أنني لم أذكر سوى القليل عن معضلة
الإشكاليات المفاهيمية التي تنبني عليها
ظاهرة ما بعد الحداثة. ودعوني أحاول الآن تحديد تسع إشكاليات،
بادئاً بأكثرها وضوحاً ووصولاً إلى أشدها
عسراً وتعقيداً.
ليست كلمة ما بعد الحداثة صعبة وغير مألوفة فحسب؛ بل هي تستحضر
كذلك ما ترغب في تجاوزه أو قمعه، أي الحداثة نفسها. وهكذا يحوي المصطلح عدوه
داخله، على عكس مصطلحات مثل الرومانسية romanticism والكلاسيكية classicism والباروك baroque والروكوكو rococo . وعلاوة على
ذلك،
-26 يقصد حسن أن المصطلح تم استخدامه
بطريقة مندفعة وربما غير ممحصة في مجال النقد الأدبي. )المترجم(
-27 يشير حسن هنا إلى كتابه الشهير
أدب الصمت Literature of Silence
1967 ، في هذا الكتاب يبين حسن كيفية توظيف الصمت
بوصفه ضرباً من المجاز في تمييز النوع الجديد من الكتابة الذي ظهر وازدهر في
العديد من الأعمال الأدبية )أعمال ميللر وبيكيت على سبيل المثال( أبان الأعوام من
1960 – 1970 . يسلط حسن الضوء على مسألة الهوس باللغة لدى كتاب ما بعد الحداثة،
ويصفه بأنه يتسم بالتناقض، لأنّ اللغة الفعلية التي تستخدمها الشخصيات في أعمالهم
تنتج قدراً ضئيلاً من التواصل المفهوم. والنتيجة التي يجدها حسن مميزة لأدب ما بعد
الحداثة القصصي هي حالة من «الصمت » تم بلوغها بوساطة سيل من الكلمات، الأمر الذي
يحمل في طياته نوعاً من المفارقة اللغوية. )المترجم(
فإنه يوحي بالتواصل الزمني وفي الوقت نفسه بالتأخر والتدهور الذي
لا يمكن أن يعترف به أي منتم لتيار
ما بعد الحداثة. ولكن ما هو الاسم الذي يصلح لهذا العصر الغريب
الذي نحياه؟ عصر الذرة أو الفضاء أو
التلفزيون أو السيميائية أو التفكيكية؟ أم عصر اللاتعين، كما
اقترحت )اللاتعين في مقابل المحايث(؟ 28 أم هل
يكون من الأفضل أن
نشغل أنفسنا بأمر تلك التسمية وأن نتركها لمن سيأتون بعدنا؟
مثله مثل العديد من المصطلحات التصنيفية من قبيل ما بعد البنيوية
أو الكلاسيكية والرومانسية فإنّ مصطلح ما بعد الحداثة يعاني من بعض اللااستقرار
الدلالي: بمعنى أنّ المفكرين لم يجمعوا على معناه. وممّا يضاعف من صعوبة الأمر
وجود عاملين: أنّه مصطلح جديد نسبياً، لم يبلغ الرشد بعد، وصلته الدلالية الوثيقة بالعديد
من المصطلحات الجديدة غير المستقرة أيضاً، وهكذا يعني بعض النقاد بما بعد الحداثة
ما يقصد به الآخرون النزعة الطليعية avant-gardism ، بينما ما
يزال البعض الآخر يسميها ببساطة “الحداثة”. وهو الأمر الذي يستدعي نقاشاً. 29
يرتبط بذلك صعوبة أخرى تتعلق بعدم الاستقرار التاريخي للعديد
من المفاهيم الأدبية، وقابليتها المستمرة
للتغيير. فمن هذا الذي يجرؤ في عصرنا هذا الذي يستشري فيه سوء
الفهم، على الزعم من أنّ كلاً من
كولريدج Coleridge وباتر Pater ولفجوي Lovejoy وأبرامز Abrams ووبيكهام Peckham وبلوم
Bloom فهموا
الرومانسية بالطريقة نفسها؟ هناك بالفعل بعض الأدلة- في مقالاتي بشأن هذا الموضوع مثلاً
30 على صعوبة الفصل بين ما بعد الحداثة والحداثة، وبما يهدد بعدم جدوى
أي تمييز بينهما. ولكن ربما قد تفيد هذه الظاهرة التي هي قريبة الشبه بظاهرة
«الانزياح الأحمر red
31shift» كما أسماها
هابل Hubble في علم الفلك، في يوم من الأيام لقياس
السرعة التاريخية للمفاهيم الأدبية.
ليس ثمة ستار حديدي
أو سور كسور الصين يفصل بين الحداثة وما بعد الحداثة، فالتاريخ يتضمن طبقات متعددة
من المعاني والتفاصيل، والثقافة تخترق الماضي والحاضر والمستقبل. إنني أشك في أننا
-31 الانزياح الأحمر أو تأثير دوبلر ظاهرة فلكية تشير إلى زيادة
طول الموجة الكهروماغناطيسية القادمة إلينا من أحد الأجرام السماوية بسبب سرعة
ابتعاده عنا، وهي ظاهرة مهمة في علم الفلك. وقد اعتمد عليها عالم
الفلك الأمريكي هابل في اكتشافه أنّ المجرات ليست ثابتة في الكون، بل كلها في
حركة وابتعاد
مستمر. بذلك أثبت أنّ المجرات تتباعد عن بعضها بعضاً بسرعة متناسبة مع ابتعادها،
وسميت هذه العلاقة بقانون هابل سنة 1929 . وقد
ساهم هذا القانون
كثيراً في اعتماد نظرية الانفجار الكبير. )المترجم(
جميعاً نجمع بين شيء من الفيكتورية والحداثة وما بعد الحداثة في آن
واحد. ويمكن بسهولة أن يكتب أحد
المؤلفين عملاً حداثياً وآخر ما بعد حداثي )التباين الواضح
بين عملي جويس Joyce صورة الفنان في شبابه
Portrait
of the Artist as a Young Man ويقظة فينيجان Finnegans
Wake
(. وبصورة أعم،
وعلى مستوى معين من
التجريد السردي، ربما تكون الحداثة نفسها، قادرة بالفعل على استيعاب الرومانسية،
وأن ترتبط الرومانسية بالتنوير، وأن يرتبط التنوير بعصر النهضة،
وهكذا حتى تكتمل الدائرة، وصولاً إلى
اليونان القديمة.
هذا يعني أنه يتوجب علينا أن ننظر إلى أي مرحلة زمنية وفقاً لآليتي
التواصل والانقطاع؛ حيث إنّ كلا
الآليتين تكمل كل منهما الأخرى. الرؤية الأبولونية، المجردة الشاملة، لا تدرك سوى التواصل
التاريخي.
والشعور الديونيسي، الحسّي شبه المتبلّد، لا يلمس سوى اللحظة
المنفصلة 32 . وبالتالي تتطلب ما بعد الحداثة،
من خلال الوجهين
السابقين، النظر إليها دائماً بطريقة مزدوجة. فلا بدّ أن نضع في اعتبارنا، إذا
أردنا أن
نفهم التاريخ، و)ندرك، نفهم( التغيير، التشابه والاختلاف، الوحدة
والتمزق، الخضوع والتمرد.
ولكنّ “الفترة الزمنية” لا يمكن النظر إليها على أنها مجرد فترة
بإطلاق؛ بل هي بناء تزامني وتعاقبي
في آن واحد. وما بعد الحداثة
ليست استثناءً، مثلها في ذلك مثل الكلاسيكية أو الرومانسية كما سبق القول،
فهي تتطلب تعريفاً زمنياً وتصنيفياً، تاريخياً ونظرياً. وليس في
وسعنا أن نزعم على نحو فعلي وجود تاريخ
محدد لها، وبالتالي لن نتمكن من تحديد “تاريخ” لها على النحو الذي
حددت به فيرجينيا وولف تاريخاً
للحداثة، عندما قالت: “في شهر ديسمبر 1910 ”. وهكذا أيضاً
نكتشف باستمرار “أسلافاً” عديدين لما بعد
الحداثة لدى شتيرن
ودوساد وبليك ولوتريمون ورامبو وجاري وتزارا وهوفمنشتال وجيرترود شتاين،
وجويس في أعماله المتأخرة، وكذلك باوند في أعماله المتأخرة،
ودوشامب، وأرتو، وروسي وباتاي وبورخ
وكوينيو وكافكا. ما يعنيه هذا هو أننا قد صنعنا في أذهاننا نموذجاً
لما بعد الحداثة، ورموزاً خاصة معينة
للثقافة والخيال، وانتقلنا بعدئذ من أجل “إعادة اكتشاف” صلات
القربى بين مختلف المؤلفين ومختلف
العهود، استناداً إلى ذلك النموذج. بمعنى آخر، لقد أعدنا اختراع
أسلافنا، ولسوف نفعل ذلك دوماً. ووفقاً لذلك
يمكن للكتّاب الأقدم أن يكونوا ما بعد حداثيين: بيكيت وبورخيس
ونابوكوف وجومبروفيتس؛ كما يمكن ألا
يكون الكتّاب الأحدث منهم كذلك: مثل ستيرون وأبدايك وجاردنر.
كما رأينا، فإنّ أي تعريف لما بعد الحداثة يدعو إلى رؤية رباعية
متكاملة الأطراف، تحوي التواصل والانقطاع والتعاقب والتزامن. ولكن أي تعريف
للمفهوم يتطلب أيضاً رؤية ديالكتيكية، لأنّ الصفات
-32 يستعير حسن هنا التفرقة الشهيرة التي قام بها الفيلسوف
الألماني فريدريك نيتشه، الذي كان مغرماً بدرجة كبيرة بالحضارة الإغريقية
الكلاسيكية، بين الأبولونية والديونيوسية في كتابه الأول ميلاد المأساة 1872 م، فقد أكد نيتشه في هذا الكتاب
على أنّ الفهم الصحيح لطبيعة المأساة والحضارة الإغريقية يكون بالنظر إليهما
بوصفهما نتاج الصراع بين اتجاهين إنسانيين أساسيين الاتجاه الأبولوني وهو الرغبة في الوضوح والنظام والعقل،
ويرمز لها بأبولو إله الشمس الإغريقي. والاتجاه الآخر الديونيسي وهو دافع بدائي غير عقلاني نحو الفوضى
والعبث ويرمز له بإله الخمر ديونيسيوس. (المترجِم)
التعريفية غالباً ما تكون متناقضة، وإهمال ذلك والانخراط في
الواقعية التاريخية يفضي إلى الوقوع في الرؤية الأحادية. والصفات المحددة جدلية
ومتعددة في آن واحد؛ فانتقاء سمة واحدة لتكون معياراً مطلقاً لما بعد الحداثة يعني
وضع بقية الكتّاب الآخرين في غياهب الماضي. وبالتالي لا يمكننا ببساطة أن نركن،
كما سبق لي أن فعلت في بعض الأحيان إلى القول إنّ ما بعد الحداثة تستعصي على
التحديد أو إنّها فوضوية أو تخلو من الإبداع؛ فمع أنّها تتضمن في الواقع كل هذا، إلا
أنّها تحتوي أيضاً على ما يستدعي البحث عن “حساسية وحدوية” unitary
sensibility
)سونتاج(، وإلى “عبور الحدود وردم الهوّة” )فيدلر(، وبلوغ محايثة الخطاب، كما
اقترحت أنا، والغنوصية الجديدة وراهنية العقل. 33
يقودنا كل هذا إلى مشكلة تحديد الفترة نفسها، وهي أيضاً
مشكلة التاريخ الأدبي في حال التعامل معه
كإدراك واع للتغيير. وفي الواقع، فإنّ مفهوم ما بعد الحداثة يفترض
وجود نظرية جديدة أو تغيير ثقافي
ما. فأيّة نظرية يا ترى تكون الفيكونية Viconian ؟ الماركسية؟
الفرويدية؟ الدريدية؟ السيميائية؟ الكوهينية
أم الانتقائية؟ هل يتوجب علينا بالتالي أن نترك ما بعد
الحداثة - الآن على الأقل - دون تعريف أو مفهوم
محددين، والاكتفاء بالتعامل معها الآن كنوع من “الاختلاف”
الفني أو “الأثر” الثقافي؟ 34
آخر تلك المعضلات، وربما أكثرها وضوحاً، هي قابلية ما بعد
الحداثة للتوسع غير المستقر: فهل ما بعد الحداثة مجرد نزعة أدبية، أم هي بالأحرى
ظاهرة ثقافية، أو ربما لحظة تحول حقيقية في الإنسانية الغربية بكافة جوانبها؟ إذا
كان الأمر كذلك، فكيف لتلك الجوانب المختلفة لهذه الظاهرة - النفسية والفلسفية والاقتصادية
والسياسية أن تلتقي وتفترق؟ باختصار، هل يمكننا أن نفهم ما بعد الحداثة في الأدب
من دون بعض محاولات إدراك ملامح المجتمع ما بعد الحديث، كما تصوره توينبي، حيث
يكون الاتجاه الأدبي الذي أناقشه هنا مجرد ضرب وحيد نخبوي منه؟ 35
33 مع أنّ بعض النقاد ذهبوا إلى أنّ
ما بعد الحداثة زمنية بالأساس، في حين قال آخرون إنها «مكانية » بصورة رئيسة، إلا
أنّ ما بعد الحداثة تكشف
عن نفسها في العلاقة بين هاتين
الخاصيتين. أنظر وجهتي النظر المتعارضتين لكل من ويليام سبانوس..
35 استكشف كتاب من قبيل مارشال
مكلوهان Marshall McLuhan
وليزلي فيدلر Leslie Fiedler
الجوانب المتعلقة بالميديا والبوب في ما بعد الحداثة على مدار عقدين، رغم أنّ
جهودهما الآن أصبحت شيئاً من الماضي لدى بعض الدوائر النقدية. وقد ناقش ريتشارد
بالمر . Richard E
Palmerr الفارق بين
تيار ما بعد الحداثة، بوصفه نزعة فنية معاصرة، وما بعد الحداثة، بوصفها ظاهرة
ثقافية، أو حتى فترة تاريخية، في مقاله Post� modernity
and Hermeneutics ، المنشور في
دورية Boundary ، السنة
الخامسة العدد الثاني، 363 – 393
ولا شك أنّ هناك مشاكل مفاهيمية أخرى أجد نفسي متردداً تجاه
تناولها )هناك في الوقت الحاضر جمع
كثير من الأمور الاصطلاحية والمنهجية والأنطولوجية والإبستمولوجية،
فمن يمكن أن يلوم أي شخص على
هذا التردد؟( لكنني اعترف أنّ ذلك قصور واضح يجعلني أقرب إلى
الهواة.
الاختلافات
يهدف الجدول التالي إلى تقديم بعض خصائص ما بعد الحداثة في مقابل
الحداثة:
الحداثة ما بعد الحداثة
الرومانسية/ الرمزية ما بعد الطبيعة/ الدادئية
الشكل )متصل ومغلق( اللاشكل )متقطع ومفتوح(
قصد لعب
تخطيط مصادفة
تراتبية فوضى
قوة/ لوغوس ضعف/ صمت
موضوع الفن/ عمل منتهٍ عملية/ أداء/ حدث
مسافة مشاركة
إبداع/ شمولية هدم/ تفكيك
تركيب تفكك
حضور غياب
تمركز تشتت
نوع/ حدود نص/ تداخل النصوص
نموذج معياري سياق
ترتيب بواسطة روابط ترتيب بدون روابط
استعارة كناية
انتقاء مزج
جذر/ عمق جذمور/ سطح
تفسير/ قراءة ضد التفسير/ قراءة محرفة
مدلول دال
المقروء المكتوب
السرد ضد السرد
الآب الرب الروح القدس
سمة رغبة
تناسلي/ ذكوري متعدد الأشكال/ مخنث
جنون العظمة الفصام
الأصل/ السبب الاختلاف/ الأثر
ميتافيزيقا سخرية
حتمية لاحتمية
محايثة مفارقة
يعتمد الجدول السابق على أفكار مختلفة من حقول معرفية عديدة -
البلاغة واللغويات ونظرية الأدب
والفلسفة والأنثروبولوجيا والتحليل النفسي والعلوم السياسية، وحتى
اللاهوت، كما يعتمد على العديد من
الكتّاب: دي سوسير وياكوبسون وليفي شتراوس وروب جرييه ولاكان
ودريدا وفوكو ودولوز وبارت
وكريستيفا، فضلاً عن أورباخ ودي مان وكيج وكابرو وبراون وشتاينر
وبارت وبلوم وسونتاج وروزنبرج،
وكتّاب آخرين أنا واحد منهم. غير أنّ هذه القائمة خادعة، لأنّ تلك
الاختلافات دائمة التبدل والإرجاء،
بل إنها تتلاشى أحياناً؛ بالإضافة إلى أنّ المفاهيم في كلا
العمودين ليست متناظرة؛ وهي مليئة بالتقابلات
والاستثناءات العديدة. ومع هذا، يظهر النزوع نحو «اللا تحدد » في
العمود الثاني، الذي يشير إلى ما بعد
الحداثة، بصورة أكبر ممّا هو موجود في العمود الأيسر، غير أنّ هذا
لا يضفي مزية معينة للعمود الثاني.
على كل، هناك خمسة افتراضات تشكل وسائل مساعدة قد تعيننا على فهم
ثقافة ما بعد الحداثة. فهل
يمكننا أن نتجاوز الآن الجدول السابق، إلى الحديث عن مفهوم ثقافي
لما بعد الحداثة؟ لم يتبقَ لي كثير من
المساحة هنا، وسأكتفي بعرض هذه الافترضات، التي أجد في إيجازها
حيلة للهروب من النقد:
تعتمد ما بعد الحداثة على التحول الأنسني الصارخ الذي حدث على كوكب
الأرض، حيث الإرهاب
والاستبداد، الجزئيات والكليات، الفقر والسلطة، كل منها الآخر. قد
تكون النهاية كارثية و/أو بداية حقيقية
لهذا الكوكب، عهد جديد «للواحد والكثرة »، كما اعتاد أن يردد
الفلاسفة السابقون على سقراط 36 .
36 يعني هذا أنّ المستقبل مفتوح على
كافة الاحتمالات. وأنّ الزمان، وبالتالي التاريخ، لا يسير بصورة خطية مطّردة نحو
التقدم والرقي مثلما كان
سائداً في المرحلة الحداثية. والواقع
أنّ ما يتحدث عنه حسن هنا هو علاقة وثيقة بشيوع فكرة النهايات في القرن العشرين،
فقد أعلن اشبنجلر Spengler
1880 ) 1936 ( صراحة «نهاية الغرب western Der untergang des » وأفوله.
وأزكى نيتشه Nietzsche
هذه الروح عندما أعلن “موت الإله” Tod Gottes
. وكتب فالتر بنيامين Walter Benjamin
“نهاية الفن في عصر الإنتاج الآلي”، ويؤسس هيدجر Heidegger
مشروعه الفلسفي على “تقويض الميتافيزيقا”، ويعلن بارت R. Barthes “موت المؤلف”،
ويكتب فوكوياما Fukuyama
“نهاية التاريخ”، ويعلن فوكو “موت الإنسان”، ويحدثنا رورتي عن “نهاية الفلسفة
النسقية”. وفي السياق نفسه يحاول “فاتيمو” حصر ظاهرة ما بعد الحداثة على
المستوى الفكري في خمسة مبادئ هي: نهاية الفن وأفوله- موت النزعة الإنسانية-
العدمية- نهاية التاريخ- تجاوز الميتافيزيقا. وهي كلها تنويع على فكرة النهايات.
لا يوجد علم أو فلسفة أو فن بل إعلان النهاية لكل شيء، “دق أجراس الموت” بتعبير
دريدا. )المترجم(
تستند ما بعد الحداثة على المد التكنولوجي للوعي، وهو شكل من أشكال
غنوصية القرن العشرين 37 ،
يسهم فيه الكمبيوتر
وجميع وسائل إعلامنا المختلفة )بما في ذلك الوسيط العجيب الذي نسميه تلفزيون(.
والنتيجة هي وجهة نظر مفارقة تنظر إلى الوعي كما لو كان مجرد
معلومة وتنظر إلى التاريخ كما لو كان
مجرد حدث.
تكشف ما بعد الحداثة، في الوقت ذاته، عن نفسها في تشتت لغة الإنسان
في كل مكان. «عودة » إلى
لحظة الخلق الأصلية )الانفجار الكبير Big
Bang
(، “نزوحاً” إلى حافة الانحسار في الكون )النجوم الزائفة
quasars (، “داخل”
الثقوب السوداء black holes في الفضاء أو اللاوعي )لاكان( - بديلاً عن
محايثة
العقل والخطاب في
المرحلة الحداثية. وربما يكون هذا هو الجانب الأكثر وضوحاً من الغنوصية الجديدة.
كما يمكن الحديث عن ما بعد الحداثة، بوصفها شكلاً من أشكال التحول
الأدبي، الذي يمكن تمييزه عن
الأشكال التقليدية للتيارات الطليعية )التكعيبية والمستقبلية
والدادائية والسريالية، وما إلى ذلك( فضلاً عن
الحداثة. ولأنّها ليست منعزلة أو مفارقة مثل الأخيرة )أي الحداثة(
ولا هي بوهيمية ومنقسمة مثل الأولى
)التيارات الطليعية(، فإنّ ما بعد الحداثة تؤسس ذاتها في منطقة
مختلفة تقع بين الفن والمجتمع. وهذا ما
يقودني إلى النقطة الأخيرة.
بوصفها ظاهرة فنية فلسفية إيروتيكية اجتماعية، تميل ما بعد الحداثة
إلى القوالب أو الأشكال المنفتحة...
اللعوب...الانتقائية...المتقطعة...غير المحددة، خطاب تشظٍ،
وأيديولوجية تجزئة، وإرادة “اللا فعل”،
واحتجاج الصموتين على كل هذا، ومع ذلك فهي تضمر ما في كلّ هذا من
أضداد وواقع متناقض. )وكأنّ
“في انتظار جودو” وجدت صدى، إن لم يكن إجابة، في “السوبرمان” 38 (.
لا يسع المرء في النهاية إلا أن يتساءل: هل تصبح بعض
التحولات المعرفية والاجتماعية، تلك التي
تشمل الفنون والعلوم، والثقافة العليا والدنيا، والمبادئ الذكورية
والأنثوية، والأجزاء والكليّات، فاعلة بيننا
على كافة المستويات؟ بوسعنا أن نخمن ونخمن: فلن تصبح تلك الكتابة
غير المرئية، “حبر الزمن”، مقروءة
إلا بوصفها تاريخاً.
-37 ’الغنوصية‘ من Gnose وهي كلمة
يونانية تعني ’المعرفة‘، اصطلح الدارسون على استخدامها لوصف عدد من الحركات
الدينية في فترة سيطرة الإمبراطورية الرومانية، وهي في مجملها لا علاقة لها
بالمسيحية. إنها مجموعة من التيارات أو المذهب الفكرية )أبرزها الهرمسية
والأفلوطينية والباطنية( المعقدة التي تعتمد على الفلسفة الباطنية، وتمزج بين
العديد من المعارف والأديان الوثنية، وتتجاوز فكرة الوحي الإلهي كأساس لكل معرفة لاهوتية،
وتفسرها تفسيراً مجازياً. كما تؤسس الغنوصية للنسبية، والتمرد على كل ما هو ثابت،
وترفض فكرة الحقيقة الموضوعية، فالحقيقة حشد من المجازات والاستعارات لا يستطيع
أحد ادعاء امتلاكها، وفي هذا يكمن التشابه بينها وبين اتجاه ما بعد الحداثة.
)المترجم(
38 يشير حسن هنا إلى المسرحية الأشهر
لصمويل بيكيت في انتظار جودو 1948 التي حازت على تقييم أهم عمل مسرحي في القرن
العشرين،
وفكرة المسرحية قائمة على شخصين يرتحلان إلى مكان ما في انتظار
الوصول المرتقب ل »جودو » الذي لن يأتى أبداً. والواقع أنّ شخصية جودو من الشخصيات
التي تحتمل تأويلات عدة هل هو المنقذ أو المخلص؟ هل هو الأمل، السعادة، الحب؟ هل
هو الزمن، الحياة، الموت؟ إنّ شخصية جودو
الملغزة تسمح بكل هذه التأويلات. ولعل
إشارة حسن أعلاه في مقارنته بين مسرحية بيكيت وشخصية سوبرمان سببها التشابه
الظاهري بين شخصية
جودو وشخصية سوبرمان، فكلاهما منقذ أو
مخلص، لكن في حين تعددت التأويلات لشخصية جودو، نجد شخصية سوبرمان تقف عند حدود
الفكرة
العبرانية عن المخلص.
مسرد المراجع
• Hassan, Ihab. On the Problem of the Postmodern, New Literary
History, Vol. 20, No. 1, Critical
Reconsiderations.
(Autumn, 1988)
• Henche, Eric. Breaking All the Rules. Art in America Magazine 12
June 1971, Vol 112.
• Plant, Sadie. The Most Radical Gesture: The Situationist
International in a postmodern Age (London:
Routledge Press, 1992)
• Anderson, Truett. The Fontana postmodernism Reader (London:
Fontana Press, 1995)
• Hassan, Ihab. From Postmodernism to Postmodernity: the
Local/Global Context.
• Hassan, Ihab. The Culture of Postmodernism. Theory, Culture and
Society Journal Vo12, no3, 1985.
• Hassan, Ihab. The Postmodern Turn Essays in Postmodern Theory
and Culture (Columbus: Ohio State
UP, 1987) P.120 & Hassan, Ihab. The
Question of postmodernism , Performing Arts Journal, Vo16,
No1, 1981.
• Huyssen, After the Great Divide: Modernism, Mass Culture,
Postmodernism, p 88.
• Huyssen, Andreas. After The Great Divide: Modernism, Mass
Culture, Postmodernism (NY: Indiana
University Press, 1986)
• Ihab Hassan, the Question of Postmodernism, Performing Arts
Journal, Vol. 6, No. 1 (1981)
• Jameson, F. Postmodernism, or the Cultural Logic of late
Capitalism (1984) in The Jameson Reader
(Oxford: Black Well, 2000)
• Sarup, Madan. An Introductory Guide to Post-Structuralism and
Post-Modernism,
• Vattimo. G. The End of Modernity: Nihilism and Hermeneutics in
Postmodern Culture (Baltimore:
Johns Hopkins University
Press, 1988) p XIV.
باللغة العربية:
إيجلتون، أوهام ما بعد الحداثة، ترجمة منى سلام )القاهرة: أكاديمية
الفنون، 1996 (
باتريشيا ووه، ما بعد الحداثة، ترجمة شعبان مكاوي. في موسوعة
كمبردج في النقد الأدبي العدد 9 )القاهرة: المجلس الأعلى
للثقافة، 2005
ديفيد هارفي، حالة ما بعد الحداثة: بحث في أصول التغيير الثقافي.
ترجمة محمد شيا )بيروت: مركز دراسات الوحدة
العربية، 2005 (
فريدريك جيمسون، التحول الثقافي،
ترجمة محمد الجندي )القاهرة: أكاديمية الفنون، 199