الفيلسوف الفرنسي
هنري برغسون في حوار قديم ومجهول:
لا أهمية للكلمة إلاّ بمقدار أهمية أسلوب الحياة الذي نعيش
الجمعة 9 سبتمبر 2011
التقديم والترجمة: يقظان التقي
لماذا برغسون اليوم لأنه صاحب مذهب مثالي
وهو فيلسوف وممثل الحدسية ربطاً وامتداداً «بفكرة المكان عند أرسطو»، و«المعطيات
المباشرة للشعور» و«المادة والذاكرة» و«الديمومة والمعية» و«الفكر والمتحرك».
ولعل المفهوم الأساسي عند برغسون هو «الديمومة الخالصة» أي اللامادية وهي أصل وأساس جميع الأشياء ومن المادة والزمان والمكان ومن العناصر الأربعة من تراب وماء وهواء ونار إلا عناصر في جوهر المعرفة والحدس معاً في إدراك الصوفي المعولم اليوم.
والحدس كما يعرفه برغسون هو المدخل الى الميتافيزيقية والنفاذ الى باطن الأشياء وذلك التعاطف العقلي الذي يمتزج فيه العقل بالغريزة.
أليست هي مادة لدراسة الوجود الإنساني ومقدمات موجودة مطلقاً. ثم الوجود عند برغسون يقوم على الجمع بين حقيقة الذات وحقيقة الموضوع أي الجمع في المدخلات والمخرجات بتأثيرات تحتمل الظواهر المادية وتأثيراتها على الأنا. والأهم عند برغسون هو مفهوم الحرية التي لا تعرف انفصاماً بين الحياة النفسية ولا تؤلف وحدة مجزأة وهي صيرورة وفعل حر للإنسان وفي أعلى صورها كتلقائية روحية خالصة ولهذا المعنى الحرية هي التعبير عن «الشخص» في المجتمع الكوسمبوليتي الجديد أو المواطنية العالمية.
أما الذاكرة فليست ظاهرة فيزيولوجية بل ظاهرة نفسية تعبر عن صميم الحياة الشعورية مميزاً بين الذاكرة التي تقيم من الجسد وتستعيد الماضي والذاكرة المحضة والمستمرة في الأنا العميق. أما الدين فيفرق برغسون بين نوعين من الدين: دين ساكن مغلق وآخر متحرك مفتوح، أي الدين الاستاتيكي (السكوني) والدين الدينامي (الحركي).
أمور يعاد مناقشتها في الفلسفة والفكر والأدب مع أسلوب برغسون البليغ في التعبير وفي روح كتبه ونظرياته وإن كان كثيراً منها يكتنفه الغموض والتأويل بصيرورات مستمرة ومقتبسة من هيقل وهراقليطس وتشلنغ ورامنيسون وأفلاطون وأصول سابقة كثيرة.
19 آب 2011 لحظة مرور مئة سنة على استقبال هنري برغسون في منزله ناقدا فرنسيا في لقاء استثنائي بالنسبة لمفكر يهرب من الصحافة وكل النقاش الذي يدور حول اسمه وشهرته وإبداعه.
برغسون الذي قسم الوقت الى نوعين: الوقت العملي الذي يقسم الساعة الى ستين دقيقة وهو وقت ثابت لا يتغير والوقت النفسي وهو الوقت الذي يعيشه الإنسان ويستمتع به وهو بالنسبة لبرغسون الوقت الحقيقي.
أعمال الفيلسوف المرتكزة أساساً على نقطة جوهرية ألا وهو الفكر والمتحرك والذي اعتبرت نوعاً من انقلاب أو ثورة فلسفية. هذا الفيلسوف الذي حظي إبان حياته بشهرة لم تتوافر لكثير ممن عاصره حتى صارت فلسفته واسعة الانتشار في فرنسا وفي دوائر مختلفة.
فلسفة احتجبت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم وقد اكتسحتها الوجودية ويعاد اليوم تسليط الضوء عليها وإلى مؤلفات برغسون وأسلوبه الرائع في الفرنسية مما جعله من كتّاب هذه اللغة مع الدقة في التعبير الفلسفي، خصوصاً الفلسفة في تحليلاتها وتركيباتها والملزمة بالتكلم باللغة التي يتكلم بها الناس. هذا الى جانب كونه كان محاضراً من الطراز الرفيع في «الكوليج دو فرانس».
العودة الى برغسون تمثل اليوم العودة الى فلسفة الحياة الأكثر منطقية وإلى الوجود الواعي والمنضج والذي يخلق نفسه باستمرار وبالتطور الدائم. ويفسر برغسون النمو والتطور بالقول: «إن كل نوع من الأنواع الحية قد صدر دفعة واحدة من نزوة حية وأعلى منه وفي تجديد وخلق وتقدم متصل».
ويتناول برغسون موضوع الديموقراطية والحرية فيشيد بهما بين كل النظم السياسية هي التي تعلو مقاصدهما على الأقل، على ظروف المجتمع المغلق. هذا ويعتبر برغسون من أكبر الفلاسفة في العصر الحديث وقد يكون أكبر فيلسوف في النصف الأول من القرن الماضي. كان تأثيره واسعاً وعميقاً وقد حاول أن يعيد القيم التي أطاحها المذهب المادي وتنبعث إيماناً وجودياً الى ثقافة الحرية والفكر المتحرر.
كان اللقاء معه في صالون منزله أشبه بلقاء الأسطورة المفكر الأكثر شهرة بعد كانط وشهرته الواسعة في الكوليج دو فرانس تجاوز الأطلنطيك وتحديداً باعتبار كتاباته تمثل التطور الخلاّق وروح الحرية في مجمل النتاج الفكري في مرحلة الخمسينات سابقاً دريدا وفوكو كنجم فلسفة الحركة وديمومة الفكر.
وكان لهذا الفكر امتدادٌ شمل الحياة الفكرية الفلسفية عند نظريات كثيرين كنظريات ريبوت (Ribot) البسيكولوجية ونظريات توين (Touine) الفكرية والأدبية والنزعة العلمية ما بعد لدى (Renon) كما عند فوكو ودريدا وبعض المفكرين المتأثرين بفلسفة كانط.
سجادة في مكتبه في فيلا «Montmorency» قصر كارلا بروني اليوم حيث جرى اللقاء مع جاك مورلان.
ساعة مع هنري برغسون (1859 1941) الذي حصل على جائزة نوبل للآداب العام 1927 وصاحب مقولة: «الحرية واقعة شعورية وليست مشكلة تحل». اليهودي الفرنسي الفيلسوف المثالي وممثل الحدسية. نزحت أسرته من إنكلترا الى فرنسا تخرج من مدرسة المعلمين العليا في باريس 1881، عمل أستاذاً ثانوياً وأستاذاً للفلسفة في الكوليج دي فرانس.
وانتخب عضواً بالأكاديمية الفرنسية سنة 1914. والثوري في عصره قبل الجميع. لأول مرة في تاريخ الميتافيزيقيا الغربية مفكر يحول سكون الأشياء وجمودها ومن الكائنات وجوداً. فالحركة والوقت هي الكائن نفسه، وذلك في وجه الحراك السياسي المتقطع الذي أثير حول شخصيته واسمه لا سيما أن أفكاره أتت في عصر سارتر والحتميات الوجودية. وعلى هذا كانت نقطة البدء في فلسفته عند مشكلة الوجود والديمومة في معطيات الشعور وهي معطيات «مباشرة» بمعنى أن الحدس يدركها إدراكاً حسياً. فبرغسون لا يعرض للوجود على أنه تصور، وإنما بصفته وجوداً حياً.
وإذا كان للشباب اليوم مزاج مفتوح على الفلسفة المباشرة والفلسفة المادية فالفضل فيه يعود لبرغسون وإلى دروس المعلم في الأكاديمية الفرنسية التي أحدثت حالة فكرية الى أسلوبه الجديد الذي سمح بوصول أفكاره الى شرائح وأصحاب اهتمامات وانتماءات مختلفة. ناحية أخرى تؤشر الى نجاح برغسون هي تعمقه وتصوراته اللغوية التعددية وفي كل لغات العالم.
حدث اللقاء وبرغسون في الخمسين، عمر شاب وحيوي. صاحب جبهة عريضة وقوية. وبعيون شبه عيون العصافير الليلية المشرقطة والحشرية تحت حاجبين وظلال رموش متحركة سريعاً. رجل ذكي محافظ جداً في حركاته يعيش حياة داخلية مغامرة.
تأثير السيد برغسون كان كبيراً جداً وفي كل الاتجاهات في عصر المغامرة الفلسفية من تأثيرات القديس أغسطينوس قبله وكذلك رأي ديكارت وكذلك فعل وليام جيمس والفلاسفة المسلمون أمثال المعتزلة والعديد من الفلاسفة والمفكرين الكاثوليك وجورج سوريل والمغامرة الفلسفية الكبيرة للفيلسوف الألماني هيغل والمتصوفون الفرس والفكر الماركسي والإجماعي مع كارل ماركس وباكونين وآخرين.
التقديم والترجمة:
يقظان التقي
[ جاك مورلاني: ماذا عن شعورك إزاء التأثيرات المتناقضة التي أحدثها كتابك، وهل أنت تأسف لكل تلك الضجة المثارة حول أفكارك؟
برغسون: الفلسفة هي شيء صامت، يجب عدم مزجها مع الكل مثلما نفعل مع الاشياء العادية. لهذا تراني ألجأ إلى التشكيل اللغوي بعض الشيء لجهة ما أقوله. فالبحث الفلسفي الذي أجريه الحمل عليه من طبيعة مختلفة، وهذا لا يفاجئني لجهة الاهمية المعطاة له. فقط باعدت بين مجموعة من الافكار وفصلت ما بينها. ليس هذا لأني أملك مهنة قائمة ومنجزة وباستحقاق كبير. حاولت أن أطور ذائقة الملاحظة الداخلية ولكن ليس عندي الجهاز او النظام الكلي الذي يشرح حتميات الامور. (يستند الى طاولة محمّلة بالكتب) يؤكد برغسون مرة ثانية ليس عندي الجهاز أو النظام. ليس عندي نسق عام انتقل فيه من المدخلات الى المخرجات او الاستنتاجات او النتائج التي تمكنني من الاجابة عن اي سؤال او اي موضوع. قد تطلب مني الاجابة عن أسئلة مختلفة وغالباً انا لا أفكر بها (..) درست ثلاث أو أربع قضايا اشكالية. استغرق الامر عشر سنوات لانجز كتاباً، ومن اول كتاب لم أتمكن من عرض افكار اضطررت الى عرضها في كتابي الثاني وهذا لزم مني التواصل العنيف، أقوى من الرغبة حتى على انجاز الكتاب أو ما يشبه امر محل الفعل.
وبالتأكيد نتائج الفعل في الاصدار الثاني شكل تراكمات على الأفكار التي جاءت في الاصدار الاول. في اللحظة (...) اللحظة الحالية لست بحالة تمكنني من أخذ اعمال اخرى تعالج مسائل اخرى ونتائج اخرى.
زمن العواطف
ان وقت التأمل الهادئ لا يشبه وقتاً لعجلة الانفعال وزمن الساعات لا يقاس به زمن عواطفنا المتفجرة الا بحكم العادة والحركية الآلية المصطنعة لا تشبه حركة افكارنا واحساسنا الذي نحياه ونكاد نلمسه في داخل وعينا الداخلي. حول موضوع «النقابية» مثل الاسئلة الاخرى من هذا النوع ليس لدي سوى الفكرة التي قرأها جورج سوريل وهي فترة ملاحظة من الجميع وهي فترة مذهب يقوم على ان يسمح لنقابات العمال بالقيام بدور فعال في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، البعض اعتقد اني أتقاسم هذه الفكرة مع النقابات نفسها وهذا أمر خطأ.
[ ألا يقلق هنري برغسون اليوم ازاء ملاحظاته التي صارت افكاراً عالمية، ألا يدعو الأمر للتعبير عنها بقوة الشعور لا سيما ازاء هذا البحث الدائري المعمق والمهم؟
ـ لكن اذكرك بأن نهضة الفلسفة والميتافيزقية رأيناها منذ مئات آلاف السنين واعتبرها البعض تمثل خطراً على العلم. إذا يجب ألا تقرأ كتبي كي لا يكون لديك ردة فعل سلبية ضد العلوم. انا أرى العكس تماماً يجب الشغل للفلسفة. لقد جرى الكلام عن شروط البحث العلمي في القرن الماضي واميل فوكو قال انه عصر اوغست كومت الذي دخل في حلقة المشاهير الكلاسيكيين في مجال العلوم ليس فقط العلوم المعروفة، بل العلوم في المستقبل.
[ هنري برغسون على العكس من ذلك قفز فوق هذا التصنيف التقليدي، عكس الكيمياء والبيولوجيا وتحولت الى الجهة الاخرى من مذهب الجبريين والعقلانيين.
ـ اليوم ليس لدينا النظام الذي كان في القرن الماضي يضيف برغسون مشددا بقوة على ملاحظة مهمة جداً. مثلما يقول البعض (Gambetta): «لا يوجد شيء اسمه سؤال اجتماعي أو قضية اجماعية ولكن اسئلة وقضايا اجتماعية»، نفس الشيء يدفعني الى القول لجهة ان ما احمله يحتوي على بعض الاشياء الجديدة وبالمقابل اقول ليس هناك من مشكلة فلسفية او قضية فلسفية وانما هناك لا نهائية من الاسئلة المحددة التي تتطلب منا اجوبة وحلولاً منفصلة ومن المستحيل تحويلها الى قضية واحدة ومعادلة واحدة.
التطور الخلاق
[ هنري برغسون مؤلف كتاب «التطور الخلاق» برهن بأن الشروحات العلمية صحيحة بالنسبة للظواهر التي تعالجها التطبيقية ولكنها لا يمكن ان تتسع الكون كله؟
ـ العلم هو جزء من المطلق ولكنه غير ثابت وبمقياس واحد لا يتغير. لا يمكن تفسير كل ذلك ببعض الكلام (...) الثابت الوحيد هو الحياة في كل فصولها المتحركة، والعقل او الذكاء هو اثمن قوة حصل عليها الانسان الى الآن لأن به تفوقه الحقيقي الحاضر. غير ان خبرات العقل وادراكاته تعجز عن التعويض عن اصول الحياة لأنها هي غير نوعها، متحركة ولا ترى الحركات الداخلية في اعماق النفس. فقط هو الحدس الطريقة الوحيدة في النجاة، أي البداهة والحدس شرطان من شروط الحياة نفسها والمادة الخالدة ويدخل هذا التصنيف الدائرة النسبية التي عمل عليها كانط وينكر على العقل امكانه معرفة الشيء معرفة نسبية حقيقية، ذلك ان يقدم البداهة على العلم وما البداهة سوى الغريزة التي ارتقت بالانسان او ان المنطق العقلي (العلمي) لا يقوم مقام الحيرة الشخصية الداخلية الأكيدة (الفلسفة). هذه الفكرة .
[ وماذا عن الأجيال الجديدة؟
ـ إنها أجيال جدية، لديها فكرة عميقة عن المسؤولية الفردية، تقفز بحيوية وتشعر بقوة واكثر من الاجداد بأهمية الأفعال والمسؤولية.
[ وماذا عما سمي «الازمة الفرنسية» اليوم في العالم؟
ـ هذه الازمة لا وجود لها حين نكتب جيداً، ولكي نكتب جيداً يجب أن نبذل مجهوداً كبيراً، ان نكتب يعني ان نبحث جيداً عن الكلمات ولكن للوصول الى معرفة الذات الأمر يصير شاقاً وخطراً (...)
[ هنري برغسون يمجد ويفخم التعليم الكلاسيكي القديم؟
ـ لم أقل هذا تماماً، اللغة اللاتينية مهمة في الكتابة الجيدة، الكلام هنا طبيعي عن نتيجة لا يمكن يتوصلوا إليها إلا عبر منهجية تعليمية. ولكن حتى اللاتين لم يتوصل الى تأثير إيجابي إلا بشرط انهم أمحوا الكثير. هناك أيضاً اليونان، اللغة اليونانية هي اللغة الكلاسيكية الحقيقية.
[ ولكن هناك اسباب اخرى لكتابة سيئة؟
ـ قلت ان ايقاع المراجعات والمناقشات قد تلاشى بشكل عام، هذا صحيح، هناك مراقبة اقل للكلام المحكي وكذلك مراقبة أقل للكلام المكتوب. لذلك نحن بحاجة الى العمل الجيد وهذا على النقيض من التراث الفرنسي الكبير.
[ لكن برغسون لديه الثقة الكبيرة في المستقبل؟
ـ اعتقد ان لا شيء محدد نهائياً، نحن نحاول التأثير، الفعل، شد الانتباه الى ما هو جيد وما هو سيئ والخطر الذي يمكن مواجهته. النخبة الفرنسية موجودة دائماً هناك نخبة، ولكن هذا لا يكفي في فرنسا اليوم، يجب العمل على ايجاد الوسائل والطرق الفرنسية جيدة نخلقها ونبدعها وكانت عندنا خلال العصور.
[ بالكاد تتكلم عن الأميركية، ولأسباب متعددة انت معجب بالفرنسية؟
ـ كل شيء مطلق، يفسد بصورة مطلقة وينتهي الى اللاشيء. والكلمة لا أهمية لها بحد ذاتها بمقدار اهمية نمط الحياة واسلوب الحياة التي نعيش.
[ بالعودة الى اللقاءات الفكرية النسوية؟
ـ هذا خلال محاضراتي «Cours Pour dames»، وإذا النساء أو الصبايا استمعن اليّ في المحاضرة فهذا جيد مثلهن مثل غالبية التلاميذ الذين سيستقبلون نفس التحضير والاعداد الخاص كما النساء.
[ لا أحد من الفلاسفة في مرثية هنري برغسون ما هو السر في الحساسية الحية في طريقة وعي افكارك، في طريقة العرض الفلسفية، في سحر الأفكار والمعاني في غموضها، البعض يقصد محاضرتك كما يقصد امسية موسيقية ويقارن ارادياً بين الفلسفة والموسيقى، ما هو هذا السر؟
ـ كثير من المستمعين في محاضراتي يقولون لي نحن نتبعك من طرف الكلام الى الآخر، من الغاية إلى المنتهى. ترجمة فعلية كما في قطعة موسيقية مؤلفة من نوتات متتالية. بالتأكيد عدد قليل لديه الثقافة الموسيقية يدرك ذلك جيداً، هذا يحصل مع ناس ليسوا بفلاسفة ويعطون أهمية لما أقوله. والآن نرتكب خطأ كبيراً اذا اعتقدنا ان النساء غير مؤهلات وغير قادرات على فهم التفكير والتأمل الفلسفي، بالعكس يملكن تلك النوعية الاستثنائية التي ركز عليها رينان الرقة والنعومة او اللطافة التي بامكانها الحكم على كل شيء ببساطة وعفوية وأيضاً بحب.
[ ساعة من حوار غير منشور أجراه ناقد فرنسي من مئة سنة مع الفيلسوف هنري برغسون
نبذة
هنري برغسون (1859ـ 1941)
هنري برغسون يهودي فرنسي، فيلسوف مثالي، وممثل الحدسية intuitionisme. نزحت أسرته من انكلترا إلى فرنسا. حصل على الدكتوراه في الفلسفة العام 1900 وعلى عضوية الاكاديمية الفرنسية سنة 1914 وفي سنة 1927 على جائزة نوبل للآداب . أشهر كتبه هي: «فكرة المكان عند ارسطو» (1889)، «مقال في المعطيات المباشرة للشعور» (1889)، «المادة والذاكرة» (1869)، و«الضحك» (1900) و«التطور الخلاق او الخالق» (1907) ، «الطاقة الروحية» (1919)، «الديمومة والمعية»(1992)، «منبعا الاخلاق والدين» (1932)، «الفكر المتحرك» (1934). المفهوم الرئيسي في فلسفته هو «الديمومة الخالصة» اي اللامادية، وهي أصل جميع الاشياء.
والمادة والزمان والحركة هي اشكال مختلفة لتصورات وتجليات وتمثلات تلك الديمومة ولا يمكن إحراز المعرفة بالديمومة الا بالحدس والادراك المعرفي التأملي اي المعرفة من الداخل والتعاطف الشعوري الممزوج مع العقل، اي العقل والنفس معاً كما في الفلسفة اليوناينة القديمة.
ولعل المفهوم الأساسي عند برغسون هو «الديمومة الخالصة» أي اللامادية وهي أصل وأساس جميع الأشياء ومن المادة والزمان والمكان ومن العناصر الأربعة من تراب وماء وهواء ونار إلا عناصر في جوهر المعرفة والحدس معاً في إدراك الصوفي المعولم اليوم.
والحدس كما يعرفه برغسون هو المدخل الى الميتافيزيقية والنفاذ الى باطن الأشياء وذلك التعاطف العقلي الذي يمتزج فيه العقل بالغريزة.
أليست هي مادة لدراسة الوجود الإنساني ومقدمات موجودة مطلقاً. ثم الوجود عند برغسون يقوم على الجمع بين حقيقة الذات وحقيقة الموضوع أي الجمع في المدخلات والمخرجات بتأثيرات تحتمل الظواهر المادية وتأثيراتها على الأنا. والأهم عند برغسون هو مفهوم الحرية التي لا تعرف انفصاماً بين الحياة النفسية ولا تؤلف وحدة مجزأة وهي صيرورة وفعل حر للإنسان وفي أعلى صورها كتلقائية روحية خالصة ولهذا المعنى الحرية هي التعبير عن «الشخص» في المجتمع الكوسمبوليتي الجديد أو المواطنية العالمية.
أما الذاكرة فليست ظاهرة فيزيولوجية بل ظاهرة نفسية تعبر عن صميم الحياة الشعورية مميزاً بين الذاكرة التي تقيم من الجسد وتستعيد الماضي والذاكرة المحضة والمستمرة في الأنا العميق. أما الدين فيفرق برغسون بين نوعين من الدين: دين ساكن مغلق وآخر متحرك مفتوح، أي الدين الاستاتيكي (السكوني) والدين الدينامي (الحركي).
أمور يعاد مناقشتها في الفلسفة والفكر والأدب مع أسلوب برغسون البليغ في التعبير وفي روح كتبه ونظرياته وإن كان كثيراً منها يكتنفه الغموض والتأويل بصيرورات مستمرة ومقتبسة من هيقل وهراقليطس وتشلنغ ورامنيسون وأفلاطون وأصول سابقة كثيرة.
19 آب 2011 لحظة مرور مئة سنة على استقبال هنري برغسون في منزله ناقدا فرنسيا في لقاء استثنائي بالنسبة لمفكر يهرب من الصحافة وكل النقاش الذي يدور حول اسمه وشهرته وإبداعه.
برغسون الذي قسم الوقت الى نوعين: الوقت العملي الذي يقسم الساعة الى ستين دقيقة وهو وقت ثابت لا يتغير والوقت النفسي وهو الوقت الذي يعيشه الإنسان ويستمتع به وهو بالنسبة لبرغسون الوقت الحقيقي.
أعمال الفيلسوف المرتكزة أساساً على نقطة جوهرية ألا وهو الفكر والمتحرك والذي اعتبرت نوعاً من انقلاب أو ثورة فلسفية. هذا الفيلسوف الذي حظي إبان حياته بشهرة لم تتوافر لكثير ممن عاصره حتى صارت فلسفته واسعة الانتشار في فرنسا وفي دوائر مختلفة.
فلسفة احتجبت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم وقد اكتسحتها الوجودية ويعاد اليوم تسليط الضوء عليها وإلى مؤلفات برغسون وأسلوبه الرائع في الفرنسية مما جعله من كتّاب هذه اللغة مع الدقة في التعبير الفلسفي، خصوصاً الفلسفة في تحليلاتها وتركيباتها والملزمة بالتكلم باللغة التي يتكلم بها الناس. هذا الى جانب كونه كان محاضراً من الطراز الرفيع في «الكوليج دو فرانس».
العودة الى برغسون تمثل اليوم العودة الى فلسفة الحياة الأكثر منطقية وإلى الوجود الواعي والمنضج والذي يخلق نفسه باستمرار وبالتطور الدائم. ويفسر برغسون النمو والتطور بالقول: «إن كل نوع من الأنواع الحية قد صدر دفعة واحدة من نزوة حية وأعلى منه وفي تجديد وخلق وتقدم متصل».
ويتناول برغسون موضوع الديموقراطية والحرية فيشيد بهما بين كل النظم السياسية هي التي تعلو مقاصدهما على الأقل، على ظروف المجتمع المغلق. هذا ويعتبر برغسون من أكبر الفلاسفة في العصر الحديث وقد يكون أكبر فيلسوف في النصف الأول من القرن الماضي. كان تأثيره واسعاً وعميقاً وقد حاول أن يعيد القيم التي أطاحها المذهب المادي وتنبعث إيماناً وجودياً الى ثقافة الحرية والفكر المتحرر.
كان اللقاء معه في صالون منزله أشبه بلقاء الأسطورة المفكر الأكثر شهرة بعد كانط وشهرته الواسعة في الكوليج دو فرانس تجاوز الأطلنطيك وتحديداً باعتبار كتاباته تمثل التطور الخلاّق وروح الحرية في مجمل النتاج الفكري في مرحلة الخمسينات سابقاً دريدا وفوكو كنجم فلسفة الحركة وديمومة الفكر.
وكان لهذا الفكر امتدادٌ شمل الحياة الفكرية الفلسفية عند نظريات كثيرين كنظريات ريبوت (Ribot) البسيكولوجية ونظريات توين (Touine) الفكرية والأدبية والنزعة العلمية ما بعد لدى (Renon) كما عند فوكو ودريدا وبعض المفكرين المتأثرين بفلسفة كانط.
سجادة في مكتبه في فيلا «Montmorency» قصر كارلا بروني اليوم حيث جرى اللقاء مع جاك مورلان.
ساعة مع هنري برغسون (1859 1941) الذي حصل على جائزة نوبل للآداب العام 1927 وصاحب مقولة: «الحرية واقعة شعورية وليست مشكلة تحل». اليهودي الفرنسي الفيلسوف المثالي وممثل الحدسية. نزحت أسرته من إنكلترا الى فرنسا تخرج من مدرسة المعلمين العليا في باريس 1881، عمل أستاذاً ثانوياً وأستاذاً للفلسفة في الكوليج دي فرانس.
وانتخب عضواً بالأكاديمية الفرنسية سنة 1914. والثوري في عصره قبل الجميع. لأول مرة في تاريخ الميتافيزيقيا الغربية مفكر يحول سكون الأشياء وجمودها ومن الكائنات وجوداً. فالحركة والوقت هي الكائن نفسه، وذلك في وجه الحراك السياسي المتقطع الذي أثير حول شخصيته واسمه لا سيما أن أفكاره أتت في عصر سارتر والحتميات الوجودية. وعلى هذا كانت نقطة البدء في فلسفته عند مشكلة الوجود والديمومة في معطيات الشعور وهي معطيات «مباشرة» بمعنى أن الحدس يدركها إدراكاً حسياً. فبرغسون لا يعرض للوجود على أنه تصور، وإنما بصفته وجوداً حياً.
وإذا كان للشباب اليوم مزاج مفتوح على الفلسفة المباشرة والفلسفة المادية فالفضل فيه يعود لبرغسون وإلى دروس المعلم في الأكاديمية الفرنسية التي أحدثت حالة فكرية الى أسلوبه الجديد الذي سمح بوصول أفكاره الى شرائح وأصحاب اهتمامات وانتماءات مختلفة. ناحية أخرى تؤشر الى نجاح برغسون هي تعمقه وتصوراته اللغوية التعددية وفي كل لغات العالم.
حدث اللقاء وبرغسون في الخمسين، عمر شاب وحيوي. صاحب جبهة عريضة وقوية. وبعيون شبه عيون العصافير الليلية المشرقطة والحشرية تحت حاجبين وظلال رموش متحركة سريعاً. رجل ذكي محافظ جداً في حركاته يعيش حياة داخلية مغامرة.
تأثير السيد برغسون كان كبيراً جداً وفي كل الاتجاهات في عصر المغامرة الفلسفية من تأثيرات القديس أغسطينوس قبله وكذلك رأي ديكارت وكذلك فعل وليام جيمس والفلاسفة المسلمون أمثال المعتزلة والعديد من الفلاسفة والمفكرين الكاثوليك وجورج سوريل والمغامرة الفلسفية الكبيرة للفيلسوف الألماني هيغل والمتصوفون الفرس والفكر الماركسي والإجماعي مع كارل ماركس وباكونين وآخرين.
التقديم والترجمة:
يقظان التقي
[ جاك مورلاني: ماذا عن شعورك إزاء التأثيرات المتناقضة التي أحدثها كتابك، وهل أنت تأسف لكل تلك الضجة المثارة حول أفكارك؟
برغسون: الفلسفة هي شيء صامت، يجب عدم مزجها مع الكل مثلما نفعل مع الاشياء العادية. لهذا تراني ألجأ إلى التشكيل اللغوي بعض الشيء لجهة ما أقوله. فالبحث الفلسفي الذي أجريه الحمل عليه من طبيعة مختلفة، وهذا لا يفاجئني لجهة الاهمية المعطاة له. فقط باعدت بين مجموعة من الافكار وفصلت ما بينها. ليس هذا لأني أملك مهنة قائمة ومنجزة وباستحقاق كبير. حاولت أن أطور ذائقة الملاحظة الداخلية ولكن ليس عندي الجهاز او النظام الكلي الذي يشرح حتميات الامور. (يستند الى طاولة محمّلة بالكتب) يؤكد برغسون مرة ثانية ليس عندي الجهاز أو النظام. ليس عندي نسق عام انتقل فيه من المدخلات الى المخرجات او الاستنتاجات او النتائج التي تمكنني من الاجابة عن اي سؤال او اي موضوع. قد تطلب مني الاجابة عن أسئلة مختلفة وغالباً انا لا أفكر بها (..) درست ثلاث أو أربع قضايا اشكالية. استغرق الامر عشر سنوات لانجز كتاباً، ومن اول كتاب لم أتمكن من عرض افكار اضطررت الى عرضها في كتابي الثاني وهذا لزم مني التواصل العنيف، أقوى من الرغبة حتى على انجاز الكتاب أو ما يشبه امر محل الفعل.
وبالتأكيد نتائج الفعل في الاصدار الثاني شكل تراكمات على الأفكار التي جاءت في الاصدار الاول. في اللحظة (...) اللحظة الحالية لست بحالة تمكنني من أخذ اعمال اخرى تعالج مسائل اخرى ونتائج اخرى.
زمن العواطف
ان وقت التأمل الهادئ لا يشبه وقتاً لعجلة الانفعال وزمن الساعات لا يقاس به زمن عواطفنا المتفجرة الا بحكم العادة والحركية الآلية المصطنعة لا تشبه حركة افكارنا واحساسنا الذي نحياه ونكاد نلمسه في داخل وعينا الداخلي. حول موضوع «النقابية» مثل الاسئلة الاخرى من هذا النوع ليس لدي سوى الفكرة التي قرأها جورج سوريل وهي فترة ملاحظة من الجميع وهي فترة مذهب يقوم على ان يسمح لنقابات العمال بالقيام بدور فعال في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، البعض اعتقد اني أتقاسم هذه الفكرة مع النقابات نفسها وهذا أمر خطأ.
[ ألا يقلق هنري برغسون اليوم ازاء ملاحظاته التي صارت افكاراً عالمية، ألا يدعو الأمر للتعبير عنها بقوة الشعور لا سيما ازاء هذا البحث الدائري المعمق والمهم؟
ـ لكن اذكرك بأن نهضة الفلسفة والميتافيزقية رأيناها منذ مئات آلاف السنين واعتبرها البعض تمثل خطراً على العلم. إذا يجب ألا تقرأ كتبي كي لا يكون لديك ردة فعل سلبية ضد العلوم. انا أرى العكس تماماً يجب الشغل للفلسفة. لقد جرى الكلام عن شروط البحث العلمي في القرن الماضي واميل فوكو قال انه عصر اوغست كومت الذي دخل في حلقة المشاهير الكلاسيكيين في مجال العلوم ليس فقط العلوم المعروفة، بل العلوم في المستقبل.
[ هنري برغسون على العكس من ذلك قفز فوق هذا التصنيف التقليدي، عكس الكيمياء والبيولوجيا وتحولت الى الجهة الاخرى من مذهب الجبريين والعقلانيين.
ـ اليوم ليس لدينا النظام الذي كان في القرن الماضي يضيف برغسون مشددا بقوة على ملاحظة مهمة جداً. مثلما يقول البعض (Gambetta): «لا يوجد شيء اسمه سؤال اجتماعي أو قضية اجماعية ولكن اسئلة وقضايا اجتماعية»، نفس الشيء يدفعني الى القول لجهة ان ما احمله يحتوي على بعض الاشياء الجديدة وبالمقابل اقول ليس هناك من مشكلة فلسفية او قضية فلسفية وانما هناك لا نهائية من الاسئلة المحددة التي تتطلب منا اجوبة وحلولاً منفصلة ومن المستحيل تحويلها الى قضية واحدة ومعادلة واحدة.
التطور الخلاق
[ هنري برغسون مؤلف كتاب «التطور الخلاق» برهن بأن الشروحات العلمية صحيحة بالنسبة للظواهر التي تعالجها التطبيقية ولكنها لا يمكن ان تتسع الكون كله؟
ـ العلم هو جزء من المطلق ولكنه غير ثابت وبمقياس واحد لا يتغير. لا يمكن تفسير كل ذلك ببعض الكلام (...) الثابت الوحيد هو الحياة في كل فصولها المتحركة، والعقل او الذكاء هو اثمن قوة حصل عليها الانسان الى الآن لأن به تفوقه الحقيقي الحاضر. غير ان خبرات العقل وادراكاته تعجز عن التعويض عن اصول الحياة لأنها هي غير نوعها، متحركة ولا ترى الحركات الداخلية في اعماق النفس. فقط هو الحدس الطريقة الوحيدة في النجاة، أي البداهة والحدس شرطان من شروط الحياة نفسها والمادة الخالدة ويدخل هذا التصنيف الدائرة النسبية التي عمل عليها كانط وينكر على العقل امكانه معرفة الشيء معرفة نسبية حقيقية، ذلك ان يقدم البداهة على العلم وما البداهة سوى الغريزة التي ارتقت بالانسان او ان المنطق العقلي (العلمي) لا يقوم مقام الحيرة الشخصية الداخلية الأكيدة (الفلسفة). هذه الفكرة .
[ وماذا عن الأجيال الجديدة؟
ـ إنها أجيال جدية، لديها فكرة عميقة عن المسؤولية الفردية، تقفز بحيوية وتشعر بقوة واكثر من الاجداد بأهمية الأفعال والمسؤولية.
[ وماذا عما سمي «الازمة الفرنسية» اليوم في العالم؟
ـ هذه الازمة لا وجود لها حين نكتب جيداً، ولكي نكتب جيداً يجب أن نبذل مجهوداً كبيراً، ان نكتب يعني ان نبحث جيداً عن الكلمات ولكن للوصول الى معرفة الذات الأمر يصير شاقاً وخطراً (...)
[ هنري برغسون يمجد ويفخم التعليم الكلاسيكي القديم؟
ـ لم أقل هذا تماماً، اللغة اللاتينية مهمة في الكتابة الجيدة، الكلام هنا طبيعي عن نتيجة لا يمكن يتوصلوا إليها إلا عبر منهجية تعليمية. ولكن حتى اللاتين لم يتوصل الى تأثير إيجابي إلا بشرط انهم أمحوا الكثير. هناك أيضاً اليونان، اللغة اليونانية هي اللغة الكلاسيكية الحقيقية.
[ ولكن هناك اسباب اخرى لكتابة سيئة؟
ـ قلت ان ايقاع المراجعات والمناقشات قد تلاشى بشكل عام، هذا صحيح، هناك مراقبة اقل للكلام المحكي وكذلك مراقبة أقل للكلام المكتوب. لذلك نحن بحاجة الى العمل الجيد وهذا على النقيض من التراث الفرنسي الكبير.
[ لكن برغسون لديه الثقة الكبيرة في المستقبل؟
ـ اعتقد ان لا شيء محدد نهائياً، نحن نحاول التأثير، الفعل، شد الانتباه الى ما هو جيد وما هو سيئ والخطر الذي يمكن مواجهته. النخبة الفرنسية موجودة دائماً هناك نخبة، ولكن هذا لا يكفي في فرنسا اليوم، يجب العمل على ايجاد الوسائل والطرق الفرنسية جيدة نخلقها ونبدعها وكانت عندنا خلال العصور.
[ بالكاد تتكلم عن الأميركية، ولأسباب متعددة انت معجب بالفرنسية؟
ـ كل شيء مطلق، يفسد بصورة مطلقة وينتهي الى اللاشيء. والكلمة لا أهمية لها بحد ذاتها بمقدار اهمية نمط الحياة واسلوب الحياة التي نعيش.
[ بالعودة الى اللقاءات الفكرية النسوية؟
ـ هذا خلال محاضراتي «Cours Pour dames»، وإذا النساء أو الصبايا استمعن اليّ في المحاضرة فهذا جيد مثلهن مثل غالبية التلاميذ الذين سيستقبلون نفس التحضير والاعداد الخاص كما النساء.
[ لا أحد من الفلاسفة في مرثية هنري برغسون ما هو السر في الحساسية الحية في طريقة وعي افكارك، في طريقة العرض الفلسفية، في سحر الأفكار والمعاني في غموضها، البعض يقصد محاضرتك كما يقصد امسية موسيقية ويقارن ارادياً بين الفلسفة والموسيقى، ما هو هذا السر؟
ـ كثير من المستمعين في محاضراتي يقولون لي نحن نتبعك من طرف الكلام الى الآخر، من الغاية إلى المنتهى. ترجمة فعلية كما في قطعة موسيقية مؤلفة من نوتات متتالية. بالتأكيد عدد قليل لديه الثقافة الموسيقية يدرك ذلك جيداً، هذا يحصل مع ناس ليسوا بفلاسفة ويعطون أهمية لما أقوله. والآن نرتكب خطأ كبيراً اذا اعتقدنا ان النساء غير مؤهلات وغير قادرات على فهم التفكير والتأمل الفلسفي، بالعكس يملكن تلك النوعية الاستثنائية التي ركز عليها رينان الرقة والنعومة او اللطافة التي بامكانها الحكم على كل شيء ببساطة وعفوية وأيضاً بحب.
[ ساعة من حوار غير منشور أجراه ناقد فرنسي من مئة سنة مع الفيلسوف هنري برغسون
نبذة
هنري برغسون (1859ـ 1941)
هنري برغسون يهودي فرنسي، فيلسوف مثالي، وممثل الحدسية intuitionisme. نزحت أسرته من انكلترا إلى فرنسا. حصل على الدكتوراه في الفلسفة العام 1900 وعلى عضوية الاكاديمية الفرنسية سنة 1914 وفي سنة 1927 على جائزة نوبل للآداب . أشهر كتبه هي: «فكرة المكان عند ارسطو» (1889)، «مقال في المعطيات المباشرة للشعور» (1889)، «المادة والذاكرة» (1869)، و«الضحك» (1900) و«التطور الخلاق او الخالق» (1907) ، «الطاقة الروحية» (1919)، «الديمومة والمعية»(1992)، «منبعا الاخلاق والدين» (1932)، «الفكر المتحرك» (1934). المفهوم الرئيسي في فلسفته هو «الديمومة الخالصة» اي اللامادية، وهي أصل جميع الاشياء.
والمادة والزمان والحركة هي اشكال مختلفة لتصورات وتجليات وتمثلات تلك الديمومة ولا يمكن إحراز المعرفة بالديمومة الا بالحدس والادراك المعرفي التأملي اي المعرفة من الداخل والتعاطف الشعوري الممزوج مع العقل، اي العقل والنفس معاً كما في الفلسفة اليوناينة القديمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق