موريس ميرلوبونتي: الوجود والإدراك
محمد مستقيم
ملتقى ابن خلدون.
بين الوجودية والظاهراتية
يعد موريس ميرلو بونتي من أقطاب الفكر الفلسفي الفرنسي
المعاصر، وهو عادة ما يدرج اسمه ضمن أعلام الفلسفة الوجودية الفرنسية إلى جانب جان
بول سارتر بالخصوص، حيث كان رئيسا لتحرير مجلة الأزمنة الحديثة التي أسسها سارتر
كلسان رسمي لتلك الفلسفة. وقد كتب فيها ميرلو بونتي معظم مقالاته الأساسية التي
تحول بعضها إلى كتب شهيرة في الساحة الثقافية فرنسيا وعالميا، لكنه ما لبث أن
استقال من تلك المهمة بعد خلاف إيديولوجي وسياسي مع سارتر. لقد حاول ميرلو بونتي بالفعل أن يجدد الفكر الوجودي انطلاقا من الفلسفة
الفينومينولوجية خاصة من خلال أطروحات
مؤسسها إدموند هوسرل وسيظهر تأثير هذا الأخير واضحا على فلسفة ميرلوبونتي خصوصا في
ما يتعلق بالتركيز على بعد الإدراك الحسي في علاقة الإنسان بالعالم، ثم استفادته
كذلك من مدارس علم النفس المعاصر مثل مدرسة الجشطلت والمدرسة السلوكية. إن هذا
التنوع في مصادر تفكير ميرلوبونتي أدى به إلى إنتاج عدد من الأطروحات الغنية
بالمواقف والمعلومات الفلسفية التي طبعت كتبَه ومصنفاتِه وتميزت بها محاضراتُه
التي كان يلقيها في أعرق المؤسسات التعليمية الجامعية مثل السوربون وكوليج دو
فرانس. كما لا يخفى تأثر بونتي
بمجموعة من الأسماء التي طبعت الفكر الفلسفي الحديث المعاصر مثل فلهايم هيجل و
مارتان هيدجر وهنري برغسون.
الإدراك الحسي:
يرى ميرلو بونتي بأن العالم هو هذا الذي ندركه ، كما أنه ليس موضوعا وإنما هو مجال تتجلى فيه أفكار الإنسان وتتحقق فيه إدراكاتُه الحسية، ومادام الإنسان موجودا في العالم فهو يتعرف على نفسه داخله [يبدو هذا رداً على ديكارت] والحقيقة التي يبحث عنها هي جزء منه، والعالم لايدرك بالعقل بل يعيشه الإنسان ويشارك في وجوده دون امتلاكه. من هنا تكون الفلسفة هي الكشف عن هذا العالم والعمل على إعادة النظر فيه. بالإضافة إلى ذلك فالعالم له معنى وما على الإنسان إلا أن يتوصل إلى وصف ذلك المعنى، كما أن فهم العالم والتوصل إلى معناه يقتضي منا تجاوز ثنائية الذات والموضوع ، وكذلك تجاوز تلك التفرقة التي أقامها سارتر بين الوجود في ذاته والوجود لذاته.
تجربة الجسد:
إذا كان جسد الإنسان يقوم بعدة وظائف من حركة وجنس وتعبير، فإنه يصبح بالتالي وسيطا يحقق الإنسان عن طريقه وجوده في العالم. بل هو الأداة التي تجعله حاضراً في العالم وجزءاً من الواقع. ومن هذا المنطلق يرى ميرلوبونتي بأن جسدي ليس أمامي، في مواجهتي، أي ليس موضوعا قائما بذاته أو شيئا مستقلا عني بل أنا جسدي. و الصّورة التّي أحملها عنه هي بالأساس صورة محدودة و جزئيّة. وعلى العكس من الفلسفات العقلانية الكلاسيكية ومدارس علم النفس التقليدي التي تنظر إلى الإدراك على أنه نشاط فكري ونفسي فإن ميرلوبونتي يرى بأن هناك علاقة وثيقة بين الإدراك ووجود الجسد وحضوره في العالم. بل إن الجسد هو أساس كل إدراك والنافذة التي نطل منها على الأشياء. وإذا كان الكلام تعبيرا عن الفكر فالجسد تعبير عن العالم.
الوجود مع الآخرين:
إذا كان الإنسان يعيش في العالم ومع الآخرين، فإن الاتصال بين الذوات هو شيء ضروري بحكم العلاقة التي تربطها بالعالم، فوجود الأنا هو حضوره أمام الآخرين، ولايمكن الاتفاق مع سارتر-حسب بونتي- فيما ذهب إليه من أن معرفة الغير تحوله إلى موضوع جامد وفاقد لحريته ، فمن خلال تجربة الجسد فإنني لا أنظر إلى جسدي كمجرد موضوع وكذلك لايمكن أن أنظر إلى جسد الغير كموضوع أو كشيء قابل للمعرفة الموضوعية، لأن جسد الغير مماثل لجسدي بل أدخل معه في علاقة تعاون كأن نقوم بعمل مشترك أو نساعد بعضنا البعض، هنا ينضاف جسده إلى جسدي فيصيران كلا واحدا. وهذه المشاركة تبدو بصورة واضحة في الحديث العادي حيث أن كلام الأنا مع الغير يكون بمثابة اتصال حقيقي يتم بينهما. كما أن الحوار بطبيعته هو عملية ثنائية تلتقي فيها الذات مع الغير فتتقابل أفكارهما في وسط مشترك ويتألف من حديثهما وجود مشترك، وليس تبادل الحديث مجرد صراع بين أفكار وإنما هو تداخل وتفاهم ومشاركة.
هنا يرد بونتي على سارتر الذي يقول بأن من شأن نظرة الغير
إلى الأنا أو العكس أن تحيل أحدَهما إلى موضوع فيرد عليه بأن هذه العملية لا تتحقق
إلا إذا كان أحد الطرفين مجهولا بالنسبة إلى الآخر، وحتى في هذه الحالة فإنه
لايمكن نفي المشاركة، كل ما هنالك هو توقف أو انقطاع مؤقت لهذه، ولكن ما يكاد
الغير يهم بالحديث إلى الأنا أو العكس حتى ينشأ نوع من الاتصال أو حتى حينما يريد الفيلسوف أن يعتكف على ذاته فإنه لا
ينجح في هذه التجربة إذ لابد أن يجد نفسه مضطرا إلى التعبير عن أحواله ومن ثمة
فإنه سرعان ما يتورط في الحديث، والحديث بطبيعته نوع من المشاركة والتواصل.
الحرية والوجود:
الحرية هي جوهر الوجود الإنساني. هذا هو موقف ميرلوبونتي من الحرية وهو يشترك في ذلك مع كل الفلاسفة الوجوديين رغم بعض التعديلات التي أجراها على الموضوع للتخفيف من إطلاقية الحرية . فالإنسان باعتباره كائنا واعيا ومسؤولا عن وعيه فهو يستطيع الانفصال عن الواقع بفعل تلك الحرية التي تشكل جوهر وجوده وبالتالي يستطيع تجاوز كل الحدود التي تقف في طريقه. لكن ميرلو بونتي لا يتفق مع سارتر بأن حرية الإنسان هي حرية مطلقة، لأن من شأن ذلك أن يجعلنا نغفل التزامات الإنسان ، فلا حرية بدون التزام. ومادام الإنسان يعيش في العالم ومع الآخرين فلابد أن يمارس حريته في نطاق الشروط التي يضعها هذا الوجود وهذا لا يعتبر حدا لحرياتنا بل إن ذات الإنسان تتفاعل بصورة مستمرة مع الذوات الأخرى بما يحفظ لكل واحدة منها خصوصياتها وبالتالي حرياتها في التصرف والاختيار ضمن هذا التفاعل.
الحرية والوجود:
الحرية هي جوهر الوجود الإنساني. هذا هو موقف ميرلوبونتي من الحرية وهو يشترك في ذلك مع كل الفلاسفة الوجوديين رغم بعض التعديلات التي أجراها على الموضوع للتخفيف من إطلاقية الحرية . فالإنسان باعتباره كائنا واعيا ومسؤولا عن وعيه فهو يستطيع الانفصال عن الواقع بفعل تلك الحرية التي تشكل جوهر وجوده وبالتالي يستطيع تجاوز كل الحدود التي تقف في طريقه. لكن ميرلو بونتي لا يتفق مع سارتر بأن حرية الإنسان هي حرية مطلقة، لأن من شأن ذلك أن يجعلنا نغفل التزامات الإنسان ، فلا حرية بدون التزام. ومادام الإنسان يعيش في العالم ومع الآخرين فلابد أن يمارس حريته في نطاق الشروط التي يضعها هذا الوجود وهذا لا يعتبر حدا لحرياتنا بل إن ذات الإنسان تتفاعل بصورة مستمرة مع الذوات الأخرى بما يحفظ لكل واحدة منها خصوصياتها وبالتالي حرياتها في التصرف والاختيار ضمن هذا التفاعل.
من مؤلفات ميرلوبونتي:
1- بنية السلوك.(1942)
2- فينومينولوجيا الإدراك(1945)
3- مديح الفلسفة(1953)
4- مغامرات الديالكتيك(1955)
5- علامات (1960)
6- المرئي واللامرئي(1961)
*إضافة: من مقالة لـ نزهة صادق.
يرى ميرلوبونتي بأن هناك علاقة وثيقة بين
الإدراك ووجود الجسد وحضوره في العالم، خلافاً للفلسفات العقلانية الكلاسيكية
ومدارس علم النفس التقليدية التي تنظر إلى الإدراك على أنه نشاط فكري ونفسي، ما
جعل من فلسفة ميرلوبونتي الجمالية، خلاصة للتحليل الفينومينولوجي للإدراك الحسي
بوصفه رؤية للعالم والأشياء، حيث لاينفصل الذهن عن البدن أو المتخيل عن المحسوس أو
اللامرئي عن المرئي، الشيء الذي يجعل من "الفلسفة الجمالية فلسفة في معنى
الرؤية ذاتها"؛ بمعنى أن الرؤية هي موضوعها سواء أكانت الرؤية إبداعية من
جانب الفنان أم رؤية المتلقي للعمل الفني؛ فالرؤية هي انفتاح على الأشياء أو عين
حضور الأشياء ذاتها، وإنها ليست نمطاً من التفكير، إنما هي مجال من مجالات الجسد
كاللمس والإحساس، ويبدأ الإدراك الحسي أولاً بالرؤية
انطلاقاً من السطح المحسوس، ومن ثم تتوغل داخله، فالإنسان يدرك أولاً العالم
المحسوس ثم يتجاوزه دون أن يتخلى عن الرؤية ذاتها، واستطاع ميرلوبونتي بذلك
أن يتجاوز المناقشات العقيمة حول الإبداع بوصفه نتاجاً لعبقرية ما، مؤكداً العلاقة
التبادلية بين الرائي والمرئي وخبرة الفنان بين،
فالفن هو نتيجة احتكاك الفنان بعالمه، وهو يعير جسده للعالم محولاً العالم إلى
رؤية، حيث تكمن العملية الأكثر أهمية، وهي إعادة اهتداء الفنان إلى جسده بعد أن
وزعه على العالم، فيكتمل الجسر الفنان والعالم، وهذا الجسر هو الفاعل
الحقيقي في العملية الفنية" كما جاء في الموسوعة العربية.
"مؤمنون بلا حدود". نوفمبر 2015
ملاحظة: المقالة غير قابلة للنسخ، لذلك يمكن الوصول إليها عبر الرابط التالي:
http://www.mominoun.com/articles/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B3%D8%AF-%D9%81%D8%B6%D8%A7%D8%A1-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%AE%D9%81%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%B1-%D8%B9%D9%86%D8%AF-%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%84%D9%88%D8%A8%D9%88%D9%86%D8%AA%D9%8A-3338
يعالج هذا المقال إشكالية الجسد وتصوراته الفلسفية والتأويلية المعاصرة عند ميرلوبونتي. هذا الأخير الذي انتقد فلسفة ديكارت والاتجاهات التجربانية ذات الرؤى الحسية والطبيعية... والتي ساهمت، كلها، في تقليص فرص التأمل الفلسفي والفينومينولوجي للجسد من حيثُ هو الأساس المتجذر في هذا العالم، وجسر التواصل بين الذوات عن طريق العين والعقل.
لم أجد هذا البحث سهلاً على القراءة، قد يكون لقصور في الاستيعاب أو لصعوبته فعلاً.. قد يهم أصحاب الاختصاص.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق