مداولات 1

موضوعات في الفلسفة

الجمعة، 5 أغسطس 2016

من نصوص نور دكرلي..



حكواتي: رسمتُ وطني سوريا على البلاط.. ونمت

13 مايو 2014 
عن "العربي الجديد". 
الرابط:        
  •                                                                                                                      
    https://www.alaraby.co.uk/miscellaneous/2014/5/13/حكواتي-رسمت-وطني-سوريا-على-البلاط-ونمت



 
 
سمة وطن
 منذ فترة، رسمت خريطة كبيرة للوطن على أرضية غرفتي باستخدام قطعة فحم، وذلك لأتسلّى بالخروج منه والدخول إليه متى أردت.
صرت بخطوة واحدة مثلاً أكون في الداخل، داخل الخريطة، وأتنقّل بين المحافظات كما أريد.
في اليوم الواحد، كنت أدخل وأخرج عشرات المرات دون أن يوقفني أحد، ولم يحدث معي شيء هناك، مما جعل الأمر يفقد متعته مع الوقت.
رغبة في التغيير قمتُ برسم جنود حول الخريطة، وتركتُ بعض الفراغات. ثم بدأتُ أتسلّل من خلالها كلّما أردت الدخول والخروج. وكنت أشعر بأنّ الأمر حقيقي إلى درجة أنّني كنت أقوم به بحذر وخوف، خصوصا بعد أن رسمتُ الكثير من الجنود داخل الخريطة.
البارحة، بعد سهرة داخلها، لم أرغب في الخروج. أردت أن أنام ليلة داخل البلد. فتمدّدت حتّى غطّى جسدي المحافظات كلّها... ونمت.
عندما استيقظت في الصباح، لم أستطع النهوض. فوجئتُ بأحد الجنود، الذين رسمتـُهم، يقف إلى جانبي ممسكا بقطعة فحم، وقد رسم حولي الكثير من القضبان.
 
الحرمان من الكرش..  (عن الفيسبوك)
أتحسس بطني كل يوم، وأردد: لم يحن وقت الأولاد بعد، لم يظهر لي كرش إلى الآن.
لا أريد أولادا قبل أن ينبت لي كرشٌ، الكرش عند الأب بمثابة صدر الأم، أطفال بأب دون كرش أطفال ناقصو الحنان.
أبي كان له كرش منفوخ بالحنان، كنّا نربّت عليه كل مساء، نلعب فوقه، ننام عليه ..لذا كبرت و أنا أشعر بعاطفة متساوية تجاه أمي وأبي.

أتخيل لو أن لدي أبن الآن، كيف ستكون حياته، كيف سيذهب إلى المدرسة ليراقب أصدقاءه وهم يتحدثون بمرح عن كروش أبائهم ويتفاخرون بها، أحدهم يصف كرش والده المغطى بقليل من الشعر،... وآخر يحكي كيف غفا الليلة السابقة وخده على كرش والده.. بينما ابني يستمع إليهم بحسرة والكروش تتقافز من أعين أصدقائه... ثم سينزوي وحيداً في المقعد الأخير، شارد الذهن طيلة الدرس، يرسم على دفتره كروشا بأحجام مختلفة.
سيعود إلى البيت ليتلمس بطني المنكمش، فينكمش قلبه خيبةً وحزناً، سيرى في منامه أطفالاً سعداء يتلمسون كروشاً ويربّتون عليها بمرح.. أباء بكروش كبيرة، كروش ترقص... كرش عملاق يتجه نحوه ليبتلعه..
سيكبر وسترافقه عقدة الكرش المفقود طيلة حياته.. سيشعر بنقص في الحنان ولن يعوضه عن ذلك حنان ألف أم ولا كرشه مهما كبر.

منذ سنوات.. قالت لي صديقة بينما تتلمس بطني بحثا عن كرش ما:
كان أبي بلا كرش، لم يتواجد أي كرش في منزلنا، ثم تتابع بحزن بينما أحاول أنا نفخ بطني:
تخيل أنني دائما أبحث عن رجل بكرش لأحبه.. أبحث عن أب كامل في كل رجل... عن الكرش الذي افتقدته..
لو أن لك كرشاً لنجحنا معاً.. لكني أخاف على بناتي في المستقبل.. أن يعمي الكرش أعينهم.

كان لي صديق عاش طفولته ولم يلعب مرة بكرش.. والده كان بلا كرش.. كنت أحدثه دائماً عن كرش أبي لأغيظه، واسترسل في حديثي لساعات، أرسل له صوراً من طفولتي برفقة كرش أبي، أرسل له صور أطفال مع أباء بكروش..
صديقي هذا صار يهذي بالكروش، صار مدمنا على الكحول وكلّما ثمل بكى وصار يحكي عن الحنان الذي افتقده في طفولته. عن الكرش المفقود..
مؤخرا سمعت بأنه تم سجنه بتهمة طعنه لرجال في بطونهم، لطعنه بعض الكروش..

صديقتي تلك تزوجت كرشا له قدمين ووجه، وأنجبت أربعة أولاد...
تراقب لعبهم كل ليلة مع كرش زوجها، تضحك مع ضحكهم... يقفز قلبها سعادة مع قفزاتهم فوق الكرش.
وحين تستلقي على السرير لتنام، تضع يدها فوق الكرش، وتبكي.


(نور دكرلي)

 
مرسلة بواسطة mohamad-philosophie في 11:54 ص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رسالة أحدث رسالة أقدم الصفحة الرئيسية
الاشتراك في: تعليقات الرسالة (Atom)

أرشيف المدونة الإلكترونية

  • ◄  2025 (1)
    • ◄  يونيو (1)
  • ◄  2024 (5)
    • ◄  أغسطس (2)
    • ◄  فبراير (3)
  • ◄  2023 (17)
    • ◄  ديسمبر (6)
    • ◄  نوفمبر (1)
    • ◄  أغسطس (1)
    • ◄  يوليو (3)
    • ◄  يونيو (2)
    • ◄  مايو (2)
    • ◄  أبريل (2)
  • ◄  2022 (21)
    • ◄  ديسمبر (3)
    • ◄  نوفمبر (3)
    • ◄  أكتوبر (1)
    • ◄  أغسطس (1)
    • ◄  يونيو (1)
    • ◄  أبريل (1)
    • ◄  مارس (3)
    • ◄  فبراير (4)
    • ◄  يناير (4)
  • ◄  2021 (18)
    • ◄  ديسمبر (5)
    • ◄  نوفمبر (1)
    • ◄  سبتمبر (1)
    • ◄  أغسطس (3)
    • ◄  يونيو (1)
    • ◄  مايو (1)
    • ◄  مارس (1)
    • ◄  فبراير (3)
    • ◄  يناير (2)
  • ◄  2020 (37)
    • ◄  ديسمبر (3)
    • ◄  نوفمبر (2)
    • ◄  أكتوبر (1)
    • ◄  سبتمبر (1)
    • ◄  أغسطس (3)
    • ◄  يوليو (3)
    • ◄  يونيو (3)
    • ◄  مايو (8)
    • ◄  أبريل (4)
    • ◄  مارس (3)
    • ◄  فبراير (2)
    • ◄  يناير (4)
  • ◄  2019 (69)
    • ◄  ديسمبر (3)
    • ◄  أكتوبر (2)
    • ◄  سبتمبر (4)
    • ◄  أغسطس (7)
    • ◄  يوليو (12)
    • ◄  يونيو (6)
    • ◄  مايو (11)
    • ◄  أبريل (4)
    • ◄  مارس (7)
    • ◄  فبراير (4)
    • ◄  يناير (9)
  • ◄  2018 (162)
    • ◄  ديسمبر (10)
    • ◄  نوفمبر (22)
    • ◄  أكتوبر (21)
    • ◄  سبتمبر (20)
    • ◄  أغسطس (2)
    • ◄  يوليو (9)
    • ◄  يونيو (19)
    • ◄  مايو (16)
    • ◄  أبريل (12)
    • ◄  مارس (15)
    • ◄  فبراير (7)
    • ◄  يناير (9)
  • ◄  2017 (171)
    • ◄  ديسمبر (12)
    • ◄  نوفمبر (17)
    • ◄  أكتوبر (6)
    • ◄  سبتمبر (23)
    • ◄  أغسطس (3)
    • ◄  يوليو (27)
    • ◄  يونيو (7)
    • ◄  مايو (7)
    • ◄  أبريل (5)
    • ◄  مارس (9)
    • ◄  فبراير (32)
    • ◄  يناير (23)
  • ▼  2016 (263)
    • ◄  ديسمبر (34)
    • ◄  نوفمبر (32)
    • ◄  أكتوبر (28)
    • ◄  سبتمبر (43)
    • ▼  أغسطس (45)
      • جون لوك (من تاريخ الفلسفة الحديثة)/ أشرف حسن منصور
      • إشكالية الدين والدولة في الاجتماع الإسلامي./ مقابل...
      • وردة باراكيلسوس. / خورخي بورخيس
      • نظرية المعرفة عند كانط باعتبارها فلسفة في المنطق./...
      • المنهج الفينومينولوجي عند هوسّرل (مقارنة بين هوسّر...
      • محطات تاريخية
      • اسبينوزا الفيلسوف العقلاني+ الوجود بين الوحد والاخ...
      • موريس ميرلوبونتي. / محمد مستقيم.
      • هويّة الدرس الفلسفي بالتعليم الثانوي بلبنان / عبد ...
      • جدول بنماذج أهداف تعليم الفلسفة وخصائصها وأماكن اع...
      • حوار مع المفكر والمؤرخ فرانسوا دوس / محمد شوقي الزين
      • المنهج الفينومينولوجي عند هوسّرل./ أشرف حسن منصور.
      • من الذي صنع الأخلاق؟/ د. فؤاد زكريا.
      • الحدس كمنهجٍ للتفكير عند برغسون/ فوزيّة ضيف الله.
      • برقليس وأثره في الفلسفة الإسلامية: نموذج الفارابي ...
      • فلاسفة العقد الاجتماعي: هوبز/ لوك/ روسّو.
      • السيد محمد حسن الأمين: قادرون على صنع حداثتنا الخا...
      • غريزة الحرّية: تشومسكي والفوضوية والطبيعة البشرية....
      • غريزة الحرّية: تشومسكي والفوضوية والطبيعة البشرية ...
      • "وصيّتي" لأمين الريحاني: الكلمات الأخيرة لرجل حكيم...
      • وليم جيمس، علم النفس بين العلم والفلسفة./ صوفيا في...
      • فلسفة التواصل عند هابرماز/ سالم يفّوت.
      • الفلسفة باعتبارها علاجاً./ تفروت لحسن.
      • الفلسفة تهشم أوهامنا، مقابلة مع هابرماز
      • بين نيتشه وهيغل./ محمد الحجيري
      • بين ماضٍ عاثر ومستقبل حائر../ فاروق مردم.
      • جون لوك ونظرية العقد الاجتماعي./ هشام الهداجي. (مؤ...
      • سؤال الحداثة والتحديث. / هشام الهداجي (مؤمنون بلا ...
      • مذنبة! / فرح الدهني.
      • نيتشه ونقد المعرفة التاريخية الحديثة./ الحسين أخدوش.
      • مسارات البحث عن اليقين./ محمد الحجيري.
      • من نصوص نور دكرلي..
      • مَن الخالق ومَن المخلوق؟!/ علي حرب.
      • من فلسفة الجمال إلى علم الجمال/ مصطفى الزاهيد
      • فلسفة الجمال والفن لدى هيغل/ سليمان السلطان.
      • قراءة جديدة لفلسفة هيغل في الدولة/ أشرف منصور
      • عشرون فيلسوفاً صنعوا القرن العشرين؛ قراءة في كتاب....
      • هل الطبيعة البشريّة خيّرة أم شرّيرة؟/ موريس عايق.
      • ما العقلانية، أي عقلانية (8)؛ العقل ضد العقل../ شه...
      • في أزمة العقل، وجهة نظر/ محمد الحجيري.
      • ما العقلانية، أيّ عقلانية (7) أو: بين الذكاء والعق...
      • التفكير بالمقلوب، أو عصر الانقلابات. (محمد الحجيري)
      • بين نيتشه وبوذا. (محمد الحجيري)
      • ما العقلانية، أيّ عقلانيّة (6)؟ من "العقل السليم" ...
      • ما العقلانية، أيّ عقلانية (5)/ عبد الصمد الكبّاص.
    • ◄  يوليو (56)
    • ◄  يونيو (25)
  • ◄  2014 (5)
    • ◄  مارس (5)
  • ◄  2008 (1)
    • ◄  مارس (1)

من أنا

mohamad-philosophie
عرسال, بعلبك, Lebanon
أستاذ فلسفة
عرض الملف الشخصي الكامل الخاص بي

ما هو رأيك في هذه المدوّنة وماذا تقترح؟

المظهر: سماوي. صور المظاهر بواسطة Jason Morrow. يتم التشغيل بواسطة Blogger.