في ارتدادات ترشيح سعد الحريري ميشيل عون لرئاسة الجمهورية
أولاً، ما هي الحيثيات التي دفعت الحريري بالأمس إلى الإعلان عن ترشيح ميشيل عون إلى رئاسة الجمهورية؟
ما هو الموقف السعودي مثلاً من هذا الترشيح؟
الأرجح أن السعودية لم تطلب من الحريري القيام بهذه الخطوة. اهتمامات السعودية الأولى لا تنصب على الساحة اللبنانية، وهي شبه يائسة من قدرة أحد على التأثير في استئثار حزب الله بالقرار في لبنان. وتجلى ذلك بوضوح يوم تراجعت عن دعم الجيش اللبناني بملياراتها الأربعة. ثم إن الاعتبار الذي كان يحظى به الحريري في السعودية ليس في أحسن حالاته.
على الأرجح أن يكون الحريري قد وضع السعوديين في أجواء خياره بترشيح عون وأن السعوديين لم يعارضوا ذلك.
يمكن التذكير بأن فريق الرابع عشر من آذار لم يكن لديه مرشح للرئاسة، أللهم إلا وعدٌ ذاتي مضمر لدى حزب الكتائب بأن يرسو الخيار في لحظة الحقيقة على الرئيس أمين الجميل. الخياران المعلنان إذاً كانا محصورين بمرشحين من فريق الثامن من آذار: سليمان فرنجية وميشيل عون.
من ثوابت الأول السياسية علاقاته بنظام الأسد في سوريا، أما الثاني فإن المدخل إلى علاقاته الإقليمية فتمر حكماً من خلال حزب الله وخياراته.
السؤال هنا هو: هل ثمّة فوارق بين الخيارين؟ وكيف يمكن تفسير الاستنفار المفاجئ للرئيس بري ضد ترشيح عون؟ إضافة إلى موقف النائب عاصم قانصوه.
هل يريد السوريون فرنجية رئيساً، أم أنهم يريدون فخامة الفراغ ليس إلا؟
والتساؤل نفسه يصح على الموقف الحقيقي لحزب الله، وبالتالي لإيران. هل هم لا يقبلون إلا بميشيل عون رئيساً، أم أنهم أيضاً كانوا يناورون بميشيل عون كانحيازٍ حقيقي لجنرال الفراغ؟
أسئلة لا تتوفر أجاباتٌ عنها إلا على شكل ترجيحات..
في كل الأحوال، فإن اختيار سعد الحريري ترشيح ميشيل عون، يبدو أنه على حساب الفراغ الرئاسي فقط، وليس على حساب أي مرشح آخر.
ماذا يبتغي سعد الحريري من وراء هذا الترشيح، وهل كان خياراً موفقاً؟
لست أدري.
السؤال الآخر هو: كيف سينعكس هذا الترشيح على القاعدة الحريرية، وتحديداً في الوسط السني؟ بخاصة بعد أن رأينا أن ثلث نواب كتلة المستقبل تعارض جهاراً هذا الترشيح وتعلن عدم استعدادها لانتخاب ميشيل عون رئيساً، هذا طبعاً ما رشح على السطح، وبالتأكيد فإن حالة التذمر غير المعلنة أكبر من ذلك.
على الأرجح، وعلى عكس ما تذهب إليه أغلب التوقعات، فإن التداعيات السلبية ستكون محدودة جداً، وأن البيئة المؤيدة للحريري ستجد تبريراً لخياره هذا وستقبل به وتتكيّف معه آنياً. أما في المستقبل فسيكون ذلك رهناً بأداء ميشيل عون.
الخسارة الحقيقية التي مُنِيَ بها الحريري كانت في مرحلة سابقة لحظة افتراق أشرف ريفي عنه.
لا شك أن ارتدادات ما ستحصل نتيجة مواقف قادة في التيار، ومنهم النواب المعارضون لهذا الترشيح، لكن أظن أنها ستكون ارتداداتٍ محدودة. فغالبية نواب تيار المستقبل بنوا مكانتهم بسبب رصيد الحريري الشعبي وليس العكس. وربما سيحاول الكثيرون منهم العودة للانخراط في المسار السياسي الذي اختاره الحريري، واستبدال وجوهٍ جديدة ببعض الوجوه الحالية.
السؤال الذي يمكن طرحه في هذا السياق هو عن كيفية اتخاذ قرار بهذا الحجم في تيار المستقبل، ومدى انطباق الحديث عنه كحزب سياسي لديه آلية في اتخاذ القرارات..
في المقلب الآخر فإن الأسئلة ليست أقل إشكالية.
من سيكون ميشيل عون في حال وصوله إلى الرئاسة الأولى؟
وهل فعلاً قد حصل تفاهم بين الحريري وعون حول الحياد في الموضوع السوري (كما ورد ذلك في كلمة الحريري)، أم أن الأمر لا يعدو محاولةً من الحريري لامتصاص الاعتراض على قراره المخالف للمزاج الشعبي المؤيد، وهذا ما أرجحه. فليس تفصيلاً أن يتعهد ميشيل عون بمثل هذا الموقف، وإلا لأصبح مرشحاً لقوى الرابع عشر من آذار أكثر منه مرشحاً وحليفاً لحزب الله.
ثم ما هي طبيعة العلاقة الحقيقية بين حزب الله وحركة أمل أو ما هو موقع نبيه برّي في كل ما يحصل؟
وهل هناك تمايز بين الموقفين أم أن الأمر لا يزيد عن كونه توزيعاً للأدوار؟
واستطراداً، هل هناك تمايز بين الموقفين السوري والإيراني؟ وربما كان السؤال الحقيقي هو عن وجود تمايز بين الموقف الروسي والموقف الإيراني. فـ "الموقف السوري" لم يعد أكثر من شماعة لصراع على سوريا بين القوى الدولية والإقليمية ممثلة بالروس والأميركيين والإيرانيين والأتراك.. وربما الإسرائيليين في الخفاء كما يرى بعض المحللين، وهو الدور الذي ينتظر اللحظة المناسبة ليظهر إلى العلن على طاولة التسويات والترسيمات الجديدة.
لبنان، هذه المعجزة في الشرق، ليس معجزة.
هو ليس إلا مرآة لهذا الشرق العربي (وغير العربي هذه الأيام). وهو اليوم شرق عربي في أسوإ حالاته وأخطرها في تاريخه المعاصر.
و"معجزة" لبنان هي في ادعاءاته بكل مفردات الحداثة، في وقت تحكم اجتماعَه ثقافة الإقطاع والتقليد والعائلات من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه.
من آل فرنجية وآل كرامي والجميّل والحريري (حديثاً) وسعد وجنبلاط وأرسلان وغيرها وآخرين يبحثون عن استعادة دور كان لهم في الماضي.. وأحزاب يعز عليها تبيّن اللون الأبيض من الأسود.. أما البدائل عن ذلك كله فكان في عصبيات مذهبية تم إحياؤها كبديل لم يكن في حال من الأحوال بأفضلَ من "العائلات " السياسية..
.. وتصبحون على وطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق