الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

بين نيتشه وبوذا. (محمد الحجيري)




بين نيتشه وبوذا (1)

فرضيّة..

من العبارات النيتشويّة المشهورة: "الإنسان الأخير"، "الإنسان الأعلى"، "ما وراء الخير والشر"، "كن أنت"...

لقد خضعت كتابات نيتشه لقراءات متباينة، وستبقى تخضع لقراءات جديدة إلى عهود طويلة.
ما يلفت الانتباه في عبارته عما وراء الخير والشر، هو التشابه مع ما تقول به الهندوسية والبوذيّة.
في الفكر الهندي، الحياة وتكرار الولادات (من خلال التقمّص) تُعتبرُ عقاباً. والنفس التي تقوم بفعل الخير، ستولد في جسدٍ جديد لتلقي الثواب. والتي ترتكب الشر، ستولد أيضاً في جسدٍ جديد لتلقّي العقاب. (بناءً على مبدأ العدالة "الكارما" المسلَّم به في الفكر الهندي).
وفي كلتا الحالتين، ليس ثمّة خلاص.
الخلاص يكون بتجاوز الخير والشر.. بإماتة الشهوات والاعتزال، أو بالنرفانا.
هل من رابط بين "ما وراء الخير والشرّ" عند نيتشه، وبين الفكر الهندي؟
هل اطلع نيتشه على الفكر الهندي فتأثر به على طريقته؟
بالطبع إن نيتشه لا يؤمن لا بالتقمّص ولا بخلود النفس ولا باحتقار الجسد..
مفهوم الخير والشر هو مفهوم اجتماعي.
وتجاوز الخير والشر يجب أن يكون تجاوزَ المكافأة والمعاقبة التي تأتي من المجتمع.
وذلك يعني أن يكون الفرد الذي يدعو إليه نيتشه هو المرجع الذي يقيس قيمة الأشياء والأفعال، وليس رأي عامة الناس، الذين يشبههم نيتشه بـ "القطيع".
"
كن أنت"، قد تعني: حقق ذاتك في حدودها القصوى، بعيداً عن رأي العامة. وبذلك يكون الفرد قد حقق ذاته كإنسان أعلى.
الإنسان الأخير، هو هذا الإنسان الذي ما زال يقيس أعماله بناءً على ما يقوله الآخرون.
الإنسان الأعلى هو الذي يتجاوز الارتهان لرأي العامة، والذي بذلك يتخطى "الخير والشر" ويكون هو.

.. هي مجرد فرضيّة في محاولة فهم نيتشه.

 10 تموز 2016

ـــــــــــ ****** ــــــــــ

بين نيتشه وبوذا.. (2)

يتبادر إلى ذهن من يطلع على بعض آراء نيتشه ويقارنها بما قاله بوذا تساؤلٌ عن مدى تعرّف نيتشه على الفكر الشرقي، وطريقة تفاعله مع ذلك الفكر، بخاصة إذا تذكرنا بأن نيتشه قد جعل من زرادشت عنواناً لأهم كتبه، بالطبع هو زرادشتـ(ـه) الخاص، لكنه يعلن في أحد أقواله بأنه قد أخذ عن زرادشت صدقه وصراحته في القول.
لنقارن بين ما يقوله بوذا عن أهمية الحاضر، وضرورة الابتعاد عن الماضي والمستقبل، وبين ما يقوله نيتشه في أحد أهم مفاهيمه: "العود الأبدي" كما يشرحه الفيلسوف الفرنسي "لوك فيري"...

يقول بوذا:
"
دعك مما حصل وانتهى
ودعك مما لم يحصل بعد
راقب بعمق ما يحصل الآن... لكن لا تتمسّك به.
إنها الطريقة الأفضل للحياة."
.
ويشرح لوك فيري نظرية العود الأبدي عند نيتشه بالقول:

"إنالعَوْد الأبديهو الفكرة القائلة بأن الرغبة في أن نحيا من جديد، وبلا نهاية، ما عشناه من قبل، هي المقياس الأقصى للحكم بشأن لحظات حياتنا التي تستحق العناء من أجل أن تعاش. إن في هذه اللحظات بعدًا من أبعاد الأبدية ينقذها ويجعلهاأقوى من الموت”.

إن الأصل في المبدأ الجديد للحياة الطيبة يستقي قوته من خاصية اللذة، التي يلخصها (نيتشه) في العبارة الجميلة التالية:
كل لذة تطلب الأبدية“.
فعندما نعرف لحظات قوة وحرية قصوى، عندما يكون المرء محبًا إلى حد الجنون على أساس حب متبادل، أو حين يتوصل إلى إبداع عمل يكشف لنا عن جانب مجهول من العالم أو من التجربة الإنسانية، فإنه يحس ما يسميه (نيتشه) “خفّة الراقص، يحس شعورًا بالتصالح مع الواقع يبلغ من القوة ما يجعله لا يتمالك عن رجاء استمرار تلك اللحظات إلى الأبد.
إنها لحظاتُ توافُقٍ كامل مع الحاضر الذي يُقيم فيه المرء آنذاك بلا احتراز ودون التفكير في الماضي ولا في المستقبل، بحيث لم تعد اللحظة الراهنة نسبية بالنظر إلى الذكريات أو المشاريع، بل تصبح وكأنها بذرة من الأبدية. ذاك هو العَوْد الأبدي.
وهنا ننجو من الحيرة أمام الموت. ونلامس الأبدية وتزول الحيرة، في تلك اللحظات من التصالح مع الحاضر."
.
فهل التشابه بين "لحظات التوافق الكامل مع الحاضر.. ودون التفكير في الماضي ولا في المستقبل" عند نيتشه، وبين ما يقول به بوذا هو مجرد تشابه ناتج عن الصدفة، أم هو نتيجة اطلاع نيتشه على الفكر الشرقي والتأثر به أو ببعضه؟؟


محمد الحجيري
(عن الفيسبوك)
31 تموز 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق