الجمعة، 23 فبراير 2024

عن الإبيستيمولوجيا والفلسفة السياسية عند كارل بوبر؛ جاك لوكونت. (ترجمة محمد الحجيري)

 




جاك لوكونت: ما هو العلم؟

(عن الإبيستيمولوجيا والفلسفة السياسية عند كارل بوبر)

 

كارل پوپر (28 يوليو 1902 في فيينا - 17 سبتمبر 1994 في لندن) فيلسوف نمساوي-إنكليزي متخصص في فلسفة العلوم. عمل مدرساً في كلية لندن للاقتصاد. يعتبر كارل پوپر أحد أهم واغزر المؤلفين في فلسفة العلم في القرن العشرين، كما كتب بشكل موسّع عن الفلسفة الاجتماعية والسياسية.

والداه يهوديان بالأصل لكنهما تحولا للديانة المسيحية، إلا أن بوبر يصف نفسه باللاأدري.

درس الرياضيات، التاريخ، علم النفس، الفيزياء، الموسيقى، الفلسفة وعلوم التربية.

عام 1928 حصل على درجة الدكتوراة في مجال مناهج علم النفس الإدراكي. 1930 بدأ كتابة أول أعماله الذي نُشر في صورة مختصرة بعنوان "منطق البحث" 1934 وفي طبعة كاملة عام 1979 بعنوان "المشكلتان الرئيستان في النظرية المعرفية".

1937 هاجر إلى نيوزيلندا حيث قام بالتدريس في عدة جامعات هناك، وألف كتاب "المجتمع المفتوح وأعداؤه" 1945، والذي اكتسب من خلاله شهرة عالمية ككاتب سياسي. أهم سمة تميز أعماله الفلسفية هي البحث عن معيار صادق للعقلانية العلمية.

(عن ويكيبيديا)

"ما هو العلم؟"

مقالة مهمة وواضحة كتبها (جاك لوكونت) للتعريف بنظرية كارل بوبر في الأبستمولوجيا (علم المعرفة) وبالتحديد في مسألة المعرفة العلمية، وفي الفلسفة السياسية.

نشرتها مجلة "علوم إنسانية" في عددها الصادر في شهر أيار 2015.

يرى كارل بوبر بأن أية نظرية لتكون علميةً، يجب أن تكون قابلةً للتفنيد (لإثبات الخطأ)، وأيّة نظرية غير قابلة للتفنيد هي ليست علمية.

وقد رأى بوبر أن هذا الشرط متوفّر في النظرية النسبيّة لإينشتاين، فهي تقدّم توقعاتٍ، إذا أثبتت النتائج لاحقاً أنها غير صحيحة، سيؤدي ذلك حتماً إلى الانقلاب على تلك النظرية.

فيما لا تمتلك نظريات أخرى مثل هذه الخاصّية، ومنها: الماركسية والتحليل النفسي عند فرويد أو ألفرد آدلر.. (م. ح)

ترجمة المقالة:

نحن لا نستطيعُ أكثرَ من تنحيةِ الخطأ، بينما لا نستطيعُ مطلقاً أن نثبتَ الحقيقة.

إنها عقلانيةُ كارل بوبر النقدية التي يتم تطبيقُ مبدئِها على المسار العلمي، كما على التفكير السياسي.

لقد كانت كثيرةً العلومُ الحديثة التي عرفتها فيينا ما بعد الحرب العالمية الأولى. وقد اهتم كارل بوبر الشاب بشكلٍ خاص بنظرية النسبية عند أينشتاين، وكذلك بالماركسية وبالتحليل النفسي الفرويدي وبسيكولوجيا ألفرد آدلر.

أمام هذا الازدهار للعلوم، تساءل بوبر باكراً إن كانت هناك سمةٌ معيّنة تسمحُ بالتأكيد بأن نظريةً ما هي نظريةٌ علميّة.

إنه يلاحظ بأن نظرياتِ كارل ماركس وسيغموند فرويد وألفرد آدلر تمتلك ظاهراً قدرةً تفسيريّة قويّة.

"إنها تبدو مهيّأةً لأن تأخذَ في الاعتبار بشكلٍ شبهِ شاملٍ الظواهرَ التي تنتجُ في مجالاتها الخاصة.. إننا نلمح في كل مكان تأكيداتٍ بأن الكون يزخر بما يؤكد النظرية" (تخمينات وتفنيدات، 1963)

لكنه بدأ يشكُ في أن هذه القوةَ التفسيريّة الظاهريةَ لربما كانت هي بالتحديد نقطةَ ضعف هذه النظريات.

إنها تبدو وكأنها لا يمكن أن تكون خاطئةً على الإطلاق، لأنها حتى في الحالات الإشكالية، هي قادرة على تغرية (إلصاق) الوقائع بالنظرية.

في الأثناء، فإن نظرية النسبية التي كانت ما تزال حديثةَ العهد، كانت تبدو مختلفةً بشكل كبير. إنها تسمح بتقديم توقعات، إذا أثبتت النتائج لاحقاً أنها غير صحيحة، فسيؤدي ذلك حتماً إلى الانقلاب على تلك النظرية.

وهكذا، فإن نظرية النسبية، على العكس من بقية النظريات التي قام بوبر بدراستها، وحدها المعرَّضة لخطر السقم والتفنيد من قِبَل الملاحَظة.

امتحان التفنيد:

يقترح بوبر إذاً إخضاع كل نظرية جديدة لاختبارات تهدف بوضوح إلى تفنيدها.

إن نظريةً علميةً هي نظريةٌ قابلة للتفنيد، بمعنى أنها تقدم فرصةً لاختبارات تسمح بإمكانية تفنيدها (إثبات خطئها)

ليست علميّةً النظريةُ غيرُ القابلةِ للتفنيد. لكن لكي تكون نظريّةٌ صالحةً، لا يكفي أن تكون قابلةً للتفنيد، بل يجب ألا يكون قد تمّ تفنيدها حتى اللحظة.

النظريات التي تجتاز بنجاح امتحان التفنيد هي وحدها التي تبقى. وهكذا، فإن "التقدم العلمي لا يعتمد على مراكمة الملاحظات observations ، ولكن على رمي النظريات الأقل قبولاً، وأن نستبدل بها نظرياتٍ أفضل" (La Quête inachevée, 1974)

هكذا يتم، حسب بوبر، التطوّر العلمي: النظريات الفلكيّة لـ يوهانس كبلر وغاليليه تُخْلي المكان لنظرية إسحق نيوتن، التي بدورها يتم تجاوزها من قبَل نظرية ألبر أينشتاين.

النظرية التي اجتازت بنجاح اختبار التفنيد، هي مع ذلك ليست مثبَتة، ولكنها فقط "مدعَّمة". لأنها من الممكن أن تُفَنَّد غداً. لذلك فنحن لا نستطيع على الإطلاق التأكيد بشكلٍ مطلق بصحة نظريةٍ ما. كل ما نستطيعه هو القول بأننا لم نثبت حتى الآن أنها خاطئة. إننا لا نستطيع الحديث عن حقيقة علمية، نستطيع فقط الحديث عن اقتراب تدريجي من هذه الحقيقة. حتى لو كنا أمام نظرية صحيحة، فإننا لا نستطيع مطلقاً أن نكون على يقين بأن هذا هو واقع الحال.

باختصار، فإن تبنّي المسار النقدي هو الأداة الرئيسية لتقدم المعرفة. وهنا يقدم بوبر نفسه كعقلاني نقدي. هو عقلاني، لأنه يعتقد بسلطة العقل الذي يسمح للإنسان بالاقتراب من الحقيقة. وهو نقديٌّ، لأنه يعتبر بأن المسار النقدي المطَبَّق على النشاط العلمي أو الاجتماعي، هو العامل الرئيسي للتقدّم.

المجتمعات المغلقة والمجتمعات المفتوحة:

سيذهب بوبر أبعد من ذلك ليعمّم معيار التفنيد أو "التفنيديّة" réfutabilité على تحليل النظريات الاجتماعية من خلال إقامة التمييز ما بين المجتمعات المقفلة والمجتمعات المفتوحة.

المجتمع المغلق هو، بنظر بوبر مجتمع متخيَّل بواسطة أشخاص يحلمون بطريقة تجعلهم يهبطون بالجنة إلى الأرض. وهذا هو بالضبط ما يأخذه على الماركسية.

إن سياسةً اجتماعيةً عقلانيةً حقاً، يجب أن تهدف إلى تخفيف الآلام، وليس إلى اجتراح السعادة. "فلنترك هذا البحث عن السعادة ـ يقول بوبر ـ إلى المجال أو الميدان الخاص" بدلاً من أن نفرض على الآخرين وجهة نظرنا الخاصة إلى الوجود. وبدلاً من التماس جنةٍ على الأرض، يجب أن نبذل قصارى جهدنا "للعمل بطريقةٍ تجعل حياة كل جيلٍ أقل عناءً وأقلّ ظلامةً [من الجيل السابق]." (بؤس التاريخانية، 1957)

بالنسبة لـ بوبر، فإن المجتمع المفتوح ليس نظاماً سياسياً أو نمطاً للحكم بقدر ما هو شكل للوجود الإنساني المشترك، حيث حريّة الأفراد، واللاعنف وحماية الضعفاء تكون قِيماً جوهريّة.

إن المجتمع المفتوح يعود في أصوله إلى اليونان القديمة. لقد أنشأ الفلاسفة القبسقراطيون (ما قبل سقراط) الحوارَ النقديَ الحرّ كوسيلة للتقدم نحو الحقيقة.

أما في التاريخ الأقرب إلينا، فإن الحروب الدينيّة هي التي ساهمت، حسب بوبر، في تشكيل هذا النمط من التفكير المضاد للاستبداد. "هفواتنا هي التي هذّبتنا بفعاليّة"،

لقد علّمتنا أيضاً أن نتسامح، ليس فقط مع المعتقدات المختلفة عن معتقداتنا، ولكن علّمتنا أن نحترمها، وأن نحترم من ينتمي بإخلاصٍ إليها. "لقد تعلّمنا أننا خلال إصغائنا المتبادل وخلال نقدنا المتبادل، فإن لدينا بعض الحظّ في أن نقترب أكثر من الحقيقة"، يؤكد بوبر.

لكن هذا الاعتقاد البوبري [نسبةً إلى كارل بوبر] قد عرف أكثر كيف يجدّد الأبستمولوجيا والفلسفة السياسية في آن.

"ما هو العلم"، جاك لوكونت، مجلة "علوم إنسانية" عدد أيار 2015

(ترجمة وتقديم محمد الحجيري، 7 أيلول 2015)

ملاحظة:

لقد تعرضت نظرية بوبر لبعض الانتقادات، ربما كان أهمها الانتقادات التي وجهتها البنيوية، وهي النظرية التي تقول بالقفزات وبـ "القطيعة المعرفية"، وذلك من خلال توماس كون، مؤلّف كتاب "بنية الثورات العلمية" وهو الكتاب الذي تُرجِم إلى العربية، وتم نشره ضمن سلسلة عالم المعرفة في الكويت، حيث يدافع كون عن الفكرة القائلة بان العلم لا يتقدم حسب مسارٍ تطوّري مستمرّ من خلال التجربة والخطأ، ولكن من خلال نماذج مهيمنة.

"العلم العادي" « science normale » يحافظ على صلاحيته حتى يواجه أزمةً ما، ويأتي علم جديد ليحلّ محله.

 

ليست هناك تعليقات: