خالد منصور يكتب: في تشريح
الهزيمة.. عن حرب ١٩٦٧ وما تلاها (6).. كيف لعبت الشتائم والتشهير دورا في تأجيج
نار حرب خاسرة؟
تذكر كبار السن من المصريين إذاعة صوت العرب في الستينيات وعملها
من أجل نشر أفكار القومية العربية وفضح النظم “الرجعية العميلة للإستعمار”، لكنهم
ربما لا يتذكرون الإذاعات والتصريحات الإعلامية الموجهة من السعودية والأردن
وسوريا، والذي كان ينتقد حكم الفرد، ويعني به عبد الناصر، وعجز مصر عن تحرير
فلسطين ومواجهة إسرائيل. وكانت هذه الانتقادت اللاذعة التي تحولت لحملات مكثفة
للاستفزاز والشتائم والتجريس موجعة للقيادات السياسية في القاهرة ومزعجة أحيانا
حتى لحلفاء هذه النظم بين الدول الغربية، لخشيتهم من أن تدفع المبالغة فيها مصر
وعبد الناصر إلى رد فعل قوي.
لم تصدر هذه الحملات من السعودية والأردن فقط، بل شاركت فيها سوريا
مشاركة فعالة ولسنوات بعد انهيار مشروع الوحدة مع مصر في عام ١٩٦١، كما شاركت فيها
أنظمة عربية أخرى – بعض الوقت – مثل العراق، وكان لبنان في الأغلب مسرحا للصراع
السياسي بالوكالة بعض الوقت وسوقا لبيع الصحف والأبواق الإعلامية لهذه النظم أو
للنظام المصري طول الوقت.
المفارقة أن كل هذه الدول لم تكن تريد أن تحارب إسرائيل، بل تواصلت
السعودية والأردن مع إسرائيل بأشكال مباشرة أو غير مباشرة خدمة لمصالحها أو للحصول
على تطمينات وتبادل معلومات، ووصل الأمر للتعاون العسكري غير المباشر بين السعودية
وإسرائيل لدعم الإمام محمد البدر في اليمن ضد الجيش المصري (١).
وكانت البرامج المعدة خصيصا للنيّل من عبد الناصر تكرر وتعيد أن
الزعيم المصري وجيشه يختبئان وراء قوات الطوارىء الدولية المرابطة في نقاط محددة
حول القناة وفي شرم الشيخ جنوبا، وعلى حدود الهدنة وداخل قطاع غزة الفلسطيني الذي
تديره مصر منذ ١٩٤٨، كانت هذه القوات الدولية، التي لم يزِد قوامها عن ٤٠٠ر٣ جندي
من عدة دول، منتشرة على الجانب المصري فقط من الحدود مع إسرائيل منذ
أواخر ١٩٥٦ في إطار ترتيبات إنهاء العدوان الثلاثي (الفرنسي الإنجليزي
الإسرائيلي)، وتضمنت الترتيبات منح إسرائيل حق العبور الآمن في مضايق تيران نحو
ميناء إيلات وكان تستورد نفطا إيرانيا وقسما من تجارتها العادية من هذا الطريق.
وفي عامي ١٩٦٥-١٩٦٦، رست في ميناء إيلات ٥٠٠ سفينة استوردت ٥٤ ألف طن وصدرت
٢٠٧ ألف طن سلع مختلفة.
وكانت السعودية والأردن بل وإسرائيل والولايات المتحدة كلها تعتقد
أن مصر تفضل فعلا الاحتفاظ بقوات الطوارىء على الحدود، لأنها توفر ذريعة لعدم شن
عمليات عسكرية ضد إسرائيل من الجانب المصري، كما أنها تحمي مصر من أي مغامرات
إسرائيلية، واعتقد الأمريكيون أن عنف الانتقاد العلني من الإذاعات العربية الموجهة
ساهم في دفع عبد الناصر لقرار التصعيد وطلب سحب القوات في ١٦ مايو بغض النظر عما
إذا كان فعل هذا بنية التهويش أم كان يعتزم خوض الحرب فعلا.
وهناك إشارات على أن عبد الناصر والمشير عامر كانا يريدان منذ ١٩٥٧
طرد هذه القوات أو على الأقل إعادة نشرها بحيث لا تعيق التحركات العسكرية المصرية
من ناحية ولكي تستعيد مصر السيطرة على مضيق تيران من ناحية أخرى وتستعمله كورقة
ضغط ضد إسرائيل. وسنركز في هذا المقال قليلا على النظرية الأولى لنرى الدور
المحتمل للشتائم و“الردح” المتبادل بين مصر من ناحية والسعودية والأردن من ناحية
أخرى في دفع مصر لاتخاذ خطوات تحفظ لها هيبتها وتحرم خصومها العرب من سلاح التشهير.
أثّرت هذه الإذاعات الموجهة ولغتها الوضيعة على عبد الناصر خاصة،
ولم يوفر الزعيم جهدا في مواجهة هذه الحملات وعلى نفس مستواها.
في خطاب له في فبراير ١٩٦٧ سبّ عبد الناصر قادة السعودية والأردن
وسوريا وتونس مستخدما ألفاظا مقذعة ومتهما إياهم بالعمالة والخيانة والتجارة
بالشعارات والدين، وستساهم هذه المقتطفات، الذي ينبغي للمهتمين الاستماع إليها
للتعرف أكثر على قدرات ناصر الخطابية وتأثيره الفعلي، في إظهار وضاعة الحملات
المتبادلة.
رابط مقالات خالد منصور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق