حول ترجمة النص
الفلسفي
يقول الدكتور عبد السلام بنعبدالعالي في
مقالة له عن ترجمة النصوص الفلسفية (لم أتمكن من العثور عليها كاملةً بسبب تعطيل
الرابط الذي اقتبست عنه الفقرة المنشورة أدناه) بأنه "ما دامت علائقنا بالنصوص [الفلسفية] الكبرى علائق لا تتعدى الفضول
المعرفي، فإننا سنظل نتوهم أن تملّك تلك النصوص يتحقق بمجرد نقلها إلى لغتنا دون
بذل جهد متواصل لانفصالنا عنها، وإذكاء حدة التوتر بيننا وبينها."
.
ـ الأستاذ في الجامعة اللبنانية الدكتور
جمال نعيم يرى بإن النقل هو " نشاط فلسفي بامتيار. إنّ نقل الفلسفة لهو فلسفة، لهو قراءة أخرى في
النّص المنقول وإعطاء وجهة نظر فيه، وفي اللغة المنقول اليها. لذا، نرى أنّ النصوص
الفلسفيّة لم تنقل بعد، بهذا المعنى، الى لغتنا العربيّة. وعندما تُنقل بهذا
المعنى تُحلَّ تلقائيًّا المشكلة التي يتكلّم عليها كاتبنا."
ـ لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل إن هذه
الـ(ـنا) في انفصالـ(ـنا) عن النص المترجَم الذي يدعو إليه بنعبدالعالي هي
"نا" إنسانية وكونية، أم إن لها خصوصية ثقافية؟ وهل "التوتر"
الذي تتبناه (إذا وافقتَ على التوصيف) هو نفسه التوتر الذي يتحدث عنه بنعبدالعالي؟
ـ يجيب الدكتور نعيم
بأن "هذه الـ "نا"، عندما نكون في
النّشاط الفلسفي، هي بالضرورة (نا) إنسانيّة وكونيّة، هي (نا) كليّة، هي (نا)
يونيفرساليّة. لا معنى للفلسفة الا عندما تكون يونيفرساليّة حتى لو انطلقت من
مشكلات تخص شعبًا بعينه أو أمّةً بعينها؛ لأنّ الفيلسوف يجيب عن أسئلة العقل بما هو كذلك، وهو الذي يعرف أن يُعالج مشكلات أمّته وخصوصيّاتها بطريقة
كليّة يونيفرساليّة. الفلسفة لا تكون الا كونيّة عالميّة تخص البشريّة جمعاء، وإلا
تحوّلت الى أيديولوجيا. أمّا بالنسبة الى التوتر الذي أتبنّاه فهو، كما يبدو،
يختلف عمّا يتبنّاه كاتبنا؛ لأنّه، كما يبدو، يتحوّل الى مثقف ذي رسالة نضاليّة.
وهذا ما يجعله مختلفًا عن الفيلسوف. فهذا الأخير يهدف الى التغيير، لكن بشكلٍ غير
مباشر، من خلال تغيير طريقة التفكير. همّه إغناء القول الفلسفي العالمي، وهمّه
إراحة العقل بما هو كذلك. ومن ثمّ يأتي المثقف ليستفيد من نهر الفلسفة الجاري
والذي يجب أن يبقى جاريًا؛ لأنّ المشكلات الفلسفيّة تتغيّر باستمرار، ولا يمكن لأي
فلسفة، مهما علا شأنها، أن تختم الفلسفة، أن تضع حدًّا للنشاط الفلسفي. ما يهمّ
الفيلسوف كفيلسوف هو جريان النّهر، أمّا ما يهمّ المثقف فهو الغَرْف من النّهر
لتغيير مجتمعه نحو الأفضل.
ـ نسأل الدكتور نعيم،
أين يمكن أن نصنف كتابات الجابري أو نصر حامد أبو زيد انطلاقاً من وجهة النظر التي
تعبر عنها؟
ثم، ألم يكن الدافع
الحقيقي لما كتبه أفلاطون هو دافع براغماتي سياسي تمظهر بتعبيرات بالغة التجريد،
لكنها في حقيقتها كانت مسكونة بالهم السياسي لعصره ولمجتمعه بحثاً عن إيجاد حل
لمشكلة الحكم؟
ــ د. نعيم: بما أنّ كتابات الجابري
وأمثاله ـ يجيب الدكتور نعيم ـ لم تتحوّل
الى أقوال عالميّة بسبب أنّها بقيت تُعالج مشكلات محلّيّة، لم تستطع أن تُحوّلها
الى مشكلات عالميّة، فإنّها لم تصل الى مرتبة القول الفلسفي الذي يتوجّه الى
الانسان بما هو إنسان وليس الى إنسانٍ بعينه مهما كان عدده كبيرًا. ومن البيّن أنّ
هناك فرقًا بي :
نقد العقل المحض
ونقد العقل العربي
ليس بالتّسمية على أهمّيتها، بل بالمضمون وطريقة المعالجة.
بالنسبة الى النقطة الثانية: لا شكّ أن أفلاطون انطلق من مشكلات زمانه ومجتمعه، لكنّه عرف كيف يبدع قولًا فلسفيًّا بامتياز، يتوجّه الى الجميع، حتى لو كانت له من وراء ذلك، مآرب سياسيّة خاصة به. هنا عظمة الفيلسوف عندما يبدع فلسفةً عالميّة مع أنّه ينطلق في غالبيّة الأحيان من مشكلات محليّة. لنفترض أنّ إنسانًا لم يسمع بديكارت ولم يعرف القرن الذي وُلد فيه ولم يعرف أنّه مؤلف كتاب تأملات في الفلسفة الأولى. وهذا الانسان وجد هذا الكتاب منزوعًا عنه الغلاف في مكتبة قديمة بحيث تعذّر عليه معرفة اسم الكاتب والزمن الذي ألّف فيه كتابه والظروف التي عاشها وكان يستجيب لها...الخ، ومن ثمّ قرأ الكتاب. ألا يجد عند قراءته للكتاب أنّه يتوجّه اليه بالصميم وأنّه يجيب عن أسئلة يطرحها العقل بطبيعته وأنّه حقق نوعًا من راحة للعقل وإن كانت مؤقتة. بهذا المعنى نستطيع الحكم على أعمال المفكرين العرب الذين لم يتحوّلوا الى فلاسفة عالميّين. وكان موسى وهبه يقول: إنّنا لا نجد جابريّين ومحموديّين وأبي زيديين، كما نجد سارتريّين ونيتشويّين وديكارتيين.
لذا، بقي الجابري وأمثاله مثقفين بامتياز ولم يرتقوا الى مستوى الفلاسفة الكبار. حتى كلمة مفكّر لا تنطبق على هؤلاء في نظر دولوز؛ لأنّهم لم يغيّروا في ما يعنيه التفكير، لم يساهموا في ابتداع صورة جديدة للفكر. فالمفكر ليس هو الكاتب، وإنّما هو من يجيب عن سؤال: ماذا يعني أن نفكّر اليوم؟ بطريقة مختلفة. والفيلسوف هو من يجيب عن هذا السؤال بطريقة مختلفة ويبدع الأفاهيم المناسبة لصورة الفكر الجديدة.
نقد العقل المحض
ونقد العقل العربي
ليس بالتّسمية على أهمّيتها، بل بالمضمون وطريقة المعالجة.
بالنسبة الى النقطة الثانية: لا شكّ أن أفلاطون انطلق من مشكلات زمانه ومجتمعه، لكنّه عرف كيف يبدع قولًا فلسفيًّا بامتياز، يتوجّه الى الجميع، حتى لو كانت له من وراء ذلك، مآرب سياسيّة خاصة به. هنا عظمة الفيلسوف عندما يبدع فلسفةً عالميّة مع أنّه ينطلق في غالبيّة الأحيان من مشكلات محليّة. لنفترض أنّ إنسانًا لم يسمع بديكارت ولم يعرف القرن الذي وُلد فيه ولم يعرف أنّه مؤلف كتاب تأملات في الفلسفة الأولى. وهذا الانسان وجد هذا الكتاب منزوعًا عنه الغلاف في مكتبة قديمة بحيث تعذّر عليه معرفة اسم الكاتب والزمن الذي ألّف فيه كتابه والظروف التي عاشها وكان يستجيب لها...الخ، ومن ثمّ قرأ الكتاب. ألا يجد عند قراءته للكتاب أنّه يتوجّه اليه بالصميم وأنّه يجيب عن أسئلة يطرحها العقل بطبيعته وأنّه حقق نوعًا من راحة للعقل وإن كانت مؤقتة. بهذا المعنى نستطيع الحكم على أعمال المفكرين العرب الذين لم يتحوّلوا الى فلاسفة عالميّين. وكان موسى وهبه يقول: إنّنا لا نجد جابريّين ومحموديّين وأبي زيديين، كما نجد سارتريّين ونيتشويّين وديكارتيين.
لذا، بقي الجابري وأمثاله مثقفين بامتياز ولم يرتقوا الى مستوى الفلاسفة الكبار. حتى كلمة مفكّر لا تنطبق على هؤلاء في نظر دولوز؛ لأنّهم لم يغيّروا في ما يعنيه التفكير، لم يساهموا في ابتداع صورة جديدة للفكر. فالمفكر ليس هو الكاتب، وإنّما هو من يجيب عن سؤال: ماذا يعني أن نفكّر اليوم؟ بطريقة مختلفة. والفيلسوف هو من يجيب عن هذا السؤال بطريقة مختلفة ويبدع الأفاهيم المناسبة لصورة الفكر الجديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق