الخميس، 5 يناير 2017

بين المانوية والإسلام: تشابه وعداوة؛ محمد الحجيري.





بين المانوية والإسلام: تشابه وعداوة.
لقد ذكرت في أكثرَ من منشورٍ سابق عن الكثير من أوجه الشبه بين المانوية والإسلام، بخاصة في موضوع العبادات ..
لكن لربما كان أهم وجه للشبه، وربما للخصومة بين المانوية والإسلام هو قول ماني بأنه "الفارقليط" أو النبيّ الذي بشر به يسوع.
ولقد رجّحت بأن هذه البشارة بنبيّ يأتي بعد المسيح قد وردت فعلاً في بعض الأناجيل على الأقل.
 
في إنجيل يوحنا، وهو أحد الأناجيل الأربعة المشرعة من الكنيسة، تَرِدُ هذه البشارة في أربعة مواقع، تحت اسم "المعزّي"، وهي الكلمة التي يبدو أنها قد وردت بأكثرَ من صيغةٍ حسب نسخ الترجمات القديمة أو الحديثة.
المعزّي أو الفارقليط أو روح الحق أو "المنحمنا" بالسريانية أو "البرقليطس" بالرومية كما يذكر ابن إسحق.
والآيات الإنجيلية التي عثرتُ عليها هي التالية:
"
إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزّياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد" (14، 166)
 "
بهذا كلمتكم وأنا عندكم. وأما المعزّي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كلّ شيء ويذكّركم بكلّ ما قلتُه لكم" (14، 26)
 "
ومتى جاء المعزّي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء" (15، 26)
 "
لكني الحقّ أقول لكم أنه خيرٌ لكم أن أنطلِق،لأنه إن لم أنطلِق لا يأتيكم المعزّي، لكن إن ذهبتُ أرسلُه إليكم" (16، 7)
وجميعها تتحدث عن الأمر بمفردة "المعزّي"
 
ليس قصدي أن أثبت أن الإنجيل يعترف أو يبشر بنبيّ يأتي بعد المسيح أم لا.. لكن أردت فقط أن أقول أن هذا الأمر قدر وردت الإشارة إليه في أحد الأناجيل الأربعة المشرَّعة من الكنيسة، وأرجّح أن تكون قد وردت في أناجيل أخرى غير الأناجيل الأربعة، وإن كنت لا أجزم بذلك، لكن كل فئة حاولت أن تؤوّل هذه الإشارة بما يتوافق مع ما تراه، أو بما يعزّز وجهة نظرها.
 
المهم في الأمر على ما أظن، أن هذه الإشارة التي استند إليها ماني بقوله بأنه هو الفارقليط الذي بشّر به المسيح، بينما استند إليها المسلمون ليقولوا بأن الإنجيل قد أشار إلى النبي محمّد. (وقد أشارت إلى ذلك الآية السادسة من سورة الصف: "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴿الصف؛٦﴾" )، هذه الإشارة بالذات كانت السبب الأهم للنزاع بين الديانتين.
إنه التشابه الإشكالية بين المانوية والإسلام: فإذا كان ماني هو النبي الذي بشّر بمجيئه المسيح، فهذا يعني أن محمّداً ليس كذلك. وهذا على ما أرجّح أن يكون سبب محاربة المسلمين للمانوية، تحديداً في العصر العباسي، رغم التساهل مع الكثير من الفِرق. ورغم التقارب الكبير بين المانوية والإسلام، بل بسبب هذا التشابه.
 
السؤال هو: كيف استطاع المسلمون التعايش مع هذا "الخطر" حتى العصر العباسي؟
سليم مطر:
يذكر سليم مطر في بحث له عن المانوية، بأن اضطهادهم قد بدأ في الربع الأخير من القرن الثامن الميلادي (775م)، بينما كانت لهم مكانتهم في العصر الأموي، وقيامهم بدور كبير في تعريب الدواوين من الفارسية إلى العربية.
يقول سليم مطر "يبدو أن الفتح العربي لم يضعف المانوية , بل على العكس منحها بعض الزخم , بسبب كثرة اتباع المانوية في العراق بعد هجرة الأعداد الكبيرة منهم من الشاميين والمصريين إلى العراق بعد حكم الاعدام الذي كان قد أصدره الرومان بحقهم . ثم إن الإسلام في أول الأمر لم يكن موقفه واضحاً من المانوية , وقد اعتبرها في البدء من أديان أهل الكتاب . في العصر الأموي تمتع أتباع المانوية ببعض الحرية , خصوصاً في زمن الخليفة (الوليد الثاني -743-744)".
ثم يضيف القول بأن ما "ساعد على نشاط المانوية في العصر الأموي استخدام الكثير من اتباعها كتّاباً في الدواوين في العراق بدل المجوس الفرس , وذلك بعد قرار تعريب الدواوين في ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي , بعد أن كانت باللغة الفارسية . ويبدو أن الاستعانة بأتباع المانوية في الدواوين وسع المجال أمامهم وركز أهميتهم . (نموذج ساطع لسوء فهم المؤرخين العرب , عندما يستغرب مؤرخ » قومي ! « مثل عبد العزيز الدوري هذا التحول نحو المانوية في الدواوين الأموية , لأنه لا يدرك أن الزرادشتيين فرس ولا يتقنون غير الفارسية , أما اتباع المانوية فأنهم عراقيون فكانوا يتقنون العربية القريبة من السريانية , لغتهم الأصلية . ولهذا تم استخدامهم في عملية تعريب الدواوين) (راجع – الدوري - الجذور التاريخية للشعوبية - ص22)".
بينما "يُعتبَر الخليفة العباسي (المهدي) (775-785) , أول من أعلن الحرب ضد المانوية وجميع التيارات الفكرية المعارضة باسم مكافحة الزندقة , حتى سمي (قصاب الزنادقة) . وقد أنشأ من أجل ذلك (ديوان الزنادقة) بقيادة (عريف الزنادقة) . وكان اتباع المانوية يجبرون على المثول أمام القاضي , ثم يبصق المتهم على صورة (ماني) ويذبح طائراً , ذلك لأن المانوية تحرم ذبح الحيوان . وفي حالة رفضه التوبة فإنه يحكم بالموت. وقد اوصى المهدي ولده الهادي طالباً منه الاستمرار في محاربة المانوية , قائلاً : » إني رأيت جدك العباس في المنام قلدني سيفين وأمرني بقتل أصحاب الاثنين « . وفي أواخر العهد العباسي توسعت تهمة (الزندقة) حتى وصلت على يد الإمام الغزالي الى كل محاولة اجتهادية تخالف المذاهب السلفية وتنحرف عنها في التفسير".

ويذكر المؤرخون المسلمون أسماءً لا تحصى من المثقفين الذين اتهموا بالزندقة (المانوية) في هذه الفترة. وقد شملت هذه التهمة كتاباً وشعراء مثل : صالح ابن عبد القدوس , بشار بن برد , أبو النواس , أبو العتاهية , حماد الرواية , عبد الله بن المقفع..
محمد الحجيري
5/1/2016


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق