الخميس، 11 أغسطس 2016

فلسفة التواصل عند هابرماز/ سالم يفّوت.




فلسفة التواصل عند يورغن هابرماز.


الدكتور سالم يفوت
http://www.hurriyatsudan.com/?p=111546


مقدمة
أصبح مفهوم التواصل من المفاهيم المركزية المتداوَلة في الفلسفة المعاصرة. إذ لم يعد الاهتمام بالتواصل منحصراً في المجال التداولي المرتبط بتبادل المعلومات وتقنيات تبليغها وإيصالها،  بل أصبح يشكل نظرية علمية وفلسفية مستقلة بذاتها. وتُعدّ مرجعية هابرماس الفلسفية دليلاً على هذا التحول. إنها مرجعية استفادت من نظريات العلوم الاجتماعية التي كانت سباقة  إلى التمهيد لذلك التحول عندما ركزت على أنّ  الأنا أو الهوية الذاتية هي حصيلة تفاعل رمزي مع الآخرين.
سنسلط الضوء، في هذه الورقة، على مشروع هابرماس الرائد، في الفلسفة النقدية الألمانية المعاصرة من خلال التركيز على الهمّ الذي حرك الرجل وهو: كيف يكون الاندماج الاجتماعي ممكناً؟ باعتباره الإشكال الذي اعتزمت فلسفة التواصل لدى هابرماس الإجابة عنه.
*******************************************
لا ينبغي الاعتقاد من عنوان هذه الورقة أن هابرماس يتناول مسألة التواصل كما لو كانت موضوعاً فلسفياً، بالمعنى الحرفي للكلمة. بل يتناولها من منظور السوسيولوجيا أو علم الاجتماع، بوصفها فعلاً إجتماعيا، لا فعلاً له صلة كلية بالوعي الإنساني. وبهذا المعنى يصح القول : إن هابرماس ينتصر للنظرية الاجتماعية على حساب فلسفة الوعي. إذ ثمّة فرقٌ بين تناول التواصل من منظور الفاعل للتواصل، وبين تناوله كما لو كان فعل حوار أو تحاور تتدخل فيه اطراف متعددة (1).
و بهذا الخصوص يعترف هابرماس بفضل علماء الاجتماع في بلورة هذا المنظور الجديد للتواصل قائلا:
“إن تحوّل المنظور الذي انتقل من الفعل الغائي الى الفعل التواصلي بدأ مع ميد ودوركهام. فهؤلاء إلى جانب ماكس فيبر ينتمون إلى جيل المؤسسين للسوسيولوجيا الحديثة” (2).
بهذا الخصوص، يحمل على نظريات إجتماعية يتّهم تناولَها للفعلِ التواصلي بالقصور والأحادية الجانب، ويقصد هنا : النظرية الوظيفية…فطرق تناول مسألة التواصل لدى هده النظرية وشبييهاتِها، لا تقدّم، حسب هابرماس، رؤية واضحة لأنها ظلت سجينة التصور الفلسفي الأرسطي لمفهوم الفعل الغائي، أو الموجَّه بغاية، والذي يشكل إحدى دعامات الفلسفية الأرسطية.
ما المقصود بالفعل التواصلي لدى هابرماس؟
يحدد هابرماس الأفعال التواصلية على النحو التالي: ” هي تلك الافعال التي تكون فيها مستويات الفعل بالنسبة للفاعلين المنتمين الى العملية التواصلية غير مرتبطة (3) بحاجيات السياسة، بل مرتبطة بأفعال التفاهم “. ولا تفاهم بدون لغة؛ و هذا ما يبرر كلام المهتمين بهابرماس عن المنعطف اللساني لديه، والذي يشير إليه هو بنفسه. وهو ما دفعه إلى إدخال اللغة كعامل لفهم العلاقات التواصلية. فلتعزيز تصوره للفعل التواصلي من أجل فهمٍ أفضل للعلاقات الاجتماعية داخل المجتمع ذهب الى أن الفعل التواصلي يتميز عن غيره من الأفعال الأخرى بأنه لا يسعى للبحث عن الوسائل التي تمكنه من التأثير في الغير، بل يبحث عن كيفية التوصل إلى تفاهمٍ معه وتوافق متبادل دونما إكراه أو قسر كيفما كان نوعهما.
إذا كان التفاهمُ الغايةَ القصوى للفعل التواصلي، فإنه لا يمكن تصوره بين الاطراف المتحاورة إلا بشروط من أهمها عدم تأثير طرف على آخر لأن ذلك لو حصل يِؤدي حتماً إلى فشل التواصل يقول هابرماس :
” إن نشاط التفاهم المتبادل يخضع لشرط أساس، به يحقق المعنيون مشروعا لاتفاقهم المشترك…فهم يسعَوْن لتفادي خطرين: يتمثل أولهما في فشل التفاهم المتبادل وسوء الفهم؛ بينما يتمثل الثاني في فشل مشروع الفعل والإخفاق التام. فتنحية الخطر الأول شرط لابد منه لتلافي الثاني”
شتان اذن ما بين الاتفاق الذي هو سليل التفاهم، والتأثير الذي هو سليل الإكراه والضغط، يتسم فيه الفعل التواصلي بالهيمنة. فالتفاهم صنو ورديف للفعل التواصلي من حيث أنه يهدف إلى تحقيق الاتفاق؛ وهو ما يطلق عليه هابرماس أيضاً اسم الإجماع، إذ في ظل غياب هذا الأخير بين أطراف الفعل التواصلي، يفشل هذا الأخير. ثمة إذن شروط حجاج ومناظرة بدونها لا يتحقق الإجماع العقلاني. ذلك أن الاستعمال اللغوي اذا كان يتضمن حججا مبنية، فانه سيؤدي حتما الى تحقيق اتفاق مشترك. لان الهدف بالنسبة لهابرماس من الدخول في تحاجج، هو التوصل الى تواصل كامل.
عارض الفيلسوف الفرنسي المعاصر جون فرنسوا ليوطار J.F Lyotard مفهوم الاجماع لدى هابرماس معتقدا ان جوهر الامور هو الاختلاف والنزاع، ولا ابداع بدونهما، متهماً في نفس الوقت هابرماس بانه يدافع عن مشروع الحداثة المؤسس على فكر الانواريين و يسعى الى بناء خطاب فلسفي يتخذ الاجماع هدفا له؛ بينما يعتبر ليوطار الحداثة خطابا متجاوَزا تظل كل محاولة لرد الاعتبار له محاولة يائسة. ان جوهر الابداع والتطور، في اعتقاد ليوطار، هو الاختلاف وليس الاجماع (5).
أيُّ دورٍ للفلسفة في فعل التواصل؟
ما مهمة الفلسفة عند هابرمس، فيلسوف التواصل، في زمن التحولات الكبرى؛ على صعيد الفلسفة وعلى صعيد الخارطة الجيوسياسية العالمية عقب سقوط حائط برلين وانهيار الايديولوجيات الكبرى؟
حمل هابرمس حملة شعواء على الميتافيزيقا تستعيد تقليد مدرسة فرنكفورت بهذا الخصوص حيث التأكيد على أنه ليس من شأن الفلسفة اليوم أن تتأمل في معرفة المطلق، بل عليها أن تقلع عن التفكير فيه. وهو يتهم التيارات الفلسفية المختلفة التي عاصرها بتفاوتها مع اللحظة التاريخية لألمانيا. وقد تبلور لديه، انطلاقا من ذلك، ما يمكن تسميته فكراً ما بعد ميتافيزيقيا.
اعتقد هابرماس أن الفلسفة المطلقة كانت تشكل عائقاً أمام تطور العقلانية حين تصورت أنها تمتلك الحقيقة. والعقلانية التي يريدها هابرماس في المجتمع المعاصر، مجتمع ما بعد الحرب العالمية الثانية ليست عقلانية مطلقة، تدّعي الفلسفة بناءها لوحدها، بل عقلانية تواصلية نقدية إجرائية مندمجة في العالم المعيش.

 ولتوسيع  هامش هده العقلانية الجديدة وبلورتها، انتقد الاتجاهات الوضعانية الجديدة المعجبة بالعلم إلى حد تأليهه. وهو ما خصص له كتابين هما :

  • العلم و التقنية كايديولوجيا؛
  • المعرفة و المصلحة (6)

و الملاحظ أن نقد الوضعانية تقليد متواتر لدى أعضاء مدرسة فرانكفورت. فقد سبق لهربرت ماركوز أن خصص صفحاث رائعة في كتابه العقل و الثورة لمناقشة  أوغسنت كونت ونقد الوضعانية الكلاسيكية؛ كما أفرد كتاب الإنسان ذو البعد الواحد لنقد التقنية والتيارات المعجبة بها وبالعلم…
يؤكد هابرماس أن الفلسفة لا يمكنها أن تكون علوما حقة مثلما يدعى الوضعانيون. وما تأكيده المتكرر على خصوصية العلوم الإنسانية سوى محاولةٍ لإبعاد شبح التطرف العلمي الوضعاني عنها، وسحب البساط من تحت أقدام العقل التقني بغية بلورة نظرية فلسفية نقدية تعمل على تحرير الانسان وتحرير محيطه من هيمنة العلم والتقنية؛ إنها نظرية تقرن النظر بالعمل؛ إذ في المصلحة التحريرية والانعتاقية للإنسان تجد الفلسفة مكانها، حسب هابرماس. فعلى الفلسفة مسؤولية التصدي لكل هيمنة تقنية تعمل على تشييئ الإنسان و تحويله إلى سلعة. بذلك ستسعى الفلسفة إلى خلق حوارٍ داخل مجتمع خالٍ من الهيمنة، وتلعب دوراً بارزاً في إزالة كل الآثار التي شوّهت الحوار الذي بإمكانه أن يوصل النوع البشري إلى مستوى النضج والرشد. ويعني هذا، من بين ما يعنيه أن مستقبل الفلسفة يظل رهيناً بالممارسة السياسية (7). خصوصاً وأن الإنسانية تعيش في ظلّ أوضاع تتسم بالتطور الاقتصادي والعلمي والتقني، أي نعيش في ظل أوضاع تتسم بتسييس العلم والتقنية وعلموية السياسة، ومنح صلاحية اتخاد القرارات الكبرى للتقنوقراط.
هكذا يتبين أن نظرية التواصل عند هابرماس انبنت على موقف جديد من الفلسفة، يعيد تحديد مهامها وأهدافها بحيث تندمج في أفق نقدي جديد فتلعب دوراً إيجابياً وفعّالاً ضمن مباحث أخرى كعلم الاجتماع ومجمل العلوم الإنسانية في إطار تكاملي، وليس في إطار الهيمنة على تلك العلوم. وبذلك ابتعد هابرماس عن كنط وهيغل وهذا ما عنيناه في البداية بابتعاده عن فلسفة الوعي.
عندما تُرجِم كتابُه العمدة نظرية الفعل التواصلي إلى الفرنسية، وضع له مقدمة أعلن فيها أنه لا يريد صياغة نظرية جامعة مانعة، بل سيكتفي باقتراح العناصر النظرية الضرورية التي تساعد الفلسفة على إعادة النظر في ذاتها وفهم ذاتها وذلك بالدخول في تعاون مع العلوم الاجتماعية على قاعدة الأهمية التي تحظى بها هذه الاخيرة في النظرية النقدية.
بذلك أطلق هابرماس الفلسفة من عقالها الميتافيزيقي وأخرجها إلى الفضاء العمومي. وهذا الأخير مفهوم جديد اهتم به هابرماس في كتاباته الفلسفية كرديف ومرادف للممارسة أي التأثير الذي يمكن أن تقوم به الفلسفة في الفضاء العام والمجتمع المعاصر لأنها مطالبة بأن تلعب أدواراً مخالفةً لتلك التي لعبتها في المجتمعات السابقة. لم يعد بمقدور الفلسفة ادعاء الشمولية أو التأسيس (هيغل – كنط)؛ بل هي ملزمة بأن تنخرط في هموم المجتمع كالديمقراطية إذ لا فضاء عمومي سليم لا تعمه الديمقراطية وأخلاقيات الحوار ويتمتع بحقوق الإنسان كما ينبذ العنف.
من هذا المنظور قام هابرماس بمحاورة أبرز الفلسفات الألمانية التي عاصرها. وفي هذا السياق قام بما أسماه إعادة البناء النقدي للمادية التاريخية مستلهما في ذلك التراث النقدي لمدرسة فرانكفورت، و تراث عصر الأنوار. وقد ضمن تلك العملية كتاباً أسماه : ما بعد ماركس (8) أكد فيه أن الماركسية لم تستنفد كل طاقاتها وإمكاناتها التحفيزية بوصفها فلسفة تحررية؛ والمطلوب، في اعتقاده، هو جعلها تساير عصرها ولا تتخلف عنه. إن هذا الأمر يعني بالنسبة لهابرماس إعادة تأهيل الماركسية لكي تساير متطلبات المجتمع الألماني ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ وهو ما اقتضى تطعيمَها بعدة مفاهيم مستقاة من نظرية الفعل التواصلي يقول: ”رغم أن نظرية التواصل وظيفةُ حل المسائل ذات الطابع الفلسفي والتي تهم ابستمولوجيا العلوم الاجتماعية وأسسها فإني أرى لها علاقة وثيقة جدا بالمسائل التي تطرحها نظرية التطورالاجتماعي” (9).
في هذا السياق تساءل هابرماس: كيف يكون الفعل الاجتماعي التواصلي ممكنا؟ اشرنا آنفا الى ما يسمى في تطور هابرماس الفكري بالمنعطف اللساني؛ نشير الى انه حصل بتأثير من غادمير H.G. Gadmer عليه خصوصا في الاعتقاد بان منطق العقلانية الاجتماعية يتجلى في اللغة اليومية الطبيعية، ان هذه الاخيرة هي عماد كل تفاعل اجتماعي سيتحول اهتمامه عندئد نحو مبحث اللغة والتداول الذي ظل الغائب الاكبر في النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، مع جيلها الاول.
و هذا ما قاده الى تحويل علم الاجتماع و نظريته الاجتماعية الى فلسفة للتواصل(10). لهذا تبنى الاطروحة التداولية في اللغة لكل من اوستين و فتغنشتين. و بذلك انتقل من فلسفة المعرفة بمعناها الكلاسيكي الى فلسفة التواصل. وهو انتقال حصل بتزامن مع انعطافه اللساني؛ تجلى واضحا مع صدور كتابه المعرفة و المصلحة في مطلع السبعينات، اضافة الى مجموعة مقالات نشرها مجتمعة بعد صدور كتابه نظرية الفعل التواصلي  (1981)، وكان ذلك سنة 1984.
يعتقد هابرماس ان الفكر ما بعد الميتافيزيقي هو مفتاح الانعطاف نحو الاهتمام باللغة والتواصل كما ان التحول من فلسفة المعرفة الى فلسفة التواصل ينطوي على تجاوز لفلسفة الذات والوعي بمختلف اشكالها ووجوهها رغبة في بناء فلسفة تواصلية مؤسسة على مبدأ البينذاتية INTERSUBJECTIVITE  الذي تعد اللغة احد مكوناته الاساسية؛ و في هذا السياق كان اهتمام هابرماس بالتداولية ونظريات الافعال اللغوية…..
*******************************************
ان المدخل الى فلسفة التواصل لدى هابرماس هو نقد فلسفة الذاتية، وهو نقد اتخذ طابعا راديكاليا حينما انفتح على رؤوس الفلسفة التحليلية امثال فتغنشتين واوستين وسورل… فقد اعتبران التقليد الديكارتي طبع تاريخ الفلسفة بان حول المعرفة الى عملية تتم بين ذات وموضوع (11).
ان المذهب الذي يقترحه هابرماس بديلا لفلسفة الذات هو الفلسفة العقلانية التواصلية نظرا لأنها تقوم على العلاقة بين الذوات كما تسعى الى ضبط علاقة الفرد بالغير واخضاع العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل المجتمع الى اخلاقيات النقاش والحوار بوصفه مدخلا لكل تعاقد اجتماعي يحتكم اليه الجميع. لذا وبعيدا عن كل استحضار لعقل خالص، يسعى هابرماس الى تأسيس عقلانية تواصلية لا صلة لها بالميتافيزيقا. ان كل عقل هو عقل بيذاتي اي حصيلة تفاعل بين الذوات داخل المجتمع.
بسبب الدور الذي لعبته الاتجاهات التحليلية في الفلسفة، وبسبب ما اتت به النظرية التداولية، فرضت هذه الاخيرة نفسها كبعد ثالث مكمل للتركيب والدلالة. وفي هذا الصدد ساهمت اعمال اوستين في كشف الغطاء عن الابعاد التداولية للغة؛ وبذلك تحولت التداولية الى مبحث جديد  يولي عناية كبرى للشروط خارج اللغوية، المتعلقة بالسياق والاعراف التفاهمية ومقاصد المتكلمين…
هابرماس مدين لهذا المبحث في تحوله الى فلسفة التواصل وفي هجرانه لنظرية المعرفة والايديولوجيا…
لقد املى هذا الانفتاح على التداولية، مشروع هابرماس الرامي الى بناء عقلانية في المجتمع المعاصر؛ وهو امر لا يتحقق دون ضمان شروط التفاهم باعتبارها تضمن نجاح الممارسة التواصلية اليومية.
وتتمثلل أهمية التداولية، بالنسبة لهابرماس، في ابراز الشروط الممكنة للتفاهم او ما سماه بالفعل التواصلي. ولتحقيق التفاهم كان انعطاف هابرماس اللساني باعتبار اللغة وسيطا بين الذوات عبره يتحقق التفاهم داخل المجتمع وعلى هذا الاساس اهتم بالافعال الكلامية على طريقة اوستين وسورل وسعيا لبلوغ هذا المرمى، حدد هابرماس  للتداولية المهام التالية:
1- وصف الاشياء بواسطة اللغة؛
2- التعبير عن مقاصد المتكلم؛
3- تأسيس علاقات بيذاتية بين المتكلمين المتحاورين.
 
و كل عملية تواصلية لا تقوم لها قائمة، في تصور هابرماس، دون توفر هذه الشروط – الدعاوى والالتزام بها؛ بذلك تتم العملية الحوارية من دون اكراه أو ضغط. وفي هذا الصدد يقول في منطق العلوم الاجتماعية: “يتعين على كل متكلم ان يختار تعبيرا مفهوما واضحا لكي يتمكن المتكلم والمستمع من التفاهم في ما بينهما، اذ يجب على المتكلم ان يكون لديه قصد تبليغ مضمون قضوي حقيقي لكي يتمكن المستمع من مشاطرته معرفته، كما عليه ايضا ان يفصح عن مقاصده لكي يتمكن المخاطب من تصديق اقواله. وأخيرا يتعين على المتكلم اختيار عبارات صحيحة تلتزم حدود المعايير والمقاييس الجاري بها العمل لكي يتمكن المخاطب من قبول تلك العبارات بكيفية تجعل المتكلم والمخاطب في وضعية تؤهلهما للاتفاق” (12)
على هذا النحو تستطيع الذوات المتفاعلة تحقيق التفاهم. وقد اعتبر هابرماس ان نظرية الافعال اللغوية واعدة في هذا الصدد. خصوصا وان هابرماس ينظر الى اللغة لا في بعدها المعرفي كما يفعل تشومسكي، بل في بعدها  التواصلي والاستعمالي  التداولي متسائلا عن شروط الممارسة الاجتماعية القائمة على التداول السليم لشروط التداول المثالي للغة.
وجد هابرماس في نظرية الافعال اللغوية سندا ودعما لنظريته في الفعل التواصلي، فاذا كان اوستين قد ربط اللغة والمعنى بالسياق، فان هابرماس سيدمج آراء اوستين و سورل في نظرية الفعل التواصلي، معتبرا انه ما دام الفعل التواصلي موجها نحو التفاهم، فان الفعل الكلامي ينبغي الحكم عليه باعتباره حكما مقبولا عندما- يحصل ذلك التفاهم (13).


ما المقصود بالعقلانية التواصلية؟
يعتبر هابرماس هذه العقلانية سمة من سمات الفكر ما بعد الميتافيزيقي؛ ويطلق عليها أحيانا العقلانية الاجرائية، أي المتجسدة في الممارسة الحجاجية.
هذا و يخلص هابرماس الى التمييز بين فعل تواصلي قوي، وفعل تواصلي ضعيف، وهو تمييز اتى في كتابه الحقيقة و التبرير (14).
 
ويستنتج من مجمل التفصيلات التي قدمها بخصوص الفرق بينهما انه استثمر مباشرة نظرية الافعال اللغوية في نظرية الفعل التواصلي، حيث انه ربط الفعل التواصلي القوي بشكل كبير بالفعل الانجازي وبالاستخدام التواصلي للغة المتصل مباشرة بالعالم الاجتماعي المرتكز الى العالم المعيش والمتكون من القيم والمعايير المشتركة بين الفاعلين في المجتمع. وعليه فان هذا النموذج العقلاني التواصلي يسعى الى تحقيق التفاهم والاتفاق بين افراد الجماعة التواصلية بخصوص قضايا معينة، لان تحقيق هذا التفاهم يعد احد تجليات نجاح الفعل الكلامي عند هابرماس.
لذا فجوهر الفعل التواصلي العقلاني هو الفعل التواصلي القوي باعتبار هذا الاخير محايثا للعقلانية التواصلية والتي يكون المشتركون فيها متوفرين على فرصة امكانية النقد، نقد لادعاءات مخاطبيهم عكس ما في الفعل التواصلي الضعيف.
من خلال هذه الاهمية التي اضحت للتخاطب في الدراسات اللسانية المعاصرة المهتمة بالتواصل، ارتبطت العقلانية التواصلية في الفكر ما بعد الميتافيزيقي، لدى هابرماس، بالتواصل الى حد انه تم الربط بين العقلانية والمستوى التواصلي في الكلام.
في هذا السياق، انشغل هابرماس بسؤال الاخلاق، لكن لا في بعده الميتافيزيقي، بل في بعده التواصلي، اذ معه سيدشن ما اصطلح عليه اخلاقيات النقاش. و يشكل ذلك منعطفا بارزا في تفكيره، ضمنه كتابه الوعي الاخلاقي والفعل التواصلي(15) بين فيه ان هدفه هو توظيف منطق نظرية الفعل التواصلي قصد بلورة نظرية الفعل التواصلي انطلاقا من اخلاقيات النقاش او الحجاج.


النقاش في اخلاقيات النقاش تقليد فلسفي الماني، يُعَد هابرهامس وكارل اوتو آبل  


من ابرز ممثليه. لكنه يضرب بجذوره ايضا في الفكر الانجلوسكسوني،  
والامريكي بالذات مع جون رولز ورتشارد رورتي  


اخلاقيات المناقشة. لا ينظر اليها هابرماس على انها موضوع للتنظيم بل يعتبرها منهجا او اجراء يسمح بتحديد معايير عادلة لزاوية النظر الاخلاقية. لذا لم يدع هابرماس الى وضع معايير لاخلاقيات النقاش، تكون نابعة من الذات على نحو ما فعل كنط والتقليد الفلسفى عامة؛ انه سعى الى جعلها نظرية تبحث في الطرق والاجراءات السلمية التي تمكّن الذوات المتفاعلة في ما بينها من التواصل عبر الحوار الى صياغة تلك المعايير الاخلاقية (16).
هذا ما جعل بعض المهتمين بافكار هابرماس، يذهبون الى اعتبار اخلاقيات النقاش تأسيسا للمجتمع المدني؛ جان كوهان، على سبيل المثال،  يذهب الى ان تلك الاخلاقيات تمثل نظرية سياسية تعمل على التأسيس لمجتمع ديمقراطي مدني يستوعب التعدد ويكرس الحوار (17). رفض هابرماس هذا الاختزال السياسي لأخلاقيات النقاش معتقدا انها نظرية في التواصل ،على وجه العموم، وقد يكون البعد السياسي أحد ابعادها.
ان السؤال الاساسي لتلك الاخلاقيات هو على اي مرتكز يمكن تأسيس المعايير والاوامر؟
المعايير الاخلاقية هي تلك التي يقبلها اعضاء الجماعة التواصلية المعنيون بها بحيث تراعي مصالحهم  المشتركة ويكون لها طابع كوني (18).
بهذا المعنى يغدو النقاش العملي اداةً ذاتَ مكانةٍ جوهرية في سن المعايير وتبريرها، لان التبرير عملية بينذاتية تداولية غير منفصلة عن الاجتماع؛ كما انه وسيلة ملائمة لتأسيس تصور مجتمع حداثي في عصرنا هذا، عصر تراجع دور التقليد والعادات في شد اواصر العلاقات الاجتماعية؛ عصر تعدد المعتقدات والاعراف والتجمعات داخل نفس المجتمع؛ عصر تصاعد النزاعات الدولية مما يهدد الاستقرار والسلم العالميين؛ عصر تصاعد المصالح  التجارية والاقتصادية؛ عصر الاستغلال المفرط للبيئة وتفاقم الاحتباس الحراري الكوني…..
من هنا تأتي اهمية اخلاقيات النقاش والحوار، فمعاييرهما هي ما قد يكفل التوازن الدولي ويدعم تنمية المجتمعات. ذاك هو رهان اخلاقيات النقاش شريطة اجماع الكل على قواعد ومعايير وضوابط يلتزم بها المتحاورون في اطار فعل تواصلي.
هذا  وقد دعم هابرماس اطروحته هذه بالنظرية الحجاجية فاستمد منها القواعد الصورية التي يجب على المتحاورين الالتزام بها قصد تحقيق الاجماع او اتفاق العقول. وبانفتاحه على النظريات الحجاجية، كان هابرماس يهدف الى تأسيس مبدأ استدلالي في اخلاقيات النقاش، يتشبه بذلك الموجود في العلوم الحقة (19).
والقواعد التي اقترحها هابرماس هي التالية:
1- لكل من هو قادر على الكلام والفعل نصيب  كامل في النقاش؛
2- لكل الحق في اثارة اي اشكال او اعتراض على أي تأكيد كيفما كان؛ يندرج ضمن هذا الحق حق الاعتقاد في آراء ما والتعبير عنها؛
3- لا يحق منع اي كان من المتحاورين من النقاش ولا استعمال اسلوب الاكراه عليه (20).
 
تفترض جميع هذه القواعد المشاركة والندية بين المتحاورين: لكل الحق في ان يدلي بدلوه ويفصح عما عنده دون تضييق او مضايقة قصد تحقيق الاجماع.
اضافة الى القواعد السالفة، زاد قاعدتين اخريين في صيغة افتراضيين مفادهما ان الدعاوى المعيارية للصلاحية تتضمن معنى معرفيا ويجوز التعامل معها بوصفها دعاوى للحقيقة؛ لذا ضرورة الدخول في نقاش حقيقي  لتأسيس المعايير والاوامر اعتمادا على العقل المتواصل المتحاور وليس على العقل الفردي (21). وتعني صفة المعرفية ان الشيء قابل للقبول أو الرفض خلال عملية الحوار التي هي اخذ ورد.
 
ان التركيز في اخلاقيات النقاش على اهمية الحجة والحجج في صياغة المعايير الاخلاقية والاجتماعية دفع البعض الى القول بان اخلاقيات النقاش ما هي، في حقيقة امرها، سوى تداولية فلسفية صيغت على شكل منعطف لساني تداولي اساسه التشديد على اهمية القوة غير القسرية للحجة الاقوى.
 
يبدو ان اخلاقيات النقاش عند هابرماس تهتم بالمعايير، معايير الفعل التواصلي، وهو امر لن يتم، بالنسبة لهابرماس الا في اطار الدولة الدستورية، حيث يكون بامكان المواطنين المشاركين في سياسة تشاورية ان يصلوا الى تأسيس معايير تحظى باحترام الجميع و قبولهم (22).
 
فالمعايير ليست قرارات شخصية، بل هي مؤسسة على امكانية تبريرها تبريرا عقلانيا اعتمادا على عملية حوارية حجاجية (23). لذا فخلافا للتمييز اللفظي الشهير بين العقل الخالص والعقل العملي، يعمد هابرماس الى دمجهما في بعضهما؛ اي ان صلاحية المعايير الاخلاقية يحكمها تصور عملي ذو صلة بممارسة النقاش والحجاج اي تقوم في الواقع على الاعتراف بالمعيار في اطار نقاش يعترف ضمنيا به وتقبله جميع اطراف الحوار ثم ان ما يهم هابرماس هو سن معايير كونية قادرة على حل المشكلات التي فيها تتخبط البشرية وتعمق ثقافة السلام بين الامم والشعوب.
وعليه فان اخلاقيات النقاش، هي في العمق، اخلاقيات المسؤولية؛ وهذا ما اكد عليه زميل هابرماس ورفيقُه في الدرب كارل اوتو آبل. والحقيقة ان اخلاقيات المسؤولية تحولت في الآونة الاخيرة الى تقليد فلسفي في ألمانيا؛ وهي من ابداع الفيلسوف الالماني هانز يوناش في كتاب شهير له يدعى مبدأ المسؤولية له عنوان فرعي هو: اخلاقيات الحضارة التكنولوجية (24).

 يريد صاحب هذا الكتاب بهذه الاخلاقيات ان تكون بديلا للاخلاقيات التقليدية الميتافيزيقية وان تكون أخلاق المستقبل نظرا للتحديات التي افرزها العلم في الآونة الراهنة التي لم تعد فيها البشرية منكبة على حل مشكلاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فحسب، بل انضافت لها مشكلات البيئة والتلوث والانحباس الحراري…. اي ما انتبه الية تقرير نادي روما لسنة 1972. لذا سيعمل كارل اوتو ابل على دعم اخلاقيات النقاش بما ورد في مبدأ المسؤولية، في اطارحواري تواصلي يدعو الى تجنيد جميع الاطراف للتفاهم حول سبل مواجهة الخطر المحيق بالبشرية (25).
يمثل الارتباط الذي اقامه ابل بين النقاش والمسؤولية تصورا مخالفا لتصور يوناش الذي يربط المسؤولية بالذات على الطريقة الكنطية؛ بينما يجعل ابل المسؤولية عبر النقاش مسؤولية جماعية مشتركة؛ اي ان كل عضو في جماعة التواصل يتحمل جانبا من المسؤولية في ما يحدث حالا او مآلا ولا يستثني احداً من المسؤولية، فالامر يتعلق اليوم ،حسب ابل، “بتنظيم، وفي اطار نقاش عملي، تنظيم مسؤولية للتضامن ازاء الافعال الجماعية “(26).
ثمة،اذن، بعد سياسي لا ينكر في نظرية هابرماس وزميله كارل اوتو ابل لاخلاقيات النقاش خصوصا حينما ربطاها بمبدأ المسؤولية. بمعنى ان الجميع مطالب بان يتحمل مسؤوليته التاريخية في وضعية عالمية لم تعهدها البشرية من قبل كما لا يمكن تصور نتائجها على الاجيال المقبلة (27).
وليس الهاجس، هنا، هاجسا فلسفيا او ميتافيزيقيا، بل هو هاجس تواصلي؛ وقد اوضح هابرماس ذلك بصيغة لا لبس فيها حينما قال: ”لقد شرعنا في السنين الاخيرة، انا وزميلي كارل اوتو ابل في محاولة اعادة صياغة ما نسميه تأسيس المعايير،اي الاخلاق الكنطية، اعتمادا على وسائل مستمدة من نظرية التواصل” (28). ذلك ان المشاركين في النقاش او المتناظرين هم اناس واقعيون تختلف رغباتهم و دوافعهم ومصالحهم مما يعطى للنقاش قيمته.


خاتمة
يمكننا ان نستشف من افكار هابرماس بخصوص اخلاقيات النقاش ، والفعل التواصلي انهما مبحثان مترابطان استند فيهما الى معطيات المنعطف اللساني وكذا الى النزعة الليبرالية للفيلسوف الامريكي رولز؛ اي انهما مبحثان لهما امتداد في الحقل السياسي.
فنظرية الديمقراطية التشاورية التي كرس لها هابرماس اعماله المتأخرة، ابتداء من التسعينات، تعد اهم انجاز في ميدان الفلسفة السياسية المعاصرة. وتعد نظرية الديمقراطية التشاورية توسيعا لمجال الفعل التواصلي؛ اذ لا يمكن فصل التشاور عن هذا الفعل التواصلي الذي نظر له هابرماس قبل اخلاقيات النقاش.
بعد كتاب نظرية الفعل التواصلي (1981) ثم بعد الانشغال باخلاقيات النقاش سيصدر هابرماس كتاب الديمقراطية التشاورية وقد اراد منه ان يكون بديلا للديمقراطية الليبرالية التي دافع عنها رولز في كتاب نظرية العدالة.
ان الفكرة المحورية لمشروع هابرماس في كتابه هي تأسيس الديمقراطية على اساس جماعة متواصلة خالية من اية هيمنة عدا هيمنة افضل حجة. كما ان مفهوم التشاور المرتبط بالأخلاقيات يعد مفهوما مركزيا لديه. ففي التشاور يعطى لكل عضو في الجماعة الحق في الكلام والفعل بخصوص القضايا السياسية و…المطروحة في الفضاء العمومي. وفي ظل ذلك النقاش العقلاني المؤسس يتشكل الرأي العام والارادة السياسية العامة للمواطنين في المجتمع الديمقراطي الذي يلعب فيه التشاور دورا مركزيا.
هكذا تمثل مساهمات هابرماس في مجال الفلسفة السياسية  وخاصة في نظرية الديمقراطية التشاورية مساهمة نوعية تندرج في اطار نقد اشكال الانظمة الكليانية كالنازية…
يقوم نموذج الديمقراطية التشاورية على الرغبة في تجاوز الليبرالية المتوحشة والنزعات الكليانية. فالتضامن هو اساس الاندماج الاجتماعي في الدمقراطية التشاورية بصفة اعضاء المجتمع مواطنين في الدولة اي اصحاب الحق الاحرار المتساوين امام القانون.
فالنموذج التشاوري للديمقراطية، هو في اعتقاد هابرماس نموذج تواصلي. في هذا المنظور مفهوم السلطة. فاذا كان في كتاباته الاولى نحا على السلطة باللائمة معتبرا اياها مرادفا للهيمنة باعتبار ركيزتها هي المال والاعلام؛ وهي كلها عوائق امام تحقيق التواصل الشفاف في المجتمع، فانه في اعماله COMMUNICATIVE POWER المتأخرة عدل موقفه بان تحدث عن السلطة التواصلية التي اصبحت مفهوما متداولا في ارائه بخصوص الديمقراطية التشاورية. ان السلطة التواصلية سلطة غير قمعية وغير قهرية؛ ليس قوامها الاكراه والهيمنة، لانها نابعة من الفعل الجماعي. انها التواصل السياسي عندما يغدو مؤسسات في دولة الحق و القانون (29).
يعكس مفهوم السلطة التواصلية محاولة من هابرماس لاعادة صياغة وتحديد نظرية التعاقد الاجتماعي عندل روسو بجعل العلاقة بين السلطة والمواطنين علاقة افقية بدل ان تكون عمودية، معتقدا بذلك ان هذا القلب هو ما يضمن ان تكون السيادة للفعل فعلا.
هكذا نلاحظ التحول الكبير الذي حصل في فلسفة التواصل لدى هابرماس من تأسيس التواصل على اللغة الى تأسيسه سياسيا؛ و هو تحول أتى في  مطلع التسعينات من القرن المنصرم.


هوامش
1
- بهذا الصدد انظر:
مانفريد فرانك، حدود التواصل، ترجمة عز العرب الحكيم بناني، الدارالبيضاء،2002، ص 15
2-
J.Habermas, Theorie de l’agir communicationnel, Trad .JM. Ferry, Paris, 1987, T.1, p.9

3-
Ibid, p.10
4-
Ibid, p.417
5- مانفريد فرانك، حدود التواصل، مصدر آنف، ص 76 و 54
M.Franck, La condition post moderne, Paris, 1979.
6-
J.Habermas, La science et la technique comme idiologie, Trad .J .Ladmiral, Paris, 1973 ;
J.Habermas,   Connaissance et intérêtTrad. J .Ladmiral, Paris, 1976.
7-
J.Habermas, Profils philosophiques et politiques , Trad .J .Ladmiral, Paris, 1974, p .45.

8- ترجمة محمد ميلاد، دار الحوار، اللاذقية، 2002.
9-  
J.Habermas, Après Marx , Trad .J .Ladmiral, Paris, 1985, p .26-27.
10-
M.Pusey, Jurgen Habermas, London, 1987, p.64.
11-
J.Habermas, La science et la technique comme idiologie, p .167.
12-
J.Habermas, La logique des sciences sociales , Trad .Rochitz, Paris, 1987, p .331.
13-
Ibid, p.430.
14-
J.Habermas, Verité et justification, Trad .Rainer Roschlitz, Paris, 2001, p. 56.
15-
J.Habermas, Morale et communication , Paris, 1986. (ed.Flammarion)
16-
J.Habermas, L’Ethique de la discussion , Trad . M.Hungadi, Paris, 1992, p .35-36.
17-
J.Cohen, Discourse ethics and civil society , in, civil society and political theory, London, 1999, p .219.
18-
Davis, FJ, Discourse ethics and ethical realism, p.244.
19-
J.Habermas, Morale et communication, p.108-110.
20-
J.Habermas, Morale et communication, p.111.
21- نور الدين افاية، الحداثة و التواصل، بيروت- الدارالبيضاء، 1991، ص.206
22-
J.Habermas, Verité et justification, Trad .R. Rochlitz, Paris, 2001, p. 206.
23-
Ibid, p.206
24-
H.Jonas, Principe de responsabilité : une éthique pour la civilisation technologique, Trad. J. Greich, Paris, 1990.
25-
K.otto Apel, Discussion et responsabilité : l’ethique après Kant, 1996.
26-
Ibid, p.30.
27-
K.otto Apel, Discussion et responsabilité, Paris, 1998, p.39-56.
28-
J.Habermas, Ethique de la discussion, op.cit, p.15.
29-
J.Habermas, Droit et democratie, Trad .R. Rochlitz, Paris, 1997, p. 189.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق