الجمعة، 1 يوليو 2016

تحقيق الذات؛ مقابلة مع الفيلسوف المعاصر ميشال لاكروا، ترجمة محمد الحجيري


تحقيق الذات؛ ميشال لاكروا
ترجمة محمد الحجيري

ميشال لاكروا، فيلسوف وكاتب فرنسي معاصر، وُلِد عام 1946 حائز على جائزة الفلسفة من الأكاديمية الفرنسية، وعلى جائزة علم النفس عام 2009 عن بحثه "من أجل حياة أفضل" له ما يزيد عن خمسة عشرَ مؤلَّفاً، منها: ـ في آداب السلوك، 1990 والذي نال عنه جائزة الفلسفة من الأكاديمية الفرنسية. ـ من أجل أخلاق كونيّة، 1994 ـ إيديولوجيا العصر الحديث، 1996 ـ مبدأ نوح، أو: أخلاق الأمان، 1997 ـ الألم، 1998 ـ التطور الشخصي. من الكمون الإنساني إلى الفكرة الإيجابية، 2004 ثم 2009 ـ تحقيق الذات، 2009 ثم 2013. نال جائزة علم النفس. ـ فلسفة الإنجاز الشخصي أو: تكوين الذات في الحرّية، 2013 ـ فلسفتي عن الإنسان، 2015

 
تحقيق الذات:
مقابلة مطوّلة مع الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشيل لاكروا، أجرتها معه مجلة "علوم إنسانية" وتم نشرها في عدد حزيران عام 2011.

يتحدث لاكروا عن "تحقيق الذات" .. وهي الفكرة التي يبدو أن الفيلسوف قد أولاها الكثير من اهتمامه في كتاباته وفي محاوراته، ويعيد صعود هذا الميل إلى: 1ـ التحرر من النماذج المتعالية (الدينية). 2ـ إلغاء تراتبية النظام الطبقي القديم. 3ـ تأثير الفلسفة والأدب الحديثَيْن.

هنا ترجمة للمقابلة

بالنسبة لميشيل لاكروا، لا نجد السعادة في التأمّل البسيط للعالم. إن إنجاز الذات يعني أن نفعل، وبالتالي أن ننجز شيئاً ما.
إن تحقيق الذات أكثر اعتباراً من السعادة. هذه الارداة في الاكتمال accomplissement، الممهورة داخل الطبيعة الإنسانية تصطدم مع ذلك بالعديد من العوائق.

ـ س: إن التطوّر الشخصي يتمثّل غالباً بـ "تحقيق الذات". لكن ماذا نقصد بعبارة "تحقيق الذات"؟
ـ ميشيل لاكروا: إن عبارة "تحقيق الذات" تعني شيئين: أولا، هي تعني إدراك الذات كخزّان للاحتمالات. كان هيدغر يقول: "أنا وعدٌ من الاحتمالات". بمعنى آخر إنني أمتلك كُموناً. وهذا الكمون مصنوعٌ من الاستعدادات aptitudes ومن الحوافز. من القدرات ومن الرغبات. إنني أتشكّل مما أنا قادرٌ على فعله، ومما أرغبه في آن.
تحقيق الذات يعني أيضاً بأن هذا الكُمون يجب ألا يبقى مواتاً ومهملاً. هذا الاحتياط من الإمكانيات التي أشعر بها داخلي، سوف تُفعَّل وتنفَّذ، يجب أن تُستَخدَم وتُستثمَر. 
تحقيق الذات تعني إذاً أن أدرك ذاتي، ليس فقط كمالكِ احتمالاتٍ، بل أيضاً كمترجمٍ لها إلى أفعال، ونقلِها من الافتراضي إلى العيني. وهذا ما يعبّر عنه نيتشه حين يقول: "كن أنت".
في مسار تحقيق الذات، هناك توتّرٌ نحو تطوير الذات، وجهدٌ مبذولٌ لإتقانها. عليَّ أن أبذل جهداً لصناعة "احتمالي كاملاً" كما يقال.

ـ س: تحقيق الذات إذاً ليس هو تماماً "إرادة أن نكون سعداء"...
ـ لاكروا: معك حقّ. أن تحقيق الذات يقوم على "الاتقانيّة" «perfectionnisme» أكثر مما يقوم على البحث عن السعادة. 
"
إن السعادة تشعرني بالملل" تعترف جولي.. [إشارةً إلى إحدى شخصيات روسّو في رواية تحمل نفس الاسم، يوضح فيها روسو بعض القيم الأخلاقية، ومنها الاستقلالية الذاتية.. (المترجم)]. إن هذه العبارة توضح بشكلٍ جيد فكرة تحقيق الذات.
إذاً، إنني بقيامي بالجهد لتحقيق ذاتي، فأنا لا أتخلّى بشكلٍ كامل عن السعادة. السعادةُ تأتي أخيراً، إنها تأتي كعلاوة، أو كمكافأةٍ على جهودي.
أبلغُ منتهى حياتي، إذا استطعت أن أقول لنفسي: "لقد فعلتُ ما استطعت"، "لقد استثمرتُ كلَّ قدراتي"، "لقد وصلت إلى الأهداف التي كنت قد حددتها لذاتي"، "لقد تبعت قدَري" vocation، "لقد كنت مخلصاً لمشروع حياتي الذي وضعته لنفسي في مرحلة الشباب".. إذا استطعتُ أن أقول واحدةً من هذه العبارات، دون أن أجانب الحقيقة كثيراً، فأنا سأشعر إذاً بالرضى وبالهدوء وبالصفاء.. أليس هذا الشعور، في النهاية، هو ما نسمّيه بالسعادة؟

ـ س: وهل من الضروري "الوجود في النشاط" لتحقيق الذات؟
ـ لاكروا: السعي لتحقيق الذات يُترجَم بواسطة "مشروع حياة"، وهو يفترض المثابرة والصبر. كان سارتر يقول: "إن مشروعي يصوغني". 
لتحقيق الذات، يجب أن نريد "تحقيق شيءٍ ما"، أكان ذلك في الحياة المهنيّة، أم في دائرة الترفيه (من خلال اللَّهو مثلاً)، أم في النشاط الفنّي أو الرياضي، أم داخل الحياة التشاركيّة، في العطاء bénévolat، أم في الحياة العاطفيّة أو الأُسَريّة، إلخ... فدروب الإنجاز الشخصي متعدّدة!
البعض يبحث عن الاستثنائي والخارق للعادة والجليل. إنهم بحاجة إلى قضيّةٍ كبيرة للدفاع عنها، إلى مهمّة نبيلة لإنجازها. هم بحاجة إلى نجاح باهر، إلى الشهرة وإلى المجد.
البعض الآخر، على العكس من ذلك، يحصدون في الحقل اليومي، في المبتذَل والعادي، وهم راضون عن أنفسهم. إن أساليب الوجود المنجَز بالغة التنوّع، ومن حُسْن الحظ أن تكون كذلك.
إذاً، إن السمة المشتركة لهذه الوجودات المنجَزة هي النشاط أو الفعل. الفعل ضروريٌّ لإنجاز الذات، ، فـ "نحن مجموعة أفعالنا" كما كان يقول مالرو.
إن حياةً ليست سوى تتابع غير منقطع من لحظات التأمل، ومن الفشل والاستسلام الانخطافي للحظة التي تعبر، ستكون حياةً غير مكتملة.

ـ س: كان أندريه جيد يقول: "لديّ ألف شخصٍ في داخلي، ولا أستطيع العزم على أن أكون واحداً.".. إن تحقيق كل احتمالاته تصطدم بأول التحدّيات: اكتشاف ما يريده حقيقةً.
ـ لاكروا: نعم، ولذلك لربما كان علينا أن نعزم على عدم إنجاز كل احتمالاتنا. إن واحدةً من أكثر المحاولات خطراً في تحقيق الذات، هي أن نريد فعل كل شيء، وأن نباشر بذلك. هذا حلم مراهقة، والذي يجب أن نتخلّى عنه للولوج في مرحلة النضج، لأنه يقود إلى التشتّت، وإلى التناوب العقيم.
يجب تجاوز هذه الدونكيشوتية لنيل كل شيء. لا يمكنني أن أمارس كل المِهن، وأن أبدع في كل الفنون، وأن أدافع عن كلّ القضايا، وأمارس كل الرياضات، إلخ.
بجب أن أقوم بالاختيار. كان كييركغارد، أبو الفلسفة الوجوديّة يتحدّث عن "معموديّة الاختيار" « baptême du choix »، وكان يعتبرها، وهو محقٌّ في ذلك، اللحظةَ الحاسمةَ في بناء الشخصية. 
يجب أن نعرف كيف نقيّد ذاتنا وكيف نكبحها. إن إنجاز الذات غيرُ منفصلٍ عن تقييد الذات.

ـ س: ألم تتعاظم الرغبة في الاكتمال مع صعود الفردانية الخاصة بالعصر الحالي؟
ـ لاكروا: إن الرغبة في الاكتمال مسجّلة في الطبيعة الإنسانية. إنها بمعنىً ما لا زمانية. لأنه من خاصيّة الإنسان أن يعيش في القلق وفي التوتّر. نحن لسنا على الإطلاق راضين بما نحن عليه، الإنسان هو ما ليس موجوداً الآن، وليس ما هو موجودٌ الآن.
هذا يعني، وأنت محق في الإشارة إلى هذا، أن الحاجة الشخصيّة كانت قد تعاظمت منذ القرن الثامن عشر، أي عصر الفردانيّة، وهذا يعود إلى ثلاثة أسباب:
أولاً، ظهور مفهوم جديد للفرد.
حتى القرن الثامن عشر، كانت مفاهيم الإله، والخلاص، والنظام الميتافيزيقي أو الكوني تشكّل الأفق الذي يتعذّر على التطور الفردي تجاوزه. ولنتأمّل هنا الأهمّية التي اتخذتها "محاكاة يسوع" لعدّة قرون بالنسبة للمسيحيين.
مع القرن الثامن عشر، بدأ الإنسان في التحرّر من هذه النماذج المتعالية، الدينيّة أو الميتافيزيقية. لقد تعلّم أن يعيد تمركزه حول الذات، فماذا اكتشف؟ لقد اكتشف قدراتِه الكامنة، أي مجموعة الموارد والرغبات والتطلعات والقدرات والحوافز والاستعدادات الموجودة في داخله.
لقد انكبّت السيكولوجيا العلميّة المولودة في القرن التاسع عشر على دراسة هذا الكمون بتركيز الاهتمام ـ وهذه مؤاخذة يمكن أن توجَّه إليها ـ على الاستعدادات أكثر من تركيزه على الحوافز. 
ومنذ ذلك الحين، ازدهرت فلسفة تحقيق الذات الحديثة، تحت إشارة الاستقلاليّة الجذريّة، وهي المفهوم الذي قام بنحته كانط وروسّو.
بالنسبة للإنسان الحديث، يتعلق الأمر بتطوير قدرته الكامنة بطريقة مستقلة بشكلٍ كامل، دون مرجعية القضاء والقدَر الدينيّة أو الميتافيزيقيّة المبهَمة. لقد أصبح الأمرُ تحقيقَ الذات بالذات، إنه التحقق الذاتي أو المستقلّ.
العامل الثاني الذي ساهم في صعود هذه الفلسفة كان إلغاء تراتبية النظام القديم. سابقاً، كنا نولد إما فلاحين أو نبلاء، ونبقى موسومين كامل حياتنا بهذا الشرط الأوّلي. ومع إعلان حقوق الإنسان والمواطَنة عام 1789 أصبح كل شيءٍ ممكناً لكل فرد. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فقد كانت "الثورة" [الفرنسية] محرِّراً ممتازاً للطاقات والطموحات.
منذ هذا التاريخ استطاع كل فردٍ أن يأمل بالنجاح في السياسة وفي مجال الأعمال والفن والأدب والعلوم.. إلخ.
إن فكرة "النجاح الاجتماعي" تعود إلى هذا العصر. إنها الشكل الذي اتخذه تحقيق الذات بالنسبة للكثير من الأفراد. ومن الشواهد على ذلك جوليان سوريل، بطل رواية "الأحمر والأسود"، ابن أحد الحرفيين المهجوس برغبة تسلّق السلّم الاجتماعي.
إن "الحراك الاجتماعي الصاعد" الذي أعتقته الثورة الفرنسية قد سمح لكبار الشخصيات أن تطفو على مسرح التاريخ، مثل بيرون وغوتيه وليوتيه Lyautey وباستور وغارنجي وفاغنر وميرموز.. وهي، خلال عقود، مجرد حالات لتوضيح "نماذج لتحقيق الذات" .
هذه الصور الرمزية وسمت بعمق الرأي العام، وبخاصةٍ من خلال الحركات الشبابية.

ـ س: ما هو العامل الثالث؟
ـ لاكروا: هو التأثير الذي تمارسه الفلسفة ويمارسه الأدب اللذان أبصرا النور في الغرب خلال القرنين الأخيرين. إذا فكرنا في ذلك سنجد أن الفلسفة والأدب قد كوّنا منجماً من الأفكار ومن الفرضيات والمشاهدات والاختبارات، لفهم وتعميق عملية تحقيق الذات.
الفلاسفة أولاً، بدءاً من هيغل إلى سارتر، ومن كييركغارد إلى أيمانويل مونييه، لم يتوقّفوا قط عن التساؤل عن "اكتمال الإنسانية" وعن "تحقيق الامكانيات الإنسانية".
الفوضوي ماكس ستيرنر كان يريد أن يستطيع الإنسان "إنعاش امتلائه الإنساني".. ماركس كان يرنو إلى الاشتراكية كثورة تسمح بـ "تحرير الطاقات النائمة في داخلنا". من جهتهم، جعل الروائيون من تطور الفرد واحداً من موضوعاتهم المتميّزة: نرجسيّة ستاندال، وقصّة غوتيه في "سنوات تعلّم ويلهيم ميستر" Les Années d’apprentissage de Wilhem Meister، و"عبادة الأنا" لـ باريس Barrès، وتقصّي أندريه جيد في "الأغذية الأرضيّة" Les Nourritures terrestres كانت أجوبةً على سؤال: كيف ننعش وننمّي أنسانيتنا؟
لقد أردت في كتابي أن أتناول هذا الغنى الثقافي. لكني أدرت الظهر لتلك الاستشراقية التي تبالغ حالياً في موضوع حركة التنمية الشخصيّة [الآتية من الشرق]. لكنني لا أقول بأن "الشرق لم يأتِ بشيء"، فذلك لا يمكن تصديقه.. لنفكّر في إسهام البوذيّة، واليوغا، والطاويّة.. . أنا أقول ببساطة أنه "يجب ألا يصرف غنى الشرق انتباهنا عن غنى الغرب. نحن أيضاً لدينا كنزٌ ثقافيٌّ يسمح لنا بالتفكير في تحقيق الذات".

ـ س: إذا كانت الحداثة تحفّزنا على تحقيق الذات، فنادراً ما يكون الواقع بمستوى طموحاتنا..
ـ ج: نعم، لأن الطريق الموصِل إلى اكتمال الذات مليئة بالعوائق. بعض هذه العوائق خارجية، فتأتي الإلزامات من الخارج. وبعضها الآخر داخلي، حيث تتموضع داخل الذات.
العوائق الخارجيّة مرتبطة بالمجتمع أو بالبيئة الأسريّة، التي لا تسمح دائماً للشباب بتحقيق إمكانياتهم. وهكذا فإن الإلزامات الوازنة في عالم العمل تقلّل من احتمالات الاكتمال الشخصي.
أفكّر أيضاً في المشهد المحزن الذي يورده سانت اكزوبيري في كتابه "أرض البشر"، حيث يتحدث عن لقائه في أحد القطارات التي تنقل العمال البولونيين بطفل تلتمع عيناه ذكاءً، وحيث نقرأ في عينيه توقعاً جميلاً بـ "حياةٍ واعدة". لكن بعد رؤية حالة أهلِه الفقراء المعدمين، قليلي الاكتراث، فإن الكاتب يتوجّس من المصير السيّء لهذا الطفل، فهو لربما لن يمتلك الوسائل لتهذيب مواهبه، وحياتُه مهدّدة بالفساد: "إنه موزارت يتم اغتياله" يصيح سانت اكزوبيري.

ـ س: وما هي العوائق الداخليّة؟
ـ ج: بعضها ذات طبيعة نفسمرضيّة، مثل العصاب والاكتئاب اللذين يستنزفان طاقة الإفراد ويمنعانها من الاكتمال. هناك أيضاً العائق الذي تشكّله "الأفكار المقيِّدة" «pensées limitantes». 
بعض الأشخاص مزدحمون بالخوف وبالخجل أو بالخوف من الفشل أو بنقص الثقة بالنفس. أحياناً تُضاف إلى ذلك أفكارٌ سلبية تقضم الرغبة ذاتها، مما يؤدي إلى كبت تطلعاتهم الخاصّة أو إلى الاستسلام الطوعي. "لقد تأخّر الوقت كثيراً لفعل كذا.." هي من العبارات القاتلة التي تعطّل تحقيق الذات.
بالمقابل، فإن النظرة التعظيميّة [للذات] يمكن أن تشكّل معطلاً للاكتمال أيضاً. 
إن المغالاة في الطموح، والرغبة في المجد، والبحث المدلّه عن الامتياز يمكن أن يقود، بشكل متناقض، إلى الفشل. وينطبق ذلك أيضاً على فكرة "تجاوز الذات"، المرمّزة بإنسان نيتشه الأعلى.
إني أعترف بتردّدي وحيرتي أمام هذه الإرستقراطية. فأنا معادٍ لهذه الرومانسية في تحقيق الذات التي تهدف إلى الاستثنائي، والنابغ والبطولي والمتفوّق. لأننا نستطيع أن نحقّق الذات بطريقة متواضعة، في المجال اليومي والعادي. ليس هناك حاجةٌ لفعل أشياءَ غيرِ اعتياديّة لتحقيق الذات.
هناك عائقٌ آخر أيضاً أمام تحقيق الذات، هو "الأناوحديّة " « solipsisme »، التي تعلن بعنجهيّة: "وحيداً، سأصنع ذاتي". بينما يتم تحقيق الذات، شئنا ذلك أم أبَيْنا، من خلال العلاقة مع الآخر. وذلك يتطلّب الاستعانة بالصداقة وباللطافة وبالحب والثقة بالآخرين.
في مستهلّ كتاب "البؤساء" لـ فكتور هوغو، هناك فقرة حيث يعود "جان فالجان" من سجن الأشغال الشاقّة، ويتم إنقاذه بفضل رعاية "السيد (المبجَّل) ترحاب" Monseigneur Bienvenu.
كان يجب أن يكون هناك من يؤمن بـ "جان فالجان" لكي يستطيع أن يكون إنساناً آخر. وفي العمق، فإن رواية فكتور هوغو هي قصّة التحوّل الشخصي الحاصل بفضل سحر نكران الذات والثقة.
أخيراً، يبقى هناك شرَكٌ أخير، وهو الإفراط الحركي، الفعاليّة غير الملجومة. بالتأكيد فإن النشاط  action  ضروريٌّ لتحقيق الذات، لكن مع ذلك يجب الحذر من تحوّله إلى إدمان.

ـ س: وهل توجد طريقة خاصّة بالمرأة لتحقيق الذات؟
ـ لاكروا: ربما. أظن بأن النساء يتملّصن، بسهولة أكبر من الرجال، من محاولة اقتصار تحقيق الذات على نجاحٍ بسيط يمكن قياسه بالمال أو بالسلطة أو بالاعتراف الاجتماعي. إنهنّ يستسلمن بسهولةٍ أقلّ لتوهّم العظمة. إنهنّ أقل هجساً بالشهرة، وبالتفوّق وبالقوّة. إنهنّ يعرفن غريزياً بأن نشاطنا ليس بحاجة لأن يكون استثنائيّاً ليكون مُغْنِياً، وبأنه ليس ضروريّاً فعلُ أشياءَ مبهرةٍ لتحقيق الذات.
أخيراً، إن النساء يدركن بعفويّة أكبر تحقيق الذات في العلاقة مع الآخر، وفي الحب وفي اللطافة، وفي الحياة الأسريّة والصداقة والاندماج الاجتماعي.

ـ س: ما هي النصيحة التي يمكن أن تقدمها لشابٍّ من أجل تحقيق ذاته؟
ـ لاكروا: كنت لأقول له: 
<<
إن تحقيق ذاتك الشخصيّة صاروخٌ يعمل بمحرّكين: الأول ذو علاقة بقابليّاتك وبمواهبك وقدراتك. والآخر يعمل بالتحفيز والرغبة.
وليس لهذين المحرّكين نفس القوّة، ولا نفس الأهمّية. الثاني هو الأكثر أهمّية، ذاك المتعلّق بالرغبة وبالطموح وبالتمنّي. توقّف إذاً عن التساؤل "إن كنتَ تستطيع"، أو "إن كنتَ تمتلكُ القدرات". اسأل بالأحرى إن كنت تتمنّى. استمع لرغباتك العميقة، ذاك هو المهمّ.>>

ميشيل لاكروا: فيلسوف ومؤلّف للعديد من الكتب، منها:
Avoir un idéal est-ce bien raisonnable ?(Marabout, 2009), 
Le Développement personnel (Flammarion, 2004, rééd. Marabout, 2009)
Se réaliser (Marabout, 2010),
et Le Courage réinventé (Marabout, 2011).

 

19/9/2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق