الأربعاء، 27 يوليو 2016

في تاريخ الفلسفة؛ كانط2؛ (آر. سي. سبرول؛ حلقة 28)




 

 

محاضرة2 عن كانط

أر سي سبرول 28


 

إن حاولنا فهم لاأدريّة كنط في ما يتعلّق باللاهوت والميتافيزيقا فإليكم العبارة الشائعة التي تسمعونها: "لا يمكنك الوصول إلى هناك من هنا".

اشتهر كنط ببنائه، إذا جاز التعبير، جداراً لا يمكن تسلّقه بين هذا العالم والعالم الماورائي، والجدار متين جداً ومنيع جداً وعالٍ جداً، لدرجة أنه لا يمكنك تجاوزه . ومنخفض جداً لدرجة أنه لا يمكنك المرور تحته، وعريض جداً لدرجة أنه لا يمكنك الالتفاف من حوله، وسميك جداً لدرجة أنه لا يمكنك حفر ممرّ فيه، تبعاً لنظرية فيلسوف آخر يدعى ليسينع، الذي أعطانا الاستعارة الشهيرة لخندق ليسينغ، حيث حاول ليسينع الاثبات أن حقائق التاريخ المشروطة لا يمكن أن توصلك إلى حقائق الله الأبديّة. لا يمكنك الوصول إلى هناك من هنا. في هذا الرسم البياني قام كنط بتمييزٍ ربما كان أشهر من أيّ شيء آخر فعله، وأيضاً ربما أهم من أيّ شيء آخر فعله وهو أنه ميّز بين عالمين: الأول يدعى العالم النوميني، والآخر يدعى العالم الفينوميني الظاهراتي.

العالم الظاهراتي هو العالم المدرك بالحواس، إنه عالم الظواهر. إنه العالم المادي المحسوس، حيث يغوص العالِم في بحثه وتحقيقه. إنه العالم الذي توجد فيه الحواس، لذا يمكن أن نسمّيه "العالم الحسّي".

ليس المقصود بذلك أنه عالم عظيم أو مثير، وإنما هو عالم حسي بالمعنى الحرفي للكلمة، أي أنه العالم الذي توجد فيه حواسنا أو إدراكنا للأشياء المادّية. العالم الخارحي بالنسبة إلينا.

العالم الظاهراتي هو أساساً مجال البحث بالنسبة إلى العالِم. العلم يدرس ويقيس ويجري تجارب على الأمور التي يمكن أن يدركها بحواسه. العالم النوميني هو عالم الميتافيزيقا.

يدرج كنط ثلاثة أمور في العالم النوميني، أي ثلاثة مفاهيم أو فئات: وهي الله والذات وما يسمّيه "ديغانزيش"، أو ما نسميه الجوهر. فلننظر إلى هذه بالترتيب العكسي. الأمور التي يتكلم عنها على أنها الجواهر هي تلك الحقائق الميتافيزيقية التي كان جميع الفلاسفة السابقون يتصارعون بها بمفاهيمهم للخلاصة أو القِوام. تذكروا أننا حين تطرقنا إلى لوك. لقد ميّز لوك بين الصفات الأولية والثانوية، ثم اعترض باركلي على ذلك قائلاً بأن الصفات كلها ثانوية. ونتذكّر الأكويني وتمييزه، أو أرسطو وتمييزه بين الخلاصة [الجوهر] والعرَض. يفترض ألكل وجود قِوام للواقع موجود وراء ما يمكننا إدراكه. توجد خلاصات حقيقية وفق أفلاطون. تلك الخلاصات هي المثل الأبدية. ووفق أرسطو، إنها تلازم الأشياء نفسها. لكن سواء أكنت أفلاطونياً أو أرسطياً، لا يزال لديك مفهوم للخلاصة [للجوهر] وعلم الوجود وإدراك الكينونة (أنطولوجيا).

لكن كنط يقول إنه ليس لديك أبداً إدراك للخلاصة لهذه الأشياء. إذاً، لا يمكننا أن نعرف ماهية ذلك الجوهر. في الواقع لا يمكننا أن نعرف حتى أنه يوجد جوهر يشكل أساس ذلك الإدراك الحسي.

هذا لا يعني أنه لم يكن يؤمن بالجوهر أو الخلاصة. هو يقول أنه لا يمكننا أن نعرف هذه.. إنه لاأدري تجاهها، ويعتبر بأن العلم لا يقدر أن يكتشف أي شيء عن جوهرها. لذا علينا التوقف عن السعي وراء معرفتها.

تصبح الميتافيزيقا تخمينيّة أكثر فأكثر وأقلّ علميّة ما دامت تحاول الغوص في العالم الماورائي، العالم فوق المادّي والغوص في العالم الماورائي محاولة الوصول إلى ذلك الجوهر.

تذكروا أن دراستنا لتاريخ الفلسفة بدأت مع طاليس ومع البحث القديم عن الحقيقة الأساسية.

أساساً، ما يقوله كنط هنا هو أن ذلك البحث القائم منذ الأزل هو عمل عديم الجدوى.. لا يمكنك الانتقال إلى هناك من هنا.

ماذا عن الذات؟ تذكروا أن ديكارت توصّل إلى الاستنتاج أن الأمر الوحيد الذي عرفه بيقين مطلق هو أنه موجود. "أنا أفكر إذاً أنا موجود". قال كنط أجل، لكن لكي تصل إل ىهناك افترض وجود علاقة سببيّة بين تفكيره وكينونته، وهو ما زال يفتقر إلى الإحاس أو الإدراك لذاته.

إذاً، تشكّل الذات أمراً يتأمل فيه ديكارت على أساس الاستنتاج المنطقي انطلاقاً من فكره.

سأرجع إلى عنصر الاستنتاج المنطقي بعد قليل. لكن كنط صاغ عبارةً لوصف معرفتنا معرفتنا للذات، إنها العبارة: وعي الذات الاستنباطي الماورائي على الذات". هذا أحد الأسباب التي تجعل الأشخاص غير المتمرّسين في مجال الفلسفة يواجهون صعوبةً كبيرةً في قراءة مقالات كنط، لأنه بدا مولعاً بابتكار مفرداتٍ جديدة ولغة جديدة.

ما هو وعي الذات الاستنباطي الماورائي على الذات؟

إنه نوع من الحدس، حيث يجب أن تتمتع بنوع من الوعي البديهي والفوري على ذاتك على أنها ذات وهو ليس أمراً يمكنك أن تعرفه نظرياً لكنك تتماشى معه.

يشبه الأمر الإدراك البديهي للزمان والمكان الذي ذكرته سابقاً، لكن لا يمكنك الغوص إلى جوهر كيان أحدهم. كل ما يبقى لك هو الحواس ومراقبة أنماط السلوك وما شابه. لا يمكنك أن تعرف الذات فعلاً، لأن الذات تبقى مجهولة بالمعنى النظري. لكن حين نتطرّق إلى هذا التمييز بين العالم النوميني والعالم الظاهراتي، ليست الذات أو الخلاصات هي التي ولّدت هذا الذعر نتيجة لاأدريّة كنط، إنه المفهوم الثالث: الله.

نشأ كنط في بيت متديّن وأعلن إيماناً معيّناً بوجود الله، لكنه قال إنه لا يمكننا إثبات وجود الله ببراهين منطقية أو علميّة. قال إن البراهين التقليديّة: البرهان الغائي وهو البرهان الذي كان له أكبر تأثير فيه، وهو البرهان المستوحى من التصميم وهو أن هذا العالم يظهر نموذجاً مذهلاً من التصميم والهدف والتناغم.

يشير هذا التصميم إلى وجود مصمّم كوني. كيف يمكن أن يوجد تصميم من دون مصمّم؟

بقي كنط حتى مماته متأثراً بذلك البرهان، لكنه قال إنه لم يكن قاطعاً. لأننا لسنا متأكدين من أن ذلك التصميم ليس شيئاً نصفيه بأنفسنا إلى اختبارنا.

ربما نحن نفرض تصميماً بأذهاننا وهو ليس أمراً نصادفه ببساطة لكن البرهانين الأخيرين: البرهان الكوزمولوجي والبرهان الوجودي يتم التمييز بينهما عادة. البرهان الكوزمولوجي يعني عادة أن تحلّل رجوعاً إلى وجود الله على أنه السبب الأول لوجود هذا العالم الذي ندركه بحواسنا.

الأمر مبنيّ على أساس السبب والتأثير أو قانون السببيّة.

إذا، نحن نحلل انطلاقاً من هذا العالم المحدود والمشروط رجوعاً إلى كائن موجود بذاته وأبديّ ومسبتقل وغير محدود كما رأينا مع توما الأكويني.

تذكرون أننا حين ألقينا نظرة موجزة على أنسيلم. أن أنسيلم طرح ترجمته للبرهان الوجودي، وبرهان أنسيلم الوجودي أعاد صياغته ديكارت ومن ثم فيلسوف لاحق يدعى كريستيان وولف. وولف هو أكثر من انتقد كنط بعنف، وهو قال أساساً ما يلي: جميع البراهين على وجود الله تعود في نهاية المطاف إلى البرهان الوجودي. إنها براهين مستوحاة من الكينونة. وهو يقول أي أن كنط يقول إن الوجود ليس صفة في الواقع، هو أعطى البرهان نفسه ضد البرهان الوجودي، كما فعل غونيلو ضد برهان أنسيلم، وهو أنه في ما يتعلّق بمثال الله لا يوجد فرق بين مثال الإله الخيالي ومثال الإله الموجود.

تذكّروا أنه حين قال أنسيلم أن الله هو ذاك الذي لا يمكن تصوّر ما هو أعظم منه، قال غونيلو: لديّ هذه الجزيرة الخياليّة، الجزيرة الأكثر مثاليّة التي يمكن تصوّرها. ومجرد تصوّري وجود جزيرة مثاليّة لا يعني أن تلك الجزيرة موجودة فلاً. فردّ أنسيلم قائلاً: هذا صحيح في ما يتعلّق بالجزر، لكننا نتكلّم هنا عن الكائن الأكثر كمالاً. لا يمكن تصوّر هذا الكائن على أنه غير كائن، لأنك إن فكّرت فيه على أنه غير كائن، فأنت لا تفكّر فعلاً في ما نتكلّم عنه هنا.

تكلّم كنط مجدّداً عن هذا الفرق بين المائة غيلدر، مائة دولار ذهبيّة ومائة دولار حقيقيّة. من حيث مثال الدولارت لا يوجد فرق. ما زال لديك المفهوم نفسه عن الدولار، سواءٌ أكان موجوداً أم غير موجود.

إذا، هو رفض البراهين الوجوديّة على وجود الله، وفي الوقت نفسه رفض البراهين الكوزمولوجيّة على وجود الله، لأنه قال أنه رغم التزامه بقانون عدم التناقض وقانون السببيّة، وهما ضروريان برأيه لتنظيم حواسّنا فإن الافتراض الذي قام به المؤمنون الكلاسيكيّون هو أن تلك الفئات التي تعمل وهي ضروريّة من الناحية التجاوزيّة لفهم الحوالس في هذا العالم، مثل قانون السببيّة وقانون عدم التناقض، والتي من دونها لا يمكنك فهم الأحاسيس التي تنتابك، كيف نعلم أنه يمكننا إحالة تلك الأشياء إلى العالم الميتافيزيقي؟

إن مجرد استلزام تساقط الأمطار وجود سبب، فهذا لا يعني أنه يمكننا الانتقال من العالم الظاهراتي حيث تعمل السببيّة والقفز إلى هذا العالم النوميني هذا، لأنه ليس لدينا إدراك له ولا إحساس به.

بغية دعم نقده للإيمان الكرسيكي بإله واحد، أعطى برهاناً مقنعاً عما أسماه تناقض القوانين، وقال إنك إن قدّمت برهاناً فلسفياً على وجود الله فإنك تقع في تناقضات لا يمكن التوفيق بينها، حيث يمكنك أن تتكلم عن حرّيرة الإرادة أو السيادة الإلهية أو مسائل من هذا النوع فتحاولُ إحدى مدارس الفكر إثبات تفوّق الحريّية البشريّة، والأخرى تحاول إثبات تفوّق السيادة الإلهيّة، والأمران متضاربان.

إذا، التخمينالمنطقي يقودك في نهاية المطاف إلى تضاربات. وبما أن هذه التناقضات مستمرّة في التخمين الفلسفي في وجود الله، لا يمكنك أن تعرف فعلاً أي قطب من قطبيّ التناقض صحيح، أو حتى إذا كان بإمكانك تطبيق المنطق على هذا العالم الميتافيزيقي الفائق.

إن مجرّد إمكانية تطبيق الأمر هنا في هذا العالم لا تعني وفق كنط أنه لا بدّ من تطبيقه هنا. إذاً، مع المنطق والسببيّة والحدس وجميع هذه الأمور التي لدينا لا يمكننا تجاوز هذا الجدار. حاول الكثير من الفلاسفة اللاحقين هدم ذلك الجدار أو الالتفاف من حوله بطريقة ما أو إعادة أو استرجاع أساس الميتافيزيقا واللاهوت. غالباً ما قلت بأن بولس في رسالة رومية قال إن الله معروغ. إنه معروف من خلال الخليقة وعمل لخلق، ومن خلاب الأشياء المصنوعة. يقول كنط إنه لا يمكنك أن تعرف أن الله موجود انطلاقاً من ا لعالم الظاهراتي.

أنا أقول ذلك، وإن استطعت أن أكون تجاوزياً قليلاً.

إن كان كنط على حق فمن الواضح أن بولس مخطئ، وإن كان بولس على حق، فلا بد أن كنط ارتكب خطأً ما. أنا مقتنع حتماً بأن بولس على حق، وسبب افتقاري إلى الحماسة في ما يتعلّق بالدفاع الكلاسيكي عن العقائد المسيحية هو أني أقول أن مهمة الفيلسوف المسيحي في يومنا هذا تقضي بهدم ذلك الجدار وليس قبول الهزيمة والاستسلام عند قدميّ كنط. لكن الكثير من اللاهوتيين تخلوا عن المنطق الطبيعي واللاهوت الطبيعي معاً، نظراً لنقد كنط سريعاً في الوقت المتبقي لدينا، ورغم أن كنط قال إنه لا يمكننا أن نعرف أن الله موجود من خلال الفكر النظري إلى جانب نقده للمنطق النقي كتب أيضاً نقده للمنطق العملي حيث طرد الله من الباب الأمامي لبيت الفيلسوف، ثم ركض مسرعاً نحو الباب الجانبي أو باب المطبخ، وحاول إدخال الله خلسة من الباب الخلفي لأنه قال إنه رغم أنه لا يمكننا أن نعرف الله نظرياً، فبشكل عملي جداً، يجب أن نفترض أن الله موجود. فوجود الله ضرورة عمليّة. وبغية إثبات ذلك قدم برهانه الأخلاقي على وجود الله.

يشبه الأمر مجدداً طريقته التجاوزية. ربما سمعتم جميعاً بنظريات كنط المتعلقة بعلم الأخرق حيث يتكلم عن مفهوم الأمر المطلق الشهير. هذه هي ترجمة كنط للقاعدة الذهبية. قال إنه يترتّب على الناس أن يدركوا أن لدى الكل حساً بالواجب حساً بالضرورة أو ما يمكن أن نسميه ببساطة حساً بالصواب والخطأ.

 مجدداً، هو لن يجادل من منطلق نفسي حيث يمكن أن يأتي بعض علماء النفس قائلين أن سبب ذلك هو أن العالم كله أصبح عصابياً بسبب الملكة فكتوريا أو البوريتانيين. لذا أصبح لدى الجميع ضمائر مضطربة. لم ينظر كنط إلى ذلك من وجهة نظر نفسية، لكنه عالج المسألة بشكل تجاوزي. قال إننا نملك جميعاً هذا الحس الأخلاقي، هذا الشعور بالأمر المطلق وحس مطلق بواجب فعل الصواب. وهو طرح هذا السؤال: "ما الذي يجب أن يصح لكي يكون الأمر مجدياً؟".

سأصف الأمر بتعابير أخرى: "ما الذي يجب أن يصح ليكون علم الأخلاق مجدياً؟".

ما استنجه أساساً هو ضرورة وجود الله. وكما ذكر دستويفسكي لاحقاً، إن لم يكن الله موجوداً، فكل شيء مسموح، لأنه من دون معيار مطلق للاستقامة يتحوّل لم الأخلاق برمّته إلى مسألة تفضيلات شخصيّة، سواءٌ لدى الفرد أو المجموعة التي في السلطة. لكن لكي يكون علم الأخلا مجدياً أساساً لا بد من وجود معيار.

أساساً، فكر كنط بهذه الطريقة: لكي يكون علم الأخلاق مجدياً بشكل أساسي، لا بد من وجود عدالة، لأنه في نهاية المطاف، إن نجح الشريير وتألم البار وساد الظلم، فلا يوجد سبب عملي لنسعى إلى أن نكون أخلاقيين. لأن الجريمة مربحة على عكس العدالة.

إذاً، لكي يكون علم الأخلاق مجدياً، السبب الأول الضروري هو العدالة. ثم يطرح السؤال التالي: "ما الذي يلزم لتكون العدالة حقيقيّة؟"

من الواضح أننا نعيش في عالم مقلوب رأساً على عقب. إنه مقلوب راساً على عقب، العدالة لا تسود دائماً.

إذاً، لكي تكون هناك عدالة مطلقة، يجب ان يحدث أمرٌ آخر. لا بد من وجود حياة بعد الموت. يجب أن تبقى حياً بعد القبر. لا بد من وجود استمرارية فرديّة للوعي، وإلا لا يمكنك أبداً اختبار ملء العدالة. إفرض أنك تبقى حياً بعد القبر، هل هذا كافٍ لضمان إرساء العدالة؟ لا! لا بد من وجود دينونة. وعلى تلك الدينونة أن تكون كاملة. وبغية وجود دينونة كاملة وعدالة كاملة لا بد من وجود قاض كامل، ولكي يكون هذا القاضي كاملاً، على ذلك القاضي أن يعرف وقائع القضيّة كاملةً، وجميع الظروف التخفيفيّة..

لا بد أن لكو لديه فهم كامل لكل إجراء أمامه إن أراد إصدار حكمٍكامل. لا يكفي أن يملك معرفة كاملة، عليه أن يكون نزيهاً أيضاً، لأنه يمكن أن يوجد قاضٍ يعرف الوقائع كلها ولكنه فاسد وعرضة للرشوة.

إذا، على هذا القاضي أن يكون خالياً من أي عيب. لكن حتى هذا الأمر ليس كافياً لضمان إرساء العدالة لأن عليه أن يتمتع أيضاً بالقدرة على تنفيذ عدالته. لا بد أن يملك القدرة على تنفيظ أحكام العدل.

كما ترون، وحتى قبل أن تعرفوا ذلك، لديكم قاض بار وقدوس وكلّي القدرة والمعرفة، يدين الناس وهو يقول إنه من دون ذلك لا يمكن أن يوجد أساس لعلم الأخلاق.

بالطبع قال إنه عملياً، لكي تستمر الحضارة يجب أن نعيش كما لو أن الله موجود. بالطبع، في الجيل التالي، جاء نيتشه هذا العالم وقال: "حسناً ليس علم الأخلاق مجدياً! الله غير موجود. علم الأخلاق عديم الجدوى. الحضارة نكتة. فلنواجه الأمر! فلنواجه الواقع المرير."

هذا ما نحن عليه، نحاول أن نكون معلقين بين ما هو مجدٍ وما هو غير مجدٍ. وما دام هذا الجدار موجوداً فالأمر الوحيد الذي نملكه هو الرجاء الوجودي بوجود أمرٍ ما من الناحية الأخرى [خلف الجدار]، وإن قفزت في الهاوية فقد يلتقطك الله.

 لكننا سنتطرق إلى ردود الفعل تجاه كنط في المحاضرة التالية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق