الأربعاء، 27 يوليو 2016

في تاريخ الفلسفة؛ ديفيد هيوم 2. (آر. سي. سبرول؛ حلقة 24)



محاضرة عن هيوم 2

أر سي سبرول 24

 


 

في محاضرتنا السابقة لاحظنا أن دايفيد هيوم أثار تساؤلات مهمّة بشأن مسألة اختبارنا للسببيّة برمّتها. إن كنتم تذكرون، أشرت إلى وجود فرق وفق هيوم بين الارتباط الاعتيادي والارتباط الضروري.

المثل التوضيحي المفضّل لديه للكلام عن هذه المشكلة هو ما نسمّيه كرة البلياردو، لقد استعنّا به في مناسباتٍ أخرى، لكننا سنركّز بعناية أكبر الآن على وجهة نظر هيوم. إذاً، نحن نتصوّر أمامنا طاولة بلياردو بسيطة، وعلى الطاولة توجد الكرة المدفوعة، وفي مكان آخر على الطاولة توجد الكرة الهدف، سنسمّيها الكرة 8 إذا شئتم، وفي آخر الطاولة يوجد الجيب. والآن، يريد لاعب البلياردو تصويب الكرة المدفوعة نحو الكرة 8. وإنزال الكرة 8 في جيب الزاوية.

 في هذه الحالة، هنا تحدث سلسلة من الأمور، أولاً، لدينا لاعب البلياردو، إنه يختار عصا البلياردو، ويضع الطبشور عند رأس العصا ويقف عند آخر الطاولة ويحدد خط البصر وهو يحمل عصا البلياردو بيده ويحرّك ذراعيه ليبدأ بتوجيه الضربة لأنه حين يحرّك ذراعه، فإن حركة ذراعه تجعل عصا البلياردو تتحرك باتجاه الكرة المدفوعة، والآن تضرب عصا البلياردو بالكرة المدفوعة، وحين تضرب الكرة المدفوعة، ما الذي يحدث؟ تبدأ الكرة المدفوعة تتحرّك أو تتدحرج على طول الطاولة، ونأمل إن كان تصويب هذا الرجل دقيقاً أن تتحرّك باتجاه الكرة 8، في الوقت نفسه، الكرة 8 موجودة على الطاولة ولا تتحرّك، إنها في حالة همود، وتستمرّ الكرة المدفوعة بالتدحرج .. والتدحرج وتصطدم بالكرة 8، وما إن تصطدم الكرة المدفوعة بالكرة 8، ما الذي يحدث؟ تبدأ الكرة 8 بالتحرّك وتتحرّك باتجاه الجيب على أمل أن تقع في جيب الزاوية، فيكون قد تم تنفيذ الضربة وفق المخطط.

 يقول هيوم إننا واقفون نراقب ذلك. نحن نراقب حدوث هذه الأمور، ونرى أعمالاً معيّنة تتبع أعمالاً أخرى، نرى عملاً متجاوراً، أو أعمال التجاور. ربما نستعمل هذه الكلمة كل يوم، لكن إن كان لديك عقار تسكن فيه، لنفرض أن لديك فناءً أمامياً، وفناؤك الأمامي له حدود. هذه هي حدود عقارك، وبجوارك يسكن شخص آخر وحدود عقاره موازية تماماً لحدود عقارك. هذان عقاران مختلفان، لكننا نقول إن العقار الأول الذي نسمّيه العقار(أ) مجاور للعقار (ب) أي أنه متاخم له، إنه مجاور تماماً، هذا ما نعنيه بالتجاور. فلنرجع إلى مثل كرة البلياردو.

 نحن نشهد حدوث أعمال متجاورة، إنها أعمال تحدث الواحد تلو الآخر أو الواحد بعد الآخر، ونحن نفترض أننا ندرك سبب بعض التغيّرات. نقول: "ما الذي جعل كرة البلياردو تتحرّك؟". من الواضح أن ما جعل كرة البلياردو تتحرّك هو ضرب الكرة المدفوعة بعصا البلياردو. ما الذي يجعل الكرة 8 تتحرك؟ إنها عملية اصطدام الكرة المدفوعة بالكرة 8 ما يضفي قوّة على الكرة 8 وتبدأ الكرة 8 بالتحرّك عبر الطاولة، ولماذا تقع في جيب الزاوية؟ حين يتم وضعها في المكان الصحيح، كل ما يلزم لكيّ تقع في جيب الزاوية هو الجاذبيّة لكي تجعلها تقع لأنه لا يوجد ما يسندها.

 هل ترون الجاذبيّة؟ هل تدركون القوة حسّياً؟ هل لديكم إحساس بصريّ بالطاقة الفعليّة المنتقلة من كرة إلى أخرى بفعل الاصطدام؟

ما الذي يقوله هيوم هنا؟ لا، أنت لا تدرك حسّياً كيفيّة حدوث السبب الفعلي. كل ما تراه هو علاقة تجاور بين الأحداث أو ارتباطاً اعتيادياً، ليس أننا رأينا فحسب كرة مدفوعة واحدة في حياتنا تضرب كرة 8 واحدة في حياتنا، لقد رأينا الأمر مراراً وتكراراً, ورغم أن الضربة قد لا تصيب أحياناً، إلا أن العمل الأساسي لا يتغيّر، أي أنه كلما ضربت كرة ما كرةً أخرى فإن تلك الكرة الثانية تتحرّك، قد لا تتحرّك بالاتجاه الذي تريده أو بالسرعة التي تريد أن تتحرك بها لكنها تتحرك. عندئذٍ، نفترض وجود ارتباط سببي ضروري. الهدف من ذلك كله بسيط.

هيوم يعتنق مذهب التجريبيّة، وهو يقول إن معرفتنا كلها مبنيّة على أي أساس؟ الإدراك الحسّي، الأحاسيس التي تنتابنا من خلال الحواس الخمس، لكن ليس لدينا إدراك أو إحساس بالسبب بحد ذاته، كل ما نراه هو الأعمال النسبيّة للأشياء ونحن نملأ الفراغات.

أذكر حين تابعت أول درس لي في الرسم لأسباب فنّية وحاولت رسم صورة وجه، وكان لديّ صديق فنّان يحاول إعطائي بعض التلميحات حول كيفيّة رسم صورة الوجه عبر استعمال أشكالٍ مختلفة.. دوائر ومثلّثات وما شابه وملء الخطوط، فكنت أحاول رسم صورة وجه أحدهم، وكل خط كنت أتمكّن من رؤيته بعيني على الوجه الحقيقي للشخص الذي كنت أحاول رسم صورته كنت أحاول نسخه على الورقة، فقال لي أستاذي: "ليست هذه الطريقة الصحيحة للقيام بالأمر"، فقلت "ما الذي تقصده؟ هذا أنف هنا، ويوجد خط هناك وخط هنا وخط هنا وخط هنا  ... أنا أحاول رسم هذ الأنف"، فقال "لا، ليست هذه الطريقة الصحيحة للقيام بالأمر"،

 فقلت "وكيف يجدر بك فعله؟"

 فقال "عليك أن تظلل هذا الجانب هنا قليلاً.. وربما أن تظلل الرسم هنا قليلاً ثم تتركه"

 فقلت "لكن هذا ليس أنفاً"..

 فقال "بلى، إنه كذلك لأن العين البشريّة ستملأ التفاصيل" وقال "أنت ترتكب خطأ كل هاوٍ يحاول نسخ الرسم بتفاصيله كافّة فيبدو عديم الحيويّة، يبدو اصطناعيّاً".

الأمر سيّان بالنسبة إلى الكتابة.

كتبت رواية، وفي تلك الرواية كنت أحاول وصف تلك الحانة السيّئة السمعة التي دخلها أحدهم فقلت لنفسي كيف يجدر بي وصف هذه الحانة؟ هل يجب أن أبدأ بالباب الأمامي، وأن أتكلّم عن نوع الخشب الذي صُنع به الباب الأمامي وأن أتكلّم عن مدى اتساع القاعات وأن أحدّد الأبعاد كما كنت لأفعل مع فنان معماري وأن أحصي عدد الطاولات الموجودة هناك وعدد المقاعد بالقرب من الحانة؟ لا، يمكنك الاسترسال في وصفه إلى الأبد. أنا قرّرت أن أفعل الأمر بهذه الطريقة، يدخل الشاب ويجلس أمام البار ويجلس هناك وحده، ثم يرفع نظره فيجد مروحة، مروحة العادم بالقرب من المطبخ فيلاحظ أن مروحة العادم مكسوّة بطبقة سميكة من الدهون لدرجة أنه يتساءل كيف أن شفرات المروحة تقدر أن تتحرّك. هذا هو الوصف الوحيد الذي أعطيه عن الحانة. هل تتخيّلون ذلك؟ هل تكوّنت لديكم فكرة في أذهانكم عما تبدو عليه هذه الحانة بكلّيتها؟ سوف تبدو مختلفة في أذهانكم المختلفة، لكنكم تعلمون أنها ليست صالة كوكتيل راقية. تعلمون أنه ملهى بائس بسبب المروحة. بتعبير آخر، أنا سلّطت الضوء على واحد من التفاصيل، ولتفعل مخيّلة القرّاء الباقي.

ما يقوله هيوم هو أننا لا نفعل ذلك مع الموسيقى أو الفن أو الأدب، لكننا نفعله فلسفياً. نحن نفترض وجود أمورٍ لا ندركها حسّياً، والأمر الأساسي الذي نفترضه هنا هو السببيّة.

إذاً، ما يفعله هو أنه يبيّن أنه ليس لدينا إدراك للسببيّة الفعليّة، ما يثير السؤال الآتي: هل يعني ذلك أنه مرّة وإلى الأبد قضى دايفيد هيوم على فكر ة السببيّة؟ هل يجدر بنا الآن نبذ السببيّة كقانون؟ تذكّروا أننا تكلّمنا عن هذا القانون.

 يقول قانون السببيّة إنه لا بدّ أن يكون لكلّ تأثير سبب سابق. في ذلك الوقت أشرت إلى أن تعريف قانون السبب والتأثير هو تعريف منهجي، إنه تعريف تحليلي وهو صحيح بحكم الضرورة المنطقيّة. لماذا؟ لأن كلمة "تأثير" تعني أمراً أحدثه أمرٌ آخر. إذاً، حين أقول "هذا ما تعنيه السببيّة، لكلّ تأثير يوجد سببٌ سابق" فهذا المفهوم صحيح تحليلياً. إنه يشبه القول "اثنان زائد اثنان تساوي أربعة أو للمثلّث ثلاثة جوانب".

 ربما لا توجد أي مثلثات حقيقيّة، لكن في المجال الفكري المنطقي، من الضروري منطقيّاً القول إن للمثلّث ثلاثة جوانب، وما ليست لديه ثلاثة جوانب ليس مثلثاً.

إذاً، إن لم يكن لأمرٍ ما سببٌ، فلا يصحّ تسميته تأثيراً. سأكرّر ما قلت، إن لم يكن لأمر ما سبب، فلا يصحّ تسميته تأثيراً.

هل الله تأثير؟ لا، لماذا؟ لأن ليس لديه سبب. لا يوجد سبب سابق لله، لأن مقداراً كبيراً من العلم ومقداراً كبيراً من الفلسفة ومقداراً كبيراً من اللاهوت يعتمد على المبدأ المنهجي لقانون السبب والتأثير, ووفق تحليلنا في مجال الطب وبرامج التشخيص لدينا، إن كنت تعاني من ألم في البطن فهذا تأثير، فتقصد الطبيب وماذا تسأله؟ "ما الذي يسبّب لي ألماً في البطن؟ أهو طعامٌ أكلته، أم أني تعرّضت لاجتياح من كائن مجهري يهدّد حياتي؟" تريد أن تعرف ما الذي يسبّب لك ألماً في البطن. لكن هنا  طرح هيوم أسئلة عن السببيّة بحدّ ذاتها.

 ما حدث منذ أيام هيوم هو أن العديد من الفلاسفة وبالطبع العديد من الطلاب استنتجوا أن ما فعله هيوم في نقده للسببيّة هو أنه توقّف عن دعم السببيّة لدرجة أنه دحض السببيّة بحدّ ذاتها، ثمّة جدل قائم بشأن ما إذا كان هيوم قد ظنّ أن هذا ما كان يفعله.

 أنا أتفق شخصياً مع هؤلاء الذين قالوا أن هيوم لم يظن أنه يقضي على قانون السببيّة. لا أظن أن هذا كان هدفه، لأنه قام بتصريحات موجبة جداً في كتاب تحقيقه مثل "لا نعلم ما الذي يسبّب حدوث أمرٍ ما يمكن لأيّ شيء أن ينتج أي شيء". هذا هو تصريحه. لو استبدل كلمة "سبب" بكلمة "إنتاج" فلن أجادل في هذا الشأن. ما أثار الشكوك بشأنه هو قدرتنا على إدراك السبب المحدّد لعمل معيّن.

لاحظوا الفرق بين القول "لا أعرف ما الذي يسبّب تحرك كرة البلياردو" والقول "لا شيء يسبّب تحرّك كرة البلياردو". إن قلت إني لا أعرف السبب فأنا أشك في قدرتي على أن يكون لديّ اختبار مباشر وفوري لإدراك السبب الفعلي، ما من جديد هنا، هذا كان محور الجدل في القرن السابع عشر، كما ذكرت، إنه لأمر أن تكون مشكّكاً في ما يتعلّق بتحديد السبب بدقّة، وهو لأمر آخر أن تتمادى إلى حدّ القول إنه لا يوجد سبب، لأننا إن قلنا إنه لا يوجد سبب لتأثير ما، عندئذٍ، نكون قد قلنا كلاماً فارغاً على الصعيد المنطقي، وتكون حجتنا مغلوطة.

 إذاً، أظن أن هيوم لقي الكثير من الثقة أو الشك نظراً لقضائه على السببيّة، في حين أن ما فعله هو دحض ثقتنا بأسباب فرديّة محدّدة. إنه محق. نحن لا نعلم أن العشب يتبلّل بسبب تساقط الأمطار، لأنه ليس لدينا إدراكٌ مباشر لهذا السبب، لكننا نعرف ما يلي: إن كان تبلّل العشب تأثيراً، فلا بد أن أمراً سبّبه، فيصبح الأمر مهماً جداً حين نرجع لاحقاً إلى البراهين على وجود الله. إنه لأمر أن أقول: "أنا لم أدرك الخلق حسّياً" هذا لا يعني أنه لم يتمّ. ربما أنا لا أعلم كيف تحقّق هذا التأثير، لكن إن كان تأثيراً، فلا بد أن يكون لديه سبب. يبقى الأمر ضرورياً تماماً فكرياً، لكني سأتطرّق إلى هذا الأمر حين نتكلّم عن كنط.

في الوقت المتبقّي لدينا للتكلّم عن هيوم، أريد أن أبيّن كيف أن محادثاته المتعلّقة بالدين الطبيعي شكلت أيضاً مشكلة كبيرة للمسيحيين الذين يحاولون إثبات صحة المعجزات.

لا يمكنك أن تحمل كتابك المقدّس وتقرأه من دون أن تصادف إعلاناً عن صنع أعمالٍ إعجازيّة في العهدين القديم والجديد على حدٍّ سواء. مدوّنة العهد الجديد عن يسوع هي مدوّنة عن صانع معجزات. قام أخيراً من الموت بمعجزة. هيوم ينتقد المعجزات. وحفظاً للوقت، سأتكلّم عن الأمر ببساطة شديدة، ما يقوله أساساً هو الآتي: كلما كان يوجد زعم أو ادّعاء لحدوث معجزة ما، فإن التفسير الطبيعي للمعجزة هو أكثر منطقيّة من تصديق ادّعاء العجزة بحدّ ذاتها. سأكرّر ما قلت، كلما كان هناك زعم أو ادعاء لحدوث معجزة ما، فإن التفسير الطبيعي للحدث يكون دائماً أكثر منطقية من ادّعاء تدخّل فائق للطبيعة.

 يعود ذلك إلى الإظهارات العاديّة للطبيعة، نظراً للعلاقات الاعتياديّة للطبيعة. فمثلاً، يعلن العهد الجديد أن يسوع مات وقام من الموت. إذاً، ما تدّعيه المعجزة هو أمرٌ غير عاديّ، بالمعنى الحرفي "غير عادي"، لماذا؟ ما هي النتيجة العاديّة للموت؟ الناس الذين يموتون عادة يبقون أمواتاً. إذاً، إنه يتطرّق إلى الأمر من حيث التحليل التجريبي، وهو قال إنه ليس لدينا مجرّد آلاف أو حتى ملايين، بل ملايين عدّة من الحالات حيث يموت الناس ويبقون أمواتاً، بحيث أن العلاقة الاعتياديّة لبقاء المرء ميتاً بعد الموت، تلك العلاقة الاعتياديّة هائلة من حيث عدد مرّات حدوثها.

 إذاً، يطبّق هيوم ما أسماه "نسبة الاحتماليّة" عن كل ادّعاء حدوث معجزة. بتعبير أبسط، نسبة الاحتماليّة هي الأرجحيّة. إذاً، لدينا هنا كتاب يقول لنا أن هذا الرجل عاش ومات، وأنه قام من الأموات. ما هي الاحتمالات؟ إن نسبة الاحتماليّة وعلى ضوء العلاقات الاعتياديّة بين أحداث الموت المتجاورة كبيرة من حيث نسبة احتماليّة عدم حدوث أمر مماثل فعلاً.

 سبق أن سمعت مدافعين عن المسيحيّة يقدّمون براهين كالآتي: أعلن موت يسوع وقيامته أشخاص كرّسوا حياتهم لقناعتهم بأنه قام فعلاً من الموت، أو أنكم تسمعون هذا البرهان، إما أن يسوع كان كاذباً مغروراً أو أنه كان فعلاً كما قال، ثم يتابعون ويبدأون بحذف جميع الاحتمالات إلى أن يصبح فعلاً كما قال ويستبعدون فكرة مدى كون الأمر غير قابل للتصديق أن يدّعي هؤلاء حدوث تلك المعجزات ويصدّقونها مخاطرين بحياتهم وأطرافهم فيموتوا شهداء دفاعاً عنها. بالطبع، إنه لأمر استثنائي أن تجد أشخاصاً يتحلَّوْن بهذا القدر من الإيمان وباستقامة الحياة كما هلاء الذين نجدهم في العهد القديم.

لكن أيها الأحباء، أي من الأمرين أكثر استثنائيّة؟ أن يموت أحدهم لأجل قناعة ما أو أن يقوم أحدهم من الموت؟ أي أمر هو أكثر اعتياديّة؟ أن يكون من يدّعي أنه الله المتجسّد مجنوناً أو كاذباً أو أن يكون فعلاً كما يقول؟ إن أردت فعلاً أن تزن هذه الأمور على أساس نسبة الاحتمالية مقابل الحياة الطبيعيّة، فإن هذه البراهين تسقط حتماً. المشكلة التي أوقع هيوم نفسه فيها هي أن أحد انتقاداته الرئيسية للمعجزات يفيد بأنه لا يمكن تصديق المعجزة لأنها تفترض وقوع حدث فريد، حدث فريد مختلف عن جميع هذه الحوادث المتكرّرة للعلاقات الاعتياديّة، وإن حدثت عشرة مليارات مرّة أن مات أحدهم وبقي ميتاً، ثم فجأة ادّعى أحدُهم أنه قام من الموت، فإن الحدث يكون فريداً، وكل ما يتمّ الادّعاء أنه حدث فريد هو غير مقبول، ويجب رفضه باعتبار أنه بعيد الاحتمال تماماً.

ما الخطب في الأمر؟ كنا نستبعد الأمر أو نعترف بأنه حدث فريد على أساس مائة مليون حدث مماثل مختلف عن هذا الحدث.

كيف تأتي بمائة مليون حدث مماثل؟ كيف تنتقل من الحدث رقم واحد إلى مائة مليون؟ عليك أن تعدّ، عليك القيام بعمليّة جمع، أليس كذلك؟ إذاً أول رجل في العالم عاش ومات وبقي ميتاً هو المثل رقم واحد، إنه المستند (أ) والرجل الثاني الذي مات هو المثل الثاني، وهكذا دواليك وصولاً إلى الرقم مائة مليون. ما الخطب في الأمر؟ تذكّروا أن أول رجل مات كان حدثاً فريداً. إذا لا يمكننا إحصاؤه لأنه فريد، ثم يموت الرجل الثاني. الآن ليس الحدث فريداً، أليس كذلك؟ بلى إنه كذلك لأنه يتم انتقاص الأول.

إذاً، حالة الموت الثانية هي حدث فريد جديد، أي أنه لا يمكن أن يكون هذا الحدث الثاني.. وانطلاقاً من هذا المنطق لا يمكن أن يكون لديك ثلاثة وأربعة وخمسة وستة وسبعة وثمانية وصولاً إلى الرقم مائة مليون. ما يعنيه ذلك ببساطة هو استبعاد جميع الأحداث، لأن جميع الأحداث فريدة بطريقة ما. انتهى الوقت. سأتابع الكلام عن هذا الأمر في محاضراتنا المقبلة بينما نعرّفكم على الشخص الأهم في هذه الحقبة برمّتها وهو أيمانويل كنط

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق