الأربعاء، 27 يوليو 2016

في تاريخ الفلسفة؛ ديفيد هيوم 1؛ (آر. سي. سبرول؛ حلقة 23)




 

هيوم الجزء الأول

أر سي سبرول 23

 


 

اليوم في الاستديو وبينما نتابع محاضراتنا التعليميّة، لدينا العديد ن الضيوف معنا، والبعض منهم في سن الشباب. أتساءل ما إذا كان هؤلاء الأولاد قد سمعوا آباءهم يعطون جواباً محدّداً عن أسئلتهم. حين تسأل والدك: "أبي، لماذا لا يمكنني الذهاب إلى السينما الليلة؟" أو "أبي، لماذا لا يمكنني أن أقود السيارة؟". هل سبق لأبيك أن قال لك في جوابه "لأن"؟ هل سبق لك أن سمعت ذلك؟ نعم، أنت واثق من ذلك. سبق لنا جميعاً أن سمعنا ذلك.

أحياناً، حين يزعجني أحفادي بشتى أنواع الأسئلة وأحاول أن أتحلى بالصبر وأن أقدّم لهم تفسيراً، لكن عاجلاً أم آجلاً، أفقد الصبر. وحين يقولون "لماذا لا يمكننا فعل ذلك؟" أجيب "لأن فحسب" وأكتفي بهذا القدر. لكن هذه الكلمة تبدو كلمة بسيطة، لكنها كلمة نستعملها كل يوم في حديثنا العادي، وما معناها؟

حين نقول أن أمراً ما يحدث لأن، فإننا نفترض وجود داع لحدوثه، أو بشكل أكثر تحديداً، ثمّة سببٌ يجعله يحدث.

في تاريخ الفلسفة، الإنسان الأكثر شهرة بتقديم تحليل نقدي لمثال السبب برمّته هو الفيلسوف الاسكتلند دايفيد هيوم.

عاش هيوم في القرن الثامن عشر (1711ـ 1776). أظن أن كثيرين بينكم يدركون أهمّية هذا التاريخ في التاريخ الأميركي، لكن اللاهوتيين يعتبرون دايفيد هيوم أحد نقّاد المسيحية الأكثر إذهالاً الذين عرفتهم الكنيسة يوماً.

لقد ألّف هيوم كتباً عدّة، لكن أهم كتابين له، لا سيّما في ما يتعلّق بهذا المقرّر التعليمي هما تحقيقه المتعلّق بالفهم البشري ومحادثاته المتعلّقة بالديانة الطبيعيّة. لأنه ي كتابه التحقيقي، يقدّم نقداً شاملاً للسببيّة. وفي كتاب محادثاته، يقدّم نقداً شاملاً للمعجزات. ما من اسم أكثر ارتباطاً برفض مثال المعجزات من اسم دايفيد هيوم، لكن الأمر الرئيسي الذي اشتُهر به في تاريخ الفلسفة يأتي نتيجة تحليله النقدي لمفهوم السبب أو السببيّة، وهو كان شكوكيّاً في ما يتعلّق بقدرتنا على معرفة الحقيقة لأنه أدرك أن كل معرفة تجريبيّة مبنيّة على أساس الحواس أو الانطباعات.

أحد الأسئلة التي بحث فيها هو الآتي: أنا أفتح عينيّ وأرى العالم من حولي، وأرى شتى أنواع الأشياء الوصفيّة بعينيّ، أرى مجموعة من الناس أمامي هنا، البعض شاب جداً والبعض ليس شاباً جداً، لن أستعمل تلك الكلمة السيّئة، لدينا قميص أحمر هنا وقميص أخضر هنا وقميص أزرق مخضرّ هنا. إذاً لديّ مجموعة من الألوان، وسط ذلك كلّه، أنا أقوم بعمل تفريد هنا individualization ، ربما لم تسمعوا أبداً المصطلح "تفريد"، لكنكم سمعتم حتماً المصطلح "فرد"، حين نقول أن أحدهم هو فرد، فإننا نعني ببساطة أنه يوجد واحد منه فقط، أنت لست شخصيّة مجزّأة، أنت لست شخصين، لكنك شخص واحد، أنت فرد واحد ومحدّد. حين نفرّد الأشياء فهذا يعني أننا نملك القدرة، رغم وجود مجموعة من الناس هنا. أنا أدرك أن هذه المجموعة مؤلّفة من تعدّد أفراد، أنا أنظر إلى فرد ما وأتمكّن من تفريد بعض أعضاء ذلك الشخص: الرأس، الذراعان، الجذع، الساقان، القدما، إلى آخره. طرح هيوم السؤال الآتي: كيف تتلقى حواسُنا وابلاً من جميع هذه المحفّزات أو الانطباعات الخارجيّة؟ كيف يمكننا تفسير ذلك؟ كيف يمكننا اختيار فرد معيّن وسط مجموعة كبيرة؟ لماذا لا تختلط جميع هذه الأحاسيس في مجموعة فوضويّة من الانطباعات الحسّية؟ ما يقوله هو إن هذه اإحدى أكبر المشاكل في الفلسفة. كيف يمكن لهذه القوّة الخارجيّة إثارة مُثُلٍ واضحة وملموسة؟ كما أنه يسأل كيف أن هذه الأحاسيس التي لدينا اختبارات البصر والتذوّق واللمس والشمّ وغيرها، كيف ترتبط هذه بالأفكار أو بالمثل؟  من بين الاثنين، المُثل والأحاسيس، أيّ من الاثنين أكثر قوّة وحيويّة؟ بالنسبة إلى هيوم، الجواب هو الأحاسيس sensations  تلك الأحاسيس التي تثير الأفكار، نحن قادرون على تذكّرها. كما أنه درس لغز الذاكرة، الأمر الذي نعتبره أيضاً تحصيلاً حاصلاً إلى أن نرى شخصاً يعاني من داء الألزهايمر أو من شكل متقدّم من أشكال تصلّب الشرايين، حيث يبدأ بققدان قدرته على التذكّر. أنا أصادف ذلك دائماً كأستاذ مع طلابي حيث أعطيهم امتحاناً نهائياً في نهاية الفصل، وهم لا يتذكّرون دائماً ما يُفترض بهم تذكّره في الامتحان. في الواقع، الليلة الماضية، في الكنيسة التي أخدم فيها، أنا أخدم في اللجنة التي تمتحن مرشّحين للخدمة، يقضي عملي بدراسة لاهوتهم، إنهم يكتبون مقالاتٍ حيث يدوّنون ملخصاً عما يؤمنون به. وقف شاب أمامي الليلة الماضية، فقرأت مقالته العقائديّة ووضعت دائرة حول خمسة أو ستّة أمور فيها أثارت لديّ أسئلة بشأن ما يؤمن به هذا الشاب وبدأت أسأله عن بعض هذه الأمور، فاتّضح لي أنه حائر قليلاً بشأن بعض هذه المثل. في النهاية، نظرت إليه قائلاً: "أين تعلّمت لاهوتك النظامي؟ من علّمك اللاهوت النظامي؟" أتعلمون ماذا قال؟ "آر. سي. سبرول". قال "لقد كنت أستاذي في معهد اللاهوت هذا منذ 15 سنة".

وبصراحة، كنت قد نسيت أنه كان أحد تلاميذي، ولم أعلم ما إذا كان عدم الدقّة لديه في هذا العنصر بالذات يعود إلى أن الطالب لم يتعلّم أو إلى أن الأستاذ لم يعلِّم. كان عليّ أن أساعده في هذا الأمر، لكن توجد دائماً مشكلة الذاكرة، هو لم يُبق في ذهنه الأمور التي علّمته إياها، كما أني لم أبقِه في ذاكرتي.

إذاً، كان كلانا يعاني من زلات في الذاكرة. في كل لحظة من كل يوم ينزل عليك وابل من الأحاسيس والانطباعات، ترى أموراً ربما لم ترها أبداً من قبل. مع ذلك، على ذهنك أن يسجّل جميع تلك المعطيات. سبق أن قلت أنه يمكنك اتخاذ قرار بعد ظهر هذا اليوم بأن تتوقّف عن الدراسة، لكن لا يمكنك اتخاذ قرار بالتوقّف عن التعلّم، لأنك ما دمت واياً، وما دمت مدركاً .. أنت تتعلّم، حتى إن لم تشأ أن تتعلّم، أنت تتلقّى معلومات، أنت تتلقّى أحاسيس ومعطيات، ويتمّ تخزين هذه المعطيات في دماغك، لكنك لا تتذكر ذلك إطلاقاً، أليس كذلك؟

يصعب عليّ أن أتذكّر ما فعلته ليلة أمس. أحد الأمور، إحدى الأفكار الفطنة التي كانت لدى هيوم كانت تتعلّق بكيفيّة عمل الذاكرة، وهو قال إن الذاكرة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأحاسيس الأصليّة التي انتابتك وتتوقّف على حيويّتها، أو ما أسماه حدّتها وتألّقها. معنا فتاة صغيرة اليوم، أعتقد أنها في الحادية عشرة من العمر، في التاسعة من العمر وهي تدعى (غرايس)، هل هذا صحيح؟ هل ذكرت عمرك الصحيح يا (غرايس)؟ كم هو عمرك؟ ثماني سنوات؟ كنت لأؤكد أنك في التاسعة. هل ترين كم أن ذاكرتي جيدة؟ قلت لي منذ قليل أنك في الثامنة، وها قد أضفت سنة إلى عمرك الحقيق، أليس كذلك يا (ستيفن)؟

ماذا؟ ماذا حدث هناك؟ أيمكنك أن تردّ إليّ ذلك لأنه لا يمكنني العمل بدون ممحاتي. لقد أخطأت في الهدف. أتعلمون ماذا أظن؟ أظن يا (غرايس) أنك حين ترجعين إلى ديارك في ألكسندريا في فرجينيا لن تتذكّري الكثير مما أعلّمه اليوم عن دايفيد هيوم. لكن أتعلمين ماذا ستتذكّرين بالتأكيد؟ حتى أنك قد تخبرين صديقاتك به حين تعودين أدراجك: "ذهبت للاستماع إلى ذلك الأستاذ المجنون في أورلاندو، وفي وسط المحاضرة، ومباشرة أمام شاشة التلفاز رمى ممحاته عليّ" أتظنّين أنك ستتذكّرين ذلك؟ ستتذكّرين ذلك إن لم تتذكّري أيّ شيئ آخر، لأن ذلك الاختبار سيكون أكثر حدّة وحيويّة من اختبار الاستماع إلى مُثُل نظريّة عرضاً، جوناثان إدواردز الي كان يعظ في القرن الثامن عشر، وكان المتكلّم الرئيسي في النهضة الكبيرة في الولايات المتّحدة يشتهر بعظاته. وبالطبع، أشهر عظة لديه عنوانها "الخاطئ بين يديّ إله غاضب" يصاب الناس بالذعر حين يقرأون تلك العظة، حيث يتكلم عن تواجد الخطاة في وضع متزعزع، ويشبّههم بالعنكبوت المتدلّي فوق النار وهو معلّق بخيط واحد رفيع ولهيب النار يضربه ويعصف به، وإن لامست شعلة واحدة ذلك العنكبوت الصغير الوحيد، فما الذي سيحلّ بالعنكبوت؟ سيقع في النار. إنه يقول لشعب هامبتون الشماليّة أو المكان الذي ألقى فيه تلك العظة أي هامبتون الشمالية، قال لهم "أنتم تشبهون ذلك العنكبوت، أنتم متدلّون فوق الجحيم معلّقين بخيط رفيع، ولهيب الغضب الإلهي يضربكم ويعصف بكم، مستعدّ أن يحرقه ويحرقكم في أية لحظة. الأمر الوحيد الذي يحول دون سقوطكم في النار هو يد الله ونعمة الله.

عادةً، لا يعظ الناس بهذه الطريقة اليوم، كما أنه اقتبس بعض الصور من الكتاب المقدّس حيث قال "قوس الله معكوف وسهمه مصوّب نحو قلبك"؟ هذا أمر قويّ، أليس كذلك؟ أنت تشبّه الله برامي سهام حمل قوسه وذراعه تهتزّ، وسينطلق السهم من ذلك الحبل في أية لحظة. لم يكن جوناثان إدواردز مجرد واعظ، كان فيلسوفاً. كان واعياً تماماً على ما يجري في بريطانيا العظمى في ما يتعلّق بدراسته للأحاسيس، وقد تدرّب على الوعظ مستخدماً صوراً ملموسة ومعبّرة جداً. صوراً لا يمكن نسيانها، صوراً يتذكرها الناس أيام الآحاد وما بعدها، لأنه فهم كيفيّة عمل الذهن.

في إطار تحليله لجميع هذه الأمور، حوّل هيوم انتباهه إلى مسألة السببيّة المهمّة، لأن لدينا انطباعاً عن السببيّة. تتساقط الأمطار ويتبلّل العشب. لماذا يتبلّل العشب؟ لأن الأمطار تتساقط. العشب يتبلّل لأن الأمطار تتساقط. ما الذي يمكن أن يكون أبسط من ذلك؟ كان هيوم يتطرّق إلى الأمر قائلاً "نعم، كلما رأيت الأمطار تتساقط، مباشرة بعد تساقط الأمطار أجد العشب مبلّلاً. إذاً، أنا أفترض أن سبب تبلّل العشب هو تساقط الأمطار عليه".

نقول "بالطبع، هذا ما تفترضه، ألا يفترض الجميع ذلك؟" فيوافق هيوم على ذلك، نعم نفترض جميعاً ذلك، لكنه قال "كيف تعرف أن سبب تبلّل العشب هو تساقط المطر؟" كيف تعرف أنه بما أن أمراً تبع الآخر، فالأمر التابع تسبّب به الأمر الأول؟

الأمر أشبه بسؤال المزارع: ما الذي يجعل الشمس تشرق كل صباح؟ فيجيب المزارع "أنا أعرف ما يسبّب شروق الشمس كل يوم" تقول "وما هو؟" فيجيب "إنه ديكي". يقول "لأنه كل يومٍ يصيح ديكي عند بزوغ الفجر، وما إن يصيح ديكي حتى تشرق الشمس".

من الواضح أنه اختبر بانتظام حدوث أمرين على التوالي وتبع أمرٌ الآخر، فافترض أن الأمر الثاني تسبّب به الأمر الأوّل، وبالتالي هو ارتكب إحدى المغالطات المنطقية الأقدم والأكثر شيوعاً، وهي مغالطة "ما بعد الأمر" إنها المغالطة التي تقول "بعد هذا الأمر،إذاً، بسبب هذا الأمر".

نحن لا نعتقد أن الشمس تشرق لأن الديك يصيح، لكن توجد علاقة اعتياديّة بين تساقط الأمطار وتبلّل العشب يمكننا تسمية ذلك "ارتباط اعتيادي".

السؤال الذي طرحه هيوم هو الآتي: "هل هذا الارتباط الاعتيادي هو ارتباط ضروري؟" إي هل يوجد أي ارتباط كبير وضروري تماماً بين تساقط الأمطار وتبلّل العشب؟ حين تطرح سؤالاً مماثلاً يعترض بعض الناس قائلين: "إن كانت هذه ماهية دراسة الفلسفة، فأنا أنسحب لأن الأمر جنونيّ. من الواضح أن المطر المتساقط هو ما يتسبّب بتبلّل العشب". لم يكن الأمر واضحاً لعرضيّي القرن السابع عشر، أليس كذلك؟ لم يكن الأمر واضحاً لـ ليبنتز مع نظرية التوافق الموضوع مسبقاً الخاصة به. ما قاله هؤلاء المفكرون الأوائل هو الآتي: "كيف نعلم ما إذا كان السبب الحقيقي لتبلّل العشب ليس عمل الله المباشر والفوري؟"

الله يجعل الأمطار تتساقط، وطريقته الاعتياديّة لإدارة كونه تقضي بأن يجعل العشب يتبلّل دائماً بعد تساقط المطر، لكن ليست الأمطار هي التي تجعل العشب يتبلّل، الله هو من يجعل العشب يتبلّل. أتذكرون صراعنا حول مفاهيم السببيّة الأوليّة والثانويّة؟

أتذكرون العرضي مالبرانش الذي قال مثلاً، تساقط الأمطار هو فرصة لله للتدخّل وتبليل العشب. لكن هل يمكنك رؤية الله يتدخّل؟ الله روح وهو غير منظور. إذاً، كيف يمكننا أن نعرف ما إذا كان الله هو من يجعل العشب يتبلّل. قد يبدو هذا السؤال سخيفاً في البداية، لكن حين نتطرّق إلى النطاق الكامل والواسع لكيفيّة عمل هذا الكون وندرك ما كان الناس قد بدأوا يفهمونه في القرن الثامن عشر، وهو أن ثمّة أموراً تجري أكثر من تلك التي نراها، كيف نعرف ذلك؟ أكرّر، من خلال اختراع المنظار. بدأنا نشهد حدوث أمور ما كنا لنتخيّل حدوثها من دون منظار. إذاً، ما يقوله الشكوكيّ في هذا الصدد هو الآتي: "من يدري ماذا يجري فعلاً؟ من يعرف ما الذي يتسبّب فعلاً بحدوث أمرٍ ما بارتباط متتالٍ مع الآخر؟"

إن هيوم في شكوكيّته، وسنستكشف البعد الكامل للأمر في درسنا المقبل، لكن هيوم قال: علينا أن نميّز بين العلاقة الاعتياديّة والعلاقة السببيّة. وفق هيوم ليس الأمران متطابقين بالضرورة. هذا ما كنت أحاول تفسيره خلال الدقائق الخمس الأخيرة. إنه لأمر اعتيادي في اختبارنا أن نرى العشب يتبلّل بعد تساقط الأمطار. إذاً، نفترض وجود ارتباط ضروريّ بين تساقط الأمطار وتبلّل العشب، لكن الأمرين ليسا متشابهين. إذاً، ما سيفعله هيوم هو أن يفسّر لنا لغز العلاقات السببيّة من وجهة نظر مختلفة تثير تساؤلات بشأن واقعيّة السببيّة بحدّ ذاتها. ما أهمّية ذلك بالنسبة إلى المسيحيّة بشكلٍ خاص؟

حين أقول "لماذا تؤمن بيسوع؟" فقد تجيبني "لأن الله أقامه من الموت". هل تعلم أن الله سبّب الأمر؟ هل شهد أحدٌ على عمل الله في الأمر؟ لا، في الواقع هذا يثير سؤالاً متعلّقاً بالمعجزات. هل يمكننا أن نؤمن بحدوث المعجزات؟ لماذا تؤمن بوجود الله؟ تقول: "أنا أنظر إلى العالم من حولي، ولا بدّ أن أحداً تسبّب به" جزء كبير من البراهين على وجود الله تاريخياً كان مبنيّاً على أساس التحليل انطلاقاً من الحاجة إلى سبب، ولا يقتصر الأمر على وجود الله. تذكّروا صيغة ديكارت الشهيرة "أنا أفكّر، إذاً أنا موجود"؟ وطرحت سؤالاً في ذلك الوقت: ما الذي كان ديكارت يفترضه بقوله "أنا أفكر، إذا، أنا موجود". كان يفترض أنه إن كان يفكّر، إن كان يشكّ، فلا بدّ من وجود سبب لذلك الشك، لا بدّ من وجود مشكّك، ولكيّ يوجد مشكّك، لا بد من وجود سبب لوجود مشكّك، لا بدّ من وجود مفكّر، ولكيّ يوجد الفكر، لا بدّ من وجود مفكّر، ولكيّ يفكّر المفكّر، عليه أن يكون موجوداً. إنه يفترض وجود سببيّة طوال نقاشه.

تشكّل السببيّة افتراضاً استعمله كل فيلسوف على الإطلاق. والآن وللمرّة الأولى، إنه يتعرّض لهجوم قاس من خلال تحليل دايفيد هيوم، ما يتسبّب بمشاكلَ خطيرةٍ للمسيحيّة الكتابيّة والعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق