19 يونيو 2014
ترجمة: محمد عبدالرزاق
[عرض موضوعي، وإن كان الكاتب ليس محايداً، بل منحازٌ إلى الاعتقاد الإيماني على حساب العقل]
مدخل ـــــــ
يقسّم المختصّون التاريخ إلى مراحل مختلفة
من قبيل القرون الأولى (القديمة) والقرون الوسطى، والعصر الجديد، ويقسّم العصر الجديد بدوره إلى مراحل أخرى كعصر النهضة
والإصلاح الديني وعصر التنوير؛ أما عصر النهضة والإصلاح الديني فقد ظهرا في القرن
الخامس عشر والسادس عشر، وشمل عصر التنوير القرن السابع عشر والثامن عشر على وجه
الخصوص.
كان العقل والوحي الملاك والحجّة في القرون
الوسطى؛ فإذا أريد من العقل إثبات قدراته فإن ذلك يُقسّم من خلال معرفته للوحي،
لقد كان النزاع الدائر بين المتكلّمين والفلاسفة في المسيحية والإسلام أيضاً
متمركزاً حول مستوى قدرات العقل قبال الوحي وتساويهما أو تفوّق أحدهما على الآخر،
وجوانب القرون الوسطى كافّة كانت تعكس ماضيها الديني وأبعاده، ولم يكن للعقلانية قبل عصر التنوير سمات مخالفة للدين أو
غير دينية.
يصنّف آتين جيلسون ـ المختصّ بتاريخ القرون
الوسطى ـ فلاسفتها إلى:
1 ـ أولئك الذين قالوا: "بما أن الله
كلّمنا فلا حاجة للتفكير".
2 ـ الذين يقولون: "إن القانون
الإلهي يُحتِّم على البشر معرفة الله من خلال السبل العقلية والفلسفية"؛ لأن
أولى الوظائف البشرية هي إعمال العقل، تلك الموهبة الربانية([1]).
وتكلّم جيلسون عن ثلاثة أنماط فيما يخصّ
العقل والوحي والعلاقة بينهما، وقد نجم عن هذه الثلاثة ظهور ثلاثة اتجاهات أو كما
يقول جيلسون: ثلاث مدارس هي: مدرسة أغوسطين، ومدرسة
ابن رشد، ومدرسة توما الأكويني.
وتعتبر مدرسة أغوسطين ـ حسب جيلسون ـ الدين
بديلاً لجميع المعارف البشرية، سواء كانت في الأخلاق والمعنويات أو في العلوم
التجريبية، ومع وجود الدين لا حاجة للعقل والفكر الفلسفي إطلاقاً.
وخلافاً لهذا، ذهبت مدرسة ابن رشد إلى
القول بأصالة العقل وانعدام دور الوحي في المعرفة البشرية، أما مدرسة توما الأكويني
فجاءت مخالفة للاثنتين السابقتين، حيث اعتقدت بوجود ترابط بين العقل والوحي للوصول
إلى الحقيقة المطلوبة، وكان جيلسون مؤيّداً لهذا الرأي([2]).
لقد احتفظ الاتجاه المدرسي
عبر القرون الوسطى بشعار "أومن ثم أدرك"؛ من هنا كان لاهوته في واقعه ـ
رغم طابعه الفلسفي ـ مقولةً من مقولات الكلام، أي الكلام المستند للوحي.
وبينما كان
عصر النهضة يشهد شعارات النزعة الإنسانية؛ تعرّضت مصداقية الوحي مرّةً أخرى
لشبهات الملحدين في العالم المسيحي الغربي، أولئك الذين كذبوا الرسل والآباء، وعلى
الرغم من أنّ أتباع النزعة الإنسانية لم ينكروا صلاتهم بالمسيحية إلاّ أنهم لم
يعترفوا بقدسية الكنيسة.
أما في عصر التنوير، فقد خضع
الوحي مرّةً أخرى للنقد العقلي عندما رأى أرباب المعرفة في العقل وسيلة الإدراك
الوحيدة، وقد انطلق هذا
العصر في القرن الثامن عشر على أساس القراءة المادية للحياة والمتمثلة إبان النهضة
في الفنّ والدين والسياسة والعلوم الطبيعية، وإذا أردنا متابعة بدايات فلسفة عصر
التنوير فعلينا الرجوع إلى تاريخ إنجلترا.
وقد شقّ هذا التيار طريقه إلى فرنسا أولاً،
ومن ثم إلى ألمانيا بشكل مباشر من إنجلترا نفسها([3])، ولعلّ المطالعة الأولية لهذا العصر
تقودنا إلى تغليب طابعه النقدي المشكّك تجاه الدين.
تيارات عصر التنوير ـــــــ
يمكننا ـ بتسليط الضوء على عصر التنوير ـ
تمييز ثلاثة أجيال:
1 ـ أولئك الذين يؤيدون الدين الطبيعي([4]) والدين الإلهي معاً، أي الذين
كانوا يعتقدون بإمكانية الوصول إلى الله عن طريق الوحي والقوانين الطبيعية في عرض
واحد؛ حيث يغدو الوحي وشريعة العقل ـ أو الدين العقلاني ـ وسيلتين متساويتين([5])؛ لذا امتطى أتباع اللاهوت الطبيعي
والمسيحيّون جواداً واحداً في هذه المرحلة.
2 ـ القول
بالدين الطبيعي ورفض الوحي، يقول ديدرو في هذا الصدد: "إن لكلّ ذي بدايةٍ
نهاية، وكل ما لا بداية له لا نهاية له، وأديان اليهود والنصارى لها بدايات، وليس
هناك دينٌ مجهول البداية إلاّ الدين الطبيعي، إذن هو وحدَهُ الذي لا نهاية له؛
بينما جميع الأديان الأخرى مصيرها الفناء والزوال، وإنّ كلاً من اليهود والمسيحيين
والمسلمين والمشركين، إما تابع لإحدى فرق الدين الطبيعي، أو مرتدّ عنه؛ فالدين
الطبيعيّ هو الدين الحق وبالإمكان إثبات ذلك"([6]).
3 ـ أولئك
الذين يرفضون الدين بشتى أشكاله، أعمّ من كونه إلهياً أو طبيعياً، وقد كان لهم
وجود في فرنسا، نأخذ منهم فيورباخ على سبيل المثال، وهو الذي كان يقول: إنّ
المادة قائمة بنفسها؛ لهذا أنكر وجود الله والاختيار وبقاء الروح، وكان يقول: إنّ
الطبيعة وحدها هي التي تستحقّ العبودية: "أيتها الطبيعة! يا من يحكم جميع
الكون! وأنتم أيها المترعرعون في كنفها من عقل وفضيلة وحقيقة كونوا جميعاً أرباباً
إلى الأبد"([7]).
لقد وثق مفكّرو عصر الأنوار بقدرات العقل،
ليس في مجال العلم والدين فحسب، بل في شتى مجالات الحياة الإنسانية، وكانوا على
موعدٍ مع"نيوتن جديد في علم الاجتماع".
إفرازات عصر
التنوير ـــــــ
نظراً لقيام بدايات حركة
التنوير على مناهضة الكنيسة والتمرّد على الدين الأمر الذي أفرز ثلاثة اتجاهات
جديدة: الرومنطيقية في الأدب، التديّن الفردي، الاتجاه الفلسفي وردود فعله.
أما بالنسبة للاتجاه الأول، فقد ارتكزت
مواجهاته في أغلب الأجيال مع العقل وإن لم يلغ انتماءه للدين؛ حيث كان يعتقد بأنّ
التوجّه للعقل يتجاهل جملةً من التجارب البشرية.
ونظراً لتقاعس الكنائس الرسمية إبان عصر
التنوير، أخذت الديانة الفردية (الشريعة القلبية) بالانتشار والتطوّر في القرن
الثامن عشر، فجاء هذا التيار إحياءً لقوّة المسيحية التقليدية، وكانت الاحتجاجات
والاستدلالات العقلية والنقلية جميعها تقليديةً يحاولون من خلالها التوفيق بين
معتقداتهم وما نقل في الكتاب المقدّس، وبما أنهم
يولون أهميةً أكبر للتدين القلبي، على حساب الاعتقاد الكلامي من هنا مهّدوا الطريق
لليبرالية البروتستانتية الكلامية، وكان كانط من جملة المتأثرين بهذه الحركة
حتى أنه قال: "لا حاجة إلى دليل على وجود الربّ، إنما هو
مجرّد إحساس قلبي وتلقٍ ذاتيّ، لقد كانت هذ الأفكار من أقوى النظريات في أوروبا.
أما بالنسبة للإفراز الفلسفي، فلابد من
التذكير بمسائل:
1 ـ هيوم ومذهب الشك الفلسفي ـــــــ
كتب ديفيد هيوم (1711 ـ 1776م) مطارحات في
الدين الطبيعي نُشرت سنة 1776م تبنّى باللغة الفلسفية مذهب الشك؛ فأثبت براهين
الدين الطبيعي واحداً بعد الآخر، وقد لامَ عصر التنوير على ثقته العالية بالعقل في
شتّى المجالات؛ فوجّه بتشكيكاته ضربات دامغة لبنية هذا العصر المتعكّز على عصاً
واحدة هي العقل.
ومع أنّ هيوم، كان له إيمان
جزئي؛ إلاّ أنه كان يقول: لا يمكن ـ منطقياً ـ إثبات الرب أو إنكاره، لذا من
الأفضل تجنب الخوض في هذا الموضوع.
لقد شكّلت مسألة العلّية حجر الزاوية في
بحثه التشكيكي؛ فكان يعتقد بأنّ: "تصوّر العلّية لابد أن يكون ناشئاً عن وجود
نسبة وعلاقة بين الأشياء"[8])، والتماثل أو التقدّم الزمني لا يوجبان
عنده العلّية إطلاقاً؛ إذاً "لابد من ملاحظة علاقة ضرورة بين
الأشياء"، وهنا سؤال يطرح نفسه وهو: ما منشأ تصوّر علاقة الضرورة؟ ومن هنا
يتفرع سؤالان آخران هما:
أولاً: ما هو الدليل على لابدّية كون كلّ حادث معلول؟
ثانياً: لماذا نستنتج أن لكلّ علّة خاصة معلول خاص بالضرورة؟ وما هو نوع
الاستنباط الذي يقودنا من واحدٍ لآخر؟ وما هو نوع الاعتقاد بذلك كلّه؟
يقول هيوم: إنّ المبدأ
القائل بأنّ لكلّ ذي بدايةٍ علّة ليس من قبيل المسلّمات الغيبية ولا من المبرهنات.
إنّ "فرضية تعلّق المستقبل بالماضي لا تستند إلى أيّ دليل، إنما هي
ناشئةٌ من الأدات التي نلتزم بها، فنطلب من المستقبل ما ألفناه سابقاً"، "إذن
فالعقل ليس هو مرشد هذه الحياة بل العادة والألفة، وهذا ما يفرض على الذهن في
الأحيان كافّة أن ينظر إلى المستقبل بما يطابق الماضي، إنّ هذه الخطوة وإن سهلت لن
يتسنّى للعقل تجاوزها أبداً"([9]).
ثمّة ارتباط وثيق وتأثير واضح للعادة
والألفة في تحليلات هيوم وتفسيراته للعلّية، وهي تلك العادات الصادرة عن الأفكار
الموروثة من التعلّم في عهد الصبا والطفولة، حتى أخذت تسري في أعماقنا، ويرى هيوم
أن الدين ينبع من بعض الانفعالات من قبيل الخوف من البلاء والأمل في تحقيق السعادة
أو الاستقرار، ذلك أنّ هذه الانفعالات راجعة إلى قدرة خفية وعاقلة، وقد سعى البشر
عبر الزمن كي يمنحوا الدين طابعاً عقلانياً ويثبتوه بالأدلّة والحجج، إلاّ أن
غالبية تلك الأدلّة لم تصمد أمام النقد طويلاً، مع هذا كلّه، كان هيوم يرى أنّ الدين
معتمد على الوحي والإلهام، إلاّ أنه ـ أي هيوم نفسه ـ لم يكن مؤمناً بذلك الوحي
والإلهام أبداً.
لقد كان الأساس الذي قام
عليه عصر التنوير كامناً في أنّ عقولنا تستطيع إدراك الواقع، إلاّ أنّ هيوم كسر
شوكة العقل، وأنكر حجيته، عندما شكّك في إدراك الضروريات وتحصيل اليقين، وهذا ما
شكّل أوّل ردّ فعلٍ فلسفي على التنوير؛ فقد رفض مفكّرو عصر التنوير الدينَ بواسطة
العقل، أما هيوم فرفضه عبر نفي العقل نفسه.
2 ـ كانط ونقد العقل
المحض ـــــــ
بعد ذلك جاء كانط،
وقال: "إني أعترف علانيةً بأن نصيحة ديفيد هيوم هي التي أيقظتني
من سُباتي قبل سنين، أعني سبات الإذعان الديني"([10]).
لقد تمحورت أعمال كانط الفلسفية حول فرضية
ماوراء الطبيعة وعدمها، ثم تساءل من خلال ذلك عمّا إذا كان عالم ما بعد الطبيعة
قادراً على تعزيز علمنا بما يتعلّق بالواقع أو لا؟([11])، وقد
شكّلت مواضيع الإله والاختيار وبقاء النفس أبرز مسائل عالم ما وراء الطبيعة؛
إذاً بالإمكان تقديم السؤال على النحو التالي: هل بإمكان ما وراء الطبيعة أن
يمنحنا يقيناً بخصوص تلك المسائل الثلاث؟
يرى كانط أنّ العلم يحصل
نتيجة عمل منسّق بين الذهن والعين الخارجي، وكان له رأي يخالف ما كان عليه القدماء
من أن الذهن مرآة عاكسة لوقائع العالم، إنه يرى أن العقل ليس مرآةً، بل نحن من
يطلّ على العالم من خلال هذه العدسات، إذاً لابد من التأكيد على مدى صحّة وكذب
الذهن في تقاريره الصادرة؛ وعليه
فلا بدّ للفلسفة أن تدرس أبعاد هذا الذهن؛ ذلك أن العلم نتيجُ تنسيقٍ بين الذهن
والعين، فالعين هي ناقل مدركاتنا؛ لأنها سبب في
ظهورها أمامنا، إنّ حواسنا تعمل على تأطير المعلومات بالزمان والمكان مع الترتيب،
ثم يأتي الفهم والإدراك فيصنّف كل واحدةٍ من المدركات في حيّزٍ خاص، وعلى هذا
الأساس تغدو المعرفة تلك المدركات المؤطرة بالزمان والمكان والمنقادة لقوانين قوة
الإدراك، وبما أنّ صورة المعقولات الدينية (الرب والاختيار وبقاء النفس) لم تحدّد
بزمان ومكان، إذاً فصانع هذه المعرفة ليس عينياً، نعم، ليست من قبيل الوهم أو
الخيال.
ويرى كانط أننا لو لم نفهم حقيقة هذه الصور
وعملها سيتحول عالم ما وراء الطبيعة إلى مسرحٍ من الجدال العبثي، لقد اتخذت فلسفة
كانط من الإدراك والعقل أصلاً، ثم حاولت تطبيق الأشياء عليه، وذلك بدلاً من اعتبار
الأشياء هي الأصل، لتطبيق الإدراك عليه، والنتيجة صيرورة العالم صنيعةً للذهن.
يعتقد كانط إنّ الفلسفة النظرية نتيجٌ لخطأ
فادح ارتكبه العقل وحده، وإنّ البراهين التقليدية باطلة؛ لأنها تعتمد على قانون
العلّية، فهذا أصل يعود إلى عالم الظواهر مجرّداً عمّا في الذات (phenomenon) وليس إلى عالم الأشياء بذواتها (noumenon).
ويستدلّ كانط قائلاً: "إن
ما أوردوه من أدلّة حول إثبات وجود الله ليست تامة وذات حجّية؛ لأنها إما تستند
إلى أصل الجهة الكافية من قبيل الاستدلال بنظم العالم ودقته على وجود صانعه، أو
إلى أصل الذات (الدليل الوجودي)، فأمّا الأصل الأول فهو لا يصدق إلاّ في عالم
الأذهان، وأصل الذات أيضاً ليس بإمكانه أن يكون مبرّراً لصدق ما هو في عالم
الأذهان على ما هو في عالم الأعيان" ([12]).
إذن، لابد من البحث عن دليل آخر للإيمان
بالله، وهو عند كانط يخضع للإطار العملي الأخلاقي؛ فالأخلاق هي التي تصنع الدين
وليس العكس، كما هو سائد حتى الآن، وهي أخلاق تصنع من قبل العقل العملي ـ المدرك
والمحرّك حسب رأيه ـ وهي التي تمثل أساس الدين وجوهره، أي أننا نتخلّق أولاً ثم
نتدّين.
كتب يقول: "بدون
إعمال الأخلاق في الحياة يغدو كل ما يمارسه الإنسان في مرضاة الرب زعماً دينيّاً
وعبودية كاذبة ومفتعلة" ([13]).
يعيّن كانط للفلسفة أربع قضايا رئيسة، يطلق
عليها (الجدلية الطرفين)، أي الأحكام التي لا دليل عليها من الطرفين أو أنّ
لكليهما أدلّة ثبوتية؛ فتمام بحوث الحدوث والقدم والبساطة والمركب في المادة،
والجبر والاختيار ووجود أو عدم وجود الباري، إنما هي عنده من هذا اللون، لقد كان
يقول: "هنالك أربعة أنواع للقضايا الجدلية الطرفين في العقل المحض، وإنّ
جدليّتها هي بحدّ ذاتها دليل على وجود نقيض في الطرف الآخر لكلٍّ منها، مبتنٍ على
أسس العقل المحض، وإنّ صدقهما محرز على حدّ سواء، وهذا نقاش لا تجيب عنه أدقّ
الفروع والفنون الميتافيزيقية، بل هو عامل في تراجع الفلاسفة عن البحث في أولى
مصادر العقل المحض، لم يأتِ هذا التعارض عن فراغ، بل هو قائم على أسس ماهية العقل
البشري، لذا فلا نهاية له ولا محيص عنه" ([14]).
لقد كتب كانط كتابه في نقد العقل المحض
ليتوصّل إلى عجز العقل عن إثبات الأركان الثلاثة للأديان، وهي وجود الله،
والاختيار، وخلود النفس، عن طريق الاستدلال، وقد عاد كانط وطرح الموضوع مرةً أخرى
في كتاب: الدين في دائرة العقل المحض، مؤكّداً على ضعف أدلّة إثبات وجود الباري.
ويفنّد كانط في نقد العقل المحض الأدلة
التقليدية لإثبات الباري، حتى أنّه يصرّح قائلاً: "ها أنا اليوم أحكم ببطلان
جميع مساعي العقل النظري في علم اللاهوت وأنها خاوية في ذاتها؛ ومن جهة أخرى أقول:
إنّ جميع أصول العقل الطبيعية لا تمتّ بأيّ صلة لمواضيع علم اللاهوت" ([15])، إلى أن يقول: "لذا يجب عليّ
ترك العلم لكي أمنح الإيمان فرصته" ([16]).
كان كانط يعتقد أنّ الإله الذي يفرضه
اللاهوتيّون والحكماء الربّانيون هو ممّا تذعن به قلوبنا، إلاّ أنهم يريدون إثبات
وجوده بدليل العقل، وهو أمرٌ غير صائب؛ لأنّ تحصيل اليقين في هكذا نوع من المبادئ
لن يتأتى بالدليل العقلي، وكلّما قدّموا دليلاً لم يكن وافياً ولا مقنعاً([17])؛ فإذا عجز الاستدلاليون عن الإثبات
العقلي فلا حاجز أمام المنكرين، بل يغدو السبيل أمامهم مفتوحاً.
يقول كانط: "إنّ الأدلة ذاتها التي
تظهر عجز الإنسان عن إثبات أفضل الموجودات كفيلةٌ أيضاً بإثبات عجزه عن إنكار
وجوده… من هنا فأفضل الموجودات لدى العقل النظري ليس سوى غاية مثالية.. تلك الغاية
التي لا يستطيع العقل القويم إثبات كنهها وليس بإمكانه إنكارها" ([18])، إذاً لا يمكن تصوّر لاهوت عقلاني
إلاّ إذا اعتمدت الأسس الأخلاقيّة، ويضيف قائلاً: "لو لم توضع قوانين الأخلاق
ضمن الأسس أو الخطوط المرشدة، لما كان بالإمكان ظهور لاهوت عقلاني بالمرّة" ([19])، وقد ذكر كانط ما توصّل إليه في
دراساته في جملة من كتبه منها (أسس ما ورائية الأخلاق) و (نقد العقل العملي)،
وبهذا تبلور اللاهوت على أساس الأخلاق.
يفسّر كانط المفاهيم والتصوّرات وحلقات
الكتاب المقدّس "في حدود العقل المحض" على أساس فرض دائرة متناهية
الأبعاد تقف إلى جوار العقل، إلاّ أنها ليست بغريبة عنه، وإنما هي مما يعتبره
العقل ضمن حدوده حتى يُقحمها مداراته النورية. إنّ العقل الذي ينير بذاته لا يقيم
حلولاً للمشاكل، بيد أنه يكشف لأسرار([20]).
إنّ "الأخلاق وإن آلت إلى الدين" إلاّ
أننا نبقى بحاجة للإيمان في الفجوة المنطقية بينها وبين صورة الربّ العقلانية ـ واضع
الأخلاق والأعلى من البشر ـ ففهم قوانين الأخلاق ليس من الدين في شيء، إلاّ أنّ
الإنسان المتديّن يعتبر قانون الأخلاق من الأوامر الإلهية.
3 ـ هيجل وعودة
المشروع العقلاني للدين
ـــــــ
وبعد كانط جاء هيجل، فاختار
العودة للاهوت القائم على العقل، مفسداً بنقده كل ما عبَّده كانط من طرق، ومتخذاً
من الدليل الفلسفي في الكمال المطلق نقطةً لانطلاقه، فقال: "لقد بلغ الأمر
مبلغاً هذه الأيام جعل الفلسفة أمام خيار وحيد، هو الدفاع عن مضمون الدين أمام بعض
مذاهب اللاهوت… فإذا أردنا معرفة الله فلابد لنا من اللجوء إلى الفلسفة، صحيح أنّ
العقل كلّما حاول معرفة الأشياء المتعلقة بالربّ اتّهم بالخروج عن النص… وعلى
العكس من ذلك، فإنّ حقيقة التواضع هي أن نعرف الله ونقدّره لا سيما في الدائرة
التاريخية" ([21]).
لقد أماط هيجل الستار الذي وضعه كانط بين
الذهن والعين؛ فوحّد بين الفكر الديني الفلسفي وبين علم الإنسان المعاصر، فقد كان
يرى "أنّ موضوع الدين بشكل عام متمثلٌ في حقيقة وحدة الكائن الفكر" ([22])، وبهذا يكون هيجل قد عصرن الدين من
خلال عقلانيّته.
لقد كانت مشكلة هيجل الأساسية قابعةً في
آلية الانسجام بين المحدود واللامحدود، وبواسطة تفسير الدين الإنساني اعتزل هيجل اليهودية المستندة إلى الشريعة ـ وهي حسب رأيه
دين غير إنساني ـ واعتنق المسيحية.
أدّت فكرة هيجل الدينية وكيفية الدفاع
العقلاني عنه في صورة الديالكتيك إلى ظهور تيارات ثلاثة في تفسير حقيقة الدين
والمعتقدات الدينية، ليصبح التفسير الديني بعد ذلك مسرحاً لنظريات علم النفس
والاجتماع.
كان التيار الأول يدور حول اعتبار الدين
نتيجةً لاضطرار الإنسان، فيما تمحور الثاني حول اعتباره نتيجةً لاضطرار المجتمع،
أما الثالث فدار حول مدخلية إيمان المتديّنين في مواجهة الرب.
فيورباخ والتفسير
السيكلوجي للدين
ـــــــ
تعدّ كتابات فيورباخ (1804 ـ 1872م) الأولى
من نوعها في تحليل علم النفس وقراءته للظاهرة الدينية، فقد وجدت فلسفة هيجل صداها الأوّل بين الهيجليين الشباب، وكان
الأكثر تحمّساً فيهم فيورباخ نفسه، وعنه أخذت جميع التيارات القائلة بأنّ منشأ
الدين يأتي نتيجة لجوء الفرد إلى ما يحلّ مشاكله.
يرى فيورباخ أنّ السبب
الحقيقي للاعتقاد الديني يعود إلى الطبيعة الإنسانية وظروف الحياة والحرمان، فبعد
أن رأى الإنسان عجزه أمام الطبيعة بادر إلى منح صفة الألوهية لها وللجنس البشري؛
لأنّ الجنس البشري يمتلك جميع الصفات المقترحة للربّ؛ وبهذا اعتبروه إلهاً، وهكذا
صار الإنسان ربّاً تنازل عن صفاته للسماء، على هذا الأساس تكون أسباب الاعتقاد
الديني عاطفيةً لا عقلانية، وحسب فيورباخ: "العاطفة أصل الدين".
يرى هيجل أنّه عندما تتحوّل العلاقة بين
الربّ والإنسان إلى علاقة "المولى بالعبد" ([23])، يبدأ التخلّي عن الذات وإنكارها؛
فالربّ الذي ليس على وئام مع الإنسان يعمل على تجاهله، أما عند فيورباخ فإن فرض
أيّ نوع للرب هو عامل في إنكار الذات، "الموجود القدسي ليس إلاّ وعياً كاذباً
خرج عن حدود وشروط الحياة الفردية" ([24]).
ويتزامن إنكار الإنسان لذاته عندما
"يخلق" الربّ، ثم يعتبره خالق الكون، يرى فيورباخ "أنّ الربَّ
مقولةٌ يحتاج إليها الإنسان في حياته" ([25])، فالربّ وغيره من المقولات الدينية
ليست سوى صنائع للإنسان نفسه، ما يغدو أن يحوّلها إلى خالق، لتكون النتيجة شلّ
حركة الإنسان وتعطيل أفكاره، فيجهد نفسه في البحث عمّا هو أفضل للحياة، وهكذا
اعتقد فيورباخ أنّ هذا العصر هو عصر "أنسنة الرب"، فيصبح اللاهوت علم
الإنسان، وبهذا ينتهي زمن الرب وبقاء الروح، ويظهر مذهب جديد في ثوب بشري([26])، وحسب رأيه: "نحن لا نعبد
الموضوع في الربِّ بل نعبد المحمول" [أي الصفات]، ونحن لا نعبد
الربّ الظالم بل نعبد الربّ الإنساني العادل، و"الموضوع ليس إلاّ تحديداً
للصفات وتعييناً".
الموضوع هو ما يقرّره المحمول ويحلّ فيه،
فالمحمول حقيقة الموضوع([27])؛ إذاً "فالذات
الإلهية ليست إلاّ ذاتاً إنسانية؛ والأفضل أن نقول: إنها تشكّل الذات التي خرجت من
حدود الفردية ـ أي حدود الإنسان الجسماني الواقعي ـ لتظهر وجوداً مستقلاً عن
الإنسان وتتقدّس"، ويرى أيضاً: "أنّ الدين عبارة عن تجريد
الإنسان من ذاته؛ لأنه يجعل من الله وجوداً مضاداً، فليس الربّ كما عليه الإنسان،
وليس الإنسان كما عليه الربّ… إنّ إيجابيته مطلقة، وهو مبدأ الوجود، فيما الإنسان
في سلبيّةٍ دائمة، وأساسه العدم"([28]).
ثم يضيف: "غنى
الرب متوقف على فقر الإنسان، فلكي يكون الله كلّ شيء لابد أن يكون الإنسان عدم كلّ
شيء، لكنه يطلب أن لا تكون ذاته شيئاً، لأنه لا ينقص ندماً يأخذ من نفسه بل يحفظ
عند الله، إنّ وجود الإنسان رهينٌ لوجود الله، فلماذا يحتفظ به في ذاته؟… ومع أنّ
ظاهر الإنسان في أسفل الدرجات إلاّ أنه في الحقيقة في أعلاها" ([29])؛ وبهذا
يتنازل الإنسان عن ذاته لما هو أقوى، ثم يطلق عليه اسم الربّ، ثم يحقّر نفسه؛
ليكون مخلوقاً مذنباً وبائساً.
ومع أنّ محاولات فيورباخ كانت سطحيةً
وهزيلة في هروبه من الاعتقاد بالربّ([30])، وفي تحليله لظهور مثاليته، إلاّ أنّ
دراساته السيكلوجية أظهرت أن الضعف الديني أكبر من عدم الاعتقاد بالربّ أو حتى من
الإلحاد، لأن أسلوب التفسير السيكلوجي يلغي المقدّمات الدينية قبل إلغائه الربّ
والمعتقد؛ وبهذا يغدو الدين أكثر عرضةً للخطر، إنّ استعراض التبلور التاريخي
للمعتقد أكثر خطراً من مهاجمته وإلغائه.
ويمكن اعتبار أفكار فرويد، وإريك فروم،
ويونغ في نفس الشاقول بعد فيورباخ.
الماركسية والتحليل
الاجتماعي للدين
ـــــــ
مهّدت الأسس التي وضعها فيورباخ في استبدال
النظرية المثالية بالنظرية المادية الطريقَ أمام أفكار ماركس وإنجلز، وسيبقى ماركس
والماركسيون مدينين دون شك لتلك الأسس، يقول إنجلز في هذا الصدد: "كانت
البراعم الهيجلية في مختلف الأنحاء في حيرةٍ من أمرها، حتى ظهر رأي فيورباخ في
المسيحية، فوجّه ضربته القاضية للتضادّ الدائر، مُرجعاً النظرية المادية مرّةً
أخرى إلى عرشها دون عناءٍ طويل… لا يوجد شيء خارجٌ عن الطبيعة والإنسان، أما
الموجودات المثالية التي خلقتها القصص الدينية لنا فليست إلاّ انعكاساً لأوهام
الذات وخيالها… وكلنا على نهج فيورباخ، ويمكن الكشف عن مدى إعجاب ماركس بهذا الفكر
الجديد ـ على الرغم من ملاحظاته عليه ـ في كتاب الأسرة المقدّسة" ([31]). من هنا يبدأ التعامل مع الدين
بالأساليب المادية، أي إظهار مصادر الإيمان للعيان وأمام الملأ.
تقدّم أن فيورباخ يرى أن السبب وراء نكران
الإنسان ذاته يكمن في عجزه والبحث عن مخلّص، وأن الإيمان بالربّ عامل في إنكار الذات،
أما ماركس فلا يرى ذلك في الفرد بل في المجتمع والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية؛
فهو يرى أن "الناس يجب أن تأكل وتشرب وتسكن وتلبس أولاً، بعد ذلك
يتسنى لهم الدخول في السياسة والعلم والفن والدين، على هذا الأساس تعتبر الوسائل
المادية الأوّلية للعيش ورفع المستوى الاقتصادي لكلّ أمة وعصر قاعدةً أساسية في
بناء مؤسّسات الدولة، والجنائيات القضائية والفنون، بل وحتى أفكار المجتمع
الدينية؛ لذا لابد من تفسير الأمور وفقاً لهذه القاعدة وليس العكس كما كان سابقاً"
[32]).
كان يتعيّن على ماركس تفنيد أصول فلسفة
هيجل قبل الخوض في نقاشاته الاجتماعية، ذلك أنّ مفاهيم المثال والربّ والروح
المطلقة قد لعبت دوراً هاماً في الجانب الجدلي في فلسفة هيجل، لكن ماركس استبدل
مسألة "الروح المطلق" والمثالية الواقعية بالنظرية
المادية، وعمل في الوقت نفسه بالأسلوب الجدلي؛ فأدى هذا الاصلاح إلى الإطاحة بمقولتي:
الدين والربّ.
يقول ماركس: "إن أسولبي الجدلي
ليس مختلفاً عن أسلوب هيجل وحسب، بل هو على الطرف الآخر من النقيض، وتتمثل أطروحة
هيجل التي أطلق عليها: المثال، وحولها إلى شخصية مستقلة في القوّة الخلاقة (Demiayge) وهي مصداق خارجي لفكرة الذات والنفس، وهي عندني مختلفة تماماً عن
ذلك؛ فهي ليست شيئاً آخر غير الانتقال والاستقرار في ذهن الإنسان.. إن جدليته تقف
على رأسها، ولا بد من قلبها للتوصّل إلى نواتها العقلانية" ([33]).
يؤكّد ماركس في كتابه "أطروحات
في فكر فيورباخ" على دور العلاقات الاجتماعية الاقتصادية في
بلورة حقيقة الإنسان وكيفية تأثيرها على حقيقة الدين نفسه، يقول: "يرجع
فيورباخ أصل ماهية الدين إلى الماهية الإنسانية، لكن ماهية الإنسان ليست أمراً
تجريدياً ذاتياً للفرد وحده، إنما هي في حقيقتها عبارة عن مجموعة من العلاقات
الاجتماعية" ([34]).
إنّ ماهية الإنسان عند ماركس ليست مختصّة
به فردياً؛ أي كونه "من أفراد الإنسان"، إنما تقبع في صميم
العلاقات الاجتماعية.
يكتب ماركس في مقدمة نقده لـ (مبادئ فلسفة
الحق) لهيجل: "الإنسان هو الذي يخلق الدين، وليس الدين خالقاً
للإنسان، إن حقيقة الدين هي وعي الإنسان عاطفته، وهو إما أن يكون إنساناً لم يدرك
ذاته بعد، أو أنه أضاعها مرّةً أخرى، نعم هذا لا يعني أن الإنسان موجود انتزاعي
يقبع خارج هذا العالم… الدين متنفّس الخلق عند اضطرارهم، وهو إحساسٌ بعالمٍ لا
إحساس له، كما أن الروح نوع لا روح له، إنّ الدين أفيون الشعوب" ([35]).
لقد اعتبر العديد من الكتّاب مصطلح "أفيون
الشعوب" تعدّياً على حرمة الدين، فيما اتخذ آخرون موقفاً مختلفاً([36]). وكيف كان الأمر فهنا سؤال يطرح نفسه
وهو: ألمْ تظهر معالم الدين بأشكال أخرى في المجتمعات الاشتراكية عبر مجالسهم
وطقوسهم المختلفة؟ هل أنّ تأثيرات الدين منحصرةٌ بما توصّل إليه ماركس وأتباعه؟
ألا يمكن فرض أساس فطري للدين؟ ألا يمكن مشاهدة إحقاق هذا الرأي عند المجتمعات
الثورية الدينية المعاصرة، تلك التي أذابت تمثال هذه النظرية فتهاوى؟ على كل حال
لم يتضح لنا معنى هذا الدين الذي تعرّض لأعنف الهجمات، هل هو الأديان كافّة عبر
التأريخ؟ أم هو دين دولةٍ من الدول؟ أم أنه الدين بمعناه العام؟ وإذا كان أساس
بقاء الدين والإقبال عليه يكمن في حلّه للمشاكل البشرية المستعصية، إذاً كيف سيصدق
هذا التحليل الاجتماعي على الدين؟ أضف إلى ذلك إنّ دور أصول علم النفس والاجتماع
يأتي عندما يُفتقَد الدليل العقلي على إثبات معطيات الدين، وهو أمرٌ ليس ممكناً
فحسب بل متحققٌ فعلاً.
ولابد هنا من الإشارة إلى مسألتين:
الأولى: جاء في مقال ويليام بيالستون في دائرة المعارف الفلسفية
إعداد "بل دواردز" سردٌ لنظريات ماركس
ودوركهايم، تحت عنوان: التفسير السيسيولوجي للدين، وهو ليس صحيحاً؛ لأنه لا بد من
تصنيف هذين الاثنين حسب الأسبقية في هذا المجال، وهي ليست لماركس ولا لفرويد،
وإنما البدأة في ذلك لفيورباخ أولاً.
الثانية: أدّت بعض التراجم للبواكير من كتابات ماركس إبّان النضج المعاكس
في أوروبا بُعيد الستينيات بفلاسفة الماركسية أمثال لوئي آلتوس [لوي ألتوسير] في
تحليل الرأسمالية، أدّت إلى القول بأن ماركس ـ في شبابه ـ كان معتقداً بإنكار
الإنسان لذاته، ثم تراجع عن رأيه في مرحلة الكهولة والنضج، والواقع أن هذا الكلام
لا ينسجم مع آخر أفكاره في كتاب (رأس المال)؛ وقد تطرّق ماركس في موضوع الإنتاج ([37]) وتوزيع الأعمال والآليات
ومردوداتها… لمسألة إنكار الإنسان لذاته ضمن العلاقات الرأسمالية؛ نعم يمكن القول
بتراجع ماركس عن إنكار الذات الهيجلي في مراحل نضج أفكاره.
يقول ماركس: "إنّ أنظمة
الإنتاج الرأسمالية جميعها تنظر للعامل على أنّ طاقته سلعةٌ تُباع، ثم تصنّف
مهارةً معينة تستخدم كأداة في أجزاء الماكنة، وأنّ هذه الطاقة تفقد قيمتها بمجرّد
تفعيل أدوات الماكنة، أي تنصهر قيمة مقايضة القوى العاملة مع قيمة استهلاكها،
فالعامل يتحول هنا إلى عملة ورقية قديمة وساقطة الاعتبار" ([38])، ويضيف أيضاً: "لقد
أسيء استخدام الآلة ليتحوّل العامل ـ وفي مطلع صباه ـ إلى جزءٍ من أجزائها، ويعمل
في المصنع تحت إمرتها، وللمصنع أنظمة قاهرة مستبدّة تحوّل الجميع إلى أعضاء حيّة
وفعّالة لها" ([39])، الماكنة كعدو لدود يُحاول الإيقاع
بالعامل الأجير وتنحيته([40]).
وتحتلّ الماكنة مكانة العامل، بمعنى أن
الرأسمالية قد حطّت من منزلته حتى أصبح كالمسمار اللولبيّ الذي يمكن استبداله في
أيّ وقت، فهل إنكار الذات أفضل من تحوّل الإنسان إلى أدوات ومعدّات للماكنة أو
مسمار لولبيّ لها؟
كيركجارد واللامعقول
الديني المعاصر
ـــــــ
للاعتقاد وتقدّم الإيمان على الإدراك أصول
متجذرة وقديمة، إلاّ أن الاعتقاد المعاصر بحلّته الجديدة وطبقاته المستحدثة يبدأ
بعصر كيركجارد (1813 ـ 1855م) اللاهوتي الدنماركي،
وهو محرّك المذهب الوجودي وصاحب إسهام فعال في لاهوت الوحي، لقد صبّ هذا
التيار جامّ غضبه على نظريات هيجل الفلسفية؛ لأنه لم يكن يجد حاجةً للاستدلال
العقلي أو التجربة العرفانية في مجال الاعتقاد، وقد
أثبت أنّ الفكر المحض خيالٌ محض، وليس هيجل بأفضل من كانط إطلاقاً، فقد كتب
في ملحق ختامي يقول: إنّ رد كانط بخصوص التفكير المحض بطريقة الظلال
الساقطة على الحائط هي بمثابة عدم الردّ تماماً، والشيء الوحيد الذي لا يمكن
التفكير به في حدّ ذاته هو الوجود؛ لأنه لا يدخل ضمن الدائرة الفكرية".
لقد سعى هيجل إلى إثبات اتحاد الفكر
والكائن عن طريق إثبات صدق الفكرة على موضوعها، لكن كيركجارد يردّ متسائلاً: "إن
انتصار التفكير المحض الذي يتوحّد فيه الكائن والفكر هو ممّا يضحك ويبكي؛ ذلك أن
تمييزهما عن بعض سيكون مستحيلاً ضمن حدود التفكير المحض، لقد اعترفت الفلسفة
اليونانية بذلك دون أيّ اعتراض، ويمكن التوصّل لهذه النتيجة عن طريق التفكير بتلك
المسألة؛ لكن لماذا يخلط بين الاعتراف بالفكرة وبين واقعيّتها ومصداقيتها؟ إن لكلّ
فكرة ثابتة مكانة خاصة، وإن التساؤل عن واقعيّتها وعدمها تساؤل عابث يجب تجاهلهv" ([41]).
إنّه يرى أنّ دليل إثبات
وجود الله ضربٌ من الكفر، وأن كلّ استدلال على ذلك كفرٌ بعينه؛ ذلك أن إثبات وجود
من هو حاضر وحيّ يستلزم إنكار وجوده، لقد كان يعتقد أنّ الله هو الذي منعنا من
الخوض في هذا الموضوع؛ حيث إنّه ظاهر وحاضر بحيث لا يصحّ له فرض دليل على إثباته ([42])، ويمضي قائلاً: "إنّ
الشك في كلام الله تمرّدٌ وعصيان، وإنّ التطرّق لإثباته بالدليل تشكيك في الإيمان".
إنه يرى أنّ العقل كالمنشار
يقطع ذهاباً وإياباً، وأنّ الاستدلال العقلاني ليس في مصلحة الدين دائماً، يقول:
إنّ على الإنسان أن يصدّق المعاجز في ظلّ الدين حتى وإن استلزم ذلك نقض القواعد
العقلية؛ ففي ظلّه تصدّق جميع العجائب، ويتوصّل الإنسان لبعض الأسرار التي تبدو له
في بادئ الأمر مستحيلةً.
بعد ذلك يسأل نفسه: كيف يمكن للفلسفة
المستعصية أن تترك المطالب المهمة وتهتمّ بما لا طائل منه؟
لقد ذهب في كتابه: الخوف والارتعاش([43]) ـ والذي يتناول التحليل
النفساني لقصّة إبراهيم وإسماعيل % ـ إلى أن عجلة الإيمان تسير
على خطى اللامعقول (absurd)، ويضيف أيضاً: "الاعتقاد عبارة عن التضادّ بين الإحساس
اللامتناهي بالوعي الفردي وعدم الاطمئنان الخارجي، فإذا تمكّنت من إدراك الله
خارجاً لن يبقى مجال للاعتقاد، ولأني لا أستطيع إدراكه خارجاً تعيّن عليّ الاعتقاد
به".
تتبلور فلسفة الحياة عند كيركجارد في ثلاثة
مجالات هي: حسن العبادة، والأخلاق، والاعتقاد؛ وهذه الطرق الثلاثة المختلفة في
الواقع إنّما هي مراحل متفاوتة تتمثل من خلالها الحياة، أما هدف الذين يبغون من
وراء حسن عبادتهم التمتع بالحياة فإنهم يقضون أوقاتهم في اللّذة الآنية، إنّ مفهوم
التخلّق هو الحياة مع الشعور بالمسؤولية وأداء الواجب([44])، إنّ
كيركجارد لم يكن في يومٍ من الأيام عدوّاً للحياة السعيدة والأخلاقية؛ إنما كان
شاغله إثبات الاعتقاد بوصفه مقولةً تفوق قدرات وعي الإنسان.
ويبقى إبراهيمُ فارسَ "الاعتقاد" والإيمان،
ويرى هذا الفيلسوف الدنماركي [أي كييركغارد] أنّ تجاوز كل مرحلة إلى أخرى يحصل عن
طريق التقدّم في الاعتقاد، ويعلّق على رسالة فيقول: "ليست المسيحية
نظريةً فلسفية يجب تطبيقها وفهمها عن طريق النظريات العقلية" ([45])؛ لأنّ المسيح لم يكن فيلسوفاً، ولم
يشكّل الحواريون جماعة علماء خاصة، فالمسيحية لم تقدّم "كنظام ضيّق يشبه
طبيعة نظام هيجل السيء"، "إنّ التنظير في فهم المسيحية
هو عين الخطأ في فهمها، فإن تصوّر أحد فهمها فهماً نظرياً فهو في أبعد ما يكون عن
الفهم"، و "إن تصوّرَ أحدٌ درك الديانة المسيحية فليعلم أنه مخطىء
تماماً" ([46])، وهذا عين ما عمد إليه هيجل عندما
حصر المسيحية في نظامه الخاص وفرضها واسطةً ذات واقع وحقيقة.
يقول كيركجارد: "إنّ ما كان
يؤرّقني في عصرنا هو أنّ التقدم العلمي أدّى إلى نسيان الوجود والحياة الباطنية" ([47])، فالمحيط الديني هو المحيط الذي ينال
فيه الإنسان أعلى درجات الوجود، وهو محيطٌ يبتني على الاعتقاد، كما ومن سماته
المشقّة والمحنة.
"ليس الاعتقاد ضرباً من
المعرفة، بل هو تحمّس الإرادة لنيل السعادة الأبدية التي يبحث الإنسان عنها… ليس
الوحي أفضل من العقل فقط، وإنما هو مخالف له" ([48])،
ويضيف: "التنازل عن العقل قبال معرفة الله هو عين الاعتقاد
الخالصv"و "إنّ الإيمان ضرب من المعاناة" ([49]).
ليس ثمّة جسر للانتقال من محيطٍ إلى آخر،
فلابد من المجازفة في القفز من الهاوية، تأسيساً على هذا يغدو الاعتقاد تصديقاً
بشيء دون توفّر أيّ استدلال عليه. لقد كان كيركجارد يتساءل: من الذي يقول بحصر معايير التقويم بالعقل؟ ومن الذي يلزمنا
باتخاذ العقل حاكماً في قبول المسائل أو ردّها؟ فليس للذهن إثبات ذلك؛ لأنه يلزم
الدور؛ إذاً نحن لا نتّبع العقل في أعمالنا.
من هنا، يتضح لنا مدى تأثير ديكارت على
كيركجارد؛ فحسب تحليل ديكارت لنمطية إدراكاتنا وأنها تحمل نوعاً من الشهود
والمكاشفة، وهو ليس علماً حضورياً عرفانياً، إنما شهود عقلاني أو ديكارتي. [هل في
هذا تشابه حقاً بين ديكارت وكييركغارد؟]
ينسب تشكيك ديكارت الحكم في إثبات أو نفي
قضيةٍ ما إلى وجود الإنسان ككل وليس إلى ذهنه؛ فهذا الوجود تارةً يفسّر بالذهن
والعاطفة، وأحياناً بالذهن والعاطفة والإرادة عند وليام جيمس.
في البداية انتقد كيركجارد فلسفة الروح
المطلقة بشدّة، وهي من أطروحات هيجل، ثم أعلن "أنّ كانط فيلسوفي المفضّل"،
وذهب إلى أن المسيحية هي في الأصل علاقة الإيمان والاعتقاد بين الرب والإنسان،
وبهذا وقف بوجه الفلسفة النظرية وجميع المحاولات الرامية لعقلنة المفاهيم
المسيحية، من قبيل محاولات هيجل التي استخدم فيها العقل النظري لحلّ معضلة الموجود
السرمدي، والتي انتهت إلى تحريف الرسالة الحقيقيّة للدين، لأن كيركجارد كان يرى في
عدم عرض هذه الرسالة على العقل البشري أمراً عابثاً؛ فخطّأ الفلسفة، وأوجد بذلك
هوّةً عميقة بين العقل والدين، وقد كانت له خلفية ما في قبول انتقادات كانط
اللاذعة للعقل النظري؛ لأنه كان يؤمن بقوّة بأن المسيحية ليس لها ولا بإمكانها أن
تُعقلن([50]).
كان كيركجارد يعتقد بأنّ
أسلوب هيجل الديالكتيكي يصبو إلى فرض علاقة بين الله والإنسان، إلاّ أنه في ختام
ذلك لا يقدّم لنا الإله ولا الإنسان، إنما يضعنا أمام شبح وهميّ لفكرةٍ مدبرة
مصطنعة اسمها الروح المطلقة، وحسب كيركجارد فإنّ المسائل المهمّة التي تواجه
الإنسان بوصفه فرداً لا يمكن حلّها بالتأمل والتفكير النظري، إنما يتأتى ذلك
بالاجتهاد والعمل والاختبار، ولا يمكن العيش بفلسفة هيجل؛ لأن ديالكتيكيته ليست
وجوديةً بل مفهومية، أما ديالكتيكية كيركجارد فالتحوّل من مرحلة إلى أخرى لا يتمّ
عن طريق العقل والمفهوم بل بالعمل والإرادة والانطلاق، وتكون مرحلة الاعتقاد آخر
مراحل ذلك التحوّل.
إن منشأ فكرة إنكار العقل بغية إثبات
الإرادة والاختيار والأخلاق والإيمان عائدٌ إلى أصالة الاعتقاد؛ فأساس الفكر
المسيحي قائم على تقدّم الإيمان على العقل، وهذا ما يقع في النقطة المقابلة لعلم
الفلك اليوناني المبتني على أساس العقل؛ فأرسطو ـ مثلاً ـ حاول أن يمنح الإرادة
معنى عقلانياً يسمّيه الرغبة العقلانية، والقائلون بأصالة العقل يقدمونه على
الإرادة ويرونها تابعةً له، لكنّ القائلين بأصالة الإرادة يقضون بعكس ذلك تماماً،
أما عند كيركجارد فالاعتقاد هو كلّ شيء، إنّه يقول: ليس هناك اعتقاد دون متاعب، أي
أنّ الاعتقاد الذي ليس فيه معاناة ومتاعب ليس اعتقاداً حقيقيّاً، ويضيف: "الاعتقاد
عبارة عن الصراع بين الرغبة الجامحة في الإنسان وبين التشكيك الخارجي"، وهذا
لا يعني وصف كيركجارد بالنزعة الإنسانية؛ لأن المذهب الإنساني فكرته تحقيق أهدافه
في الإنسان، بينما يبحث كيركجارد عن ذلك في مواجهة الربّ.
عقلانية الدين في
القرن العشرين
ـــــــ
أما ثاني الاعتقادين
المعاصرين في بدايات القرن العشرين، فهو ما جاء به الفيلسوف النمساوي لودفيغ
فيتغشتاين (1889 ـ 1951م)، والذي ذهب هو وأبرز تلامذته (فيلبس) إلى اعتبار
الاعتقاد الديني دائرةً مستقلّة ليست بحاجة للإثبات العقلي.
وقد تأثر بنظرية فيتغشتاين
الكثيرُ من فلاسفة الدين، والاعتقاد ـ وفقاً لهذه النظرية ـ عبارة عن مقولة تتطلّب
المجازفة والعبور في الظلام، ولا تتلائم مع الإنارة العقلية والإثبات المنطقي، ولو
كان الربّ يحتمل الإثبات كسائر الظواهر الأخرى لاستحال الاعتقاد به أساساً؛ لأنّ
ماهية الاعتقاد فيها نوع من المخاطرة، ولا علاقة لها بالتعقل بل قد يكون مضادّاً
لها أيضاً، أي أن الناس يبقون على دينهم وإن لم يكن معهم دليل.
ويقدّم فيتغشتاين نظريةً أوضح وهي إن
المظهر الإنساني يتبع التعبيرَ اللغويّ وحالاته المختلفة، كاستخدامات اللغة في
المجالات المختلفة كالاقتصاد والدين والأخلاق والفنون الجميلة وغيرها، وقد وصف هذه
الاستخدامات بـ "لعبة العبارات اللغوية".
وفيتغشتاين المتأخر وإن لَم تقتصر
انتقاداته على المذهب التجريبي، بيد أنّه كان صاحب الدور الأكبر في تخطئة المذهب
التجريبي بشكل عام، وكان يعتقد بأن استخدام اللغة والعلوم النظرية لا يقتصر على
مجالاتها، بل لابد من الالتفات إلى استخدامات اللغة في شتّى المجالات التجريبية،
ومنها التجربة الدينية، وكان يعترض على الالتزام بالمعيار التجريبي، وأنه يجب
علينا بدلاً من إجهاض الفكرة جنيناً والتقليل من قيمة الأحكام الدينية أن ندرك
محتوى الصور المختلفة في لغة أبناء المجتمعات الدينية وتعبيراتهم.
يظهر من ذلك أن نظرية "لعبة
العبارات اللغوية" التي يتبنّاها فيتغشتاين وأتباعه تقول بحصر
الدين في إطار الاعتقاد المحض، أي أصالة الاعتقاد وفصله عن سائر المعارف
الأخرى "بهذا تحصل فجوة كبيرة بين العقل والاعتقاد لا سبيل
لفيتغشتاين لتجاوزها، وعلى العكس هو يدعي أيضاً أن القوانين والأحكام الدينية لو
قدّرت لها منطلقات أو دعائم تجريبية لكانت ستفقد دينيّتها" ([51]).
لقد رمت محاولة الاعتقاديين إلى إثبات عجز
العقل بالعقل؛ لأنّ الاعتقاد متوقّف على اغتيال العقل وإجهاضه، فلابد إذاً أن يحفر
قبره بيده.
وإذا كان العقل والاستدلال عاجزين عن حلّ
بعض مشاكل الحياة، فهذا لا يعني تمكّن الرغبة والإرادة من ذلك.
هذا التحليل صادق فيما إذا قيّدنا الدين
بالدائرة الفردية وأهملنا الدين الميسّر، ذلك أن الذي يعتقد بدين لا شريعة له أو
له شريعة بأقلّ مستوياتها بإمكانه أن يرفع بنعيم الاعتقاد بعيداً عن هواجس عقلنة
الدين قبال الأنظمة السياسة والاقتصادية المتربّعة عليه، ولم يبيّن لنا هذا
الاتجاه الفكري كيف يتعامل المتدينون مع عالمهم المعاصر وحضارته، هل يرفضونه أم
يوافقونه وكيف؟ أضف إلى ذلك، إن إرجاع الحكم في المسألة للوجود البشري يضيّع
الفرصة أمام المشكّكين ويهيئ الأرضية النفسية للجوء إلى الله والاعتداد بالرأي
والاجتهاد.
ما قلناه كان بدايةً لطرح الموضوع، وسنختم
مقالنا بكلمات أونامونو السائر على نهج كيركجارد، حيث يقول: "قد
يدّعي المخالفون أنّه لابد من تبعيّة الحياة للعقل، إلاّ أن ردّنا هو أنّه لا يوجد
أحد يفعل ما لا طاقة له على فعله، وليس بإمكان الحياة إطاعة العقل"، وقد يقول
أتباع كانط: "بما أنه لازم فممكن"، ونجيبهم: "لأن
الحياة لا تستطيع فليس بملزم" وليس للحياة أن تخضع للعقل؛ لأنّ هدفها
العيش، وليس العلم" ([52]).
*
* *
الهوامش
(*) مسؤول مؤسسة الرؤية المعاصرة للدراسات الفكرية في طهران،
والمهتمة بنشر دراسات رموز التيار الإصلاحي.
[1] ــــ آن فرمانتل، عصر اعتقاد، ترجمة: أحمد كريمي،
منشورات أمير كبير: 6.
[2] ــــ آتين جيلسون، روح فلسفة قرون وسطى، ترجمة ع.
داوودي، منشورات الثقافة والعلم، 1991م: 12؛ يراجع أيضاً: آيتن جيلسون، عقل ووحي
در قرون وسطى، ترجمة شهرام پازوكي، مؤسسة الدراسات الثقافية، 1992م.
[3] ــــ آرنست كاسرر، فلسفة روشنكرى، ترجمة: يد الله
موقن، منشورات نيلوفر: 17.
[4] ــــ يراجع في معنى الدين الطبيعي: ميرچا اليادة،
دين پژوهي، ترجمة بهاء الدين خرمشاهي، طهران، مؤسسة الدراسات الثقافية 1: 119،
120.
[5] ــــ آيان باربور، علم ودين، ترجمة بهاء الدين
خرمشاهي، مركز النشر الجامعي: 74.
[6] ــــ آرنست كاسرر، فلسفه روشنكرى: 251.
[7] ــــ آيان باربر، علم ودين: 77.
[8] ــــ فردريك كابلستون، تاريخ فلسفه، ترجمة: أمير
جلال الدين أعلم، منشورات سروش 5: 297، نقلاً عن رسالة درباره طبيعت آدمي: 78.
[9] ــــ المصدر نفسه: 300.
[10] ــــ عمانوئيل كانط، تمهيدات، ترجمة: غلام علي حداد
عادل، مركز النشر الجامعي: 89.
[11] ــــ فردريك كابلستن، تاريخ فلسفه، أز ولف تا كاشت،
ترجمة: اسماعيل سعادت ومنوچهر برزكمهر 6: 229.
[12] ــــ بل فولكيه، فلسفة عمومي يا ما بعد الطبيعة،
ترجمة: يحيى مهدوي، منشورات جامعة طهران: 237.
[13] ــــ استيفان كورنر، فلسفه كانت، ترجمة: عزت الله
فولاوند، منشورات خوارزمي: 323.
[14] ــــ كانط، تمهيدات: 187.
[15] ــــ كانط، سنجش خردناب (نقد العقل المحض)، ترجمة:
مير شمس الدين سلطاني، منشورات أمير كبير: 695.
[16] ــــ المصدر نفسه: 39.
[17] ــــ محمد علي فروغي، سير حكمت در اوربا، منشورات
زوّار 2: 236.
[18] ــــ مير عبدالحسين نقيب زاده، فلسفة كانت، بيداري
از خواب دكماتيسم، منشورات آكاه: 283.
[19] ــــ كانط، سنجش خردناب: 659.
[20] ــــ كارل ياسبرس، كانت، ترجمة: مير عبدالحسين نقيب
زاده، مكتبة طهوري: 208.
[21] ــــ هيجل، عقل در تاريخ، ترجمة: حميد عنايت، جامعة
شريف الصناعية: 45، 46.
[22] ــــ المصدر نفسه: 139.
[23] ــــ راجع: هيجل، خدايكان ونبده، بتعليق إلكساندر
كوجو، ترجمة: حميد عنايت، منشورات خوارزمي، الطبعة الثالثة.
[25] ــــ إحسان طبري، شناخت وسنجش ماركسيسم، منشورات
أمير كبير: 132، نقلاً عن ل. فيورباخ، مختارات (بالروسية) 2: 819.
[26] ــــ المصدر نفسه: 133.
[27] ــــ هيجلهاى جوان، لارنس استبلويچ، ترجمة: فرويدون
فاطمي، نشر مركز: 148.
[28] ــــ فرديك كابلسن، تاريخ فلسفه، ترجمة: داريوش
آشوري 7: 291.
[29] ــــ هيجلهاى جوان: 154، 158؛ أيضاً: فيورباخ، أصل
الدين، دراسة وترجمة: د. أحمد عبدالحليم عطية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر
والتوزيع.
[30] ــــ يقارن مع نظريات إنجلز ومارتن بوبر وكارل
بارث، كان إنجلز يعتقد بأن فيورباخ لم يكن بصدد حذف الدين، وإنما إعادة تشكيله
وتحديثه bلم يكن فيورباخ بصدد إلغاء الدين إطلاقاً، كان يصبو لتكاملهv. انظر: لوديك فيورباخ وپايان فلسفه كلاسيك
آلمان: 36؛ ويقدم مارتن بوبر وكارل بارث حكايةً دينية عن أفكار فيورباخ، راجع:
K. Bar th: The Introductionto The Essence of chvisianity، Harper & Row Publisher، New York، London
1957..
[31] ــــ ف. إنجلز، لوديك فيروباخ وپايان فلسفه كلاسيك
آلمان؛ ك ماركس، تزهائي درباره فيورباخ، مراجعة وتدقيق: مرضية أحمدي، منشورات كام:
20.
[32] ــــ ف، م. جوانشير، اقتصاد سياسي شيوه توليد
سرمايه داري: 10، نقلاً عن إنجلز، كلمات على قبر ماركس، مجموعة ماركس ـ إنجلز،
الطبعة الروسية 19: 350، 351.
[33] ــــ كار ماركس، سرمايه، ترجمة: ايرج اسكندري 1:
60.
[34] ــــ هامش 31، ص77.
[35] ــــ تقارن مع ترجمة هيجلهاى جوان: 320.
[36] ــــ ميرچا اليادة، دين پژوهي، الفصل الثاني،
ترجمة: بهاء الدين خرمشاهي، مركز دراسات العلوم الإنسانية: 378.
[37] ــــ سرمايه 1: 103، 104 وما بعدها؛ يذكر أن هذا
البحث لم يترجم بشكل كامل إلى الفارسية، ويستدلّ ماركس في بحث الإنتاج البسيط أنّ
مصير المحاصيل المجهول وحقيقة استبدال علاقة الناس فيما بينهم عن طريق منتوجاتهم
وما تعينه الأسواق في مصير لها يقودهم إلى صنمية المنتج، فتعقد علاقة السوق
التجاري فيصبح عالماً مطلسماً، وفي النظام الرأسمالي تتحوّل هذه الصنمية إلى صنمية
الأموال، وتتحكّم الماكنة المصنعة من قبل الإنسان بالإنسان، وبدلاً من تسلّطه
عليها تتسلّط هي على المنتج.
[38] ــــ المصدر نفسه: 399.
[39] ــــ المصدر نفسه: 391.
[40] ــــ المصدر نفسه: 403.
[41] ــــ هـ . ج . بلاكهام، شش متفكر إكزيستانسياليست،
ترجمة: محسن حكيمي، نشر مركز: 13.
[42] ــــ جان وال، انديشه هستي، ترجمة: باقر برهام،
مكتبة طهوري، 1979م: 16.
[43] ــــ راجع: سورن كيركجارد، ترس ولز، ترجمة: السيد
محسن فاطمي، منشورات القسم الفني في مؤسسة الإعلام الإسلامي.
[44] ــــ فيرتيهوف براندت، كيركه كوكور (حياته
ومؤلفاته)، ترجمة: جاويد جهانشاهي، نشر پرسش: 26، 27.
[45] ــــ روجه ورينو ـ جان وال، نكاهي به پديدارشناسي
وفلسفة هاي هست بودن، ترجمة: يحيى مهدوي، منشورات خوارزمي: 115.
[46] ــــ المصدر نفسه: 116.
[47] ــــ المصدر نفسه: 117.
[48] ــــ المصدر نفسه: 128.
[49] ــــ المصدر نفسه: 129.
[50] ــــ ميرجا اليادة، فرهنك ودين، لجنة الترجمة،
بإشراف: بهاء الدين خرمشاهي، طرح نو: 158، 159.
[51] ــــ المصدر نفسه: 155، 156.
[52] ــــ أونامونو، درد جاودانكي، ترجمة: بهاء الدين
خرمشاهي، نشر البرز: 166، 167.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق