الأنا والآخر بين
ديكارت وسارتر وميرلولونتي.
الآخر ومعرفة الذات بين ديكارت وسارتر.
إن معرفة الذات هي البديهية الأولى المكتفية بذاتها، وهذا ما أثبته ديكارت من خلال "الأنا أفكر.."
إن الوجود مسألة ذاتية وإن الشيء الوحيد الذي يحصل اليقين بوجوده هو الذات المفكرة، التي تشك وتتأمل وتفكر، وكل ما عدا ذلك يدخل في خانة الشك، فديكارت لا يُهِمه وجود الغير ولا عدم وجوده لإثبات وجوده الذاتي، لأن تجربة "الأناوحدية" تؤكد استغناء الذات المفكرة بنفسها عن الغير وعن العالم.
إن معرفة الذات هي البديهية الأولى المكتفية بذاتها، وهذا ما أثبته ديكارت من خلال "الأنا أفكر.."
إن الوجود مسألة ذاتية وإن الشيء الوحيد الذي يحصل اليقين بوجوده هو الذات المفكرة، التي تشك وتتأمل وتفكر، وكل ما عدا ذلك يدخل في خانة الشك، فديكارت لا يُهِمه وجود الغير ولا عدم وجوده لإثبات وجوده الذاتي، لأن تجربة "الأناوحدية" تؤكد استغناء الذات المفكرة بنفسها عن الغير وعن العالم.
بالنسبة لـ سارتر، فإن وجود الآخر ضروريّ لمعرفة الذات، وإن يكن هذا الآخر "جحيماً" كما يقول سارتر.. وتجربة الخجل أمام الغير تثبت هذا الأمر. فلولا هذا الغير لما عرفت ذاتي، وإن كانت هذه المعرفة تجعلني موضوعاً للمعرفة بعد أن كنت ذاتاً تعرف العالم.
كل هذا العالم كان موضوعاً لوعيي، ولمّا كان الغير.. صرت أنا ذاتي موضوعاً لوعيه، ومن هنا كان الآخر هو "الجحيم"، فوجوده "وضْعَنَني" (من موضوع) أو شيّأني إن صح التعبير.
"إن الغير حسب سارتر حاضر باستمرار
باعتباره ذاتا مماثلة للأنا، فهو "الأنا الذي ليس أنا"، يتحدد وجودي
بالنسبة إليه، مثلما إن معرفتي بذاتي تتوقف على وجوده" (عن صفحة
"فيلوصوفيا")
لكن هذا الآخر الذي هو شرط وجودي، فأنا
"لا أوجد إلا بشرط الغير"، والذي هو شرط معرفتي لذاتي؛ هذا الآخر غير
قابل للمعرفة، كما أني غير قابل لأن أكون معروفاً من قِبله؛ فـ"لا أنا ولا هو
باستطاعتنا أن ننفذ إلى عمق ذوات بعضنا لأن بيننا هوةً سحيقة تمنع أيَّ نوع من
التواصل والتعارف بيننا، فهناك عدمٌ محض يفصل بيني وبين الغير."، فأنا "أراه فقط من منظاري الخاص، أي انطلاقا من تجربتي الشخصية وبنفس النظرة أيضا هو
يُحددني كموضوع بين موضوعات كثيرة.. [ومن ثَمَّ فإن] هناك غياباً كلّياً لأية
علاقة بيننا" (نفس المرجع)
بين سارتر وميرلوبونتي
من المعروف أن سارتر وميرلوبونتي ينتميان
إلى جذور فلسفية واحدة، هي الظاهراتية.
لكن الآخر ليس جحيماً عند ميرلوبونتي، ولا هو بموضوع. فعلاقتي بالآخر لا تحولّه إلى موضوع؛ إنه ذات وسيبقى كذلك، كما أن نظرة الآخر لن تحولني إلى موضوع، إنها علاقة "بينذاتية"..
لكن الآخر ليس جحيماً عند ميرلوبونتي، ولا هو بموضوع. فعلاقتي بالآخر لا تحولّه إلى موضوع؛ إنه ذات وسيبقى كذلك، كما أن نظرة الآخر لن تحولني إلى موضوع، إنها علاقة "بينذاتية"..
لا مجال للوضعنة
عند ميرلوبونتي، وحضور الجسد لا يجعلها كذلك، "فمن خلال تجربة الجسد فإنني لا
أنظر إلى جسدي كمجرد موضوع، وكذلك لا يمكن أن أنظر إلى جسد الغير كموضوع أو كشيء
قابل للمعرفة الموضوعية، لأن جسد الغير مماثل لجسدي، بل أدخل معه في علاقة تعاون
كأن نقوم بعمل مشترك أو نساعد بعضنا البعض، هنا ينضاف جسده إلى جسدي فيصيران كلا
واحدا." (محمد مستقيم)
وتتعزّز هذه العلاقة البينذاتية والتواصلية
مع الغير بفضل اللغة، فكل حديث مع الغير هو "بمثابة اتصال حقيقي يتم
بينهما".
والعلاقة التي تحول الذات إلى موضوع ليست إلا حالةً عابرة، حين يكون
أحد الطرفين مجهولاً بالنسبة إلى الآخر، "وحتى في هذه الحالة فإنه لا يمكن
نفي المشاركة، كل ما هنالك هو توقف أو انقطاع مؤقت.. ولكن ما يكاد الغير يهم
بالحديث إلى الأنا أو العكس، حتى ينشأ نوعٌ من الاتصال..".
لكن إذا كان الآخر ليس جحيماً بالنسبة إلى
ميرلوبونتي، وإذا كانت العلاقة بين الأنا والآخر ليست علاقة ذات بموضوع، بل هي
علاقة ندّية بين ذات وذاتٍ أخرى، أو هي علاقة بينذاتية، وإذا كان التواصل والتعارف
ممكناً، فإلى أي مدىً يسمح هذا التواصل بالتعارف الحقيقي بين الذات وبين الغير؟
هل يمكن تجسير الفجوة بيني وبين الآخر التي
تحدث عنها سارتر، والتي جعلت معرفة الآخر "شيئاً في ذاته" عصيّاً على
الاختراق أو الفهم، لا أراه إلا "من منظاري الخاص، أي انطلاقا من تجربتي
الشخصية"؟
تطمح الظاهراتية التي عمل هوسرل عمره على تأسيسها
إلى وضع منهجية لفهم الوعي بالعالم، فهل توصل ميرلوبونتي، الذي يبدو أقرب إلى
روحية هوسرل ومنهجيته، بتطبيقه تلك المنهجية إلى معرفةٍ حقيقيةٍ بالآخر، أم إن هذه
المعرفة تبقى في حدود التأويل، وليس ثمّة إلا تأويلات كما يقول نيتشه؟
(محمد الحجيري)
24/10/2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق