ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻭﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ - ﻛﺎﻧﻂ ﻧﻤﻮﺫﺟﺎً -
ﺃﻡ ﺍﻟﺰﻳﻦ ﺑﻦ ﺷﻴﺨﺔ – ﺗﻮﻧﺲ
_________
ﺃﻡ ﺍﻟﺰﻳﻦ ﺑﻦ ﺷﻴﺨﺔ – ﺗﻮﻧﺲ
_________
ﻣﺎ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻭ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ؟ ﻭﺇﻟﻰ ﺃﻱ ﻣﺪﻯ ﺑﻮﺳﻌﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻌﻤﻞ
ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ؟ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻧﺴﺘﻌﻤﻞ ﻣﻦ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﻧﺤﻦ
ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺛﻮﺭﺓ ﻻ ﻧﻌﺮﻑ ﻣﺼﻴﺮﻫﺎ؟ ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ ﺃﻡ ﻏﻀﺒﻨﺎ ؟ ﻭﻫﻞ ﻳﺼﻠﺢ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻛﻲ ﺗﻮﻟﺪ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ
ﻭﺗﺰﻫﺮ ﻭﺗﺘﺮﻋﺮﻉ ؟ ﺃﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﺎﺭﺩ ﻭﻋﺎﻗﻞ ﻭﺭﺻﻴﻦ ، ﻣﺘﻌﻘﻞ ﻭ ﻫﺎﺩﺉ ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺗﺤﺘﺎﺝ
ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﻀﺐ ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﺥ ﻭﺗﻜﺴﻴﺮ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﻭﺍﻷﻧﺴﺎﻕ ﻋﻠﻰ ﺭﺅﻭﺱ ﺃﺻﺤﺎﺑﻬﺎ؟ ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻥّ
ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﻻ ﺗﻮﻟﺪ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺮﺍﺡ ﻭﺍﻵﻻﻡ ﻭﻗﺪ ﺻﺎﺭﺕ ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ .. ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻳﺒﺪﻭ ﻭﺣﻴﺪﺍ
ﻣﺘﻮﺣﺪﺍ ﻓﺮﺡ ﺑﺎﻟﺼﺤﺮﺍﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻤﻮ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ ﻭ ﺗﺘﺮﻋﺮﻉ …
ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ ﺳﻮﻑ ﻧﻤﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻭﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻛﺎﻧﻂ ، ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻴﺰ ﻋﺼﺮ ﺍﻷﻧﻮﺍﺭ . ﺳﻨﺘﺴﺎﺀﻝ ﺣﻮﻝ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺑﺎﻟﺜﻮﺭﺓ ؟ ﻭﺑﺄﻱ ﻣﻌﻨﻰ ﻧﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺛﻮﺭﻳﺔ ﻭﻋﻦ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ؟ ﺃﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺘﻬﺎ ﻭﺭﻭﺣﻬﺎ ﺛﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻋﺎﺩﺍﺗﻨﺎ ﻭﻣﻌﺘﻘﺪﺍﺗﻨﺎ ، ﺑﻞ ﻭﺃﺩﻳﺎﻧﻨﺎ ﻭﺁﻟﻬﺘﻨﺎ .. ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺣﻜﺎﻣﺎ ﻃﻐﺎﺓ ﺃﻡ ﺃﻭﻫﺎﻣﺎ ﻭﻻﻫﻮﺗﺎ ﻳﻌﻄﻞ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻟﻠﺒﺸﺮ ﻭﻣﺤﺒﺘﻬﻢ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ؟.. ﻧﻌﻢ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﻳﺼﻨﻔﻮﻥ ﺛﻮﺭﻳﻴﻦ ﻭﻏﺎﺿﺒﻴﻦ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺁﺧﺮﻭﻥ ﻣﺤﺎﻓﻈﻮﻥ ﻭﻫﺎﺩﺅﻭﻥ ﻭﻣﺴﺘﻘﻴﻠﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮﺓ ﻟﻠﺪﻭﻝ .. ﺍﻟﻰ ﺃﻱ ﺻﻨﻒ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﻛﺎﻧﻂ ؟ ﻟﻴﺲ ﻛﺎﻧﻂ ﻓﻴﻠﺴﻮﻓﺎ ﺛﻮﺭﻳﺎ .. ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ ﺗﻨﻮﻳﺮﻳﺎ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﺍﻟﺪﻗﻴﻖ ﻟﻠﺘﻨﻮﻳﺮ .. ﻭﻟﻴﺲ ﻛﺎﻧﻂ ﺃﻳﻀﺎ ﻓﻴﻠﺴﻮﻑ ﺭﺟﻌﻴﺎ ﺃﻭ ﻣﺤﺎﻓﻈﺎ ﺃﻭ ﺟﺒﺎﻧﺎ ﺃﻭ ﺧﺎﺋﻨﺎ ﻻﺭﺍﺩﺓ ﺷﻌﺒﻪ .. ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻔﺎﺭﻗﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺎﻟﺠﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ .. ﻟﺬﻟﻚ ﻧﻘﺘﺮﺡ ﺃﻥ ﻧﻤﺘﺤﻦ ﺍﻷﻃﺮﻭﺣﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ : ” ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻛﺎﻧﻂ ﻣﻌﺠﺒﺎ ﺑﺎﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ .. ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻤﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﺣﻖ ﻏﻴﺮ ﺷﺮﻋﻲ ﺃﺻﻼ .. ﻭ ﻓﻀّﻞ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ” .. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﺎﻧﻂ ﺿﺪ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻟﻜﻨﻪ ﺍﻋﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻌﻨﻴﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ، ﺃﻱ ﺍﻻﻏﺘﻴﺎﻻﺕ ﻭ ﺍﻻﻋﺪﺍﻣﺎﺕ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ، ﻷﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻣﺲّ ﺑﺠﻮﻫﺮ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﺍﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺸﻌﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺴﺪﻫﺎ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ .
ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻧﺤﺎﻭﻝ ﻣﻌﺎﻟﺠﺘﻬﺎ 1: ) ﻣﺎ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻭ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ؟
2 ) ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﺤﻤﺲ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻠﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ؟
3 ) ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻋﺘﺒﺮ ﻛﺎﻧﻂ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺃﻣﺮﺍ ﻏﻴﺮ ﺷﺮﻋﻴﺎ؟
4 ) ﻣﺎ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻜﺎﻧﻄﻲ ﻟﻠﺜﻮﺭﺓ ؟
1 ) ﻣﺎ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻭ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ؟
ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ؟ 1784)) ﻛﺘﺐ ﻛﺎﻧﻂ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ ”: ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺴﻘﻂ ﺍﺳﺘﺒﺪﺍﺩﺍ ﻓﺮﺩﻳﺎ، ﺃﻭ ﺃﻥ ﻧﻀﻊ ﺣﺪّﺍ ﻻﺿﻄﻬﺎﺩ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﻄّﺶ ﻟﻠﺜﺮﻭﺓ ﻭﻟﻠﻨﻔﻮﺫ، ﻭﻟﻜﻨﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﺒﻠﻎ ﺑﻬﺎ ﺍﺻﻼﺣﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺎ ﻟﻨﻤﻂ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺳﺘﻨﺘﻌﺶ ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ ﺃﺣﻜﺎمٌ ﻣﺴﺒﻘﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﻏﺮﺍﺭ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻟﺘﺸﺪّ ﺍﻟﻰ ﺣﺒﺎﻟﻬﺎ ﺍﻟﺴﻮﺍﺩ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﺍﻟﻤﻔﺘﻘﺮ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮ.”
ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ ﺳﻮﻑ ﻧﻤﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻭﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻛﺎﻧﻂ ، ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻴﺰ ﻋﺼﺮ ﺍﻷﻧﻮﺍﺭ . ﺳﻨﺘﺴﺎﺀﻝ ﺣﻮﻝ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺑﺎﻟﺜﻮﺭﺓ ؟ ﻭﺑﺄﻱ ﻣﻌﻨﻰ ﻧﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺛﻮﺭﻳﺔ ﻭﻋﻦ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ؟ ﺃﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺘﻬﺎ ﻭﺭﻭﺣﻬﺎ ﺛﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻋﺎﺩﺍﺗﻨﺎ ﻭﻣﻌﺘﻘﺪﺍﺗﻨﺎ ، ﺑﻞ ﻭﺃﺩﻳﺎﻧﻨﺎ ﻭﺁﻟﻬﺘﻨﺎ .. ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺣﻜﺎﻣﺎ ﻃﻐﺎﺓ ﺃﻡ ﺃﻭﻫﺎﻣﺎ ﻭﻻﻫﻮﺗﺎ ﻳﻌﻄﻞ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻟﻠﺒﺸﺮ ﻭﻣﺤﺒﺘﻬﻢ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ؟.. ﻧﻌﻢ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﻳﺼﻨﻔﻮﻥ ﺛﻮﺭﻳﻴﻦ ﻭﻏﺎﺿﺒﻴﻦ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺁﺧﺮﻭﻥ ﻣﺤﺎﻓﻈﻮﻥ ﻭﻫﺎﺩﺅﻭﻥ ﻭﻣﺴﺘﻘﻴﻠﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮﺓ ﻟﻠﺪﻭﻝ .. ﺍﻟﻰ ﺃﻱ ﺻﻨﻒ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﻛﺎﻧﻂ ؟ ﻟﻴﺲ ﻛﺎﻧﻂ ﻓﻴﻠﺴﻮﻓﺎ ﺛﻮﺭﻳﺎ .. ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ ﺗﻨﻮﻳﺮﻳﺎ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﺍﻟﺪﻗﻴﻖ ﻟﻠﺘﻨﻮﻳﺮ .. ﻭﻟﻴﺲ ﻛﺎﻧﻂ ﺃﻳﻀﺎ ﻓﻴﻠﺴﻮﻑ ﺭﺟﻌﻴﺎ ﺃﻭ ﻣﺤﺎﻓﻈﺎ ﺃﻭ ﺟﺒﺎﻧﺎ ﺃﻭ ﺧﺎﺋﻨﺎ ﻻﺭﺍﺩﺓ ﺷﻌﺒﻪ .. ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻔﺎﺭﻗﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺎﻟﺠﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ .. ﻟﺬﻟﻚ ﻧﻘﺘﺮﺡ ﺃﻥ ﻧﻤﺘﺤﻦ ﺍﻷﻃﺮﻭﺣﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ : ” ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻛﺎﻧﻂ ﻣﻌﺠﺒﺎ ﺑﺎﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ .. ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻤﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﺣﻖ ﻏﻴﺮ ﺷﺮﻋﻲ ﺃﺻﻼ .. ﻭ ﻓﻀّﻞ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ” .. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﺎﻧﻂ ﺿﺪ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻟﻜﻨﻪ ﺍﻋﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻌﻨﻴﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ، ﺃﻱ ﺍﻻﻏﺘﻴﺎﻻﺕ ﻭ ﺍﻻﻋﺪﺍﻣﺎﺕ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ، ﻷﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻣﺲّ ﺑﺠﻮﻫﺮ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﺍﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺸﻌﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺴﺪﻫﺎ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ .
ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻧﺤﺎﻭﻝ ﻣﻌﺎﻟﺠﺘﻬﺎ 1: ) ﻣﺎ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻭ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ؟
2 ) ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﺤﻤﺲ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻠﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ؟
3 ) ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻋﺘﺒﺮ ﻛﺎﻧﻂ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺃﻣﺮﺍ ﻏﻴﺮ ﺷﺮﻋﻴﺎ؟
4 ) ﻣﺎ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻜﺎﻧﻄﻲ ﻟﻠﺜﻮﺭﺓ ؟
1 ) ﻣﺎ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻭ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ؟
ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ؟ 1784)) ﻛﺘﺐ ﻛﺎﻧﻂ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ ”: ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺴﻘﻂ ﺍﺳﺘﺒﺪﺍﺩﺍ ﻓﺮﺩﻳﺎ، ﺃﻭ ﺃﻥ ﻧﻀﻊ ﺣﺪّﺍ ﻻﺿﻄﻬﺎﺩ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﻄّﺶ ﻟﻠﺜﺮﻭﺓ ﻭﻟﻠﻨﻔﻮﺫ، ﻭﻟﻜﻨﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﺒﻠﻎ ﺑﻬﺎ ﺍﺻﻼﺣﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺎ ﻟﻨﻤﻂ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺳﺘﻨﺘﻌﺶ ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ ﺃﺣﻜﺎمٌ ﻣﺴﺒﻘﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﻏﺮﺍﺭ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻟﺘﺸﺪّ ﺍﻟﻰ ﺣﺒﺎﻟﻬﺎ ﺍﻟﺴﻮﺍﺩ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﺍﻟﻤﻔﺘﻘﺮ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮ.”
ﺍﻥّ ﻫﻜﺬﺍ ﻧﺺّ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺭﻩ
ﺍﻟﻤﺰﻋﻮﻡ ﺃﻭﺩﻋﻪ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻐﻤﺎ ﻓﻠﺴﻔﻴﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺗﻔﺠﻴﺮﻩ. ﻓﺤﻴﻨﻤﺎ ﻳﻔﻀّﻞ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻻﺻﻼﺡ ﻋلى ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ
ﻓﻬﻮ ﻳﺒﺮﺭ ﺫﻟﻚ ﺑﺤﺠﺘﻴﻦ ، ﺗﺒﺪﻭﺍﻥ ﺣﻜﻴﻤﺘﻴﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺼﻮﻣﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺜﻮﺭﻳﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﻴﻦ،
ﻟﻜﻦ ﺧﻄﻴﺮﺗﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ. ﻛﻴﻒ ﺫﻟﻚ؟ ﺃﻥ ﺍﻻﺻﻼﺡ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﻌﻘﻮﻝ ﺃﻓﻀﻞ
ﻣﻦ ﺛﻮﺭﺓ ﺗﺴﻘﻂ ﺣﻜﻤﺎ ﺍﺳﺘﺒﺪﺍﺩﻳﺎ، ﻓﺬﻟﻚ ﻳﻨﺒﻬﻨﺎ ﺍﻟﻰ ﻧﻤﻂ ﻣﻐﺎﻳﺮ ﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻓﻲ
ﺍﻟﺸﺄﻥ ﺍﻟﻌﺎﻡ. ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻷﺧﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﻮﺻﺎﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﻭ ﻟﻴﺲ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﺑﺜﺮﻭﺍﺗﻬﻢ.
ﺛﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻻ ﺛﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻄﻮﻥ: ﺫﺍﻙ ﻫﻮ ﻣﻮﻗﻒ ﻛﺎﻧﻂ .
ﺃﻣﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﺘﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻗﺪ ﺗﻨﺸﻂ ﺃﺣﻜﺎﻣﺎ ﻣﺴﺒﻘﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺗﺸﺪ ﺍﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﺪﻫﻤﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺘﻘﺮ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮ. ﻛﻞ ﺛﻮﺭﺓ ﺗﺠﻠﺐ ﻣﻌﻬﺎ ﺃﺣﻜﺎﻣﺎ ﻣﺴﺒﻘﺔ ﻭﻗﺪ ﺗﻨﺸﻂ ﺃﻭﻫﺎﻣﺎ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻭﻗﻊ ﺗﺠﻤﻴﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ. ﻣﻊ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻃﻔﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻄﺢ ﺃﺣﻜﺎﻣﺎ ﻣﺴﺒﻘﺔ ﻭﺃﻭﻫﺎﻣﺎ ﻗﺪﻳﻤﺔ. ﻋﻮﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻜﺒﻮﺕ ﺍﻻﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻲ ﺑﺄﻃﻴﺎﻓﻪ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﻈﻬﺮ ﻫﻨﺎ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﺗﻮﻧﺲ ﻭﻟﻴﺒﻴﺎ ﻭﻣﺼﺮ ﻭﺍﻟﻴﻤﻦ ﻭﺳﻮﺭﻳﺎ …
ﺍﻥ ﻛﺎﻧﻂ ﻳﻔﻀّﻞ ﺍﺫﻥ ﺍﻻﺻﻼﺡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ. ﻭﻫﻨﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻨﺒﻪ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺼﺪﻩ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻣﻦ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻻﺻﻼﺡ. ﻻ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﺩﺧﺎﻝ ﺍﺻﻼﺣﺎﺕ ﺃﻱ ﺗﻐﻴﻴﺮﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ، ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺮﻣﻴﻢ ﺑﻨﺎﺀ ﻣﻬﺪﺩ ﺑﺎﻻﻧﺨﺮﺍﻡ. ﺍﻻﺻﻼﺡ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻫﻮ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺟﺬﺭﻱ ﻵﻟﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻧﻔﺴﻪ .. ﻫﻮ ﺍﺻﻼﺡ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻟﻨﻤﻂ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ .. ﻭﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮﺩ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻭﺗﺮﻣﻴﻢ ﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ .. وﻫﻨﺎ ﻧﻠﺘﻘﻲ ﺑﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺍﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﺍﻷﻣﺜﻞ ﻻﺻﻼﺡ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﺑﺪﻻ ﻋﻦ ﺍﺳﻘﺎﻁ ﺍﻟﻤﺴﺘﺒﺪﻳﻦ. ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﻤﺴﺘﺒﺪﻳﻦ ﺟﺪﺩ .
ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻘﻒ ﻫﻨﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ. ﻭﻟﻨﺬﻛّﺮ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻘﺎﺵ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻗﺪ ﺑﺪﺃ ﻣﻨﺬ ،1780 ﻭﺃﻥ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻢ ﻳﻨﺨﺮﻁ ﻓﻴﻪ ﺍﻻّ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﺄﺧﺮ. ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻧﻄﻠﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻘﺎﺵ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻓﻲ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﺧﺼﻮﻣﺔ ﺣﺎﺩﺓ ﺣﻮﻝ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ. ﻭﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﺳﺘﻨﻜﺎﺭ ﻟﺸﻄﻂ ﻭﺍﻓﺮﺍﻁ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ. ﻭﺟﺎﺀﺕ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻛﺎﻧﻂ “ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ؟ ” ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍﻻﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻝ ﻃﺮﺣﻪ ﺍﻟﻘﺲّ ” ﺍﻟﺒﺮﻟﻴﻨﻲ ﺯﻭﻟﻨﺮ ” ﺣﻮﻝ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ .. ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺲّ ﻳﺪﺍﻓﻊ ﻋﻦ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ، ﻣﺴﺘﻨﻜﺮﺍ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺸﻂ ﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ، ﻃﺎﺭﺣﺎ ﺳﺆﺍﻟﻪ ﺍﻻﺳﺘﻨﻜﺎﺭﻱ “ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ؟ﺍﺫﻥ .“
ﻭﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﻛﺎﻧﻂ ﺍﻟﻰ ﺍﻻﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ” ﻣﻨﺪﻟﺴﻮﻥ ” ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 1784 ﻭﻣﻨﺪﻟﺴﻮﻥ ﻫﻮ ﺗﻨﻮﻳﺮﻱ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻳﻌﻨﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻛﺎﺋﻨﺎ ﻋﺎﻗﻼ ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ ﻟﻪ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻭﻋﺎﺩﺍﺕ ﺩﻳﻨﻴﺔ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﺎ ﺑﺎﺣﺘﺮﺍﻡ. ﻳﻘﻮﻝ ﻣﺎﻧﺪﻟﺴﻮﻥ ﻣﻌﺮﻓﺎ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ: “ ﺍﻥ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ ، ﺻﺪﻳﻖ ﺍﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ، ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻞ ﻭﻓﻖ ﺍﻟﺘﻴﻘﻆ ﻭﺍﻟﺘﺒﺼﺮ، ﻭﺃﻥ ﻳﺘﺤﻤﻞ ﺑﺎﻷﺣﺮﻯ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻤﺴﺒﻘﺔ ﺑﺪﻻ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﺮﻓﺾ ﺍﻟﻘﺴﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻬﺎﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻋﻤﻴﻖ … ﺍﻥ ﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﺍﺯﺍﺀ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻤﺴﺒﻘﺔ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺷﻄﻂ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﺩّﻱ ﺍﻟﻰ ﺍﺿﻌﺎﻑ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺪﻳﻦ ﻭ ﺍﻟﻔﻮﺿﻰ .”
ﺿﺪّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻟﻠﺘﻨﻮﻳﺮ ﻳﻜﺘﺐ ﻛﺎﻧﻂ ﻓﻲ ﺩﻳﺴﻤﺒﺮ 1784 ﻣﻘﺘﺮﺣﺎ ﺗﺼﻮﺭﺍ ﻓﻠﺴﻔﻴﺎ ﺟﺬﺭﻳﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺫﺍﻛﺮﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻣﻨﺘﺼﺮﺍ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﻮﺭ ﻣﻨﺪﻟﺴﻮﻥ. ﺍﻥ ﺃﻫﻢ ﺃﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻟﻜﺎﻧﻄﻲ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ:
ﺃﻭﻻ: ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻫﻮ ﺧﺮﻭﺝ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺮﺷﺪ .. ﻭﻫﻮ ﻗﺼﻮﺭ ﻧﺎﺗﺞ ﻋﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻟﻌﻘﻠﻪ ﻭ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺑﺎﻟﻌﻴﺶ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻮﺻﺎﻳﺔ. ﻟﺬﻟﻚ ﺷﻌﺎﺭ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻫﻮ “ ﺗﺠﺮّﺃ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻋﻘﻠﻚ .”
ﺛﺎﻧﻴﺎ : ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻌﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﺮﺭ ﺑﻤﻔﺮﺩﻩ .. ﻭ ﺃﻣّﺎ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻨﻴﺮ ﺟﻤﻬﻮﺭ ﺑﺮﻣﺘﻪ .. ﻓﻬﻮ ﺃﻣﺮ ﺃﻗﺮﺏ ﺍﻟﻰ ﺍﻻﻣﻜﺎﻥ .. ﺷﺮﻳﻄﺔ ﺃﻥ ﻳﻨﻌﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ..
ﺛﺎﻟﺜﺎ : ﻻ ﻳﺒﻠﻎ ﺟﻤﻬﻮﺭ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻻّ ﻋﻠﻰ ﻣﻬﻞ .. ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻨﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻓﺠﺌﻲ ﻭ ﻋﻨﻴﻒ ﻭﻓﻲ ﻛﺮّﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ..
ﺭﺍﺑﻌﺎ: ﺍﻥ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻳﺪﻩ ﻛﺎﻧﻂ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮّﺃ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﻋﻘﻠﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﺣﺮّ ﻭﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻭﺻﺎﻳﺔ ﻭﺭﻗﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ ﺧﺎﺻﺔ. ﻭﺍﻧﻪ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻌﻄﻞ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﺗﻌﻄﻴﻞ ﻋﻤﻞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ، ﺃﻭ ﻣﻦ ﻳﻌﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺃﻭ ﺭﺟﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻭ ﺃﻱ ﺷﺨﺺ ﺁﺧﺮ، ﻓﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻳُﻌﺘﺒﺮ ﻣﺴّﺎ ﺑﺎﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ﻟﻼﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺩﻭﺳﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ .
ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺑﻮﺳﻌﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻌﺘﺒﺮ ﺃﻥ ﻣﻘﺎﻟﺔ “ ﻣﺎﻫﻮ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ؟ ” ﻟﻜﺎﻧﻂ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻟﺜﻮﺭﻱ ﻟﻜﺎﻧﻂ ﻓﻲ ﺑﻼﺩ ﻟﻢ ﺗﻘﻢ ﺑﺜﻮﺭﺗﻬﺎ ﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻻﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ
( 1649 ) ، ﻭﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ( 1775 ) ﻭﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ( 1789 ) . ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺭﺳﻢ ﻛﺎﻧﻂ ﻣﻌﺎﻟﻤﻪ ﻟﻴﺲ ﺛﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺍﻟﻌﻨﻴﻒ ﻭﺍﻟﺠﺬﺭﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﻨّﺲ ﻓﻲ ﻛﺮّﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺗﻨﻈﻴﻤﺎ ﺳﻴﺎﺳﻴﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﺳﺘﺒﺪﺍﻟﻪ ﺑﺂﺧﺮ. ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻟﻴﺲ ﺛﻮﺭﺓ ﻟﻜﻨﻪ ﻓﻌﻞ ﺫﺍﺗﻲ ﺃﺧﻼﻗﻲ ﺑﺎﻃﻨﻲ ﻟﻠﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑﺄﻧﻔﺴﻨﺎ .. ﺃﻧﻄﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺟﺬﺭﻳﺔ ﻟﻌﺼﺮ ﺑﺮﻣﺘﻪ ﻳﻄﻤﺢ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﻳﺮﺍﻫﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻻﺭﺗﻘﺎﺀ ﺑﺎﻻﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻰ ﻣﻮﺍﻃﻨﺔ ﻛﻮﻧﻴﺔ ﻭﺳﻠﻢ ﺩﺍﺋﻤﺔ. ﺍﻥ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﻫﻨﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻭ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻻ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻭﻫﻲ ﺣﺮﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﻋﻨﻴﻔﺔ ﻭ ﺗﻤﻠﻚ ﻣﻔﻌﻮﻻ ﺛﻮﺭﻳﺎ ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺗﻬﺪﻑ ﺍﻟﻰ ﺍﺻﻼﺡ ﺟﺬﺭﻱ ﻟﻨﻤﻂ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ..
2 ) ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻋﺘﺮﺽ ﻛﺎﻧﻂ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺛﻮﺭﺓ ﺷﻌﺐ ﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ؟
ﻧﺤﻦ ﻫﻬﻨﺎ ﺍﺯﺍﺀ ﻣﻜﺎﻥ ﺧﻄﻴﺮ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻧﺤﺴﻦ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﺍﻟﻴﻪ ﻭﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻨﻪ ﺑﺴﻼﻡ. ﺃﻥ ﺗﻌﺘﺮﺽ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ ﺷﻌﺐ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻛﻢ ﻣﺴﺘﺒﺪ، ﺃﻣﺮ ﻳﻬﺪﺩ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻤﻴﻢ. ﻭﻫﻨﺎ ﻧﻘﻒ ﻋﻨﺪ ﺃﺧﻄﺮ ﻧﺺ ﻛﺘﺒﻪ ﻛﺎﻧﻂ ﻋﻦ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ. ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﺣﺪﻯ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﺿﻤﻦ ﻗﺴﻢ “ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ” ﻣﺎ ﻳﻠﻲ :
“ ﺍﻥ ﺗﻐﻴﻴﺮﺍ ﻟﻠﺪﺳﺘﻮﺭ .. ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻻّ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﻭ ﺫﻟﻚ ﻳﺘﻢّ ﻋﺒﺮ ﺍﺻﻼﺡ، ﻭﻻ ﻳﺘﻢّ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺑﺎﻟﻠﺠﻮﺀ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ، ﻭﻫﻮ ﺍﺻﻼﺡ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻳﺔ ﻓﺤﺴﺐ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻤﺘﺪّ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴﺔ.” ﻭﺍﻧﻪ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ “ ﻟﻴﺲ ﺛﻤﺔ ﺃﻳﺔ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﻟﻠﺸﻌﺐ ﺿﺪ ﺍﻟﻤﺸﺮﻉ ﺍﻷﺳﻤﻰ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ .”
ﻛﻴﻒ ﻧﻔﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ؟ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻌﻄﻴﺎﺕ ﺗﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺘﺒﺮﻳﺮ ﻣﻮﻗﻒ ﻛﺎﻧﻂ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :
ﺃﻭﻻ : ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺺ ﻗﺪ ﻛﺘﺒﻪ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺳﻨﺔ 1795 ﺃﻱ ﺑﻌﺪ ﺍﻻﻏﺘﻴﺎﻻﺕ ﻭﺍﻻﻋﺪﺍﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﻬﺪﻓﺖ ﺍﻟﺤﻜﺎﻡ ﻭﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﺖ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ. ﻭﻫﻲ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺍﺳﺘﻨﻜﺮﻫﺎ ﻛﻞ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻮﺭﻛﺎ ﺍﻻﻧﻐﻠﻴﺰﻱ ﻭ ﻓﻴﺸﺘﻪ ﻭ ﺷﻴﻠﺮ .. ﺑﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺲّ ﺑﺤﺮﻣﺔ ﺃﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﻣﻘﺪﺳﺎﺗﻬﻢ ﻭﺑﻘﺪﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﻭﺑﺠﻮﻫﺮ ﺍﻷﺧﻼﻕ .
ﺛﺎﻧﻴﺎ : ﺃﻥ ﻛﺎﻧﻂ ﻓﻀّﻞ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻛﻮﻧﻴﺔ ﻭﻣﻠﺰﻣﺔ ﻭﻛﻔﻴﻠﺔ ﺑﺈﻧﻘﺎﺫ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ ﺍﻟﻀﺎﻣﻦ ﻟﻜﻞ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﺑﺪﻻ مﻦ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻛﺤﺪﺙ ﺧﺎﺹ ﻻﺯﺍﻟﺖ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ ﺁﻧﺬﺍﻙ ﻏﺎﻣﻀﺔ ﻭ ﻓﻮﺿﻮﻳﺔ .
ﺛﺎﻟﺜﺎ : ﺍﻧﻪ ﺿﻤﻦ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻣﺪﻧﻲ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ، ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻠﺸﻌﺐ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﻗﺮﺍﺭ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ، ﻷﻧﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ، ﻣﻦ ﺳﻴﺤﺴﻢ ﺍﻻﻣﺮ؟ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺤﻖ؟ ﻭ ﺑﺄﻱ ﺣﻖّ ﻭ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻫﻮ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻜﻞ ﺣﻖّ؟ ﻫﻜﺬﺍ ﻳﺨﻠﺺ ﻛﺎﻧﻂ ﺍﻟﻰ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺗﻤﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺜﻠﻪ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻫﺪﻡ ﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻧﻔﺴﻬﺎ .
ﺭﺍﺑﻌﺎ : ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻧﺸﺪّﺩ ﻫﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﺜﻮﺭﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺪﻣﻪ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ: ﺍﻧﻬﺎ ﺩﻭﻟﺔ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻏﻴﺮ ﻣﺠﺮﺩ ﻣﻤﺜّﻞ ﻟﻼﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻟﻠﺸﻌﺐ .. ﻭﻫﻮ ﺷﺨﺺ ﻋﺎﻡ ﻣﻬﻤﺘﻪ ﺃﻥ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﻨﺤﻬﺎ ﻟﻪ ﺷﻌﺒﻪ ﻭﻓﻖ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﻘﻰ ﺩﻭﻣﺎ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ. ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻻ ﺍﻟﺬﻭﺍﺕ ﻭﻻ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻻ ﺛﺮﻭﺍﺕ ﺍﻟﺒﻼﺩ. ﻓﻬﻮ ﺑﺤﺴﺐ ﻛﺎﻧﻂ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﻷﺳﻤﻰ ﻟﻠﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻌﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻟﺨﻴﺮﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺃﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺃﻱ ﺣﻖ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻴﺘﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﻻﺳﺘﻴﻼﺀ ﻋﻠﻴﻬﺎ .
ﺧﺎﻣﺴﺎ: ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ ﻓﻲ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻻ ﺣﻖّ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺮﺩ ﻷﻧﻪ ﻳﺴﻠّﻢ ﺿﻤﻨﻴﺎ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻻ ﻳﻘﺘﺮﻑ ﻓﻲ ﺣﻘّﻪ ﺃﻱ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻠﻢ. ﻭﺍﺫﺍ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ ﺫﻟﻚ ، ﻓﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﺣﻖ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ، ﺣﺴﺐ ﻛﺎﻧﻂ، ﺃﻥ ﻳﺪﻟﻲ ﺑﺮﺃﻳﻪ ﻭﺑﺤﻜﻤﻪ ﻭﺑﻨﻘﺪﻩ ﻋﻠﻨﺎ ﻭﺑﺸﻜﻞ ﻋﻤﻮﻣﻲ، ﻷﻥ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺣﻴﺚ ﻳﻨﻌﻢ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ .
ﺳﺎﺩﺳﺎ : ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻛﺎﻧﻂ ﻳﻌﻮّﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺜﻘﻒ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﻟﻌﻘﻠﻪ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﺴﻠﻤﻴﺔ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻤﺮﺩ ﺍﻟﻬﺎﺩﺉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻜﻔﻞ ﺑﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻟﻠﺤﺎﻛﻢ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺤﻴﺪ ﻋﻦ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ. ﻭ ﺫﻟﻚ ﻻﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺟﻮﻫﺮﻫﺎ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻣﺪﻧﻲ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻜﻮﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺝ ﻋﻠﻴﻪ .
ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﺤﻤّﺲ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻠﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ؟
ﻓﻲ ﻧﺺ ﻣﻦ ﻧﺼﻮﺻﻪ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮﺍﻥ “ ﻧﺰﺍﻉ ﺍﻟﻜﻠﻴﺎﺕ 1797)“ ) ﻳﻜﺘﺐ ﻛﺎﻧﻂ ﻋﻦ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ ”: ﺍﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﻻ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻭﻗﺎﺋﻊ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺃﻭ ﻭﺧﻴﻤﺔ ﻗﺎﻡ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮ ، ﺑﺤﻴﺚ ﺻﺎﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﺃﻣﺮﺍ ﻣﺒﺘﺬﻻ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ .. ﻭﺣﻴﺚ ﺍﻧﻘﺮﺿﺖ ﻛﻤﺎ ﺑﺴﺤﺮ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺟﺪّ ﻻﻣﻌﺔ ﻭ ﺟﺪّ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻭ ﺍﻧﺒﺜﻘﺖ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺃﺧﺮﻯ ﻛﻤﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﻖ ﺍﻻﺭﺽ . ﻻ . ﻻ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ . ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮﺟﻴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﻤﻮﻣﻲ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﻌﺐ ﻟﻠﺘﺤﻮﻻﺕ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ … ﻭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ .. ﻣﻮﻗﻔﺎ ﻛﻮﻧﻴﺎ .. ﺧﺎﺻﻴﺔ ﻟﻠﻨﻮﻉ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ .. ﺧﺎﺻﻴﺔ ﺃﺧﻼﻗﻴﺔ .. ﻻ ﺗﻤﻨﺤﻨﺎ ﻓﻘﻂ ﺍﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺑﻞ ﻫﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﺪّﻡ ﻋﻴﻨﻪ .“ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺺ ﻳﻌﺒﺮ ﻓﻴﻪ ﻛﺎﻧﻂ ﺻﺮﺍﺣﺔ ﻋﻦ ﺣﻤﺎﺳﺘﻪ ﻭ ﻓﺘﻨﺘﻪ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﺑﺤﺪﺙ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ . ﺍﻧﻬﺎ ﺗﺠﺴﺪ ﻓﻲ ﺗﺄﻭﻳﻠﻪ ، ﺃﻣﻼ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻛﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮ ، ﺃﻣﻞ ﻛﻮﻧﻲ ﻫﻮ ﺍﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﻧﺤﻮ ﻋﺎﻟﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﻏﺎﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﺪ ﺫﺍﺗﻪ ﻭ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻫﻲ ﻣﻔﺘﺎﺡ ﻛﻞ ﺍﻟﺤﻘﻞ ﺍﻟﻌﻤﻠﻲ ﻟﻠﺒﺸﺮ.
ﺃﻣﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﺘﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻗﺪ ﺗﻨﺸﻂ ﺃﺣﻜﺎﻣﺎ ﻣﺴﺒﻘﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺗﺸﺪ ﺍﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﺪﻫﻤﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺘﻘﺮ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮ. ﻛﻞ ﺛﻮﺭﺓ ﺗﺠﻠﺐ ﻣﻌﻬﺎ ﺃﺣﻜﺎﻣﺎ ﻣﺴﺒﻘﺔ ﻭﻗﺪ ﺗﻨﺸﻂ ﺃﻭﻫﺎﻣﺎ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻭﻗﻊ ﺗﺠﻤﻴﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ. ﻣﻊ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻃﻔﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻄﺢ ﺃﺣﻜﺎﻣﺎ ﻣﺴﺒﻘﺔ ﻭﺃﻭﻫﺎﻣﺎ ﻗﺪﻳﻤﺔ. ﻋﻮﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻜﺒﻮﺕ ﺍﻻﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻲ ﺑﺄﻃﻴﺎﻓﻪ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﻈﻬﺮ ﻫﻨﺎ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﺗﻮﻧﺲ ﻭﻟﻴﺒﻴﺎ ﻭﻣﺼﺮ ﻭﺍﻟﻴﻤﻦ ﻭﺳﻮﺭﻳﺎ …
ﺍﻥ ﻛﺎﻧﻂ ﻳﻔﻀّﻞ ﺍﺫﻥ ﺍﻻﺻﻼﺡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ. ﻭﻫﻨﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻨﺒﻪ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺼﺪﻩ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻣﻦ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻻﺻﻼﺡ. ﻻ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﺩﺧﺎﻝ ﺍﺻﻼﺣﺎﺕ ﺃﻱ ﺗﻐﻴﻴﺮﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ، ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺮﻣﻴﻢ ﺑﻨﺎﺀ ﻣﻬﺪﺩ ﺑﺎﻻﻧﺨﺮﺍﻡ. ﺍﻻﺻﻼﺡ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻫﻮ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺟﺬﺭﻱ ﻵﻟﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻧﻔﺴﻪ .. ﻫﻮ ﺍﺻﻼﺡ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻟﻨﻤﻂ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ .. ﻭﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮﺩ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻭﺗﺮﻣﻴﻢ ﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ .. وﻫﻨﺎ ﻧﻠﺘﻘﻲ ﺑﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺍﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﺍﻷﻣﺜﻞ ﻻﺻﻼﺡ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﺑﺪﻻ ﻋﻦ ﺍﺳﻘﺎﻁ ﺍﻟﻤﺴﺘﺒﺪﻳﻦ. ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﻤﺴﺘﺒﺪﻳﻦ ﺟﺪﺩ .
ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻘﻒ ﻫﻨﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ. ﻭﻟﻨﺬﻛّﺮ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻘﺎﺵ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻗﺪ ﺑﺪﺃ ﻣﻨﺬ ،1780 ﻭﺃﻥ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻢ ﻳﻨﺨﺮﻁ ﻓﻴﻪ ﺍﻻّ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﺄﺧﺮ. ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻧﻄﻠﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻘﺎﺵ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻓﻲ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﺧﺼﻮﻣﺔ ﺣﺎﺩﺓ ﺣﻮﻝ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ. ﻭﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﺳﺘﻨﻜﺎﺭ ﻟﺸﻄﻂ ﻭﺍﻓﺮﺍﻁ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ. ﻭﺟﺎﺀﺕ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻛﺎﻧﻂ “ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ؟ ” ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍﻻﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻝ ﻃﺮﺣﻪ ﺍﻟﻘﺲّ ” ﺍﻟﺒﺮﻟﻴﻨﻲ ﺯﻭﻟﻨﺮ ” ﺣﻮﻝ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ .. ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺲّ ﻳﺪﺍﻓﻊ ﻋﻦ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ، ﻣﺴﺘﻨﻜﺮﺍ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺸﻂ ﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ، ﻃﺎﺭﺣﺎ ﺳﺆﺍﻟﻪ ﺍﻻﺳﺘﻨﻜﺎﺭﻱ “ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ؟ﺍﺫﻥ .“
ﻭﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﻛﺎﻧﻂ ﺍﻟﻰ ﺍﻻﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ” ﻣﻨﺪﻟﺴﻮﻥ ” ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 1784 ﻭﻣﻨﺪﻟﺴﻮﻥ ﻫﻮ ﺗﻨﻮﻳﺮﻱ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻳﻌﻨﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻛﺎﺋﻨﺎ ﻋﺎﻗﻼ ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ ﻟﻪ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻭﻋﺎﺩﺍﺕ ﺩﻳﻨﻴﺔ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﺎ ﺑﺎﺣﺘﺮﺍﻡ. ﻳﻘﻮﻝ ﻣﺎﻧﺪﻟﺴﻮﻥ ﻣﻌﺮﻓﺎ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ: “ ﺍﻥ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ ، ﺻﺪﻳﻖ ﺍﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ، ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻞ ﻭﻓﻖ ﺍﻟﺘﻴﻘﻆ ﻭﺍﻟﺘﺒﺼﺮ، ﻭﺃﻥ ﻳﺘﺤﻤﻞ ﺑﺎﻷﺣﺮﻯ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻤﺴﺒﻘﺔ ﺑﺪﻻ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﺮﻓﺾ ﺍﻟﻘﺴﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻬﺎﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻋﻤﻴﻖ … ﺍﻥ ﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﺍﺯﺍﺀ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻤﺴﺒﻘﺔ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺷﻄﻂ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﺩّﻱ ﺍﻟﻰ ﺍﺿﻌﺎﻑ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺪﻳﻦ ﻭ ﺍﻟﻔﻮﺿﻰ .”
ﺿﺪّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻟﻠﺘﻨﻮﻳﺮ ﻳﻜﺘﺐ ﻛﺎﻧﻂ ﻓﻲ ﺩﻳﺴﻤﺒﺮ 1784 ﻣﻘﺘﺮﺣﺎ ﺗﺼﻮﺭﺍ ﻓﻠﺴﻔﻴﺎ ﺟﺬﺭﻳﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺫﺍﻛﺮﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻣﻨﺘﺼﺮﺍ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﻮﺭ ﻣﻨﺪﻟﺴﻮﻥ. ﺍﻥ ﺃﻫﻢ ﺃﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻟﻜﺎﻧﻄﻲ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ:
ﺃﻭﻻ: ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻫﻮ ﺧﺮﻭﺝ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺮﺷﺪ .. ﻭﻫﻮ ﻗﺼﻮﺭ ﻧﺎﺗﺞ ﻋﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻟﻌﻘﻠﻪ ﻭ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺑﺎﻟﻌﻴﺶ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻮﺻﺎﻳﺔ. ﻟﺬﻟﻚ ﺷﻌﺎﺭ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻫﻮ “ ﺗﺠﺮّﺃ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻋﻘﻠﻚ .”
ﺛﺎﻧﻴﺎ : ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻌﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﺮﺭ ﺑﻤﻔﺮﺩﻩ .. ﻭ ﺃﻣّﺎ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻨﻴﺮ ﺟﻤﻬﻮﺭ ﺑﺮﻣﺘﻪ .. ﻓﻬﻮ ﺃﻣﺮ ﺃﻗﺮﺏ ﺍﻟﻰ ﺍﻻﻣﻜﺎﻥ .. ﺷﺮﻳﻄﺔ ﺃﻥ ﻳﻨﻌﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ..
ﺛﺎﻟﺜﺎ : ﻻ ﻳﺒﻠﻎ ﺟﻤﻬﻮﺭ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻻّ ﻋﻠﻰ ﻣﻬﻞ .. ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻨﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻓﺠﺌﻲ ﻭ ﻋﻨﻴﻒ ﻭﻓﻲ ﻛﺮّﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ..
ﺭﺍﺑﻌﺎ: ﺍﻥ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻳﺪﻩ ﻛﺎﻧﻂ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮّﺃ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﻋﻘﻠﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﺣﺮّ ﻭﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻭﺻﺎﻳﺔ ﻭﺭﻗﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ ﺧﺎﺻﺔ. ﻭﺍﻧﻪ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻌﻄﻞ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﺗﻌﻄﻴﻞ ﻋﻤﻞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ، ﺃﻭ ﻣﻦ ﻳﻌﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺃﻭ ﺭﺟﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻭ ﺃﻱ ﺷﺨﺺ ﺁﺧﺮ، ﻓﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻳُﻌﺘﺒﺮ ﻣﺴّﺎ ﺑﺎﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ﻟﻼﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺩﻭﺳﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ .
ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺑﻮﺳﻌﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻌﺘﺒﺮ ﺃﻥ ﻣﻘﺎﻟﺔ “ ﻣﺎﻫﻮ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ؟ ” ﻟﻜﺎﻧﻂ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻟﺜﻮﺭﻱ ﻟﻜﺎﻧﻂ ﻓﻲ ﺑﻼﺩ ﻟﻢ ﺗﻘﻢ ﺑﺜﻮﺭﺗﻬﺎ ﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻻﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ
( 1649 ) ، ﻭﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ( 1775 ) ﻭﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ( 1789 ) . ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺭﺳﻢ ﻛﺎﻧﻂ ﻣﻌﺎﻟﻤﻪ ﻟﻴﺲ ﺛﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺍﻟﻌﻨﻴﻒ ﻭﺍﻟﺠﺬﺭﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﻨّﺲ ﻓﻲ ﻛﺮّﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺗﻨﻈﻴﻤﺎ ﺳﻴﺎﺳﻴﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﺳﺘﺒﺪﺍﻟﻪ ﺑﺂﺧﺮ. ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻟﻴﺲ ﺛﻮﺭﺓ ﻟﻜﻨﻪ ﻓﻌﻞ ﺫﺍﺗﻲ ﺃﺧﻼﻗﻲ ﺑﺎﻃﻨﻲ ﻟﻠﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑﺄﻧﻔﺴﻨﺎ .. ﺃﻧﻄﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺟﺬﺭﻳﺔ ﻟﻌﺼﺮ ﺑﺮﻣﺘﻪ ﻳﻄﻤﺢ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﻳﺮﺍﻫﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻻﺭﺗﻘﺎﺀ ﺑﺎﻻﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻰ ﻣﻮﺍﻃﻨﺔ ﻛﻮﻧﻴﺔ ﻭﺳﻠﻢ ﺩﺍﺋﻤﺔ. ﺍﻥ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﻫﻨﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻭ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻻ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻭﻫﻲ ﺣﺮﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﻋﻨﻴﻔﺔ ﻭ ﺗﻤﻠﻚ ﻣﻔﻌﻮﻻ ﺛﻮﺭﻳﺎ ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺗﻬﺪﻑ ﺍﻟﻰ ﺍﺻﻼﺡ ﺟﺬﺭﻱ ﻟﻨﻤﻂ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ..
2 ) ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻋﺘﺮﺽ ﻛﺎﻧﻂ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺛﻮﺭﺓ ﺷﻌﺐ ﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ؟
ﻧﺤﻦ ﻫﻬﻨﺎ ﺍﺯﺍﺀ ﻣﻜﺎﻥ ﺧﻄﻴﺮ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻧﺤﺴﻦ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﺍﻟﻴﻪ ﻭﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻨﻪ ﺑﺴﻼﻡ. ﺃﻥ ﺗﻌﺘﺮﺽ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ ﺷﻌﺐ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻛﻢ ﻣﺴﺘﺒﺪ، ﺃﻣﺮ ﻳﻬﺪﺩ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻤﻴﻢ. ﻭﻫﻨﺎ ﻧﻘﻒ ﻋﻨﺪ ﺃﺧﻄﺮ ﻧﺺ ﻛﺘﺒﻪ ﻛﺎﻧﻂ ﻋﻦ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ. ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﺣﺪﻯ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﺿﻤﻦ ﻗﺴﻢ “ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ” ﻣﺎ ﻳﻠﻲ :
“ ﺍﻥ ﺗﻐﻴﻴﺮﺍ ﻟﻠﺪﺳﺘﻮﺭ .. ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻻّ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﻭ ﺫﻟﻚ ﻳﺘﻢّ ﻋﺒﺮ ﺍﺻﻼﺡ، ﻭﻻ ﻳﺘﻢّ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺑﺎﻟﻠﺠﻮﺀ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ، ﻭﻫﻮ ﺍﺻﻼﺡ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻳﺔ ﻓﺤﺴﺐ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻤﺘﺪّ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴﺔ.” ﻭﺍﻧﻪ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ “ ﻟﻴﺲ ﺛﻤﺔ ﺃﻳﺔ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﻟﻠﺸﻌﺐ ﺿﺪ ﺍﻟﻤﺸﺮﻉ ﺍﻷﺳﻤﻰ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ .”
ﻛﻴﻒ ﻧﻔﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ؟ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻌﻄﻴﺎﺕ ﺗﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺘﺒﺮﻳﺮ ﻣﻮﻗﻒ ﻛﺎﻧﻂ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :
ﺃﻭﻻ : ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺺ ﻗﺪ ﻛﺘﺒﻪ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺳﻨﺔ 1795 ﺃﻱ ﺑﻌﺪ ﺍﻻﻏﺘﻴﺎﻻﺕ ﻭﺍﻻﻋﺪﺍﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﻬﺪﻓﺖ ﺍﻟﺤﻜﺎﻡ ﻭﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﺖ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ. ﻭﻫﻲ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺍﺳﺘﻨﻜﺮﻫﺎ ﻛﻞ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻮﺭﻛﺎ ﺍﻻﻧﻐﻠﻴﺰﻱ ﻭ ﻓﻴﺸﺘﻪ ﻭ ﺷﻴﻠﺮ .. ﺑﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺲّ ﺑﺤﺮﻣﺔ ﺃﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﻣﻘﺪﺳﺎﺗﻬﻢ ﻭﺑﻘﺪﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﻭﺑﺠﻮﻫﺮ ﺍﻷﺧﻼﻕ .
ﺛﺎﻧﻴﺎ : ﺃﻥ ﻛﺎﻧﻂ ﻓﻀّﻞ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻛﻮﻧﻴﺔ ﻭﻣﻠﺰﻣﺔ ﻭﻛﻔﻴﻠﺔ ﺑﺈﻧﻘﺎﺫ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ ﺍﻟﻀﺎﻣﻦ ﻟﻜﻞ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﺑﺪﻻ مﻦ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻛﺤﺪﺙ ﺧﺎﺹ ﻻﺯﺍﻟﺖ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ ﺁﻧﺬﺍﻙ ﻏﺎﻣﻀﺔ ﻭ ﻓﻮﺿﻮﻳﺔ .
ﺛﺎﻟﺜﺎ : ﺍﻧﻪ ﺿﻤﻦ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻣﺪﻧﻲ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ، ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻠﺸﻌﺐ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﻗﺮﺍﺭ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ، ﻷﻧﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ، ﻣﻦ ﺳﻴﺤﺴﻢ ﺍﻻﻣﺮ؟ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺤﻖ؟ ﻭ ﺑﺄﻱ ﺣﻖّ ﻭ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻫﻮ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻜﻞ ﺣﻖّ؟ ﻫﻜﺬﺍ ﻳﺨﻠﺺ ﻛﺎﻧﻂ ﺍﻟﻰ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺗﻤﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺜﻠﻪ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻫﺪﻡ ﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻧﻔﺴﻬﺎ .
ﺭﺍﺑﻌﺎ : ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻧﺸﺪّﺩ ﻫﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﺜﻮﺭﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺪﻣﻪ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ: ﺍﻧﻬﺎ ﺩﻭﻟﺔ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻏﻴﺮ ﻣﺠﺮﺩ ﻣﻤﺜّﻞ ﻟﻼﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻟﻠﺸﻌﺐ .. ﻭﻫﻮ ﺷﺨﺺ ﻋﺎﻡ ﻣﻬﻤﺘﻪ ﺃﻥ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﻨﺤﻬﺎ ﻟﻪ ﺷﻌﺒﻪ ﻭﻓﻖ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﻘﻰ ﺩﻭﻣﺎ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ. ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻻ ﺍﻟﺬﻭﺍﺕ ﻭﻻ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻻ ﺛﺮﻭﺍﺕ ﺍﻟﺒﻼﺩ. ﻓﻬﻮ ﺑﺤﺴﺐ ﻛﺎﻧﻂ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﻷﺳﻤﻰ ﻟﻠﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻌﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻟﺨﻴﺮﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺃﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺃﻱ ﺣﻖ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻴﺘﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﻻﺳﺘﻴﻼﺀ ﻋﻠﻴﻬﺎ .
ﺧﺎﻣﺴﺎ: ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ ﻓﻲ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻻ ﺣﻖّ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺮﺩ ﻷﻧﻪ ﻳﺴﻠّﻢ ﺿﻤﻨﻴﺎ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻻ ﻳﻘﺘﺮﻑ ﻓﻲ ﺣﻘّﻪ ﺃﻱ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻠﻢ. ﻭﺍﺫﺍ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ ﺫﻟﻚ ، ﻓﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﺣﻖ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ، ﺣﺴﺐ ﻛﺎﻧﻂ، ﺃﻥ ﻳﺪﻟﻲ ﺑﺮﺃﻳﻪ ﻭﺑﺤﻜﻤﻪ ﻭﺑﻨﻘﺪﻩ ﻋﻠﻨﺎ ﻭﺑﺸﻜﻞ ﻋﻤﻮﻣﻲ، ﻷﻥ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺣﻴﺚ ﻳﻨﻌﻢ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ .
ﺳﺎﺩﺳﺎ : ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻛﺎﻧﻂ ﻳﻌﻮّﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺜﻘﻒ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﻟﻌﻘﻠﻪ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﺴﻠﻤﻴﺔ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻤﺮﺩ ﺍﻟﻬﺎﺩﺉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻜﻔﻞ ﺑﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻟﻠﺤﺎﻛﻢ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺤﻴﺪ ﻋﻦ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ. ﻭ ﺫﻟﻚ ﻻﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺟﻮﻫﺮﻫﺎ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻣﺪﻧﻲ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻜﻮﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺝ ﻋﻠﻴﻪ .
ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﺤﻤّﺲ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻠﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ؟
ﻓﻲ ﻧﺺ ﻣﻦ ﻧﺼﻮﺻﻪ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮﺍﻥ “ ﻧﺰﺍﻉ ﺍﻟﻜﻠﻴﺎﺕ 1797)“ ) ﻳﻜﺘﺐ ﻛﺎﻧﻂ ﻋﻦ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ ”: ﺍﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﻻ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻭﻗﺎﺋﻊ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺃﻭ ﻭﺧﻴﻤﺔ ﻗﺎﻡ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮ ، ﺑﺤﻴﺚ ﺻﺎﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﺃﻣﺮﺍ ﻣﺒﺘﺬﻻ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ .. ﻭﺣﻴﺚ ﺍﻧﻘﺮﺿﺖ ﻛﻤﺎ ﺑﺴﺤﺮ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺟﺪّ ﻻﻣﻌﺔ ﻭ ﺟﺪّ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻭ ﺍﻧﺒﺜﻘﺖ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺃﺧﺮﻯ ﻛﻤﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﻖ ﺍﻻﺭﺽ . ﻻ . ﻻ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ . ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮﺟﻴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﻤﻮﻣﻲ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﻌﺐ ﻟﻠﺘﺤﻮﻻﺕ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ … ﻭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ .. ﻣﻮﻗﻔﺎ ﻛﻮﻧﻴﺎ .. ﺧﺎﺻﻴﺔ ﻟﻠﻨﻮﻉ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ .. ﺧﺎﺻﻴﺔ ﺃﺧﻼﻗﻴﺔ .. ﻻ ﺗﻤﻨﺤﻨﺎ ﻓﻘﻂ ﺍﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺑﻞ ﻫﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﺪّﻡ ﻋﻴﻨﻪ .“ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺺ ﻳﻌﺒﺮ ﻓﻴﻪ ﻛﺎﻧﻂ ﺻﺮﺍﺣﺔ ﻋﻦ ﺣﻤﺎﺳﺘﻪ ﻭ ﻓﺘﻨﺘﻪ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﺑﺤﺪﺙ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ . ﺍﻧﻬﺎ ﺗﺠﺴﺪ ﻓﻲ ﺗﺄﻭﻳﻠﻪ ، ﺃﻣﻼ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻛﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮ ، ﺃﻣﻞ ﻛﻮﻧﻲ ﻫﻮ ﺍﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﻧﺤﻮ ﻋﺎﻟﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﻏﺎﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﺪ ﺫﺍﺗﻪ ﻭ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻫﻲ ﻣﻔﺘﺎﺡ ﻛﻞ ﺍﻟﺤﻘﻞ ﺍﻟﻌﻤﻠﻲ ﻟﻠﺒﺸﺮ.
ﺍﻥ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺎﻡ ﺑﻬﺎ “ ﺷﻌﺐ ﺛﺮﻱ ﺟﺪﺍ
ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ” ﺗﺒﻌﺚ ﻓﻲ ﺫﻫﻦ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮﺟﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﺍﻟﻴﻬﻢ ﻛﺎﻧﻂ ، ﺣﻤﺎﺳﺔ ﻗﺼﻮﻯ
ﻟﻠﺜﻮﺭﺓ، ﺗﻌﻮﺩ ﺍﻟﻰ ﺍﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ، ﺃﻣﻞ ﺟﺴﺪﺗﻪ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ .
ﻛﻴﻒ ﻧﻔﻬﻢ ﺣﻤﺎﺳﺔ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻠﺜﻮﺭﺓ؟ ﻧﺤﻴﻞ ﻫﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻟﻴﻮﺗﺎﺭ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺷﺘﻐﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺭﺃﺳﺎ. ﻭﻫﻲ ﺃﻃﺮﻭﺣﺔ ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﺘﺠﻤﻴﻊ ﻋﻨﺎﺻﺮﻫﺎ ﻟﻠﻘﺎﺭﺉ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﺎﻁ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :
ﺃﻭﻻ : ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻻ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﺤﺴﺐ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﺮﻛﺢ ، ﺑﻞ ﻳﺤﺪﺙ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮﺟﻴﻦ ﺍﻟﻐﺎﻣﻀﻴﻦ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﻳﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﺃﺣﺪ ﻳﻨﺘﻈﺮﻫﻢ ﻭ ﻻ ﺃﺣﺪ ﻳﻨﻈﺮ ﺍﻟﻴﻬﻢ . ﻫﺆﻻﺀ ﻓﻘﻂ ﻫﻢ ﻣﻦ ﺑﻮﺳﻌﻬﻢ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺩﺍﺧﻞ ﺿﺠﻴﺞ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﺎﺩﻝ ﻭ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻏﻴﺮ ﻋﺎﺩﻝ .
ﺛﺎﻧﻴﺎ : ﺃﻥ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﻨﺎﻇﺮ ﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻻﺣﺘﺮﺍﻡ ﻓﻲ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻭ ﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺎﺕ . ﻭ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺮﻭﻋﺔ ﺣﺪﺙ ﻣﺎ ﺃﻱ ﺑﻌﻈﻤﺘﻪ . ﻫﻮ ﺷﻌﻮﺭ ﺑﻔﺮﺣﺔ ﻗﺼﻮﻯ ﺍﺯﺍﺀ ﺣﺪﺙ ﻋﻈﻴﻢ .. ﻋﺎﻃﻔﺔ ﺣﺎﺩﺓ ﺗﺪﻓﻊ ﺑﺎﻟﻤﺨﻴﻠﺔ ﺍﻟﻰ ﺗﺨﻮﻣﻬﺎ .. ﺑﻞ ﻫﻮ ﺣﺪﺙ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺘﺨﻴﻴﻞ ﺃﺻﻼ ﻭ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻓﺮﻁ ﻫﻮﻟﻪ ﻭﺭﻭﻋﻪ ﻭﻋﻈﻤﺘﻪ. ﻭﻫﻨﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ﻭ ﺍﻟﺘﻌﺼﺐ: ﺍﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ﺣﺴﺐ ﻛﺎﻧﻂ ﺗﻬﺐ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺩﺍﻓﻌﺎ ﺣﻴﻮﻳﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﺘﺨﻴﻴﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ. ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻌﺼﺐ ﻓﻴﻪ ﻳﺘﻮﻫﻢ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺃﻧﻪ ﻳﺮﻯ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺎ، ﻓﻴﻤﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﻤﺨﻴﻠﺔ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺮﻯ ﻏﻴﺮ ﺃﻭﻫﺎﻣﻪ: ﺍﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ﺍﻧﻔﻌﺎﻝ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻌﺼﺐ ﺍﻧﻔﻌﺎﻝ ﺩﻳﻨﻲ .
ﺛﺎﻟﺜﺎ: ﺍﻥ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻋﻴﻮﻥ ﻛﺎﻧﻂ ، ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻟﺤﻠﻢ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ. ﻫﻬﻨﺎ ﻻ ﻓﺎﺻﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻭ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻭ ﻻ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ. ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻰ ﺃﻱ ﺣﺪّ ﺑﻮﺳﻊ ﺛﻮﺭﺓ ﻣﺎ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﺧﻼﻗﻴﺔ؟ ﺃﻭ ﻣﺘﺨﻠﻘﺔ؟ ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻥ ﻛﺎﻧﻂ ﻫﻬﻨﺎ ﻳﺮﻓﻊ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺲ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻙ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﻭﺍﻟﺒﻌﺪ ﺍﻟﻜﺴﻤﻮﺳﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﻤﻮﺍﻃﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ .. ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻳﺜﻮﺭ ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻭﻓﻲ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﻳﺸﺮّﻉ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻟﻠﺘﻨﻮﻳﺮ، ﻭﺗﻠﺘﻘﻲ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻭﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺃﻣﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﺑﺎﻻﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻧﺤﻮ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻣﺪﻧﻲ ﻳﻜﻔﻞ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﻭ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﻛﻐﺎﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﺪ ﺫﺍﺗﻪ .
4 ) ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻜﺎﻧﻄﻲ ﻟﻠﺜﻮﺭﺓ ﻭ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ :
ﺃﻫﻢ ﻋﻴﻮﺏ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻜﺎﻧﻄﻲ ﻟﻠﺸﺄﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻫﻮ ﺗﻌﻮﻳﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻤﻬﻤﺔ ﺭﻗﺎﺑﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﻌﻠﻨﻲ ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ ﻛﺎﻧﻂ ﺑﺎﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﻟﻠﻌﻘﻞ. ﻟﻘﺪ ﻋﻮّﻝ ﻛﺎﻧﻂ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻋﻠﻰ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻓﻲ ﻧﺸﺮ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻻﺣﺘﺮﺍﻡ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﺔ ، ﻣﻌﺘﻘﺪﺍ ﻓﻲ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻗﻨﺎﻉ ﻭﻓﻲ ﺷﻔﺎﻗﻴﺔ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻲ. ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻟﻴﺘﻨﺒﺄ ﺑﺎﻟﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﺍﻟﻄﺎﺭﺋﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺤﻮﻝ ﺍﻟﻰ ﻓﻀﺎﺀ ﺗﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﻭ ﺳﺎﺋﻞ ﺍﻻﻋﻼﻡ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺿﻴﺔ. ﺍﺿﺎﻓﺔ ﺍﻟﻰ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻴﻘﺪّﺭ ﻣﺪﻯ ﺧﻄﻮﺭﺓ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻣﻦ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻟﻰ ﺩﻣﻐﺠﺔ ﺻﻤّﺎﺀ ﻭﺃﺩﻟﺠﺔ ﻣﺨﺎﺩﻋﺔ .
ﺧﺎﺗﻤﺔ :
ﻛﺎﻧﻂ ﻭ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ: ﻣﺎﺫﺍ ﻟﻮ ﺩﻋﻮﻧﺎ ﻧﺼﻮﺹ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻠﺘﻔﻜﻴﺮ ﻣﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ؟ ﻣﺎﺫﺍ ﺗﺸﺒﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ؟ ﻫﻞ ﺑﻮﺳﻌﻨﺎ ﻗﺮﺍﺀﺗﻬﺎ ﻭﻓﻖ ﻧﻤﻮﺫﺝ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻠﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ؟ ﻫﻞ ﺳﻴﺘﺤﻤﺲ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﺜﻮﺭﺍﺗﻨﺎ، ﻭﻫﻞ ﺳﻮﻑ ﻳﻌﺘﺒﺮﻫﺎ ﺗﺠﺴﻴﺪﺍ ﻟﺤﻠﻢ ﻛﻮﻧﻲ ﻫﻮ ﺣﻠﻢ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻻﺧﻼﻗﻲ ﺑﺎﻻﻧﺴﺎﻧﻴﺔ؟ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺑﻮﺳﻌﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﺮﻧﺎ ﻧﺤﻮ ﺟﻬﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻻ ﻧﻤﻠﻚ ﺑﻌﺪُ ﺍﻻﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺃﻳﻬﻤﺎ ﺳﻮﻑ ﻳﺮﺳﻮ ﺑﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺮّ ﺍﻷﻣﺎﻥ :
ﺃﻭّﻻ : ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﻓﻲ ﺃﺳﺒﺎﺑﻬﺎ ﻭﺩﻭﺍﻓﻌﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﺎﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، ﻓﺬﺍﻙ ﺃﻣﺮ ﻣﻔﺮﻭﻍ ﻣﻨﻪ. ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻰ ﺭﻓﺾ ﻗﻄﻌﻲ ﻭﺍﺭﺍﺩﺓ ﺗﺤﺮﺭ ﺟﺬﺭﻳﺔ ﻣﻦ ﺩﻭﻝ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﻭﻗﻤﻊ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﻭﺳﺤﻖ ﻻﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ. ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﻗﻒ ﻓﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻻ ﺍﻻﻋﺠﺎﺏ ﻭﺍﻟﺘﺤﻤﺲ ﻟﻠﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﻋﻀﺪﻫﺎ ﻭﻣﺒﺎﺭﻛﺘﻬﺎ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻋﻼﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﺮﺭ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺪﺑﻴﺮ ﻣﺼﻴﺮﻫﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ. ﺃﻥ ﻳﺜﻮﺭ ﺷﻌﺐ ﻣﺎ ﻋﻨﺪ ﻛﺎﻧﻂ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺃﻧﻪ ﻗﺮﺭ ﺩﻓﻌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﺑﺎﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻓﻲ ﻛﺮّﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺃﻥ ﻳﻨﻌﻢ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ. ﻭﺫﻟﻚ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻳﻀﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻗﺪ ﻗﺮﺭ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺃﻥ ﻳﻔﻜﺮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻭﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺃﻭﺗﻲ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻭﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﻱ. ﺃﻥ ﺷﻌﺒﺎ ﻣﺎ ﻗﺪ ﺛﺎﺭ ﺿﺪ ﺍﻟﻤﺴﺘﺒﺪ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﻧﺠﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺟﻤﺎﻋﻲ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻮﺻﺎﻳﺔ ﻭﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺮﺷﺪ ﻭﺍﻟﺤﺮﻳﺔ. ﺃﻥّ ﺷﻌﺒﺎ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻫﺐّ ﻭﺍﻧﺘﻔﺾ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺪﻳﻢ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺃﻧﻪ ﻧﺠﺢ ﺃﺧﻴﺮﺍ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﺠﺮّﺃ ﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻋﻘﻠﻪ ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺟﺴﻤﻪ ﻭﺍﻧﻔﻌﺎﻻﺗﻪ ﻭﺭﻏﺒﺎﺗﻪ ﻭﻛﻞ ﻗﻮﺍﻩ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﻴﺶ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ .
ﺛﺎﻧﻴﺎ : ﻟﻜﻦ ﻫﻞ ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﺠﺴﻴﺪ ﻟﻸﻣﻞ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺸّﺮ ﺑﻪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺃﻱ ﺍﻟﺘﻘﺪّﻡ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ؟ ﺃﻡ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻋﺎﺷﺘﻪ ﺍﻻﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﻨﺬ ﻗﺮﻧﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻣﻦ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﻷﺣﻼﻡ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻭﻗﺪ ﺻﺎﺭﺕ ﻓﻲ ﻋﻘﻮﻝ ﻧﻘّﺎﺩ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ ﺍﻟﻰ ﻛﺎﺑﻮﺱ ﺑﻞ ﻭﺍﻟﻰ ﻛﺎﺭﺛﺔ ﻭﺑﺮﺑﺮﻳﺔ ﻭﻋﺪﻣﻴﺔ ﻳﺠﻌﻞ ﻋﻼﻗﺔ ﺛﻮﺭﺍﺗﻨﺎ ﺑﺎﻷﺣﻼﻡ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺃﻣﺮﺍ ﺍﺷﻜﺎﻟﻴﺎ؟ ﻣﺎﺫﺍ ﺗﺮﻳﺪ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍ: ﻫﻞ ﺗﺮﻳﺪ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ؟ ﺃﻡ ﻫﻲ ﺗﺮﻳﺪ ﺍﺳﺘﻌﺎﺩﺓ ﻟﻠﻬﻮﻳﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺃﻭ ﻟﻠﻬﻮﻳﺔ ﺍﻻﺳﻼﻣﻴﺔ؟ ﻫﻞ ﺗﺮﻳﺪ ﺛﻮﺭﺍﺗﻨﺎ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ ﺃﻡ ﻫﻲ ﺭﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻇﻞّ ﻣﻜﺒﻮﺗﺎ ﻟﻤﺪﺓ ﺳﻨﻴﻦ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﺩﻭﻝ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ؟ ﻫﻞ ﻣﻠﻠﻨﺎ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻭﺻﺮﻧﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺍﻟﻰ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﻣﺒﺎﺩﺋﻪ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺜﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺻﻨﻌﺖ ﻣﻼﻣﺢ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ؟ ﻫﻞ ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻌﻴﺸﻬﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻭﺍﻋﻴﺔ ﺑﺨﻄﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﻳﺪﻩ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ؟ ﺃﻡ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﻀﺞ ﺑﻌﺪُ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻐﺎﻳﺮ؟ ﻭﺃﻱّ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻧﺮﻳﺪ؟ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺳﻮﻑ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺃﻓﻖ ﻣﻐﺎﻳﺮ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻭﺟﺪﻳﺪ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻭﻣﻔﺎﺟﺊ ﺗﻤﺎﻣﺎ؟ ﺃﻡ ﻧﺤﻦ ﺑﺼﺪﺩ ﺍﻟﺴﻘﻮﻁ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻀﻰ ﺑﻌﺪُ؟ ﺣﺬﺍﺭ .. ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻀﺤﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﻨﻀﺎﻻﺕ ﻻﺯﺍﻟﺖ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺛﻮﺭﺍﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﺭﻭﺏ ﺍﻵﻣﻨﺔ ﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻟﻢ ﻧﻤﺮ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺪُ .. ﺣﺬﺍﺭ ﻣﺎ ﻣﺎﺕ ﺷﻬﺪﺍؤﻨﺎ ﺍﻻ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﻥ ﻧﻌﺒﺮ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻀﻔﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ .. ﻫﻞ ﻋﺒﺮﻧﺎ؟ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻌﻄّﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺒﻮﺭ ﻳﻘﺘﻞ ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﺛﺎﻧﻴﺔ .. ﺣﺬﺍﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻮﺭّﻁ ﺑﻴﻦ ﺩﻣﺎﺀ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ ﻭ ﺍﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ.
ﻛﻴﻒ ﻧﻔﻬﻢ ﺣﻤﺎﺳﺔ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻠﺜﻮﺭﺓ؟ ﻧﺤﻴﻞ ﻫﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻟﻴﻮﺗﺎﺭ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺷﺘﻐﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺭﺃﺳﺎ. ﻭﻫﻲ ﺃﻃﺮﻭﺣﺔ ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﺘﺠﻤﻴﻊ ﻋﻨﺎﺻﺮﻫﺎ ﻟﻠﻘﺎﺭﺉ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﺎﻁ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :
ﺃﻭﻻ : ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻻ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﺤﺴﺐ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﺮﻛﺢ ، ﺑﻞ ﻳﺤﺪﺙ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮﺟﻴﻦ ﺍﻟﻐﺎﻣﻀﻴﻦ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﻳﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﺃﺣﺪ ﻳﻨﺘﻈﺮﻫﻢ ﻭ ﻻ ﺃﺣﺪ ﻳﻨﻈﺮ ﺍﻟﻴﻬﻢ . ﻫﺆﻻﺀ ﻓﻘﻂ ﻫﻢ ﻣﻦ ﺑﻮﺳﻌﻬﻢ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺩﺍﺧﻞ ﺿﺠﻴﺞ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﺎﺩﻝ ﻭ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻏﻴﺮ ﻋﺎﺩﻝ .
ﺛﺎﻧﻴﺎ : ﺃﻥ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﻨﺎﻇﺮ ﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻻﺣﺘﺮﺍﻡ ﻓﻲ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻭ ﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺎﺕ . ﻭ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺮﻭﻋﺔ ﺣﺪﺙ ﻣﺎ ﺃﻱ ﺑﻌﻈﻤﺘﻪ . ﻫﻮ ﺷﻌﻮﺭ ﺑﻔﺮﺣﺔ ﻗﺼﻮﻯ ﺍﺯﺍﺀ ﺣﺪﺙ ﻋﻈﻴﻢ .. ﻋﺎﻃﻔﺔ ﺣﺎﺩﺓ ﺗﺪﻓﻊ ﺑﺎﻟﻤﺨﻴﻠﺔ ﺍﻟﻰ ﺗﺨﻮﻣﻬﺎ .. ﺑﻞ ﻫﻮ ﺣﺪﺙ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺘﺨﻴﻴﻞ ﺃﺻﻼ ﻭ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻓﺮﻁ ﻫﻮﻟﻪ ﻭﺭﻭﻋﻪ ﻭﻋﻈﻤﺘﻪ. ﻭﻫﻨﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ﻭ ﺍﻟﺘﻌﺼﺐ: ﺍﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ﺣﺴﺐ ﻛﺎﻧﻂ ﺗﻬﺐ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺩﺍﻓﻌﺎ ﺣﻴﻮﻳﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﺘﺨﻴﻴﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ. ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻌﺼﺐ ﻓﻴﻪ ﻳﺘﻮﻫﻢ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺃﻧﻪ ﻳﺮﻯ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺎ، ﻓﻴﻤﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﻤﺨﻴﻠﺔ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺮﻯ ﻏﻴﺮ ﺃﻭﻫﺎﻣﻪ: ﺍﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ﺍﻧﻔﻌﺎﻝ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻌﺼﺐ ﺍﻧﻔﻌﺎﻝ ﺩﻳﻨﻲ .
ﺛﺎﻟﺜﺎ: ﺍﻥ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻋﻴﻮﻥ ﻛﺎﻧﻂ ، ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻟﺤﻠﻢ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ. ﻫﻬﻨﺎ ﻻ ﻓﺎﺻﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻭ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻭ ﻻ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ. ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻰ ﺃﻱ ﺣﺪّ ﺑﻮﺳﻊ ﺛﻮﺭﺓ ﻣﺎ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﺧﻼﻗﻴﺔ؟ ﺃﻭ ﻣﺘﺨﻠﻘﺔ؟ ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻥ ﻛﺎﻧﻂ ﻫﻬﻨﺎ ﻳﺮﻓﻊ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺲ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻙ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﻭﺍﻟﺒﻌﺪ ﺍﻟﻜﺴﻤﻮﺳﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﻤﻮﺍﻃﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ .. ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻳﺜﻮﺭ ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻭﻓﻲ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﻳﺸﺮّﻉ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻟﻠﺘﻨﻮﻳﺮ، ﻭﺗﻠﺘﻘﻲ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻭﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺃﻣﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﺑﺎﻻﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻧﺤﻮ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻣﺪﻧﻲ ﻳﻜﻔﻞ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﻭ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﻛﻐﺎﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﺪ ﺫﺍﺗﻪ .
4 ) ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻜﺎﻧﻄﻲ ﻟﻠﺜﻮﺭﺓ ﻭ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ :
ﺃﻫﻢ ﻋﻴﻮﺏ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻜﺎﻧﻄﻲ ﻟﻠﺸﺄﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻫﻮ ﺗﻌﻮﻳﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻤﻬﻤﺔ ﺭﻗﺎﺑﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﻌﻠﻨﻲ ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ ﻛﺎﻧﻂ ﺑﺎﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﻟﻠﻌﻘﻞ. ﻟﻘﺪ ﻋﻮّﻝ ﻛﺎﻧﻂ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻋﻠﻰ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻓﻲ ﻧﺸﺮ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻻﺣﺘﺮﺍﻡ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﺔ ، ﻣﻌﺘﻘﺪﺍ ﻓﻲ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻗﻨﺎﻉ ﻭﻓﻲ ﺷﻔﺎﻗﻴﺔ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻲ. ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻟﻴﺘﻨﺒﺄ ﺑﺎﻟﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﺍﻟﻄﺎﺭﺋﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺤﻮﻝ ﺍﻟﻰ ﻓﻀﺎﺀ ﺗﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﻭ ﺳﺎﺋﻞ ﺍﻻﻋﻼﻡ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺿﻴﺔ. ﺍﺿﺎﻓﺔ ﺍﻟﻰ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻴﻘﺪّﺭ ﻣﺪﻯ ﺧﻄﻮﺭﺓ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻣﻦ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻟﻰ ﺩﻣﻐﺠﺔ ﺻﻤّﺎﺀ ﻭﺃﺩﻟﺠﺔ ﻣﺨﺎﺩﻋﺔ .
ﺧﺎﺗﻤﺔ :
ﻛﺎﻧﻂ ﻭ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ: ﻣﺎﺫﺍ ﻟﻮ ﺩﻋﻮﻧﺎ ﻧﺼﻮﺹ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻠﺘﻔﻜﻴﺮ ﻣﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ؟ ﻣﺎﺫﺍ ﺗﺸﺒﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ؟ ﻫﻞ ﺑﻮﺳﻌﻨﺎ ﻗﺮﺍﺀﺗﻬﺎ ﻭﻓﻖ ﻧﻤﻮﺫﺝ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻠﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ؟ ﻫﻞ ﺳﻴﺘﺤﻤﺲ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﺜﻮﺭﺍﺗﻨﺎ، ﻭﻫﻞ ﺳﻮﻑ ﻳﻌﺘﺒﺮﻫﺎ ﺗﺠﺴﻴﺪﺍ ﻟﺤﻠﻢ ﻛﻮﻧﻲ ﻫﻮ ﺣﻠﻢ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻻﺧﻼﻗﻲ ﺑﺎﻻﻧﺴﺎﻧﻴﺔ؟ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺑﻮﺳﻌﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﺮﻧﺎ ﻧﺤﻮ ﺟﻬﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻻ ﻧﻤﻠﻚ ﺑﻌﺪُ ﺍﻻﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺃﻳﻬﻤﺎ ﺳﻮﻑ ﻳﺮﺳﻮ ﺑﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺮّ ﺍﻷﻣﺎﻥ :
ﺃﻭّﻻ : ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﻓﻲ ﺃﺳﺒﺎﺑﻬﺎ ﻭﺩﻭﺍﻓﻌﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﺎﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، ﻓﺬﺍﻙ ﺃﻣﺮ ﻣﻔﺮﻭﻍ ﻣﻨﻪ. ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻰ ﺭﻓﺾ ﻗﻄﻌﻲ ﻭﺍﺭﺍﺩﺓ ﺗﺤﺮﺭ ﺟﺬﺭﻳﺔ ﻣﻦ ﺩﻭﻝ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﻭﻗﻤﻊ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﻭﺳﺤﻖ ﻻﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ. ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﻗﻒ ﻓﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺍﻻ ﺍﻻﻋﺠﺎﺏ ﻭﺍﻟﺘﺤﻤﺲ ﻟﻠﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﻋﻀﺪﻫﺎ ﻭﻣﺒﺎﺭﻛﺘﻬﺎ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻋﻼﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﺮﺭ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺪﺑﻴﺮ ﻣﺼﻴﺮﻫﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ. ﺃﻥ ﻳﺜﻮﺭ ﺷﻌﺐ ﻣﺎ ﻋﻨﺪ ﻛﺎﻧﻂ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺃﻧﻪ ﻗﺮﺭ ﺩﻓﻌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﺑﺎﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻓﻲ ﻛﺮّﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺃﻥ ﻳﻨﻌﻢ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ. ﻭﺫﻟﻚ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻳﻀﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻗﺪ ﻗﺮﺭ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺃﻥ ﻳﻔﻜﺮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻭﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺃﻭﺗﻲ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻭﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﻱ. ﺃﻥ ﺷﻌﺒﺎ ﻣﺎ ﻗﺪ ﺛﺎﺭ ﺿﺪ ﺍﻟﻤﺴﺘﺒﺪ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﻧﺠﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺟﻤﺎﻋﻲ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻮﺻﺎﻳﺔ ﻭﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺮﺷﺪ ﻭﺍﻟﺤﺮﻳﺔ. ﺃﻥّ ﺷﻌﺒﺎ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻫﺐّ ﻭﺍﻧﺘﻔﺾ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺪﻳﻢ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺃﻧﻪ ﻧﺠﺢ ﺃﺧﻴﺮﺍ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﺠﺮّﺃ ﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻋﻘﻠﻪ ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺟﺴﻤﻪ ﻭﺍﻧﻔﻌﺎﻻﺗﻪ ﻭﺭﻏﺒﺎﺗﻪ ﻭﻛﻞ ﻗﻮﺍﻩ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﻴﺶ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ .
ﺛﺎﻧﻴﺎ : ﻟﻜﻦ ﻫﻞ ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﺠﺴﻴﺪ ﻟﻸﻣﻞ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺸّﺮ ﺑﻪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺃﻱ ﺍﻟﺘﻘﺪّﻡ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ؟ ﺃﻡ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻋﺎﺷﺘﻪ ﺍﻻﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﻨﺬ ﻗﺮﻧﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻣﻦ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﻷﺣﻼﻡ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻭﻗﺪ ﺻﺎﺭﺕ ﻓﻲ ﻋﻘﻮﻝ ﻧﻘّﺎﺩ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ ﺍﻟﻰ ﻛﺎﺑﻮﺱ ﺑﻞ ﻭﺍﻟﻰ ﻛﺎﺭﺛﺔ ﻭﺑﺮﺑﺮﻳﺔ ﻭﻋﺪﻣﻴﺔ ﻳﺠﻌﻞ ﻋﻼﻗﺔ ﺛﻮﺭﺍﺗﻨﺎ ﺑﺎﻷﺣﻼﻡ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺃﻣﺮﺍ ﺍﺷﻜﺎﻟﻴﺎ؟ ﻣﺎﺫﺍ ﺗﺮﻳﺪ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍ: ﻫﻞ ﺗﺮﻳﺪ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ؟ ﺃﻡ ﻫﻲ ﺗﺮﻳﺪ ﺍﺳﺘﻌﺎﺩﺓ ﻟﻠﻬﻮﻳﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺃﻭ ﻟﻠﻬﻮﻳﺔ ﺍﻻﺳﻼﻣﻴﺔ؟ ﻫﻞ ﺗﺮﻳﺪ ﺛﻮﺭﺍﺗﻨﺎ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ ﺃﻡ ﻫﻲ ﺭﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻇﻞّ ﻣﻜﺒﻮﺗﺎ ﻟﻤﺪﺓ ﺳﻨﻴﻦ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﺩﻭﻝ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ؟ ﻫﻞ ﻣﻠﻠﻨﺎ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻭﺻﺮﻧﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺍﻟﻰ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﻣﺒﺎﺩﺋﻪ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺜﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺻﻨﻌﺖ ﻣﻼﻣﺢ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ؟ ﻫﻞ ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻌﻴﺸﻬﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻭﺍﻋﻴﺔ ﺑﺨﻄﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﻳﺪﻩ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ؟ ﺃﻡ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﻀﺞ ﺑﻌﺪُ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻐﺎﻳﺮ؟ ﻭﺃﻱّ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻧﺮﻳﺪ؟ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺳﻮﻑ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺃﻓﻖ ﻣﻐﺎﻳﺮ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻭﺟﺪﻳﺪ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻭﻣﻔﺎﺟﺊ ﺗﻤﺎﻣﺎ؟ ﺃﻡ ﻧﺤﻦ ﺑﺼﺪﺩ ﺍﻟﺴﻘﻮﻁ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻀﻰ ﺑﻌﺪُ؟ ﺣﺬﺍﺭ .. ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻀﺤﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﻨﻀﺎﻻﺕ ﻻﺯﺍﻟﺖ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺛﻮﺭﺍﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﺭﻭﺏ ﺍﻵﻣﻨﺔ ﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻟﻢ ﻧﻤﺮ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺪُ .. ﺣﺬﺍﺭ ﻣﺎ ﻣﺎﺕ ﺷﻬﺪﺍؤﻨﺎ ﺍﻻ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﻥ ﻧﻌﺒﺮ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻀﻔﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ .. ﻫﻞ ﻋﺒﺮﻧﺎ؟ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻌﻄّﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺒﻮﺭ ﻳﻘﺘﻞ ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﺛﺎﻧﻴﺔ .. ﺣﺬﺍﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻮﺭّﻁ ﺑﻴﻦ ﺩﻣﺎﺀ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ ﻭ ﺍﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق