أزمة
الماركسية.. حوار مع لوي آلتوسير
ترجمة: هشام عقيل صالح
أجرى الصحفي والمحاضر ريناتو
باراسكاندولو هذا الحوار التلفزيوني مع لوي آلتوسير في روما (على سطح إحدى البنايات المطلة
على قبة كاتدرائية القديس بطرس التابعة للفاتيكان) في أبريل 1980؛ أذيع هذا الحوار في هيئة الإذاعة والتلفزيون
الإيطالي في فقرة (الموسوعة الإعلامية للعلوم
الفلسفية). ترجم رون سالاي مقتطفات هذا الحوار من الإيطالية إلى الإنكليزية
ونُشرت في موقع دار (فيرسو) اليسارية في 11 يوليو 2017.
من المعروف أن آلتوسير كان
نادراً ما يظهر على التلفاز؛ وبل تشدق بهذه الميزة في مذكراته (المستقبل يدوم إلى الأبد) بأنها طريقته الخاصة ليبقى “نقياً” من الأجهزة الأيديولوجية
والإعلامية. أجري هذا اللقاء قبل أسابيع من إقدام آلتوسير على خنق زوجته هيلين؛
ووفقاً للمترجم سالاي قال آلتوسير الكلمات التالية قبل أن يبدأ اللقاء: “أنا سعيد جداً لأكون هنا في
روما؛ عليك أن تعرف أن مدينة روما، بل إيطاليا كلها، بالنسبة إلينا، نحن
الفرنسيون، هي مكان يسمح للمرء أن يلتقي بشخصيات شبه عجائبية”
*كيف أصبح آلتوسير آلتوسير نفسه؟
– لا أعتقد أن هذه المسألة ذات أهمية حقاً..
*أيمكنك أن تخبرنا عن رحلتك؟
– رحلتي هي بسيطة جداً؛ ولدتُ في الجزائر.. كانت والدتي ابنة فلاح بسيط
وفقير من موفو، فرنسا الوسطى، الذي قرر أن يسافر إلى الجزائر ليشتغل كحارس غابة. أما والدي، فكان ابن رجل من
الألزاس؛ قررا أن يأتيا إلى فرنسا في 1871، لكن الحكومة الفرنسية هجرتهما إلى الجزائر؛ وهكذا التقى
أبي بأمي. عشت في الجزائر حتى 1930؛ ثم قدمت إلى مارسيليا وعشت هناك لستة سنوات،
وبعد ذلك في ليون لثلاثة سنوات. انضممت إلى الجيش لسنة واحدة، ثم
سُجنت وارسلت إلى ألمانيا لخمس سنوات. عدت إلى فرنسا حين انتهيت من
دراساتي للفلسفة في 1948؛ ومكثت في مدرسة الأساتذة العليا كبروفيسور.
* ماذا عن رحلتك الفكرية والثقافية؟
– التقيت برجلين؛ الأول هو جان غيتون؛ الفيلسوف الكاثوليكي، وصديق
البابا القديس جون الثالث والعشرين كما أنه صديق مقرب للبابا بولس السادس؛ ساعدني – غيتون– على كتابة أطروحتي. أما الآخر، فكان جوزيف أورز
بروفيسور التاريخ؛ كان رجلاً مدهشاً. حدثنا، في هذه السنوات ما بين 1936-1939، عن كل ما حصل: الحرب، والهزائم، ومعجزة هزيمة
بريتان. تحدث عن وصول بريتان إلى السلطة؛ تحدث عن كل ما حصل.. أمرٌ مدهش. بذلك فكرت ما بين تلك السطور،
بما أنني كنت في مثل الوقت كاثوليكياً؛ وعلى ذلك أسستُ دائرة كاثوليكية في
الثانوية العامة.. كنت كاثوليكياً بحق، وكانت لدي وجهتيّ نظر؛ فمن جانب، كانت هناك
الكنيسة التي دعت إلى دراسة المشكلات الإجتماعية والتفكر بها. ومن الجانب الآخر، كان هناك
بروفيسور التاريخ هذا.. كاثوليكي لكنه في مثل الوقت غلاطي–يعقوبي؛ كان يحدثنا عن كل شيء
يعمل فيه.. عالمٌ مذهل بسبب خصوصيته. هكذا ترعرعت ثقافياً وفكرياً.
*متى أصبحت شيوعياً؟
– أصبحتُ شيوعياً لأنني كنت كاثوليكياً؛ لم أغير ديانتي، بل بقيت
كاثوليكياً حقيقياً؛ لا أذهب إلى الكنيسة لكن هذا لا يهم كثيراً؛ فلا يمكنك أن
تطلب من الناس أن يرتادوا الكنيسة. بقيتُ كاثوليكياً، أو بمعنى آخر: بقيتُ أممياً كونياً. رأيت أن لدى الحزب الشيوعي وسائل
أكثر ملائمة لتحقيق الأخوية الكونية؛ ومن ثم، كان هناك تأثير زوجتي التي شاركت في
المقاومة المريرة والتي علمتني الكثير.. الكثير. كل الأشياء التي تعلمتها قدمت
إليّ عبر المرأة؛ لهذا أعتقد أن للحركة النسائية دوراً هاماً، دوراً أساسياً.. النساء لا يعلمن قدراتهن
وإمكاناتهن.. قدراتهن على ممارسة السياسة.
* أي دور تلعبه الثقافة الكاثوليكية اليوم؟
– لها دور جبار جداً! برأيي، تعتمد الثورة الاجتماعية
أو التغيير الاجتماعي الحقيقي اليوم على تحالف ما بين الكاثوليكيين (أنا لا أقول الكنيسة.. رغم أنه بإمكانها أن تكون جزءً
من هذا التغيير) – كاثوليكيو العالم، وكل أديان العالم– والشيوعيين.
* فيما يخص العلم والإنسانوية: انتقدتَ فكر ماركس
الشاب بحجة أنه لم يستطع أن يتفلسف من دون أن يؤسس أسس العلم. أنت الآن على خطى (رأس مال)ماركس، مؤسساً فلسفة ماركسية. أهناك فلسفة ماركسية؟
– لا وجود للفلسفة الماركسية، ولا يمكنها أن توجد. أنا قلت هذا منذ وقت طويل؛ بعد
شهرين من كتابتي لمقدمة مقتضبة جداً للنسخة الإيطالية من كتاب (قراءة رأس المال). بعد نشر الكتاب فهمت أن تقريباً
كل شيء كان على خطأ. في النهاية، كان على المرء أن يتحدث عن موقع ماركسي في الفلسفة.. لا عن فلسفة ماركسية. الآن أنا متأكد – وأنا أتحدث بتجربة خمسة عشر سنة– من المستحيل أن توجد فلسفة ماركسية.. من المستحيل.
* أهذا يعني عدم إمكانية وجود المادية الديالكتيكية أيضاً؟
– إنها تعني مثل الشيء.. بل أكثر سوءاً.
حول الشيوعية
*أتحيلنا كلمة “تقرير المصير” إلى كلمة “الشيوعية”؟
– ليس بالنسبة إلي..
* ما هو الفرق؟
– الفرق هو أن ليس لكلمة “تقرير المصير” أي أساس أو محتوى؛ بينما
الشيوعية موجودة.ليس هناك أي وجود لتقرير المصير، بينما الشيوعية موجودة؛ على سبيل
المثال أنها توجد هنا بيننا على هذا السطح في روما.
*بأي معنى؟
– الشيوعية هي نمط إنتاجي يخلو من علاقات اقتصادية مبنية على الاستغلال
ومن علاقات سياسية مبنية على السيطرة؛ وكما أنها تخلو من علاقات أيديولوجية قهرية
أو تخويفية، ومن الاستعباد الأيديولوجي أيضاً. لا توجد هذه العلاقات بيننا في
هذا المكان الذي نحن فيه تحديداً.
* تعني هنا.. في هذه اللحظة بالتحديد؟
– نعم، في هذه اللحظة تحديداً. جزر الشيوعية موجودة في العالم
كله؛ على سبيل المثال:الكنيسة، ونقابات معينة، وحتى في
خلايا معينة تابعة للحزب الشيوعي؛ لدينا في الحزب الشيوعي خلية شيوعية؛ هذا يعني
أن الشيوعية تم تحقيقها. أنظر كيف تُلعب كرة القدم وماذا
يحدث فيها؛ إنها لا تتعلق بعلاقات مبنية على السوق، ولا بالسيطرة السياسية، ولا
بالتخويف الأيديولوجي؛ هناك أشخاص من فرقٍ مختلفة تتعارض مع بعضها البعض، لكنها
تحترم القواعد، أيّ، تحترم بعضها البعض. الشيوعية هي الاحترام للبشرية.
*ما هو الفرق ما بين الاحترام والحب؟
– هناك فرق كبير جداً.. خذ الكنيسة على سبيل المثال؛ حين
قال المسيح أن عليك أن تحب جارك، يتحول الحب هنا إلى أمر؛ أنت تؤمر على، عبر ضم
الآخر، أن تحب جارك كما تحب نفسك؛ لكن لا أحد يحتاج إلى أية أوامر. بينما احترام الآخر هو مسألة
عائدة إليك وحسب؛ أما إذا قلت أن عليك أن تحب الآخرين، يصبح الآخر متضمناً في حبك.. لا يمكنه الهروب. وماذا يمكنه أن يصنع إن كان لا
يهتم بحبك؟ ماذا تفعل إذا كنت مصراً: “علي أن أحبك..علي أن أحبك لأن المسيح طلب من
ذلك”؟ عليك أن تهرب. لكن إذا كنت تكن للآخر احتراما،
فأنه سيتركك أن تفعل ما تشاء؛ إذا أرادك أن تحبه فليكن، لكنه إذا لم يرد ذلك فليكن
كذلك. إذا كنت تحبه، عليك أن تقول للآخر أنك تحبه، لكنك إذا لم تحبه فأفعل
ما شئت.
*قال لينين أن وجه الشبه ما بين الماركسيين والأناركيين يصل إلى تسعة–أعشار بينما يصل وجه الاختلاف إلى عشر وحسب؛ الشيوعيون يريدون
انحلال الدولة بينما يريد الأناركيون تقويضها بشكل مباشر. أتتفق؟
–نعم أتفق مع ذلك. أنا أناركي، أناركي إجتماعي؛ أنا
لست شيوعياً لأن الأناركية الإجتماعية تتجاوز الشيوعية.
*لماذا إنهارت هذه الوحدة الثقافية ما بين الأناركية والشيوعية؟
– إنه تاريخ دارماتيكي جداً! أنت تعرف أن في علاقة ماركس
وباكونين تكمن صفات شخصية ماركس المهيمنة؛ يا لها من قصة مأساوية! لقد عامل ماركس الأناركيين
بطريقة مستحيلة..بطريقة غير منصفة. هذا أدى إلى احتقار الجماهير
الذين لا يمكنك أن تكسبهم هكذا في بضعة أيام. هذه الأمور تبقى لمدة طويلة
جداً، مثلما حين يعاملك أحدهم بطريقة سيئة جداً..ستحتاج إلى المسيح كي يقنعك أن
تتحدث إليه مرة أخرى؛ لن يكون بإمكانك أن تسامح، ولن يكون بإمكانك أن تسامح
الآخرين أيضاً. كيف يمكن للمرء أن يسيء لأشخاص هكذا من دون أي احترام لهم، كما فعل
ماركس لباكونين؟ كان باكونين مجنوناً بعض الشيء، لكن هذا لا يعني شيئاً على الإطلاق.. هناك الكثير من المجانين في كل
مكان؛ أنا مجنون أيضاً.
حول الثورة
* دعنا نتحدث عن الثورة في الغرب؛ ما هي الظروف التاريخية اللازمة
لظهور عملية ثورية في الغرب اليوم؟
– إنها مسألة معقدة جداً وتتجاوز نطاق بحثنا؛ إنها معقدة جداً. على سبيل المثال، لنأخذ الوضع
الإيطالي المسدود، كما هو الحال في فرنسا؛ رغم أنني أعتقد أنه مسدود في إيطاليا
أكثر مما هو في فرنسا.. لكن يبقى هذا الرأي مجرد فرضية. وفر لينين الظروف العامة: حقيقة أن الذين يحكمون غير
قادرين على الحكم هي صحيحة دائماً، وأن هؤلاء الذين في الأسفل لا يمكنهم الاستمرار
في أن يبقوا محكومين هكذا.. هذا هو ظرف واحد؛ لكنه لم يوجد
بعد. صحيح أن الذين يحكمون غير قادرين على الحكم، لكن المحكومين – العمال، والفلاحون، والمثقفون،
إلخ– لا يزالون قادرين على دعم وتأييد النظام القائم؛ أنهم لا يزالون
يؤيدونه. يكفي أن نقول حين يرفض المحكومون نظام ما.. ستنشب الثورة.
*أنت تقول، إذن، أن الثورة الاشتراكية ستحدث فقط بفضل أزمات أنماط
إعادة الإنتاج الرأسمالية؟
– أنماط إعادة الإنتاج الرأسمالية هي دائماً في أزمة؛ هذا هو تعريف
ماركس للرأسمالية، أيّ الرأسمالية هي دائماً في أزمة، أو بكلمات أخرى: الأزمات هي أمر طبيعي بالنسبة
للرأسمالية.
* أنت أيضاً قلت أن الأجهزة الأيديولوجية للدولة هي أبنية مهمة جداً
لسيطرة طبقة معينة..
–نعم؛ لكنني أؤكد على “.. للدولة” وهذه هي المشكلة، لأن الكل أعتاد
على أن يقول“الأجهزة الأيديولوجية” وحسب. أنا لم أكن على علم بأن غرامشي
استخدم مصطلح “أجهزة الهيمنة”؛ أنه مثل الشيء.. حيث تختفي فيه “الدولة” في كل الأحوال. أنا أصر على الإبقاء على “الدولة” لأنها أهم شيء: هذه الأجهزة الأيديولوجية هي
عائدة للدولة. بلا شك، هذا الأمر أيضاً يعتمد على التعريف الذي تعطيه أنت للدولة؛
عليك أن تعطي تعريفاً آخر للدولة، فضلاً عن التعريف الكلاسيكي الذي قدمه ماركس. نعم فهم ماركس بأن الدولة هي
أداة للطبقة المسيطرة، وهذا أمر صحيح، لكنه لم يفهم أي شيء فيما يخص عمل الدولة،
أو دعنا نقول فيما يخص مساحة الدولة.
*على سبيل المثال، تحدث غرامشي عن الصحف أيضاً؛ مؤكداً بأن لا يهم
كثيراً إذا كانت عامة أو خاصة.. الصحف في كل الأحوال هي
أجهزة هيمنة.
– نعم أتفق تماماً.
* الآن أجهزة إعادة الإنتاج هي ليست محصورة بوسائل الاتصال
الجماهيري، مثل الأحزاب، والنقابات، والعائلات. فعلى سبيل المثال،
المصانع أيضاً تولد أجهزة معينة لإعادة الإنتاج (على سبيل المثال: الهرمية، والمهنية، إلخ).
– صحيح بلا شك؛ أنا لم أتحدث عن هذا الأمر.. لكنه صحيح.
* أنت معروف، فوق كل شيء، آخر، بابتكار مفهوم جديد: “التحديد المضاعف”.أيمكنك تفسير هذا
المفهوم؟
– لقد طورت هذا المفهوم عبر فرويد؛ واستخدمته في الحقل النظري الذي ليس
له أية علاقة بفرويد. في الوقت الحاضر، لا يمكنك أن
تؤسس أية علاقة ما بين فكر ماركس وفرويد، بإستثناء علاقة تتعلق بالفلسفة، أيّ
التجانس الفلسفي– المادية إلخ. إستخدمتُ هذا المفهوم لأتحدث عن
أشياء متعددة في واقع المجتمع والأحداث التاريخية. هذا المفهوم لا يفهم دائماً كـ”تحديد”، بل أيضاً كـ”تحديد مضاعف” أو “تحديد ناقص”. هذا التحديد ليس بسيطاً؛ بل يجب
أن يفهم بشروط التعدد؛ في هذا المتعدد، هناك تعدد أكثر أو أقل من “التحديد” الذي تفكره، أو الذي تعتقد أنك
تفكره، أو الذي تعتقد أنك توصلت إليه عبر بحثك.
*أيمكنك أن تمدنا بمثال ما؟
– قضية ستالين على سبيل المثال؛ إنها قضية “مضاعفة في تحديدها”. التفسير الذي قدمه خروتشوف هو أن
ستالين كان ببساطة مجنوناً.. أنه مجرد “مجنون”؛ هذا تفسير “تحديدي”.لكن هذا التفسير ليس كافياً؛ ليس
كافياً لفهم شخصية وعالم ستالين؛ ولفهم هذا الأمر أنه يستلزم وجود “تحديدات” أخرى– “تحديد مضاعف” و”تحديد ناقص” – لأنك حين تؤمن بأنك قد فهمت أركان “التحديد”، فأنت لا تعرف أين أنت في هذا الواقع، أيّ
أمام هذا الواقع؛ فأنك قد تكون متجاوزاً للواقع أو تحته؛ عليك أن تصعد إلى الأعلى
أو إلى الأسفل.
* أيعني “تجاوز–الواقع” أنك متقدم بالنسبة إلى الواقع؟
– أنه يعني أنك، بشكل عام، متأخر في هذا الواقع؛ من الممكن أن يحصل في
حالات معينة بأن يكون، على سبيل المثال، الشعراء، والموسيقيين، والفلاسفة
الطوباويين متقدمين على الواقع. على سبيل المثال، في هذه اللحظة
بالتحديد، على هذا السطح، نحن متأخرين أمام هذا الواقع؛ بلا شك، لأننا لا ندرك
الواقع، نحن نحاول إدراكه فقط.
* أنحن متحددين بشكل ناقص إذن؟
– نعم.
* قال إرنست بلوخ بأن قدر الإنسان هو أن يكون دائماً خارج الزمن؛ أن
يعيش دائماً قبل تاريخه أو يعيش تاريخه عبر التفكير كما كان يفكر قبل عشرين سنة.. أو قبل قرن.
– هذا صحيح؛ الإنسان هو دائماً متأخر. هذا صحيح لكن بلوخ لم يساعد على
أي شيء؛ كان يتحدث عن الآخرين لا عن نفسه.
السياسة
*أسلوب عملك هو الدراسة، أليس كذلك؟
– أنا أميل إلى أن أقوم بذلك؛ أنا أعتبرها أحد أهم الأشياء فيما يخص كل
شيء. أعتقد أن كلمة “التنظيم” أو “النظام” هي الكلمة العليا التي تأتي فوق
كل شيء آخر؛ ثم يأتي التغير في التفكير.. التغير في طريقة التفكير؛ وبعد
ذلك يأتي التغير في طريقة العمل. هذا يعني، لتجعل الآخرين يفهمون
أشياء معينة، أو تشجعهم على العمل، على تنظيم العمل في النقابات، والسياسة، وإلخ،
فإن عليك أن تغير طريقة التنظيم والتحريك.
* هذا يعني تغيير طريقة ممارسة السياسة؛ فما هي السياسة؟
– ما هي السياسة؟ [ضاحكاً] السياسة هي أن تعمل من أجل
الحرية والمساواة.
*ماذا يعني أن تفهم كيف تمارس السياسة؟
– ممارسة السياسة تعني أن تكون واعياً بالعلاقات الحقيقة ما بين الناس
الذين لديهم أفكاراً حول السياسة ومختلف المواضيع الأخرى.
* أنت استخدمت في إحدى المرات تشبيهاً تقول فيه “كي تعرف كيف تمارس
السياسة، عليك أن تتعلم العزف على البيانو”؛ ماذا تعنيه هذا العبارة؟
– إنها كلمات ماو تسي تونغ ؛ فسرتُ هذه العبارة في مقالة ستنشر عما قريب،
فليس هناك أي داع لأكرر هذا الكلام هنا.
* أنت أيضاً حكيت قصة أخرى تدور حول شجرة السنديان والحمار..
– إنها قصة بسيطة جداً؛ قيل لي أن لينين حكى هذه القصة حينما كان في
سويسرا؛ حاول أن يشرح للناس بأن عليهم تغيير طريقة تفكيرهم. القصة تبدأ هكذا: كان يا مكان في منطقة ريفية شبه–مهجورة في روسيا؛ كان هناك رجل
اسمه إيفان استيقظ ذات يوم على وقع قرع قوي على باب بيته في الفجر. توجه إيفان، خائفاً، إلى الباب
ليرى ما الأمر؛ وجد خارج بابه شاباً يدعى غريغوري يصرخ بهلع: “حدث أمر فظيع! أنه أمر فظيع جداً! تعال معي أرجوك!”؛ هكذا إنطلق غريغوري مع إيفان إلى الحقل الذي
تتوسطه شجرة مذهلة.. شجرة السنديان.لم يزل الظلام حالكاً في هذا
الوقت، وكان من الصعب على المرء أن يرى.. قال غريغوري: “أتدري ما الذي فعلوه بي؟ أعطوا
شجرتي إلى الحمار!”؛ لكن يبقى الواقع بأن الحمار كان مربوطاً
بالشجرة. رد عليه إيفان قائلاً: “غريغوري، يا لك من شاب مخبول! عليك أن تغير طريقة تفكيرك؛ لا
تقل أنهم ربطوا شجرتك بالحمار، بل قل أنهم ربطوا الحمار بشجرتك!”.
* انتهت أسئلتي.. ما لم تريد أن تضيف شيئاً.
– أيمكننا الذهاب إلى الشاطئ؟ يا له من يوم جميل!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- يمكن قراءة الترجمة الإنكليزية لهذا الحوار على الرابط التالي:
–المترجم–
2- وفقاً لرون سالاي، قال آلتوسير
في الحوار بأن جده ووالده قدما إلى فرنسا في 1971؛ بينما هو عاش في الجزائر حتى 1980. وهذا خطأ، قد يكون لغوياً، حيث آلتوسير قدم من الجزائر إلى فرنسا في 1930 (ويتشابه لفظ 1930 و1980 بالإيطالية.. فمن المرجح أن آلتوسير أخطأ في
اللفظ، أو تم سماعه بشكل خاطئ). أما حقيقة أن والده وجده قدما
إلى فرنسا في 1971 وتم تهجيرهما إلى الجزائر فهذا غير صحيح تاريخياً؛ تقول الشواهد
أنهما قدما إلى فرنسا في 1871وتم تهجريهما إلى الجزائر. لقد أخترت ألا أبقي على ما لفظه
آلتوسير في الحوار، بل على ما يبدو أكثر منطقية وتوافقية مع التاريخ؛ ليتفادى
القارئ التشوش في الأمور التاريخية.
–المترجم–
3- يبدو أن المترجم سالاي، في
النسخة المترجمة إلى الإنكليزية، لم يستطع الإستماع بوضوح إلى باقي السؤال؛ حيث
إنه توقف عند “إسلوب عملك هو الدراسة…”. بينما نحن أضفنا“أليس كذلك؟” لنجعل من الجملة سؤالاً يتناسب
مع الرد.. رغم أن هذه الإضافة غير موجودة في واقع الأمر.
–المترجم–
4- يقول ماو تسي تونغ في (“Methods of Work of Party Committees” (March
13, 1949), Selected Works, Vol.IV,
p.379):
(( لتتعلموا كيفية “عزف البيانو”.. ففي عزف البيانو تتحرك الأصابع العشر كلها؛ ولن ينفع إذا تحركت بعضها
بينما تبقى بعضها الآخر ساكنة؛ لكن إذا سقطت كل الأصابع في مثل الوقت على مفاتيح
البيانو، لن تنتج هذه العملية أية نغمة. لكي تنتج موسيقى جيدة على
الأصابع أن تتحرك بشكل إيقاعي ومتناسق. على اللجنة الحزبية أن تبقى قبضة
صارمة على مهمتها المركزية وفي مثل الوقت، في محيط المهمة المركزية، عليها أن
تستمر في العمل في مختلف المجالات. (…) البعض يعزف البيانو جيداً بينما البعض الآخر يعزف البيانو بشكل سيء؛
وهناك فرق شاسع ما بين الأنغام التي ينتجوها. على أعضاء اللجان الحزبية التعلم
كيفية“عزف البيانو” جيداً. ))
–المترجم–
رابط مقابلة
ثانية مع ألتوسير بعنوان: الماركسية والفلسفة
نشرت المقابلة
على موقع "حكمة"
جاء في المقابلة:
عندما أقول إنه من الصعب
الحديث عن الفلسفة الماركسية، لا يجب أن يفهم هذا بشكل سلبي، ليس هناك أي سبب يجعل
كل زمن يملك فلسفته الخاصة، ولا أعتقد أن هذا الأمر هو الأساسي والأكثر ضرورة.
إذا كنا نريد
فلاسفة، لدينا أفلاطون، وديكارت، وسبينوزا، وكانط، وهيغل، وكثيرون غيرهم، يمكننا
الاستفادة من أفكارهم من أجل تفكير وتحليل وقتنا الحاضر من خلال “فهمها” وتطويرها.
(ألتوسير)
[إن كتاب "رأس
المال" هو عمل علمي ونقدي وسياسي، مارس فيه ماركس الفلسفة التي لم يكتبها
أبداً.]
.. إن المهمة التي علينا العمل بها اليوم هي ليست فلسفة ماركسية، بل فلسفة من أجل
الماركسية.
أنا أمحص في تاريخ الفلسفة، عن العناصر التي ستمكننا من فهم ماذا الذي فكره
ماركس وفي أي شكل فكر فيه.
(ألتوسير)
ملاحظة: تعود هذه
المقابلة مع ألتوسير (1918ـ 1990) إلى عام 1986.
إن اكتشاف ماركس
كان أساساً علمياً بطبيعته، كان مكوناً من كشف عمل النظام الرأسمالي.
من أجل هذه الغاية، اعتمد ماركس على فلسفة – فلسفة هيغل- التي يمكن القول
بأنها ليست مناسبة لهدفه… أو لتجعله يفكر أبعد.
..
نجد أن ماركس لم يحرر نفسه كلياً من هيغل، رغم أنه انتقل إلى
حقل آخر، الذي هو العلم، وبنى المادية التاريخية عليه.
(ألتوسير)