السبت، 17 أغسطس 2024

بين الفيزياء والفلسفة؛ محمد الحجيري

 



بين الفيزياء والفلسفة

أو: بين الطبيعة وما بعد الطبيعة

محمد الحجيري

 

قلّما يهتم المهتمون بديكارت، بكتابه: "العالم" أو "كتاب النور".

قد يكون السبب انصباب الاهتمام المعاصر بديكارت الفيلسوف وليس بديكارت العالِم.

مع أنه لا فيزياء بلا ميتافيزياء أو بلا فلسفة على ما أزعم.

الكثير من الفرضيات المضمَرة أو المسلمات في الفيزياء، هي في الواقع فرضيات أو مسلمات ميتافيزيقية.

لكننا بالطبع سنجد الميتافيزيقا حاضرةً بقوّةٍ أكبر في الفيزيقا في العصور السالفة، وبالتحديد عند ديكارت الفيلسوف، أكثر ربما مما نجده عند غاليليه العالم.

وبمناسبة التطرق إلى غاليليه على سبيل المقارنة، لا بد من التذكير بأن كتاب "العالَم" لديكارت، هو نفسه الكتاب الذي قام صاحبُه بإخفائه بعد تعرض غاليليه للمحاكمة والإدانة في العام 1632، وذلك لأن ديكارت، كما يصرح بذلك، كان قد توصل إلى نفس النتائج التي توصل إليها غاليليه وكانت سبباً في الحكم عليه.

كتاب "العالَم" الذي تمت ترجمته إلى العربية العام 1999، وصدر عن دار المنتخب العربي، تشتمل مقدمة المترجم حوالي الخمسين صفحة، يشرح فيها المترجم إميل خوري أهم أفكار الكتاب، وموقعه بين بقية مؤلفات ديكارت، فينسبه إلى المرحلة الأولى، التي هي "مرحلة المنهج والعلوم" والتي تشمل، إلى كتاب "العالَم" (1633)، كتاب "قواعد لقيادة الفكر" (1628)، وكتاب "مقالة الطريقة" (1637).

بينما تتضمن المرحلة الثانية، وهي المرحلة الفلسفية البحتة، كتاب "التأملات" [الميتافيزيقية] الشهير.

أما المرحلة الأخيرة والتي يطلق عليها خوري تسمية "المرحلة الفلسفية ـ الأخلاقية"، فهي المرحلة الأخيرة من حياة ديكارت، حيث ألف فيها آخر كتبه: "انفعالات النفس" الذي نقله جورج زيناتي إلى العربية.

بين الفيزيقا والميتافيزيقا:

تضيء مقدمة إميل خوري كثيراً على أفكار رينيه ديكارت، بدقة وبوضوح، حيث يمكن للقارئ أن يستخلص الكثير من مناحي التداخل بين الفيزياء والفلسفة:

طبيعة المادة، وجوهرها "الامتداد" كما يرى ديكارت ويبرّر ذلك.

انتفاء الخلاء. فالمكان كله امتلاء. ثم يحاول تخطي صعوبة تفسير إمكانية الحركة بناء على هذه النظرية.

ثم هو يشرح من ضمن ما يشرح أيضاً فكرة الحركة ذاتها،

وهي كلها موضوعات فلسفية. كما أنه يتحدث عن الله وفكرة حفظ المادة، والكون الآلي، الذي يقول عنه باسكال: لا أستطيع أن أسامح ديكارت، فلقد أراد فعلاً، في فلسفته، أن يتخلى عن الله، إلا أنه لم يمسك عن جعله يعطي العالم الدفعة الأولى ليجعله يتحرك، وبعد ذلك لم يجد ما يفعله بالله" (...)

ما لفت انتباهي في كتاب "العالم" هو حديث ديكارت عن مبدأ القصور الذاتي، الذي يعتبر من إنجازات نيوتن العظيمة بعد قرن.

يقول إميل خوري في مقدمته لكتاب "العالم":

يشرع ديكارت في عرض نظريته، فيتخيّل أن الله يخلق في فضاءٍ خياليٍّ، عالماً كل ميزته أن لا شيء فيه مجهولٌ أو غامض.

(...) ابتداءً من اللحظة التي يخلق الله فيها المادة، يخضعها "للقوانين العادية للطبيعة" التي أنشأها وجعل "طبيعة هذا العالم الجديد تفعل فعلها تبعاً لها"، وهي ثلاثة قوانين أو قواعد:

أولها: قانون قصور المادة، ويكمن في محافظة أيّ جسمٍ على حالته "(من حجم وهيئة وحركة..)، إذا لم يضطره عاملٌ خارجيّ (صدمة أو نار..) إلى تغييرها..

ثانيها: قانون حفظ الحركة..

ثالثها: قانون الحركة المستقيمة، وقوامه أن الجسم المتحرك ـ أو المادة بشكل عام ـ يميل لمتابعة حكرته في خطٍ مستقيم، رغم أن ما نختبره يظهر لنا غير ذلك (غالباً ما تكون الحركات منحنية).

يقول ديكارت: "عندما يتحرك جسم ما ـ فمع أن حركته تتم في الأغلب في خطٍ منحنٍ، ومع أنه من المحال أن تتم أية حركة لا تكون بطريقة ما دائرية، كما قيل أعلاه ـ فإن كل جزء من أجزاء هذا الجسم ينزع دائماً إلى متابعة حركته في خطٍ مستقيم". (صفحة 29)

17ـ 8ـ 2021

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق