الأحد، 19 يناير 2020

أسطورة بروميثيوس: خلق الإنسان وسرقة النار لصالحه.




أسطورة بروميثيوس (سارق النار)

كان بروميثيوس واحداً من حكماء التايتن.
كان اسمه يعنى بعيد النظر وكان يملك المقدرة على التنبؤ بالمستقبلهو ابن لابيتس وكليمينه، وأخو أطلس.
بروميثيوس ينحاز إلى زيوس:
عندما قامت الحرب بين كرونوس [أخٌ غير شقيق لزيوس] والتايتن من جهه وزيوس وأخوته من جهه أخرى، انضم بروميثيوس إلى جبهة زيوس، ولذلك عندما أرسل زيوس، المنتصرُ، التايتن إلى تارتاروس لعقابهم، عفى عن بروميثيوس. جعل زيوس من بروميثيوس مستشاراً له لبُعد نظره وحكمته.
عهد زيوس إلى بروميثيوس وأخيه أبيمثيوس تشكيل الحيوانات والبشر. قام أبيمثيوس بتشكيل الحيوانات بينما شكل بروميثيوس البشر. أنهى أبيمثيوس الحيوانات بسرعه، بينما استغرق بروميثيوس الكثير من الوقت، فبالرغم من رغبة بروميثوس إتقان تشكيل البشر إلا أن بطأه الشديد جعل أخاه يمنح كل الهبات إلى الحيوانات: السرعه فى العدو، الرؤيه عن بعد، السمع عن مسافات بعيده؛ كما أعطاهم رداءً من الفراء ليدفئهم من البرد، ومختلف الأسلحه للدفاع عن نفسهم مثل القرون والأنياب ولم يبق شيءٌ للإنسان.
أشفق بروميثيوس على البشر ولجأ إلى زيوس طالباً مساعدته. هام بروميثوس حباً بالبشر أكثر مما توقع زيوس. لم يشارك زيوس بروميثيوس فى حبه للبشر، بل كان يريدهم أن يكونوا ضعفاء خائفين حتى لا يمتلكوا القوه التى تمكنهم من تحدّيه فى أحد الأيام. كان زيوس يرى أن المعرفه والمهارات والمواهب لن تجلب إلا الشقاء للبشر الفانين، ولكن بروميثيوس كان له رأيٌ آخر وفضّل البشر على مَلِكِه المجنون بالسلطه والعظمه.
أعطى بروميثيوس البشر العديد من العطايا والهبات التى سرقها من آلهة الأوليمب هيفاستوس وأثينا وغيرهم، فقد أعطاهم فنون العمارة و البناء والنجارة وأستخراج المعادن وعلم الفلك وتحديد الفصول والأرقام والحروف الهجائيه.. كما علّمهم استئناس الحيوانات وركوبها والإبحار بالسفن، كما أعطاهم موهبة التداوى والشفاء. غضب زيوس من بروميثيوس غضباً شديداً ولكنه لم يعاقبه واكتفى بتحذيره.
سرقة النار:
لم يكتفِ بروميثيوس بذلك بل قام بسرقة النار من جبل الأوليمب وإعطاء قبس منها للبشر. فقد حزن بروميثيوس لرؤية البشر فى برد الشتاء محرومين من الدفء والأمن. تألم بروميثيوس لحال البشر وقرر أن يحضر لهم النيران التى تدفئهم وتؤنسهم بنورها.
ذهب بروميثيوس الى هيفاستوس فى جبل الأوليمب سراً حتى لا يفتضح أمره لزيوس، أخذ يبحث بين الكهوف والمغارات عن مقر هيفاستوس وفجأه شق الظلام شرارة من النار. ووجد برميثيوس نفسه أمام البوابه الضخمه لمقرّ إله الحداده هيفاستوس (المكلف بصناعة الأسلحه و الدروع للآلهه و فوق ذلك صنع صواعق زيوس). وبينما هيفاستوس منشغل بعمله استطاع بروميثيوس أن يسرق أحد صواعق زيوس وأخفاها داخل عصا مجوفه صنعها من النباتات. تعلم البشر كيف يقتلون الحيوانات ويطهون لحومها، تصاعدت رائحة الشواء إلى الأوليمب وعلم زيوس بخيانة بروميثيوس وسرقته للنار..
بروميثيوس يخدع الآلهة:
قدّم بروميثيوس لـ زيوس عرضاً دليلاً على الولاء.
عرض عليه أن يقاسم البشر لحومهم الشهيه مقابل أن يسمح لهم الاحتفاظ بالنار. قام بروميثيوس المشهور بالدهاء والمكر بتقديم قربانَين إلى زيوس وآلهة الأوليمب. كان أحدهما عباره عن قطع من اللحم الطازجه مخبأه داخل أمعاء ثور (شئ طاهر مغذٍّ فى صورة كريهه)، والقربان الآخر كان عباره عن عظام ثور ملفوفه فى دهن وشحم برّاق (شئ خبيث فى صورةٍ مبهره). خُدِع زيوس واختار القربان الثانى للآلهه وبذلك استطاع البشر الاحتفاظ باللحم لنفسهم وحرق العظام بعد كسيها بالدهن كقربان للآلهه.
النار وصناعة الحضارة:
و مع ظهور النار بدأ سيل من الأختراعات والتقدم البشرى. وفى وقت قصير كان الفن والحضاره والثقافه تغزو الأرض المحيطه بالأوليمب. ومع هذا التغير اختلفت نظرة الأوليمب إلى البشر الفانين وزاد إعجابهم بهم، فهم ليسوا مجرد حيوانات همجيه، بل هم عاقلون ولهم القدره على الإبداع والابتكار.
معاقبة بروميثيوس:
غضب زيوس لذلك غضباً شديداً اهتز له جبل الأوليمب، وقرّر عقاب بروميثيوس على الإثم الذى ارتكبه فى حق سادة الأوليمب.
استدعى هيفاستوس [إله الحدادة] وطلب منه أن يصنع سلاسل قويه حتى يقيّد بها بروميثيوس على صخرةٍ في جبال القوقاز. وكان كلَّ صباح يأتيه نسرٌ عملاق يدعى آثون ينهش كبده، الذى يعود لينمو من جديد فى المساء ليستمر عقاب بروميثيوس الأبدى.
كان بروميثيوس يتلقى عقابه متماسكاً سعيداً لأن البشر يعيشون حياه سعيده، ولكونه بعيد النظر و قادراً على التنبؤ، فقد كان يعلم أنه سيأتى أحد الأبطال من أبناء الآلهه ويخلصه من عذابه. وكان يرى أيضاً أنه سيأتى من نسل زيوس من يقتله ويتولى الحكم من بعده، لتكون نهاية زيوس المتجبر.
عرض زيوس على بروميثيوس حريته مقابل إخباره بالنبوءة التى تتعلق بإقصائه عن العرش، ولكن بروميثيوس رفض ذلك. لم يخفف هذا العقاب من غضب زيوس، بل قرر عقاب البشر جميعاً.
عقاب البشر:
صندوقة "باندورا" .. والأمل:
قرر إعطاء البشر هبةً أخرى من شأنها تغيير كل الخير الذى جلبته هبات بروميثيوس الأخرى. كانت هذه الهبه هى المرأه.
أمر زيوس هيفاستوس أن يشكل امرأه جميلة من نيران مرجله، أعطاها هيفاستوس جسدها النارى وصوتها وأعطتها أثينا قوّة التحمل والقدره على الإبداع، وأعتطها أفروديت إلهة الحب سحراً جذاباً حول رأسها وأعطاها هيرميس عقلاً صغيراً وسطحية فى التفكير. ثم سمِّيت هذه المخلوقه الحسناء باندورا (التى مُنِحت كلَّ شيء).
أرسل زيوس باندورا الى أبيمثيوس شقيق بروميثيوس حاملةً صندوقاً مغلقاً مكتوباً عليه: "لا تفتحه".
كان أبيميثيوس حكيماً ولم يكن ليقبل هديّةً من الأوليمب وخاصه من زيوس، ولكن ما إن رأى باندورا حتى خلبت لبّه وأصبح عاجزاً أمامها، لم يملك القدره على مقاومة سحرها وتقبلها طائعاً راضياً وتزوجها.
رفض أبيمثيوس أن يفتح صندوق باندورا، لكنّ زوجته الحسناء أخذت تلحّ عليه أن يفعل، من يدرى أية كنوز تختفى داخله. لقد صارت حياة باندورا جحيماً وهى تجلس طوال الليل إلى جانب الصندوق تتخيل ما فيه. كانت هناك أصوات تناديها من داخله وتعدها بالسعاده المطلقه. كان الفضول يقتلها، وفى النهايه انتهزت باندورا فرصة غياب زوجها وفتحت الصندوق.
وفجأه أظلم العالم وخرجت أرواح شريره (الفقر ، النفاق ، المرض والجوع) من الصندوق، راحت المسكينه تدور حول نفسها فى ذعر محاوله إغلاق الصندوق فلم تستطع. فى النهايه أغلقته ولكن بعد فوات الأوان. لقد ملأت الشرور العالم وتحولت جنة الأرض إلى جحيم البشر، ولم يبق من الأرواح حبيساً فى الصندوق إلا الأمل.
ولذلك بقي الأمل فى قلوب البشر ليخفف عنهم الشرور والآثام التى تحيط بهم.
بينما بروميثيوس معلقاً من قيوده على صخور جبل القوقاز، تحدث الى أوقيانوس وبناته، لقد كانوا جميعاً منزعجين من زيوس و أفعاله، إلا أن بروميثيوس حذرهم من بطش زيوس وأوصاهم بالصبر فقريباً سنخلع زيوس من عرشه وما عليهم إلا الانتظار.
وفى أحد الأيام مرت أيو الحوريه الهاربه من زيوس على بروميثيوس وطلبت منه معرفة مستقبلها. بالرغم من عذاب البطل النبيل، إلا أنه حاول التخفيف عن الفتاه المسكينه، لقد تحولت الى بقره ملعونةً بالجري والهرب من ذبابه ماشيه متوحشه تلدغها باستمرار ولكن مستقبلها كان أفضل منه، على الأقل هى فانيه ليست خالده مثله وستموت لينتهى عذابها.
هرقل:
بعد ثلاثة عشر جيلاً، أتى البطل هرقل ابن زيوس متسلقاً الجبل، يقتل النسر ويحرر بروميثيوس من قيوده.
سأل هرقل بروميثيوس عن وسيلة استرداد حريته، قال بروميثيوس إنه يجب أن يحلّ محله خالدٌ آخر فى تارتاروس، بمعنى آخر يجب على أحد الخالدين أن يتنازل عن خلوده ويموت. كان شيرون القنطور الحكيم ابن كرونوس (أخ غير شقيق لزيوس) لذلك كان خالداً، ولكنه كان مصاباً بجرح لا شفاء منه لدرجة أنه تمنى الموت. وعندما عرض عليه هرقل الأمر وافق أن يحل محل بروميثيوس ويتنازل عن خلوده خلاصاً من عذابه الأبدى، ورداً لذلك الفعل النبيل أصبح شيرون من أبراج السماء (برج القوس).
الطوفان:
انزعج زيوس لرؤية بروميثيوس يفلت من عقاب تلو الآخر، فقرر إغراق البشر جميعاً وإهلاكهم بطوفان كبير. تنبّأ بروميثيوس الحكيم بالطوفان وحذر أحد البشر الطاهرِين وهو ديكاليون وزوجته بيرها ابنة أخيه [ابنة أخ بروميثيوس] أبيمثيوس وباندورا. بعد انتهاء الطوفان ونجاة ديكاليون وبيرها زوجته على جبل برناسوس أحسا بالوحشه والوحده ذهبا الى العرافه ثيميس، وبناءً على مشورتها قام ديكاليون وبيرها بإلقاء الحجاره وراء ظهورهم. من الحجاره التى رماها ديكاليون تولّد الرجال ومن الحجاره التى رمتها فيريا [أم: بيرها] تولدت النساء.
الهيليون:
أنجب ديكاليون وبيرها ولداً أسمياه هيلين والذى نسب إليه اليونانيون (الهيلانيون).
البشر يصنعون الخواتم:
وفى النهايه رضيَ زيوس أن يمنح بروميثيوس حريته ولكنه أراد أن يحمل بروميثيوس دائماً ذكرى عقابه، فأمره بصنع خاتم حديدى من السلاسل التى كان مقيداً بها. ومن ذلك اليوم والبشر يصنعون الخواتم احتفالاً ببروميثيوس وتقديراً لصنيعه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق